الولاية على البالغ والبالغة - استقلال الولي في تزويج البكر 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى- الجزء الثالث:النكاح   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5797


ــ[206]ــ

الرشيد ، ولا على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيباً (1) . واختلفوا في ثبوتها على البكر الرشيدة على أقوال ، وهي : استقلال الولي (2)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   أو ما دلّ على أن الولي إذا طلقها ثلاثاً اعتدت وبانت منه بواحدة ، كرواية شهاب ابن عبدربه ، قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : «المعتوه الذي لا يحسن أن يطلِّق يطلِّق عنه وليِّه على السنّة» . قلت : فطلقها ثلاثاً في مقعد ؟ قال : «ترد إلى السنّة ، فإذا مضت ثلاثة أشهر ، أو ثلاثة قروء ، فقد بانت منه بواحدة» (1) .

   فإنه لا ينبغي الشك في كون المراد بالولي في هذه النصوص هو الأب والجد في الدرجة الاُولى ، باعتبار أنهما اللذان يقومان بسائر شؤونه وفي مرحلة سابقة على السلطان والإمام (عليه السلام) ، وإذا ثبتت الولاية لهما في الطلاق ثبتت في النكاح : أما بالاولوية القطعية حيث إن أمر الطلاق أعظم ، ولذا ثبتت الولاية لهما على الصغير في النكاح ، في حين لم تثبت لهما ذلك في الطلاق . أو تمسكاً بقوله (عليه السلام) : «ما أرى وليه إلاّ بمنزلة السلطان» فإنه ظاهر في كونه من باب تطبيق الكبرى على الصغرى ، وجعل ما للسلطان من صلاحيات في مثل هذه القضية له ، وحيث إن السلطان ـ الذي هو الإمام المعصوم ـ ولي بقول مطلق ومن غير اختصاص بالنكاح يكون الأب أيضاً ولياً عليه كذلك .

   إذن فما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره) من ثبوت الولاية للأب والجد على المجنون والمجنونة بقول مطلق، سواء اتصل جنونهما ببلوغهما أم انفصل(2) هو الصحيح.

   (1) بلا خلاف فيه وفيما قبله ، بل الحكم مما تسالم عليه الأصحاب ، عدا ما نسب إلى ابن أبي عقيل من إثبات الولاية لهما على الثيب (3) غير أنه مما لا شاهد له من النصوص مطلقاً ، بل الأخبار المستفيضة دالّة على الخلاف .

   (2) كما اخـتاره جملة من الأصـحاب ، وأصرّ عليه صاحب الحـدائق (قدس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 22 كتاب الطلاق ، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ، ب 35 ح 2 .

(2) الجواهر 29 : 186 .

(3) انظر مختلف الشيعة 7 : 118 .

ــ[207]ــ

سره)(1) . وتدلّ عليه نصوص كثيرة صحيحة السند :

   منها : صحيحة الفضل بن عبد الملك عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «لا تستأمر الجارية التي بين أبويها إذا أراد أبوها أن يزوجها ، هو أنظر لها . وأما الثيب فإنها تستأذن وإن كانت بين أبويها إذا أرادا أن يزوجاها»(2) .

   ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ، ألها مع أبيها أمر ؟ فقال : «ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيب»(3) .

   ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) ، قال : «لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها ، ليس لها مع الأب أمر» وقال : «يستأمرها كل أحد ما عدا الأب»(4) .

   ومنها : صحيحة اُخرى للحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الجارية يزوجها أبوها بغير رضاء منها ، قال : «ليس لها مع أبيها أمر ، إذا أنكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهة»(5) .

   والموضوع في هاتين الصحيحتين وإن كانت هي الجارية وهي تعمّ البكر والثيب. إلاّ أنهما بعد التخصيص بما دل على لزوم استئذان الثيب تختصان بالبكر لا محالة .

   ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل، هل يصلح له أن يزوج ابنته بغير اذنها ؟ قال : «نعم ، ليس يكون للولد أمر إلاّ أن تكون امرأة قد دخل بها قبل ذلك ، فتلك لا يجوز نكاحها إلاّ أن تستأمر» (6) .

   إلى غير ذلك من النصوص الصحيحة الدالة على استقلال الولي بالأمر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 23 : 211 .

(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب 3 ح 6 .

(3) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب 3 ح 11 .

(4) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب 4 ح 3 .

(5) تقدّمت في ص 205  هـ 1 .

(6) تقدّمت في ص 205  هـ 2 .

ــ[208]ــ

   وهذه النصوص لو لم يكن لها معارض ، لتعين العمل بها والالتزام بمضمونها ، إلاّ أن في المقام معتبرتين تدلاّن على لزوم استشارة البكر وعدم استقلال الأب في أمرها وهاتان المعتبرتان هما :

   أوّلاً : معتبرة منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «تستأمر البكر ، وغيرها ولا تنكح إلاّ بأمرها» (1) .

   ثانياً : معتبرة صفوان ، قال : استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر (عليه السلام) في تزويج ابنته لابن أخيه ، فقال : «افعل ويكون ذلك برضاها ، فإن لها في نفسها نصيباً» . قال : واستشار خالد بن دواد موسى بن جعفر (عليه السلام) في تزويج ابنته علي بن جعفر ، فقال : «افعل ويكون ذلك برضاها ، فإن لها في نفسها حظاً» (2) .

   ومن هنا فلا بدّ من الرجوع إلى ما تقتضيه قواعد المعارضة . وحيث إن هاتين المعتبرتين توافقان الكتاب باعتبار أن مقتضى إطلاقاته عدم اعتبار إذن غير المرأة في العقد عليها ونفوذ عقدها مستقلة ، وتخالفان المشهور من الجمهور فإن المنسوب إلى الشافعي وأحمد ومالك القول باستقلال الأب (3) تترجحان على تلك الروايات مع كثرتها . وحينئذ فلا بدّ من حمل تلك على التقية ، أو عدم استقلال البكر في الزواج واشتراط انضمام إذن الأب إلى رضاها .

   ثمّ لو فرضنا عدم رجحان هاتين الروايتين على ما دلّ على اسـتقلال الأب والتزمنا بتساقطهما جميعاً نتيجة المعارضة ، فلا يخفى أن مقتضى الأصل هو عدم نفوذ تصرف أحد بالنسبة إلى غيره . وعليه فلا بدّ من اعتبار رضاهما معاً ، أما رضا الأب فلما دلّ عليه من غير معارض ، وأما رضاها فللقاعدة والأصل .

   والحاصل أن الروايات التي استدلّ بها على استقلال الأب ، على طوائف ثلاث :

   الاُولى : ما تدلّ على اعتبار رضا الأب فقط، ومن دون تعرّض لاعتبار رضاها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب 3 ح 10 .

(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب 9 ح 2 .

(3) البحر الرائق 3 : 117 ، تحفة الفقهاء 1 : 152 ، المجموع 16 : 149 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net