رواية دعائم الإسلام 

الكتاب : مصباح الفقاهة في المعاملات - المكاسب المحرمة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 10376


قوله : وعن دعائم الإسلام .

أقول : أقصى ما قيل أو يمكن أن يقال في وجه اعتبار هذا الكتاب أنّ صاحبه ـ  أبا حنيفة النعمان ـ حيث كان رجلا إمامياً اثني عشرياً جليلا فاضلا فقيهاً ومن جملة النوابغ في عصره ، بل كان فريداً في دهره كما يظهر من كتابه ، كانت رواياته مشمولة لأدلة حجية خبر العدل الإمامي .

والذي ينبغي أن يقال : إنه لا شبهة في علو مكانة أبي حنيفة النعمان صاحب كتاب دعائم الإسلام وغيره من الكتب الكثيرة ونبوغه في العلم والفضل والفقه والحديث على ما نطقت به التواريخ وكتب الرجال وكتابه هذا ، كما لا شبهة في كونه


ــ[28]ــ

إمامياً في الجملة ، فإنه كان مالكي الأصل فتبصّر وصار شيعياً إمامياً كما اتّفقت عليه كلمات أكثر المترجمين الذين تعرّضوا لترجمته وتاريخه كالبحار(1) وتنقيح المقال للمامقاني(2) وسفينة البحار(3) والمستدرك(4) وتأسيس الشيعة للسيد حسن الصدر(5) وغيرها . وقد نقلوا عن أئمة التاريخ والرجال كونه إمامياً ، وعلى هذا فلا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال : قد كان أكثر أهل عصرنا يتوهّمون أنه تأليف الصدوق ، وقد ظهر لنا أنه تأليف أبي حنيفة النعمان بن محمد بن منصور قاضي مصر في أيام الدولة الاسماعيلية . راجع البحار 1 : 38 .

(2) تنقيح المقال 3 : 273 من أبواب الميم / 12502 .

(3) سفينة البحار 1 : 802 مادّة حنف : أبو حنيفة الشيعة ، هو القاضي نعمان بن محمد بن منصور قاضي مصر ، كان مالكياً أولا ثم اهتدى وصار إمامياً ، وصنّف على طريق الشيعة كتباً منها كتاب دعائم الإسلام . وفي كتاب دائرة المعارف : أبو حنيفة المغربي هو النعمان بن أبي عبدالله محمد ابن منصور بن أحمد بن حيوان ، أحد الأئمة الفضلاء المشار إليهم ، ذكره الإمام المسبحي في تاريخه فقال : كان من أهل العلم والفقه والدين والنبل على ما لا مزيد عليه ، وله عدّة مصنّفات منها كتاب اختلاف اُصول المذهب ، وغيره ، وكان مالكي المذهب ثم انتقل إلى مذهب الإمامية . وقال ابن زولاق : كان في غاية الفضل من أهل القرآن والعلم بمعانيه ، عالماً بوجوه الفقه وعلم اختلاف الفقهاء واللغة والشعر والمعرفة بأيام الناس مع عقل وإنصاف ، وألّف لأهل البيت من الكتب آلاف الأوراق بأحسن تأليف وأفصح سجع وعمل في المناقب والمثالب كتاباً حسناً ، وله ردّ على المخالفين ، له ردّ على أبي حنيفة ومالك والشافعي وعلي بن سُرَيج ، وكتاب (اختلاف الفقهاء) ينتصر فيه لأهل البيت (عليهم السلام) وله القصيدة الفقهية لقّبها بالمنتخبة ، وكان ملازماً صحبة المعزّ العلوي ، توفّي سنة 363 . وكان أولاده من الأفاضل ، منهم أبو الحسن علي بن النعمان وأبو عبدالله محمد بن النعمان .

(4) المستدرك 19 (الخاتمة 1) : 128 .

(5) تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام : 303 .

ــ[29]ــ

يصغى إلى قول ابن شهر آشوب في المعالم : إنّه لم يكن إمامياً ، على ما في تنقيح المقال  .

إلاّ أنّ الذي يقتضيه الإنصاف أنّا لم نجد بعد الفحص والبحث من يصرّح بكونه ثقة ولا اثني عشرياً ، وإن كان المحدّث النوري قد أتعب نفسه في إثباتهما وبالغ في اعتبار الكتاب ، ومع هذا الجهد والمبالغة لم يأت بشيء تركن إليه النفس ويطمئن به القلب . ولعلّ كلام السيد في الروضات ينظر إلى ما ذكرناه حيث قال  : ولكن الظاهر عندي أنه لم يكن من الإمامية الحقّة(1). وحينئذ فكيف يمكن إثبات حجية رواياته بأدلة حجية خبر العدل .

وعلى تقدير تسليم وثاقته وكونه إمامياً اثني عشرياً فلا يخرج بذلك ما احتواه كتابه عن سلك الأخبار المرسلة ، فتسقط حجيته للإرسال .

وأمّا توهم انجباره بالشهرة أو بموافقة أكثر رواياته لروايات الكتب المعتبرة فقد تقدّم(2) جوابهما في ذيل رواية تحف العقول .

فإن قلت : إذا سلّمنا وثاقة أبي حنيفة النعمان فلا مناص عن الالتزام بحجية كتابه ، لأنه قال في أوله : نقتصر فيه على الثابت الصحيح مما رويناه عن الأئمة من أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيكون كلامه هذا توثيقاً إجمالياً لما أسقطه من الرواة .

قلت : نعم ، ولكن ثبوت الصحة عنده لا يوجب ثبوتها عندنا ، لاحتمال اكتفائه في تصحيح الرواية بما لا نكتفي به نحن . والحقّ فيه ما ذكره المجلسي في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الروضات 8 : 149 / 725 .

(2) في ص8 ، 10 .

ــ[30]ــ

البحار  : ورواياته تصلح للتأكيد والتأييد(1).

إزاحة شبهة : وقد التجأ المحدّث النوري(2) في تنزيه أبي حنيفة النعمان عن اتّهامه بمذهب الإسماعيلية وإثبات كونه ثقة اثني عشرياً إلى بيان نبذة من عقائد الإسماعيلية الفاسدة ، كقولهم بأنّ محمد بن إسماعيل حي لم يمت ويبعث برسالة وشرع جديد ينسخ به شريعة محمد ، وأنه من اُولي العزم واُولوا العزم عندهم سبعة ، لأنّ السماوات سبع والأرضين سبع وبدن الإنسان سبعة ، والأئمة سبعة وقلبهم محمد بن إسماعيل ، إلى غير ذلك من الخرافات التي تنزّه عنها النعمان وكتابه . ثم إنه صرّح في كتابه بكفر الباطنية وأثبت إمامة الأئمة الطاهرين ، وكونهم مفترضي الطاعة ، ولم يصرّح بإسماعيل ولا بابنه محمد ، ومع ذلك كلّه فكيف يرضى المنصف بعدّه من الإسماعيلة . انتهى ملخّص كلامه .

وفيه : أنّ تنزّه النعمان من تلك الأقاويل الكاذبة والعقائد الفاسدة وتصريحه بكفر الباطنية لا يستلزم عدم كونه من الإسماعيلية ، لأنّ الباطنية قسم منهم ، وليس كل إسماعيلي من الباطنية . وأنّ عدم ذكره إسماعيل وابنه في عداد الأئمة لا يكشف عن عدم عقيدته بامامتهما ، مع أنّ عقائد الإسماعيليين لم تصل إلينا بحقيقتها حتى نلاحظها مع ما ذكره النعمان ليتّضح لنا أنه منهم أو ليس منهم ، ولقد صادفت زعيماً من زعمائهم في الحضرة الشريفة فسألته عن ولي الأمر والحجة المنتظر (عليه السلام) هل هو حي أو ميت فقال هو لا حي ولا ميت ، بل يولد من امرأة قرشية لا تحيض . فيعلم من ذلك أنهم لا يرون ما تذهب إليه الباطنية في محمد بن إسماعيل .

كشف حقيقة : لا ينقضي تعجّبي من المحدّث المتبحّر النوري حيث قال في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البحار 1 : 38 .

(2) المصدر المتقدّم من المستدرك : 133 وما بعدها .

ــ[31]ــ

المستدرك(1) ما ملخّصه : إنّ الكتاب المذكور لم يخالف في فرع غالباً إلاّ ومعه موافق معروف من الشيعة إلاّ في إنكار المتعة فليس له موافق عليه ، ثم حمل إنكاره هذا على التقية ، وجعل القرينة على ذلك ما ذكره في باب الطلاق من عدم وقوع التحليل بالمتعة للمطلّقة ثلاثاً ، وما ذكره في باب الحد في الزنا من أنّ الإحصان لا يتحقق بالمتعة ، فإنّ المتعة لو لم تكن جائزة عنده لكان ذكرها في البابين بلا وجه ، وتكون من قبيل ذكر الزنا فيهما ، ولا معنى لأن يقول أحد إنّ الزنا لا يتحقق به التحليل والإحصان .

ووجه العجب أولا : أنّ الكتاب يشتمل على فروع كثيرة تخالف مذهب الشيعة الاثني عشرية ، ولم يوافقه عليها أحد من علماء الشيعة ، وقد ذكرنا في الحاشية إنموذجاً من هذه المخالفات لتكون حجة على منكرها(2).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصدر المتقدّم من المستدرك : 145 .

(2) منها : ما ذكره ] في 2 : 228 / 858 ، 859 [ في المتعة وأنها ليست بمشروعة ، ومنها : ما ذكره في ] 1 : 178 [ ضمن ما يسجد عليه المصلّي قال : وعن جعفر بن محمد (عليه السلام) أنه رخّص في الصلاة على ثياب الصوف وكلّ ما يجوز لباسه والصلاة فيه يجوز السجود عليه ... فإذا جاز لباس ثوب الصوف والصلاة فيه فذلك مما يسجد عليه . ومنها : ما قال في الوضوء ] 1 : 107 [ إنه مَن بدأ بالمياسير من أعضاء الوضوء جهلا أو نسياناً وصلّى لم تفسد صلاته .

ومنها : ما ] في 1 : 101 ، 102 [ في نواقض الوضوء عن جعفر بن محمد (عليه السلام) أنّ الذي ينقض الوضوء ، إلى أن قال : المذي ، وقال بعد أسطر : ورأوا أنّ كل ما خرج من مخرج الغائط ومن مخرج البول عما قدّمنا ذكره أو من دود أو حبّات أو حبّ القرع ذلك كلّه حدث يجب منه الوضوء وينقض الوضوء .

ومنها : ما قال ] في 1 : 109 [ في المسح : من بدأ بما أخّره الله من الأعضاء نسياناً أو جهلا وصلّى لم تفسد صلاته .

ومنها : ما قال ] في 1 : 108 [ في صفات الوضوء : ثم أمروا بمسح الرأس مقبلا ومدبراً ، يبدأ من وسط رأسه فيمرّ يديه جميعاً على ما أقبل من الشعر إلى منطقة من الجبهة ، ثم يمار يديه من وسط الرأس إلى آخر الشعر من القفا ، ويمسح مع ذلك الاُذنين ظاهرهما وباطنهما .

ومنها : ما قال في هذا الباب : ومن غسل رجليه تنظّفاً ومبالغة في الوضوء ولابتغاء الفضل وخلل أصابعه فقد أحسن .

ومنها : ما قال ] في 1 : 110 [ في الوضوء التجديدي : ما غسل من أعضاء الوضوء أو ترك لا شيء عليه ، وقد روينا عن علي بن الحسين (عليه السلام) أنه سئل عن المسح على الخفّين فسكت حتى مرّ بموضع فيه ماء والسائل معه فنزل وتوضّأ ومسح على الخفين وعلى عمامته وقال : هذا وضوء من لم يحدث . إلى غير ذلك مما يخالف مذهب الشيعة ، وليس المقام مناسباً لذكره أجمع ، ومن أراد الاطّلاع عليه فليراجع دعائم الإسلام .

ــ[32]ــ

وثانياً : أنّ نقل روايتين في الكتاب يظهر منهما جواز المتعة لا يدل على التزامه بالجواز ، ونسبة ذلك إليه محتاجة إلى علم الغيب بأنه كان حينما نقلهما ملتفتاً إلى ما يستفاد منهما من مشروعية المتعة ، فإنّ من المحتمل القريب أن يكون نظره في الروايتين مقصوراً على نفي التحليل والإحصان بالمتعة كنفيهما بالشبهة ، مع عدم التفاته إلى جهة اُخرى ، لأنه ليس بمعصوم لا يمكن في حقه مثل هذا الاحتمال .

أمّا أنّ المتعة بناءً على عدم جوازها كالزنا فيكون ذكرها في البابين من قبيل ذكر الزنا ولا معنى له ، فيدفعه أنّ ذكر المتعة يكون من قبيل ذكر الشبهة في البابين ولا خفاء فيه ، ولا معنى للتهويل به .

تذييل : لا يخفى عليك أنّا لو قطعنا النظر عن جميع ما ذكرناه في عدم اعتبار

ــ[33]ــ

الكتاب فالرواية التي ذكرها المصنّف(1) هنا لا يمكن الاستناد إليها بالخصوص ، لأنّ قوله فيها : « وما كان محرّماً أصله منهيّاً عنه لم يجز بيعه » يقتضي حرمة بيع الأشياء التي تعلّق بها التحريم من جهة ما ، مع أنه ليس بحرام قطعاً . على أنّ الظاهر منه هي الحرمة التكليفية ، مع أنها منتفية جزماً في كثير من الموارد التي نهي عن بيعها وشرائها ، وإنما المراد من الحرمة في تلك الموارد هي الحرمة الوضعية ليس إلاّ ، فلا تكون الرواية معمولة بها .
ــــــــــــــ

(1) عن دعائم الإسلام ] 2 : 18 / 23 [ عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال : « الحلال من البيوع كل ما هو حلال من المأكول والمشروب وغير ذلك مما هو قوام للناس وصلاح ومباح لهم الانتفاع به ، وما كان محرّماً أصله منهياً عنه لم يجز بيعه ولا شراؤه » . راجع المستدرك 13 : 65 / أبواب ما يكتسب به ب2 ح2 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net