حرمة حلق اللحية 

الكتاب : مصباح الفقاهة في المعاملات - المكاسب المحرمة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 36294


حرمة حلق اللحية

ولا بأس بالتعرّض لحرمة حلق اللحية إجابة لالتماس بعض الأفاضل فنقول : المشهور بل المجمع عليه بين الشيعة والسنّة(2) هو حرمة حلق اللحية ، وقد استدلّ

ــــــــــــــ
(2) في الفقه على المذاهب الأربعة 2 : 44 : الحنفية قالوا : يحرم حلق لحية الرجل ، ويسنّ ألاّ تزيد في طولها على القبضة . المالكية قالوا : يحرم حلق اللحية . وفي ص45 الحنابلة قالوا : يحرم حلق اللحية . وفي ص43 الشافعية قالوا : أمّا اللحية فإنّه يكره حلقها والمبالغة في قصّها  .

وفي سنن البيهقي 1 : 52 باب سنّة المضمضة : عن عائشة قالت « قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عشرة من الفطرة : قصّ الشوارب ، وإعفاء اللحية » الحديث .

وفي ص149 : عن ابن عمر عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال : « اعفوا اللحى ، واحفوا الشوارب  » وفي ص150 عنه (صلّى الله عليه وآله) : « جزّوا الشوارب ، وأرخوا اللحى وخالفوا المجوس » .

وفي سنن البيهقي 7 : 311 عن النبي (صلّى الله عليه وآله) « نهى عن نتف الشيب ، وقال : إنه من نور الإسلام » وعنه (صلّى الله عليه وآله) : « لا تنزعوا الشيب » الحديث .

ــ[400]ــ

عليها بوجوه :

الوجه الأول : قوله تعالى في التحدّث عن قول الشيطان : (وَلاَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ)(1) بدعوى أنّ حلق اللحية من تغيير الخلقة ، وكل ما يكون تغييراً لها فهو حرام .

وفيه : أنه إن كان المراد بالتغيير في الآية المباركة تغييراً خاصاً فلا شبهة في حرمته على إجماله ، ولكن لا دليل على كون المراد به ما يعمّ حلق اللحية . وإن كان المراد به مطلق التغيير فالكبرى ممنوعة ، ضرورة عدم الدليل على حرمة تغيير الخلقة على وجه الإطلاق ، وإلاّ لزم القول بحرمة التصرف في مصنوعاته تعالى حتى بمثل جري الأنهار وغرس الأشجار وحفر الآبار وقطع الأخشاب وقلم الأظفار ، وغيرها من التغييرات في مخلوقاته سبحانه .

والظاهر أنّ المراد به تغيير دين الله الذي فطر الناس عليه ، وفاقاً للشيخ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النساء 4 : 119 .

 
 

ــ[401]ــ

الطوسي (رحمه الله) في تفسيره(1) ويدلّ عليه قوله تعالى : (فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)(2) وقد نقل الشيخ (رحمه الله) في تفسير الآية أقوالا شتّى  ، وليس منها ما يعمّ حلق اللحية .

الوجه الثاني: ما في جملة من الروايات من الأمر باعفاء اللحى وحفّ الشوارب، والنهي عن التشبّه باليهود والمجوس(3).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في تفسير التبيان 3 : 334 وقوله تعالى : (وَلاَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) اختلفوا في معناه فعن ابن عباس فليغيّرن دين الله ، وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) . وقال مجاهد : كذب عكرمة في قوله : إنّه الإخصاء ، وإنّما هو تغيير دين الله الذي فطر الناس عليه في قوله : (فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) . وقال قوم  : هو الوشم . وقال عبدالله : لعن الله الواشمات والموتشمات والمتفلّجات المغيرات خلق الله .

وأقوى الأقوال قول من قال : (فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) بمعنى دين الله ، بدلالة قوله : (فِطْرَةَ اللهِ)الآية ، ويدخل في ذلك جميع ما قاله المفسّرون ، لأنه إذا كان ذلك خلاف الدين فالآية تتناوله انتهى كلامه بأدنى تفاوت .

(2) الروم 30 : 30 .

(3) ففي الوسائل 2 : 116 / أبواب آداب الحمّام ب67 ح1 ، 2 ، 3 والوافي 6 : 657 / 8 ، 9 باب جزّ اللحية : عن الصدوق قال « قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : حفّوا الشوارب واعفوا اللحى ، ولا تتشبّهوا باليهود » وهي مرسلة .

قال « وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : إنّ المجوس جزّوا لحاهم ، ووفّروا شواربهم وأمّا نحن نجزّ الشوارب ونعفي اللحى ، وهي الفطرة » وهي مرسلة.

وفي الباب المزبور من الوسائل عن معاني الأخبار ] 291 / 1 [ باسناده عن علي بن غراب عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه قال « قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : حفّوا الشوارب واعفوا اللحى ، ولا تشبهوا بالمجوس » وهي ضعيفة بالحسين بن إبراهيم ، وموسى ابن عمران النخعي ، والحسين بن يزيد ، وعلي بن غراب .

ــ[402]ــ

وفيه أولا : أنّها ضعيفة السند . وثانياً : أنّها لا تدل على الوجوب ، فإنّ من الواضح جدّاً أنّ إعفاء اللحى ليس واجباً ، بل الزائد عن القبضة الواحدة مذموم نعم غاية الأمر أنّه يستفاد منها الاستحباب .

أقول : الظاهر أنّ الأمر بالإعفاء عقيب الإحفاء ثم النهي عن التشبّه باليهود ما ذكره المحدّث الكاشاني (رحمه الله) بعد نقل الحديث من : أنّ اليهود لا يأخذون من لحاهم بل يطيلونها ، وذكر الإعفاء عقيب الإحفاء ثم النهي عن التشبّه باليهود دليل على أنّ المراد بالإعفاء أن لا يستأصل ، ويؤخذ منها من دون استقصاء ، بل مع توفير وإبقاء بحيث لا يتجاوز القبضة فتستحق النار .

وعلى هذا فلا دلالة في ذلك على حرمة حلق اللحية ، لأنّ المأمور به حينئذ هو الإعفاء وإبقاء اللحية بما لا يزيد على القبضة ، وهو ليس بواجب قطعاً .

وأمّا النهي عن التشبّه بالمجوس عقيب الإعفاء والإحفاء فالمراد به أن لا تحلق اللحية ، وتترك الشوارب كما يصنعون ، قال رسول الله : « إنّ المجوس جزّوا لحاهم ووفّروا شواربهم ، وأمّا نحن نجزّ الشوارب ونعفي اللحى ، وهي الفطرة » .

وعليه فلا يدل هذا النهي على حرمة حلق اللحية وترك الشوارب معاً ، فإنّ نفي التشبّه يحصل بفعل أي منهما .

وأمّا ما يقال : من أنّ الروايات لا تدل على وجوب الإعفاء ، لاشتمالها على قصّ الشوارب ، وهو مستحب اتّفاقاً . ففيه : أنّ ظهور الأمر في الوجوب إنّما ترفع اليد عنه بمقدار ما ثبت فيه الترخيص ، وقد حقّقنا ذلك في موضعه(1).

الوجه الثالث : رواية الجعفريات الدالّة على أنّ « حلق اللحية من المثلة ، ومن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 1 (موسوعة الإمام الخوئي 43) : 483 .

ــ[403]ــ

مثّل فعليه لعنة الله »(1).

وفيه : أولا : أنّها مجهولة السند .

وثانياً : أنّ المثلة هو التنكيل بالغير بقصد هتكه وإهانته ، بحيث تظهر آثار فعل الفاعل بالمنكّل به ، وعليه فتكون الرواية دالّة على حرمة هتك الغير بإزالة لحيته ، لكون ذلك مثلة والمثلة محرّمة ، فلا ترتبط بحلق اللحية بالاختيار ، سواء أكان ذلك بمباشرة نفسه أم بمباشرة غيره .

وثالثاً : أنّ اللعن كما يجتمع مع الحرمة فكذلك يجتمع مع الكراهة أيضاً فترجيح أحدهما على الآخر يحتاج إلى القرينة المعيّنة . ويدل على هذا ورود اللعن على فعل المكروه في موارد عديدة ، وقد تقدّمت في مسألة الوصل والنمص(2).
ومن تلك الموارد ما في وصية النبي (صلّى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) قال : «  ياعلي لعن الله ثلاثة : آكل زاده وحده ، وراكب الفلاة وحده ، والنائم في بيت وحده  »(3).

ومن ذلك يظهر بطلان الفرق بين اللعن المطلق وبين كون اللعن من الله أو من رسوله ، بتوهّم أنّ الأول يجتمع مع الكراهة لكونه ظاهراً في البعد المطلق ، بخلاف الثاني فإنّه يختص بالحرمة ، لكونه ظاهراً في إنشاء الحرمة . اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الرواية المذكورة ضعيفة السند ، ولم نجد في غيرها ورود اللعن من الله على فعل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ففي الجعفريات : 258 / 1047 ، والمستدرك 1 : 406 / أبواب آداب الحمّام ب40 ح1 عن علي (عليه السلام) قال « قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : حلق اللحية من المثلة ومن مثّل فعليه لعنة الله » وهي مجهولة بموسى بن إسماعيل .

(2) ص319 .

(3) الوسائل 5 : 332 / أبواب أحكام المساكن ب20 ح9 .

ــ[404]ــ

المكروه ، وعليه فلا بأس في ظهور ذلك في الحرمة .

الوجه الرابع : ما دل على عدم جواز السلوك مسلك أعداء الدين(1)، ومن شعارهم حلق اللحية .

وفيه : أولا : أنّه ضعيف السند . وثانياً : أنّ السلوك مسلك أعداء الدين عبارة عن اتّخاذ سيرتهم شعاراً وزيّاً ، وهذا لا يتحقّق بمجرد الاتّصاف بوصف من أوصافهم .

الوجه الخامس : قوله (صلّى الله عليه وآله) لرسولي كسرى : « ويلكما من أمركما بهذا ؟ قالا : أمرنا بهذا ربّنا ـ يعنيان كسرى ـ فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله)  : لكن ربّي أمرني باعفاء لحيتي وقصّ شواربي »(2).

وفيه أولا : أنّ الرواية ضعيفة السند . وثانياً : ما تقدّم من أنّ المأمور به إنّما هو الإعفاء ، وهو ليس بواجب قطعاً .

الوجه السادس : قوله (عليه السلام) : « أقوام حلقوا اللحى وفتلوا الشوارب فمسخوا »(3). وفيه : أنّ الرواية وإن كانت ظاهرة في الحرمة ، إلاّ أنّها ضعيفة السند  .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ففي الوسائل 4 : 385 / أبواب لباس المصلّي ب19 ح8 عن الفقيه ] 1 : 163 / 769 [باسناده عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال : « أوحى الله إلى نبي من أنبيائه : قل للمؤمنين لا تلبسوا لباس أعدائي ، ولا تطعموا مطاعم أعدائي ، ولا تسلكوا مسالك أعدائي ، فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي » . وهي ضعيفة بالنوفلي .

(2) راجع المستدرك 1 : 407 / أبواب آداب الحمّام ب40 ح2 .

(3) ففي الكافي 1 : 346 / 3 ، والوافي 2 / 143 / 3 . والوسائل 2 : 116 / أبواب آداب الحمّام ب67 ح4 عن حبّابة الوالبية قالت : « رأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) في شرطة الخميس ومعه درّة لها سبّابتان يضرب بها بيّاعي الجري والمارماهي والزمّار ويقول لهم : يابيّاعي مسوخ بني إسرائيل وجند بني مروان ، فقام إليه فرات بن أحنف فقال : ياأمير المؤمنين وما جند بني مروان ؟ قال فقال له : أقوام حلقوا اللحى وفتلوا الشوارب فمسخوا » الخ . وهي مجهولة بمحمّد بن إسماعيل ، وعبدالله بن أيّوب ، وعبدالله بن هاشم وغيرهم .

قال في مرآة العقول ] 4 : 78 ـ 79 [ : الوالبية نسبة إلى والبة ، موضع بالبادية من اليمن . وفي النهاية : الشرطة أوّل طائفة من الجيش تشهد الوقعة ، والخميس ـ ومنهم من يشدّد ولعلّه تصحيف ـ الجيش ، سمّي به لأنّه مقسوم بخمسة أقسام : المقدّمة والساقة والميمنة والميسرة والقلب . وقيل : لأنّه تخمّس فيه الغنائم ، انتهى .

والدرّة بكسر الدال وتشديد الراء السوط . والسبابة بالتخفيف رأس السوط . والجري ـ  بكسر الجيم وتشديد الراء والياء ـ نوع من السمك لا فلوس له ، وكذا المارماهي بفتح الراء  ، وكذا الزمّار بكسر الزاء وتشديد الميم .

والمسوخ بضم الميم والسين جمع المسخ بالفتح ، وإنّما سمّوا بالمسوخ لكونها على خلقتها وليست من أولادها ، لأنّهم ماتوا بعد ثلاثة أيّام كما ورد في الخبر . وجند بني مروان قوم كانوا في الاُمم السالفة . انتهى كلام المجلسي .

ــ[405]ــ

الوجه السابع ـ وهو العمدة ـ : صحيحة البزنطي الدالّة على حرمة حلق اللحية وأخذها ولو بالنتف ونحوه(1). وتدل على ذلك أيضاً السيرة القطعية بين المتديّنين المتّصلة إلى زمان النبي (صلّى الله عليه وآله) ، فإنّهم ملتزمون بحفظ اللحية ويذمّون حالقها ، بل يعاملونه معاملة الفسّاق في الاُمور التي تعتبر فيها العدالة . ويؤيّد ما ذكرناه دعوى الإجماع عليه كما في كلمات جملة من الأعلام ، وعدم نقلهم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ففي الوسائل 2 : 111 / أبواب آداب الحمّام ب63 ح5 عن محمد بن إدريس في آخر السرائر ]  3 : 574 [ نقلا عن جامع البزنطي صاحب الرضا (عليه السلام) قال : « وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يأخذ من لحيته ؟ قال : أمّا من عارضيه فلا بأس ، وأمّا من مقدّمها فلا » . وهي صحيحة . ورواها علي بن جعفر في كتابه ] 139 / 103 [ ، إلاّ أنّه قال في آخرها : فلا يأخذ .

ــ[406]ــ

الخلاف في المقام من الشيعة والسنّة ، كما هو كذلك ، والله العالم .

وموضوع حرمة حلق اللحية هو إعدامها ، وعليه فلا يفرق في ذلك بين الحلق والنتف وغيرهما ممّا يوجب إزالة الشعر عن اللحية . أمّا مقدار اللحية في جانب القلّة فلم يرد في تحديده نص خاصّ ، فالمدار في ذلك هو الصدق العرفي ، وعلى هذا فإذا أُخذت بمثل المكينة والمقراض أو غيرهما بحيث لم تصدق اللحية على الباقي كان حراماً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net