حرمة الكهانة 

الكتاب : مصباح الفقاهة في المعاملات - المكاسب المحرمة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 12218


ــ[634]ــ

حرمة الكهانة

قوله : التاسعة عشرة : الكهانة .

أقول : ما هي الكهانة ؟ وما حكم الرجوع إلى الكاهن ؟ وما حكم الإخبار عن الاُمور المستقبلة ؟

أمّا الكهانة فهي في اللغة(1) الإخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان ، وقيل هي عمل يوجب طاعة الجانّ للكاهن ، ومن هنا قيل : إنّ الكاهن من كان له رأي من الجنّ يأتيه بالأخبار ، وهي قريبة من السحر أو أخصّ منه . والعرّاف(2) هو المنجّم والكاهن ، وقيل : العرّاف كالكاهن ، إلاّ أنّ العرّاف يختصّ بمن يخبر عن الأحوال المستقبلة ، والكاهن بمن يخبر عن الأحوال الماضية .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في تاج العروس ] 9 : 326 مادّة كهن [ : كهن له قضى بالغيب ، وفي التوشيح : الكهانة ـ  بالفتح ويجوز الكسر ـ ادّعاء علم الغيب ، قال ابن الأثير : الكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ، ويدّعي معرفة الأسرار . فمنهم من يزعم أنّ له تابعاً من الجنّ ورئياً يلقي إليه الأخبار ، ومنهم من كان يزعم أنّه يعرف الاُمور بمقدّمات وأسباب يستدلّ بها على مواقعها ، وهذا يخصّونه باسم العرّاف ، كالذي يدّعي معرفة الشيء المسروق ومكان الضالّة ونحوها .

وفي مجمع البحرين ] 6 : 305 مادّة كهن [ : أنّ الكهانة كانت في العرب قبل البعث ، فلمّا بعث النبي (صلّى الله عليه وآله) حرست السماء وبطلت الكهانة . وعمل الكهانة قريب من السحر أو أخصّ منه . ] نقل بالمضمون [ .

(2) في تاج العروس ] 6 : 193 ، مادّة عرف [ : العرّاف كشدّاد : الكاهن ، قال ابن الأثير : العرّاف المنجّم ، أو الذي يدّعي علم الغيب .

وفي مفردات الراغب ] 562 مادّة عرف [ : العرّاف كالكاهن ، إلاّ أنّ العرّاف يختصّ بمن يخبر بالأحوال المستقبلة ، والكاهن بمن يخبر بالأحوال الماضية .

ــ[635]ــ

وكيف كان ، فالكهانة على قسمين :

الأول : أن يخبر الكاهن عن الحوادث المستقبلة ، لاتّصاله بالشياطين القاعدين مقاعد استراق السمع من السماء ، فيطّلعون على أسرارها ، ثمّ يرجعون إلى أوليائهم لكي يؤدّوها إليهم .

الثاني : أن يخبر الكاهن عن الكائنات الأرضية والحوادث السفلية ، لاتّصاله بطائفة من الجنّ والشياطين التي تلقي إليه الأخبار الراجعة إلى الحوادث الأرضية فقط ، لأنّ الشياطين قد منعت عن الاطّلاع إلى السماء وأخبارها بعد بعثة النبي (صلّى الله عليه وآله).

وفي خبر الاحتجاج(1) أُطلق لفظ الكاهن على كلا القسمين ، أمّا إطلاقه على القسم الأول فهو صريح جملة من فقراته ، وأمّا إطلاقه على القسم الثاني فقد وقع منه في فقرتين :

الاُولى : قوله (عليه السلام) : « لأنّ ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشياطين ، ويؤدّيه إلى الكاهن ، ويخبره بما يحدث في المنازل والأطراف  » .

الثانية : قوله (عليه السلام) بعد ما ذكر أنّ الشياطين كانوا يسترقون أخبار السماء ، ويقذفونها إلى الكاهن : « فمنذ منعت الشيطان عن استراق السمع انقطعت الكهانة ، واليوم إنّما تؤدّي الشياطين إلى كهّانها أخباراً للناس ممّا يتحدّثون به ـ  إلى أن قال : ـ ما يحدث في البعد من الحوادث » . فقد أُطلق الكاهن في هاتين الفقرتين على المخبر عن الكائنات السفلية بواسطة الشياطين . ولا ينافيه قوله (عليه السلام) : «  انقطعت الكهانة » فإنّ المراد منها هو الكهانة الكاملة ، أعني القسم الأول .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الاحتجاج 2 : 219 فيما احتجّ الصادق (عليه السلام) على الزنديق . وهو مرسل .

ــ[636]ــ

وتدلّ على حرمة كلا القسمين مضافاً إلى خبر الاحتجاج المتقدّم جملة من الروايات من طرق الخاصّة(1) ومن طرق العامّة(2) وقد تقدّم بعضها في البحث عن حرمة التنجيم والسحر(3).

حرمة الرجوع إلى الكاهن

وأمّا الرجوع إلى الكاهن والعمل بقوله ، وترتيب الأثر عليه في الاُمور الدينية ، والاستناد إليه في إثبات أمر أو نفيه ، فلا شبهة في حرمته ، بل لا خلاف فيها بين المسلمين ، لكونه افتراء على الله ، وعملا بالظنّ الذي لا يغني من الحقّ شيئاً  .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ففي الوسائل 17 : 149 / أبواب ما يكتسب به ب26 ح1 ، 2 في حديث المناهي « أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نهى عن إتيان العرّاف ، وقال : من أتاه وصدّقه فقد برئ ممّا أنزل الله على محمّد (صلّى الله عليه وآله) » . وهي ضعيفة بشعيب بن واقد .

وعن الخصال ] 19 / 68 [ عن الصادق (عليه السلام) « من تَكهّن أو تُكهّن له فقد برئ من دين محمّد (صلّى الله عليه وآله) » وهي ضعيفة بعلي بن أبي حمزة . وغير ذلك من الروايات المذكورة في المستدرك 13 : 110 / أبواب ما يكتسب به ب23 .

وفي الكافي 5 : 126 / 2 ، والوافي 17 : 280 / 12 ، والوسائل 17 : 93 / أبواب ما يكتسب به ب5 ح5 عن السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) جعل من السحت أجر الكاهن . وهي ضعيفة بالنوفلي .

وفي الوسائل 12 : 309 / أبواب أحكام العشرة ب164 ح11 عن المجالس ] أي أمالي الصدوق  : 489 / 663 [ عن الصادق (عليه السلام) : « أربعة لا يدخلون الجنّة : الكاهن » إلخ . وهي ضعيفة بأبي سعيد هاشم .

(2) راجع سنن البيهقي 8 : 138 / باب ما جاء في النهي عن الكهانة .

(3) في ص389 ـ 391 ، 438 ـ 439 .

ــ[637]ــ

وتدلّ على الحرمة أيضاً جملة من روايات الفريقين الناهية عن إتيان الكاهن والعرّاف ، فإنّ الإتيان إليهم كناية عن تصديقهم والعمل بقولهم ، كما في تاج العروس قال : من أتى كاهناً أو عرّافاً إلخ : أي صدّقهم . وقد عرفت أنّ العرّاف يصدق عليه الكاهن .

وفي رواية الخصال أنّ « من تكهّن أو تُكهّن له فقد برئ من دين محمّد (صلّى الله عليه وآله) » أي من جاء إلى الكاهن وأخذ منه الرأي فليس بمسلم . وقد تقدّمت الإشارة إلى هذه الروايات في الحاشية .

حكم الإخبار عن الاُمور المستقبلة

وأمّا الإخبار عن الاُمور المستقبلة جزماً فيقع البحث عن حكمه تارةً من حيث القاعدة ، واُخرى من حيث الرواية .

أمّا الأول : فقد يكون المخبر عن الحوادث الآتية شاكّاً في وقوعها في مستقبل الزمان ، وقد يكون جازماً بذلك . أمّا الأول فلا شبهة في حرمته ، لكونه من الكذب المحرّم ، ومن القول بغير علم ، وقد عرفت في البحث عن حكم خلف الوعد(1) أنّ المخبر ما لم يكن جازماً بوقوع المخبر به في الخارج فهو كاذب في إخباره ، نعم لو صادف الواقع في هذا الحال كان حراماً من جهة التجرّي .

وأمّا الثاني فلا وجه لحرمته ، فإنّه خارج عن الكذب وعن القول بغير علم موضوعاً وحكماً ، ولكن المصنّف التزم بحرمته لاُمور:

الأول : خبر الهيثم ، قال « قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ عندنا بالجزيرة رجلا ربما أخبر من يأتيه يسأله عن الشيء يسرق أو شبه ذلك ، فنسأله ؟ فقال قال

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص596 .

ــ[638]ــ

رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذّاب يصدّقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل الله من كتاب »(1) بدعوى أنّ الإخبار عن الغائبات على سبيل الجزم محرّم مطلقاً ، سواء أكان بالكهانة أم بغيرها ، لأنّه (عليه السلام) حصر المخبر بالشيء الغائب بالساحر والكاهن والكذّاب ، وجعل الكل حراماً .

وفيه أولا : أنّ الرواية بقرينة السؤال ظاهرة في الإخبار عن الاُمور الماضية من السرقة والضالّة ونحوها ، ولا إشكال في جواز الإخبار عن الاُمور الماضية إذا كان المخبر جازماً بوقوعها ، وإنّما الكلام في الإخبار على سبيل الجزم عن الحوادث الآتية . فمورد الرواية أجنبي عن محلّ الكلام .

وثانياً : لا دلالة في الرواية على انحصار المخبر عن الاُمور المغيّبة بالكاهن والساحر والكذّاب ، بل الظاهر منها أنّ الإخبار المحرّم منحصر بإخبار هذه الطوائف الثلاث ، فالإمام (عليه السلام) بيّن ضابطة حرمة الإخبار عن الغائبات ونظيره ما إذا سئل أحد عن حرمة شرب العصير التمري فأجاب بأنّ الحرام من المشروبات إنّما هو الخمر والنبيذ والعصير العنبي إذا غلى ، فإنّ هذا الجواب لا يدلّ على حصر جميع المشروبات بالمحرّم ، وإنّما يدلّ حصر المشروبات المحرّمة بالاُمور المذكورة . إذن فلا دلالة في الرواية على حرمة مطلق الإخبار عن الاُمور المستقبلة ولو من غير الكاهن والساحر والكذّاب .

وثالثاً : أنّ غاية ما تدلّ عليه الرواية أنّ تصديق المخبر في إخباره حرام ، لأنّه غير حجّة ، وأمّا حرمة إخبار المخبر فلا تدلّ الرواية على حرمته ، كما هو الحال في إخبار الفاسق وغيره فيما لا يكون قوله حجّة .

الثاني : قوله (عليه السلام) في حديث المناهي ـ المتقدّم في الهامش ـ : إنّه نهى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهي صحيحة . راجع الوسائل 17 : 150 / أبواب ما يكتسب به ب26 ح3 .

ــ[639]ــ

عن إتيان العرّاف وقال : « من أتاه وصدّقه فقد برئ ممّا أنزل الله على محمّد (صلّى الله عليه وآله) » بدعوى أنّ المخبر عن الغائبات في المستقبل كاهن ويختصّ باسم العرّاف .

وفيه أوّلا : أنّه ضعيف السند . وثانياً : أنّ إتيان العرّاف كناية عن العمل بقوله  ، وترتيب الأثر عليه ، كما عرفته آنفاً ، فلا دلالة فيه على حرمة الإخبار عن الاُمور المستقبلة بأيّ نحو كان .

الثالث : قوله (عليه السلام) : في بعض الأحاديث : « لئلاّ يقع في الأرض سبب يشاكل الوحي »(1) إلخ ، فإنّ الإخبار عن الغائبات والكائنات في مستقبل الزمان من الاُمور تشاكل الوحي ، ومن المقطوع به أنّه مبغوض للشارع .

وفيه : أنّ الممنوع في الرواية هو الإخبار عن السماء بوساطة الشياطين ، فإنّهم كانوا يقعدون مقاعد استراق السمع من السماء ، ويطلعون على مستقبل الاُمور ويحملونها إلى الكهنة ، ويبثّونها فيهم ، وقد منعوا عن ذلك بالشهاب الثاقب لئلاّ يقع في الأرض ما يشاكل الوحي . وأمّا مجرد الإخبار عن الاُمور الآتية بأيّ سبب كان فلا يرتبط بالكهانة .

قوله : فتبيّن من ذلك إلخ .

أقول : حاصل كلامه : أنّ المتحصّل ممّا ذكرناه هو حرمة الإخبار عن الغائبات من غير نظر في بعض ما صحّ اعتباره ، كنبذ من الرمل والجفر .

وفيه : أنّ المناط في جواز الإخبار عن الغائبات في مستقبل الزمان إنّما هو حصول الاطمئنان بوقوع المخبَر به كما عرفت ، وعليه فلا فرق بين الرمل والجفر وغيرهما من موجبات الاطمئنان .

ثمّ إنّ ظاهر عبارة المصنّف هو اعتبار بعض أقسام الرمل والجفر . ولكنّه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهو مرسل . راجع الاحتجاج 2 : 219 فيما احتجّ به الصادق (عليه السلام) على الزنديق .

ــ[640]ــ

عجيب منه (رحمه الله) ، إذ لم يقم دليل على اعتبارهما في الشريعة المقدّسة ، غاية الأمر أنّهما يفيدان الظنّ ، وهو لا يغني من الحقّ شيئاً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net