من باع شيئاً لنفسه ثمّ ملكه - ما يمكن أن يستدلّ به على بطلانه 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5067


ــ[13]ــ

المسألة الأُولى

وهي ما لو باع شيئاً لنفسه ثمّ ملكه ، ولنفرض الكلام فيما إذا أجازه بعد الملك ثمّ نتكلّم فيما إذا ردّه بعد ذلك ، فقد نسب إلى الشيخ الطوسي (قدّس سرّه)(1) القول بالصحة في المسألة ، لأنه (قدّس سرّه) ذهب إلى أنّ المالك فيما إذا باع مالا زكوياً قبل إخراج الزكاة منه ثمّ أدّى عوضه بشيء آخر يقع البيع صحيحاً ، وهذه المسألة بعينها مسألة من باع شيئاً ثمّ ملك بناء على أنّ حقّ الفقراء في الزكاة متعلّق بالمال وأنّهم شركاء للمالك في المال الزكوي ، فإذا باعه بتمامه فقد باع حصّة الفقراء فضولا ثمّ ملكها بأداء عوضه خارجاً ، فلذا أورد عليه المحقّق في المعتبر(2) وغيره في غيره بأنّ ذلك من الشيخ مبني على جواز بيع مال الغير فيما إذا ملكه بعد ذلك مع أنه باطل لأنه حين العقد لم يكن مالكاً وحين الملك لم يتحقّق البيع .

واحتمل شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(3) أن يكون حكم الشيخ في المسألة مبنياً على عدم تعلّق الزكاة بالعين الخارجية حتّى يكون المال الزكوي مشتركاً بين المالك والفقير بل تتعلّق بها على نحو تعلّق حقّ الرهانة بها فيكون من باب وجود المانع لا عدم المقتضي ، هذا .

والتحقيق أنّ ما ذهب إليه الشيخ (قدّس سرّه) في المقام ليس مبنياً على طبق القاعدة ، وإنّما حكم بما حكم لأجل ما ورد في المسألة من النصّ وقد نقله السيّد (قدّس سرّه) في الحاشية(4) وتعرّض له شيخنا الأنصاري في كتاب الزكاة(5) ولا يلزم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المبسوط 1 : 208 .

(2) المعتبر 2 : 563 .

(3) المكاسب 3 : 436 .

(4) حاشية المكاسب (اليزدي) : 163 .

(5) كتاب الزكاة : 202 .

ــ[14]ــ

في الرواية أن تكون على طبق القاعدة ، فكلامه وحكمه (قدّس سرّه) من جهة النصّ لا من جهة أنّ صحته على طبق القاعدة .

والعجب من المحقّق وشيخنا الأنصاري (قدّس سرّهما) كيف رضيا بحمل كلامه على احتمالات بعيدة ولم يحتملا أن يكون ذلك منه من جهة النصّ الوارد في المسألة .

وكيف كان ، فقد ذهب جماعة إلى بطلان البيع في المقام ومنهم الشيخ أسد الله التستري (قدّس سرّه)(1) واستدلّ عليه بوجوه ، ومن المعلوم أنّ مقتضى القاعدة والعمومات والاطلاقات صحّة البيع وعدم اشتراط المعاملة بالملك حال العقد فلننظر إلى ما استدلّ به المانع في المقام فإن تمّ فهو ، وإلاّ فمقتضى القاعدة هو الصحّة كما عرفت .

الوجه الأوّل : ما ذكروه في بطلان بيع الغاصب وهي أُمور :

الأول : أنّ الغاصب غير قاصد لحقيقة المبادلة ، والمقام أيضاً كذلك حيث إنّ الفضولي باع المال لنفسه مع علمه بأنه ملك الغير فكيف يتحقّق منه قصد المعاوضة الحقيقية حيث إنّها تقتضي خروج المال عن كيس مَن دخل المال في كيسه ، وهذا مفقود في المقام فلا محالة تقع المعاملة فاسدة .

وقد مرّ هذا الإشكال في بيع الغاصب سابقاً وأُجيب عنه بوجوه يأتي بعضها في المقام ولا يأتي فيه بعضها الآخر ، منها : أنّ الغاصب قد سرق الاضافة من المالك ونسبها إلى نفسه وادّعى المالكية لنفسه ، وبهذه الدعوى والتخيّل يراه مال نفسه فلذا لو سألناه عن أنه لمن ، فيجيب بأنه لي فهو قاصد للمعاوضة الحقيقية غاية الأمر اعتقاداً أو ادّعاء كما هو الحال في الغاصبين والسارقين ، فهذا الجواب لا يجري في المقام لأنّ البائع لا يدّعي أنه له بل مع إقراره بأنه ملك الغير واعترافه بأنه للمالك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مقابس الأنوار : 134 .

ــ[15]ــ

يبيعه لنفسه حتّى يشتريه من مالكه فيسلّمه إلى المشتري أو يدفعه إليه بعد موت أبيه ومورّثه كما قد يتّفق ذلك في الآباء الأثرياء الذين لا يعطون لأولادهم شيئاً فأبناؤهم يبيعون أموال مورّثهم بالمعاملات القطعية الرسمية كي يدفعونها إلى المشترين بعد موت المورّثين ، هذا كلّه على تقدير تمامية الجواب المذكور في بيع الغاصب بناء على أنه سرق الاضافة المالكية ونسبها إلى نفسه دون الفضولي ، وأمّا بناء على أنه لا معنى لسرقة الاضافة لأنّ السرقة إنّما هي في المال فكيف يسرق الاضافة ، فهذا الجواب لا يتمّ في شيء من المقامين .

ومنها : أي من الأجوبة المذكورة في بيع الغاصب أنّ المعاملة إنّما تتقوّم بالمبادلة بين المالين كما يظهر من تعريفهم للبيع بأنه مبادلة مال بمال ، وهذه المبادلة التي بها يتقوّم البيع حقيقة متحقّقة في بيع الغاصب أيضاً لأنه قد بدّل المال بالمال ، نعم ضمّ إلى تلك المبادلة ضميمة أُخرى وهي أن يكون الثمن لنفسه ، وبما أنّ هذه الضميمة غير صحيحة عند العرف والشرع فلا محالة تلغو بخلاف أصل المبادلة بين المالين ، فحقيقة المعاوضة متحقّقة في بيع الغاصب .

وهذا الجواب يجري في المقام من جهة أنّ الفضولي أوجد المبادلة بينهما أي المالين وضمّ إليها كون الثمن لنفسه فتلغو تلك الضميمة ، بخلاف المبادلة بين المالين .

الثاني : لبعض الأخبار والروايات الواردة بمضمون النهي عن بيع ما لا تملكه أو أنه لا بيع إلاّ في ملك ونحوهما ، ولا نتعرّض لها في المقام لأنّها تأتي في الوجه السابع من إشكالات الشيخ أسد الله التستري في المسألة وهناك نتعرّض إلى تفصيلها إن شاء الله تعالى .

الثالث : أنّ المالك إذا أجاز المعاملة فبالاجازة لا تقع المعاملة للغاصب أبداً وإنّما الاجازة توجب استناد العقد إلى المالك لا إلى غيره ، وعليه يصدق أن يقال إنّ ما وقع لم يتعلّق الاجازة به لأنّ الغاصب باعه لنفسه ، وما تعلّقت الاجازة به فهو

ــ[16]ــ

غير واقع إذ الواقع هو البيع لنفسه لا للمالك كما عرفت .

وهذا الإشكال لا يجري في المقام لمطابقة الاجازة للعقد الصادر من الفضولي حيث إنه باعه لنفسه ثمّ ملكه فأجازه ، ومعناه أنّي راض بالمعاملة السابقة وهي بيعه لنفسه ، فالاجازة مطابقة للعقد . هذا كلّه بالنسبة إلى الوجه الأوّل ممّا استدلّ به التستري للمنع .

الوجه الثاني : أنه يشترط في صحّة البيع أُمور ثلاثة : الملك ، ورضا المالك والقدرة على التسليم ، ونلتزم بتحقّق هذه الشروط في المالك في بيع الفضولي له ، لأنّ البائع الحقيقي هو المالك دون العاقد كما هو ظاهر ، وأمّا في المقام فلا تتحقّق هذه الشروط للمالك حين العقد ، وذلك لأنّ المالك قد خرج عن قابلية الاجازة للعقد بالموت في بيع الوارث أو بالبيع للعاقد في غيره ، وإنّما تعتبر إجازة العاقد بعد ما صار مالكاً للمال دون المالك حال العقد ، فمن اعتبر رضاه في المسألة ليس بمالك حال العقد ، والمالك حال العقد لا يعتبر رضاه ، هذا .

وقد حلّله شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) إلى وجهين : أحدهما عدم الرضا ممّن يعتبر رضاه ، وثانيهما عدم القدرة على التسليم . وأجاب عن الأوّل بأنّ المعتبر من الرضا إنّما هو رضا المالك حال الرضا لا رضا المالك حال العقد ، لأنّ الدليل على اشتراط الرضا في المعاملات هو قوله تعالى : (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاض)(2) وقوله (عليه السلام) « لا يحلّ مال امرئ إلاّ عن طيب نفسه »(3) ومقتضاهما اعتبار الرضا من المالك حال الرضا لا أزيد من ذلك .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 437 .

(2) النساء 4 : 29 .

(3) الوسائل 5 : 120 / أبواب مكان المصلّي ب3 ح1 (باختلاف يسير) .

ــ[17]ــ

وأجاب عن الثاني بأنّ القدرة على التسليم وإن كانت معتبرة في حقّ المالك حين العقد ولا يكتفى بحصول القدرة في المالك حال الاجازة ، إلاّ أنه كلام آخر لا ربط له بالمقام .

توضيح ذلك : أنّ مقتضى الدليلين اعتبار الرضا من المالك بالبيع ، والمعاملة والبيع إنّما يتحقّقان عند الاستناد والاجازة ، فالمعتبر من رضا المالك رضا المالك حال الاجازة والمفروض أنّ المالك حالها راض بالمعاملة كما لا يخفى ، وأمّا القدرة على التسليم فهي وإن كانت معتبرة حين المعاملة حيث إنّ الكلام في البيع التام من حيث الأجزاء والشرائط ومع عدم قدرة المالك على التسليم حين المعاملة لا تكون تامّة من حيث الشرائط فلا محالة تقع باطلة ، إلاّ أنّ المفروض قدرته على تسليم المبيع حينئذ ، فلو لم يقدر على التسليم حين المعاملة وكانت المعاملة باطلة من هذه الجهة فهو أمر آخر لا ربط له بالمقام ، لأنّ الكلام في صحّة البيع الصادر عن الفضولي فيما إذا ملكه ثمّ أجاز ، وبطلانه من أجل عدم القدرة على التسليم أمر آخر وذلك ظاهر ، هذا ملخّص ما أفاده شيخنا الأنصاري في المقام .

ولا يخفى أنّ اعتبار القدرة على التسليم (دون نفس التسليم الخارجي فإنه من الشروط الضمنية) إمّا من جهة الاجماع المدّعى على اعتبارها ، وإمّا من جهة النهي عن الغرر حيث إنّ المعاملة مع عدم قدرته على التسليم خطرية لاحتمال أن لا يقدر عليه أبداً كبيع الطير في الهواء أو السمك في الماء ، وشيء منهما لا يقتضي اعتبار القدرة في المالك حال المعاملة والانشاء . أمّا الاجماع فلأنه إنّما انعقد على اعتبار القدرة في المتعاملين والمتعاقدين ، والمعاملة والمعاقدة إنّما تتحقّق في المالك بالاجازة والاستناد لا بمجرد إنشاء البيع على ماله فضولا ، فمقتضى الاجماع اعتبارها في المالك حال الاجازة لا العقد . وأمّا النهي عن بيع الغرر فلأنّ الخطر والغرر إنّما يتوجّه إليه بعد تحقّق حقيقة البيع بالاجازة وأمّا قبلها فلا خطر يتوجّه إلى شخص

ــ[18]ــ

فلابدّ من قدرته على التسليم حين الاجازة لئلاّ يتوجّه الخطر إلى صاحبه .

وكيف كان ، فما أفاده شيخنا الأنصاري من اعتبار القدرة على التسليم حال العقد ممّا لا وجه له ، بل المعتبر هو القدرة عليه حال الاجازة وهي متحقّقة في المقام من دون فرق بين كون المالك حال الاجازة هو المالك حال العقد وكونه شخصاً آخر ، وصل إليه المال بالارث أو البيع .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net