لو باع معتقداً عدم جواز التصرف ثمّ ظهر جوازه 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4649


المسألة الثالثة

ما لو باعه باعتقاد عدم جواز التصرف بالأصل أو بغيره ثمّ ظهر جواز التصرف ، وهذا يعني اعتقاد عدم جواز التصرف إمّا من جهة الاعتقاد بعدم ولايته على البيع بمعنى عدم كونه وليّاً أو وكيلا ومأذوناً من قبل المالك ثمّ ظهر وليّاً ، وإمّا من جهة الاعتقاد بعدم كونه مالكاً ثمّ ظهر مالكاً ، وعلى كلا التقديرين تارةً يبيع للمالك وأُخرى لنفسه فالصور أربع .

الصورة الأُولى : أن يبيعه للمالك باعتقاد عدم الولاية ثمّ انكشف أنه ولي . الظاهر أنّ البيع صحيح في هذه الصورة ولا يحتاج إلى الاجازة ونحوها أبداً ، لأنّ رضا المالك وإذنه المتقدّمين بحسب الواقع لا يقصران عن الاجازة المتأخّرة والمفروض أنّ المالك راض وقد أذن للبائع في بيع ماله غاية الأمر أنه نسيه أو لم يصل إليه ، ولا يشترط في صحّة المعاملة إلاّ إذن المالك في البيع وإن لم يعلم به المأذون ، وكذا الحال فيما إذا ظهر أنه ولي للمالك فإنّ بيعه صحيح ولا يشترط فيه علم البائع بولايته ، هذا .

وقد حكي عن القاضي(1) أنه فصّل في بيع العبد فيما إذا أذن له السيّد ولم يعلم به العبد ولا غيره فبيعه باطل ، وما إذا علمه العبد أو غيره فبيعه صحيح ، إلاّ أنّا لم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حكاه عنه العلاّمة في المختلف 5 : 455 ـ 456 .

ــ[37]ــ

نجد وجهاً لما أفاده من اعتبار الاعلام في الاذن كما استشكله في المختلف(1)واستحسنه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) والمتحصّل أنّ المعاملة في هذه الصورة صدرت من أهلها ووقعت في محلّها ولا وجه فيها للبطلان أبداً .

الصورة الثانية : أن يبيعه لنفسه باعتقاد عدم جواز التصرف ثمّ ظهر أنه ولي  ، والظاهر أنّ البيع في هذه الصورة أيضاً صحيح ، لما مرّ وعرفت من أنّ البائع قد قصد المعاوضة الحقيقية حيث أوقعه للمالك الواقعي إلاّ أنه طبّق هذا العنوان على نفسه ادّعاء وتنزيلا ، فالمعاملة صحيحة وهذه الاضافة زائدة ، فلذا ذكرنا في بيع الغاصب أنه إذا أجازه المالك صحّ ولا يضرّه إضافة الغاصب إلى نفسه ، والمقام نظير بيع الغاصب كما عرفت ، هذا .

وقد احتمل شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(2) بطلان المعاملة في هذه الصورة إلاّ أن يجزها بعد انكشاف الحال ، بدعوى أنّ البائع وإن ظهر أنه كان مأذوناً في المعاملة لأجل أنه ولي إلاّ أنه مأذون في البيع للمالك لا في البيع لنفسه ، فما وقع غير قابل للاذن ولم يتعلّق به أيضاً وما هو قابل له وقد تعلّق به وهو البيع للمالك غير واقع ، فلذا تحتاج صحّته إلى الاجازة بعد الانكشاف ، هذا .

ولا يخفى أنّ هذا القيد أعني إضافته إلى نفسه إن أُخذ مقوّماً للمعاملة والبيع فكما لا يكون ذلك قابلا للاذن المتقدّم إذ لا معنى للاذن في بيعه لنفسه ، كذلك لا يقبل الاجازة المتأخّرة إذ ما معنى الاجازة في البيع لنفسه ، وقد عرفت أنّ المبادلة بنفسها تقتضي دخول الثمن في ملك من خرج عن ملكه المثمن ، وإن كان القيد كما ذكرناه أمراً زائداً عن حقيقة المعاملة فهو كما لا يضرّ بالاجازة المتأخّرة وقابل لتعلّقها به

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المختلف 5 : 455 ـ 456 .

(2) المكاسب 3 : 460 .

ــ[38]ــ

فكذلك قابل للاذن المتقدّم ولتعلّقه به .

وبالجملة : أنّ هذا الاحتمال المذكور في كلام الشيخ الذي عقّبه بالأمر بالتأمّل ممّا لا وجه له والصحيح ما ذكرناه .

الصورة الثالثة : أن يبيعه للمالك ثمّ ظهر أنه مالك ، وهل تصحّ المعاملة في هذه الصورة مطلقاً بلا توقّف على الاجازة بعد الانكشاف ، أو أنّها باطلة مطلقاً ، أو أنّها تصحّ بالاجازة بعد الانكشاف ، أو أنّها صحيحة إلاّ أنه على نحو الجواز دون اللزوم وله أن يفسخ بعد الانكشاف كما له أن لا يفسخ بعد ذلك ولا تحتاج إلى الاجازة المتأخّرة ؟ هناك وجوه وأقوال .

والصحيح هو الوجه الثالث كما ذهب إليه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1)وملخّصه : أنّ المعاملة صحيحة ومتوقّفة على الاجازة بعد انكشاف الحال .

أمّا أنّها صحيحة فلما قدّمناه سابقاً من أنّ المعاملة إنّما تتقوّم بالمبادلة بين المالين وأمّا قصد وقوعها لنفسه أو للغير فهو أمر زائد عن حقيقتها ، والبائع بما أنه قصد المبادلة للمالك فقد نوى المعاوضة الحقيقية إلاّ أنه لجهله أو لنسيانه أرجعها إلى الغير بتخيّل أنه هو المالك ، وهذا الخيال كادّعاء أنه مالك في الصورة المتقدّمة أمر زائد غير مقوّم لحقيقة المبادلة فيبقى لغواً ، ولعلّه ظاهر .

وأمّا أنّها متوقّفة على الاجازة بعد الانكشاف فلما ذكره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) بتوضيح منّا من أنّ العمومات والأدلّة المقتضية لصحّة المعاملات نحو (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2) و (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(3) بانضمام قوله (عليه السلام) « لا يحلّ مال

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 460 .

(2) المائدة 5 : 1 .

(3) البقرة : 2 : 275 .

ــ[39]ــ

امرئ مسلم إلاّ بطيب نفسه »(1) منصرفة إلى بيع كل واحد واحد من المالكين وتقتضي جواز المعاملة الصادرة من المالك بعنوان أنه مالك ، وهذا المعنى مفقود في المقام لأنه وإن باع مال نفسه واقعاً إلاّ أنه بعنوان أنه ملك الغير ، فلم تصدر المعاملة منه بعنوان أنه مالك فلا تصحّ المعاملة منه ولا تستند إليه بهذا العنوان بل تحتاج في استنادها إليه وصدورها منه بعنوان أنه مالك إلى الاجازة بعد الالتفات إلى أنه مالك  ، ولذا ذكرنا في الفضولي أنّ المعاملة لا تستند إلى المالك بمجرد العقد الصادر من الفضولي بل تحتاج إلى إجازة المالك لتستند إليه لا محالة وتصدر منه حتّى تشمله العمومات والاطلاقات . فالمتحصّل أنّ المعاملة صحيحة ولكنّها متوقّفة على الاجازة .

وأمّا ما استدلّ به العلاّمة وولده(2) (قدّس سرّهما) على البطلان مطلقاً من الوجوه الثلاثة فلا يمكن المساعدة عليه بوجه .

أمّا الوجه الأول : فهو أنّ البائع إنّما قصد البيع لأبيه فيما إذا باع مال أبيه بظنّ حياته فبان ميتاً ، فهو باعه للأب لا لنفسه فلا يقع له بوجه .

والجواب عن ذلك : أنه إنّما باعه للمالك ، وإنّما أضافه للأب لا لخصوصية فيه بل بتخيّل أنه المالك للمال . وقد عرفت أنه أمر زائد عن حقيقة المبادلة فيقع لغواً .

وأمّا الوجه الثاني : فهو أنّ المعاملة حينئذ معلّقة على موت أبيه لأنه إنّما يبيعه على تقدير موت الأب والاجماع متحقّق على بطلان التعليق في العقود ، هذا .

ولا يخفى عليك أنّ هذا الوجه لابدّ من أن يحمل على سهو القلم لجلالة شأن العلاّمة وولده (قدّس سرّهما) عن الاستدلال بمثل ذلك في المقام ، وذلك لأنّ الكلام في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 5 : 120 / أبواب مكان المصلّي ب3 ح1 (مع اختلاف) .

(2) نهاية الأحكام 2 : 477 ، إيضاح الفوائد 1 : 420 .

ــ[40]ــ

الصورة الثالثة إنّما هو فيما إذا باعه للمالك لا لنفسه وما معنى أنه يبيعه للمالك وهو الأب معلّقاً على موته ، ولأجل ذلك أورد عليه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) بأنّ هذا الوجه منهما مناقض للوجه الأول من استدلالهما حيث ذكرا في الوجه الأول أنه يبيعه للمالك وأبيه لا لنفسه ، فإذا باعه للمالك كيف يعلّقه على موته .

وأمّا الوجه الثالث : أنّ البائع مع فرض اعتقاده بأنّ المال ملك الغير كيف يصحّ أن يبيعه للمالك مع أنه أجنبي عن المال ، فهو في الحقيقة كالعابث في المعاملة هذا .

وقد عرفت سابقاً أنّ الفضولي قاصد للمعاوضة الحقيقية وليس عابثاً كما ذكراه ، ولذا استشكلنا(1) فيما ذكره صاحب المسالك من أنّ المكره والفضولي قاصدان للفظ دون المعنى وذكرنا أنّهما قاصدان للمعنى والمعاملة حقيقة ، وهذا الوجه لو تمّ يستلزم بطلان المعاملات الفضولية بأجمعها ولا يختصّ بالمقام كما لا يخفى  ، هذا .

ثمّ إنّ المحقّق الثاني(2) استدلّ على توقّف المعاملة في المقام على الاجازة بأنّ البائع لم يقصد الملك من حين المعاملة بل من زمان إجازة المالك ، فلو لم يجزها بعد الانكشاف فلم يحصل الملك أبداً .

وأورد عليه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(3) بأنه إنّما قصد الملك من حين المعاملة حيث قصد البيع والمعاملة وهو كاف في قصد الملك ورضاه بالمعاملة ، بل ذلك ينافي الكشف على مسلك المحقّق الثاني لأنه يرى الاجازة كاشفة عن الملك من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع المجلّد الأوّل من هذا الكتاب الصفحة 319 وما بعدها .

(2) جامع المقاصد 4 : 76 .

(3) المكاسب 3 : 462 .

 
 

ــ[41]ــ

الابتداء ، فلو كان قصد البائع هو الملك بعد الاجازة فلا يتحقّق هناك ملك من الابتداء لتكشف الاجازة عنه ، هذا .

ولا يخفى عليك أنه يمكن أن يقال إنّ مراد المحقّق الثاني ليس هو ما يظهر من عبارته كما فهمه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) بل يريد أن يقول إنّ الملكية إنّما تحصل من حين المعاملة فيما إذا استندت المعاملة إلى المالك بالاجازة ، فلها دخل في تحقّق الملك من الابتداء ، ولولاها لم يتحقّق الملك أصلا ، ولا يرد عليه ما ذكره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) .

نعم يتوجّه عليه أنّ ذلك الدليل أخصّ من المدّعى ، وذلك لعدم جريانه فيما إذا باع شيئاً باعتقاد أنه ملك الغير وأنه وكيل في بيعه من قبل مالكه ثمّ ظهر أنه له وهو ملكه ، فإنه في هذه الصورة قد قصد النقل والملك من حين المعاملة لا معلّقاً على إجازة المالك لاعتقاد أنه وكيل ، هذا مع أنّ كون البيع متوقّفاً على الاجازة أو غير متوقّف عليها ليس دخيلا في حقيقة البيع ليعتبر قصده أو يقدح قصد خلافه ، وإنّما هو من الأُمور المعتبرة في صحّة البيع وإمضائه فيما إذا وقع البيع على مال الغير ، وأمّا إذا وقع البيع على مال نفس العاقد فلا يعتبر في صحّته وامضائه إجازته . ولعلّ هذا هو مراد المحقّق الثاني بقوله : « إلاّ أن يقال إنّ قصده إلى أصل البيع كاف » فالصحيح في لزوم الاجازة ما ذكرناه .

فالمتحصّل من جميع ذلك : أنّ المعاملة صحيحة ولكنّها تتوقّف على الاجازة بعد الالتفات إلى أنه مالك .

ويؤيّد ما ذكرناه ويؤكّده : ما ذكره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) في المقام حيث إنه نظّره بما إذا أذن المالك لأحد في أكل شيء مثلا معتقداً بكونه ملك الغير فانه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 463 .

ــ[42]ــ

لا يسوغ أكله بذلك مع علم المأذون بأنه ملك نفسه ، إذ لابدّ في الاباحة من ترخيص المالك بعنوان أنه مالك وهذا إباحة وتحليل من ذات المالك لا هو بعنوان المالك كما هو ظاهر فلا يصحّ التصرّف فيه بوجه ، وأمّا ما ذكره من مثال الطلاق والعتق وأنه إذا طلّق امرأة باعتقاد أنّها هي التي وكّله زوجها في طلاقها ثمّ ظهر أنّها زوجته ، أو أعتق عبد الغير وكالة ثمّ ظهر أنه عبده فلا يصحّ منه الطلاق والعتق لعدم علمه بزوجيته للمرأة وكون المعتق ملكه ، فهو مؤيّد للمطلب لا أنه دليل وذلك لما أشرنا إليه غير مرّة من أنّ للأشخاص مدخلية في حقيقة النكاح والطلاق وكذلك في العتق  ، فإذا طلّق امرأة خاصّة فلا وجه لوقوعه عن امرأة أُخرى غيرها ، وكذلك الحال في العتق ، وهذا بخلاف المعاملات فإنّها لا تتقوّم بالأشخاص بل حقيقتها هي المبادلة كما لا يخفى ولا يمكن قياسها بالطلاق والعتق ولعلّه ظاهر .

وقد نظّر شيخنا الأُستاذ (قدّس سرّه)(1) المقام بما إذا تعمّد في التكلّم في الصلاة مع الغفلة عن أنّه في الصلاة أو تعمّد في الافطار مع الغفلة عن أنه صائم في شهر رمضان فإنّ ذلك لا يبطل الصلاة والصوم ، إذ يعتبر فيهما أن يكون التعمّد في التكلّم في الصلاة فلا يكفي التعمّد في التكلّم بما هو هو ولو مع الغفلة عن القيد ، وكذلك الحال في الافطار في شهر رمضان فإنّ التعمّد في الافطار في شهر رمضان يوجب البطلان والكفّارة لا التعمّد في أصل الافطار ، وفي المقام العمومات إنّما تشمل البيع الصادر عن المالك بوصف أنه مالك لا الصادر عن ذاته ولو مع الغفلة عن أنه مالك للمال . وهذا نعم التنظير في المقام .

فتلخّص من ذلك : أنّ صحّة المعاملة في هذه الصورة من جهة أنها بيع حقيقة ولا قصور فيها بوجه ، وتوقّفها على الاجازة من جهة انصراف العمومات والأدلّة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 2 : 132 .

ــ[43]ــ

إلى بيع كل شخص من المتعاملين بما هو مالك ، وهذا لا يتحقّق إلاّ بالاجازة ، إذ لا بيع له قبلها . مضافاً إلى أنّ الاطلاقات والعمومات متقيّدة بطيب نفس الملاّك ورضاهم ، ولا رضا من المالك في المقام قبل الاجازة لغفلته وعدم علمه بأنه ملكه وإنّما يتحقّق ذلك بالاجازة المتأخّرة .

بقي في المقام ما ذكره بعضهم وذهب إليه صاحب الجواهر (قدّس سرّه)(1) من أنّ المعاملة صحيحة ولا تحتاج إلى الاجازة ، إلاّ أنّها على نحو الخيار والجواز دون اللزوم ، لأنّ الحكم بلزوم المعاملة ضرري على المالك لعدم علمه بالحال وتخيّله أنه للغير ، فلو حكمنا بلزوم البيع في حقّه لكان ذلك مستلزماً لضرره وهو منفي بالقاعدة  ، فتكون المعاملة صحيحة وجائزة لأجل القاعدة .

وأورد عليه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(2) بما ملخّصه : أنّ المعاملة تارةً تكون محكومة بالصحّة في حدّ نفسها إلاّ أنّ العوضين يستلزمان الضرر على أحد المتعاملين لنقص في قيمتهما أو لعيب في ذاتيهما ، ولأجل ذلك يرتفع لزوم المعاملة وتكون خيارية وجائزة . وأُخرى تكون المعاملة في حدّ نفسها مورداً للكلام من حيث الصحّة والفساد ، لعدم شمول العمومات لها من دون أن يكون هناك ضرر في شيء من العوضين بحيث لو حكمنا بصحّتها لما كان ذلك موجباً لتضرّر أحدهما من حيث العوض والمعوّض لعدم نقص في قيمتهما أو في ذاتيهما ، ففي مثل ذلك لو كان هناك ضرر فهو إنّما يكون ناشئاً من أصل العقد والمعاملة لا من جهة لزومها فمقتضى القاعدة عدم صحّة مثلها إلاّ بالاجازة المتأخّرة ، لا أنّها صحيحة ويرتفع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 22 : 299 ـ 300 ونصّ كلامه : والمتّجه فيه الوقوف على الاجازة ... أو إثبات الخيار ... .

(2) المكاسب 3 : 465 .

ــ[44]ــ

لزومها ، لما عرفت من أنّ لزومها غير ضرري بحسب الفرض وإنّما الضرر في أصل المعاملة وصحّتها حيث إنه أمر لم يلتفت إليه ولم يكن راضياً به ومعه يكون الحكم بوقوع المعاملة من غير اختياره ضرراً عليه لا محالة فترتفع صحّتها بالقاعدة ، هذا .

بل يمكن أن يقال : إنّه لا مجال للقاعدة في المقام ، لأنّها ناظرة إلى الأدلّة الواقعية ، وقد عرفت أنّ الأدلّة لا تشمل مثل هذه المعاملة لانصرافها إلى بيع كل بائع بعنوان أنه مالك وتقيّدها بالرضا وطيب النفس ، وهذه الأُمور إنّما تتحقّق بالاجازة لا قبلها كما لا يخفى ، ومعها لا ضرر على أحد وقبلها لا دليل حتّى ترفعه قاعدة نفي الضرر كما هو ظاهر .

فالمتحصّل : أنّ الصحيح من الأقوال هو ما ذهب إليه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) من الصحّة والتوقّف على الاجازة .

ثمّ إنّ ذلك إنّما هو في المعاملات القابلة للفضولية التي تصحّ بالاجازة المتأخّرة كالبيع ونحوه ، وأمّا ما لا يصحّ بالاجازة المتأخّرة لاشتراطه بالاذن والاجازة المقارنين للعقد وعدم قبوله الفضولية كما في الايقاعات كالطلاق والعتق بناء على ثبوت الاجماع المدّعى في عدم قبول الايقاعات للفضولي واشتراطها بالاذن المقارن معها ، فلا يجري فيه ما ذكرناه بل نحكم في مثله بالبطلان مطلقاً ، فلو طلّق أو أعتق باعتقاد أنّها زوجة الغير أو عبد الغير ثمّ ظهر أنّهما له فيحكم ببطلان الطلاق والعتق لعدم تصحيحهما بالاجازة المتأخّرة .

وبالجملة إذا كانت المعاملة ممّا تصحّ بالاجازة المتأخّرة فحكمها الصحّة مع الاجازة ، وإذا كانت على نحو لا تصحّ بالاجازة فحكمها البطلان كما عرفت ، هذا .

ثمّ إنّ ما ذكرناه في المقام من الصحّة مع الاجازة لا يتوقّف على القول بصحّة الفضولي كما ذكره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) بل لو قلنا ببطلان الفضولي في محلّه لقلنا بالصحّة مع الاجازة في المقام ، وذلك لعدم جريان الأدلّة المذكورة في بطلان

ــ[45]ــ

الفضولي في المقام كقوله (عليه السلام) لا تبع ما ليس عندك(1) فإنّهم قد استدلّوا به على بطلان الفضولي وأجبنا عنه فيما تقدّم بأنه ينهى عن ذلك بالاضافة إلى البائع الفضولي ولا دلالة فيه على فساده بالاضافة إلى المالك ، فلو أغمضنا النظر عن ذلك الجواب وبنينا على أنه يقتضي بطلان الفضولي لكنّه لا نلتزم به في المقام لعدم جريانه فيه ، فإنّ المفروض أنه مالك للمال غاية الأمر أنه غافل عن ذلك وغير عالم بالحال فهو إنّما يبيع ما عنده لا ما ليس عنده ، ولعلّه ظاهر .

نعم ، لو استدللنا على بطلان الفضولي بالقبح العقلي لاستقلال العقل بقبح التصرّف في مال الغير كما تقدّم نقله وأغمضنا عمّا أجبنا به عنه أمكن أن يقال إنّ ذلك يجري في المقام من جهة استقلال العقل بقبح التجرّي ، وهو متجر في مفروض الكلام لاعتقاده بأنّ المال للغير ومع ذلك تصرف فيه بالبيع وهو محكوم بالقبح عقلا وإن كان مالكاً واقعاً ، هذا .

مع أنه يمكن أن يجاب عن ذلك : بأنّا إنّما نقول بفساد الفضولي من جهة حكم العقل بالقبح فيه واستلزام ذلك الحكم بالحرمة شرعاً ، ودلالة النهي على الفساد فرضاً ، لا من جهة مجرّد حكم العقل بالقبح وإن لم يستلزم الحكم بالحرمة شرعاً ، إذ مجرّد القبح العقلي لا يكفي في الحكم بالفساد ، وهذا لو قلنا به في الفضولي لا يمكن الالتزام به في المقام ، لعدم استلزامه حكم العقل بالقبح في التجرّي الحكم بالحرمة شرعاً حيث إنّ المتجرّي غير مرتكب للحرام الشرعي بوجه ، ومجرّد القبح العقلي لا يوجب الفساد ، هذا كلّه في الصورة الثالثة .

وأمّا الصورة الرابعة : فهي ما لو باعه لنفسه باعتقاد أنه للغير وعدم جواز التصرّف فيه فظهر أنه مالك له ، ولا إشكال في صحة البيع حينئذ ، لعدم قصور ذلك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّم في الصفحة 28 .

ــ[46]ــ

عن الصورة المتقدّمة وبيعه للغير ، وإنّما الكلام في أنه يحتاج إلى الاجازة بعد الالتفات أو لا ، الظاهر أنه لا حاجة إلى الاجازة بعد الانكشاف ، إذ الحاجة للاجازة فيما تقدّم إنّما هي من جهة عدم استناد البيع إلى نفسه لاعتقاده أنّ المال للغير ولأجل عدم رضاه ببيع ماله ، وذكرنا أنّهما يحصلان بالاجازة المتأخّرة ، وهذا لا يحتاج إليه في المقام ، لأنه باعه لنفسه بدعوى الملكية العقلائية كالغاصب ونحوه وإن اعتقد أنه للغير شرعاً ، وهذا المقدار من البيع والرضا يكفي في المعاملات ولا يحتاج فيها إلى العلم بالملكية الشرعية ، وهذا نظير معاملات جميع الخارجين عن شريعة الإسلام فإنّهم إنّما يتعاملون بالملكية العقلائية أو الاعتبارية الشخصية كاليهود ونحوهم بل المسلمين غير المتديّنين كما إذا قامر فغُلب وأُخذ منه شيء ثمّ قامر وغلبه وأخذ منه ما غلبه به بعينه فباعه حيث إنه ملكه شرعاً وواقعاً إلاّ أنه اعتقد أنه للغير واقعاً وله بالملكية العقلائية ، ففي مثل ذلك لا يحتاج إلى الاجازة بعد الالتفات إلى أنه ملكه واقعاً ، لعدم اشتراط البيع بالعلم بالملكية الشرعية ، بل العلم بالملكية العقلائية كاف كالمأخوذ بالقمار ونحوه حيث إنّ العقلاء غير المتديّنين يعتبرونه مالكاً ويقولون إنه مالك لكذا مقدار من المال مع أنه بأجمعه مأخوذ بالقمار والغصب ، هذا كلّه في المجيز ويقع الكلام بعد ذلك في المجاز وهو العقد الصادر من الفضولي .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net