مستثنيات عدم جواز بيع المسلم من الكافر 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4946


ثم إنه قد استثني من عدم جواز بيع العبد المسلم من الكافر موارد .

الأول : فيما إذا كان العبد ممّن ينعتق على الكافر واقعاً وهذا كما إذا كان العبد من أقربائه نظير الأب أو الابن وهكذا ، والوجه في استثناء ذلك ظاهر وهو عدم شمول أدلّة المنع له ، لأنّ الدليل على المنع إن كان هو الاجماع فلا إجماع على البطلان في هذه الصورة بل قد أجمع على صحة البيع في هذه الصورة ، وإن كان الدليل هو الروايات الواردة(1) في أنّ العبد المسلم لا يقرّ على ملك الكافر ، فهي أيضاً إمّا غير شاملة لهذه الصورة حقيقة أو أنّها منصرفة عنها يقيناً ، إذ المفروض أنه بمجرد الشراء ينعتق عليه ولا يقرّ على ملكه أبداً ، وإن كان الدليل هو الآية المباركة المتضمّنة نفي السبيل على المؤمنين من الكافرين فهي أيضاً لا تشمل المقام لأنّ مجرد الشراء لا يوجب السبيل بعد فرض أنه ينعتق عليه قهراً ، هذا .

وربما يقال كما في كلام شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(2) أنّ الشراء وإن كان لا يوجب السبيل إلاّ أنّ شراء الكافر يوجب المنّة على المسلم إذ لو لم يشتره لما كان العبد منعتقاً . ويدفعه : أنّ ذلك على كلّيته غير صحيح لأنّ الكافر ربما لا يلتفت إلى أنّ شراء الأقرباء يوجب انعتاقهم عليه شرعاً أو لا يلتفت إلى أنّ العبد من أقربائه لينعتق عليه قهراً ، نعم ربما يلتفت إلى الحكم والموضوع ويوجب شراؤه المنّة عليه إلاّ أنه لا دليل على نفي المنّة من الكافر على المسلم وإنّما المنفي هو السبيل وهو أمر آخر غير المنّة ، ولأجل ذلك جاز الاستدانة من الكافر والاستيهاب منه أو قبول

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 17 : 380 / أبواب عقد البيع وشروطه ب28 ح1 .

(2) المكاسب 3 : 593 .

ــ[207]ــ

هداياه مع أنّ الكل يستلزم المنّة كما هو واضح ، هذا كلّه فيما إذا انعتق العبد عليه واقعاً .

الثاني : إذا كان الانعتاق ظاهرياً وهذا كما إذا أقرّ الكافر بأنّ العبد من أقربائه أو أنه حرّ ونحن لا نعلم صدقه فهو على قسمين : وذلك لأنّ الشراء على فرض صدق المعترف في اعترافه ربما يكون في حدّ نفسه صحيحاً وموجباً للانتقال  ، واُخرى يكون باطلا وغير موجب للانتقال ، والأول كما في المثال الأول والثاني كما في الثاني .

أمّا الأول : فلا إشكال في صحّة البيع حينئذ ، لأنّ المانع من صحته ليس إلاّ استلزامه السبيل على المسلم وهو منتف ، لأنّ المقر مأخوذ باقراره وقد اعترف بأنه ينعتق عليه قهراً فلا سبيل والبيع صحيح .

وأمّا الثاني : فقد ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنه ربما يشكل بالعلم بفساد البيع على تقديري صدق المعترف وكذبه ، وذلك لأنه على تقدير صدق الاعتراف حرّ وهو لا ينتقل إلى الغير ولا يدخل في ملك أحد ، وعلى تقدير كذبه عبد مسلم لا ينتقل إلى الكافر ، فلا يتصوّر صورة صحيحة لشراء من أقر بحريّته إلاّ أن نمنع اعتبار مثل هذا العلم الاجمالي ثم أمر بالتأمّل ، هذا .

والظاهر أنه أشار بذلك إلى تفصيل صاحب الحدائق(2) في تنجيز العلم الاجمالي حيث ذكر أنه إنّما يوجب التنجيز فيما إذا كان الحكم في كل واحد من الطرفين من سنخ واحد وكان لهما جامع حقيقي وذلك كالعلم بنجاسة هذا الكأس أو ذاك الكأس فإنّ الجامع بينهما وهو النجس مأمور بالاجتناب عنه على أي تقدير

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 593 ـ 594 .

(2) الحدائق 1 : 517 .

ــ[208]ــ

وأمّا إذا كان الحكم فيهما من سنخين ولم يكن بينهما جامع حقيقي كما إذا كان العلم الاجمالي متعلّقاً بنجاسة الكأس الشرقي أو بغصبية الكأس الغربي فلا يكون العلم الاجمالي منجّزاً لأنّ الجامع أمر انتزاعي ولا جامع حقيقي بينهما ، وليس شيء منهما معلوماً تفصيلا بل كل واحد منهما محتمل ، وقد ذكر ذلك شيخنا الأنصاري في الرسائل(1) وردّه بأنّ العقل لا يفرّق بينهما ، وفي المقام العلم الاجمالي إنّما تعلّق بأنّ العبد إمّا حرّ أو يحرم بيعه من الكافر وأحدهما أجنبي عن الآخر ولا جامع بينهما هذا .

ويمكن أن يكون إشارة إلى أنّ العلم الاجمالي في المقام قد تولّد منه العلم التفصيلي ببطلان المعاملة ، لأنّا نعلم أنّ بيع هذا العبد باطل إمّا لأنه حر وإمّا لحرمة بيعه من الكافر ، وما ذكره صاحب الحدائق من التفصيل لو صحّ إنّما يصحّ فيما إذا كان هناك طرفان وفرض أنّا لم نقل بتنجّز العلم حينئذ ، وأمّا إذا كان الطرف واحداً فلا محالة يتولّد علم تفصيلي ببطلان المعاملة .

وكيف كان فقد أجاب عن ذلك شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(2) بأنّ العلم الاجمالي إنّما كان يؤثر في بطلان المعاملة فيما إذا ثبتت حرمة بيع العبد المسلم من الكافر بالروايات أو بغيرها من الأدلّة ، وحينئذ يمكن أن يقال إنّا نعلم ببطلان المعاملة تفصيلا إلاّ أنّ حرمته لم تثبت إلاّ من جهة أنه يوجب السبيل ، فإذا فرضنا أنّ البيع بحيث لا يوجب سبيلا له على المسلم فلا وجه لبطلان المعاملة حينئذ والمفروض في المقام أنّ البيع لا يوجب السبيل لإقرار الكافر بحرّيته ، وبعد ذلك لا وجه للعلم التفصيلي بالبطلان بل نحتمل كذبه في اعترافه وكونه عبداً في الواقع ، فبيعه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 2 : 416 .

(2) منية الطالب 2 : 252 .

ــ[209]ــ

صحيح ولا سبيل للكافر عليه أيضاً . وما أفاده (قدّس سرّه) هو الصحيح .

المورد الثالث من موارد الاستثناء : ما إذا أمر الكافر أحداً بأن يعتق عبده من قبله ، وقد ذكروا أنّ عتقه من قبل الكافر يستلزم دخول العبد في ملك الكافر بآن لا يقبل غير العتق ولكنّه لا مانع منه لأنه لا يستلزم السبيل ، هذا كلّه بناءً على أنّ العتق من قبله يستلزم دخوله في ملك الآمر ، وأمّا إذا قلنا إنه لا يستلزم الدخول في ملكه حقيقة وإنّما هو ملك فرضي تقديري ، أو أنه لا يستلزم الدخول في ملكه أصلا لا حقيقة ولا تقديراً بل يصح أن يعتقه من قبل الكافر ثم يأخذ قيمته من الكافر لأنه من لوازم أمره به نظير أمرنا الحلاّق بحلق رأسنا فإنّ الأمر بعمل محترم يستلزم ضمانه بقيمته ، ونظير ما إذا أمرنا الخبّاز بأن يعطي كذا مقداراً من الخبز لفلان فإنه يوجب الضمان بقيمة الخبز وإن لم يدخل الخبز في ملكنا ، وأظهر من ذلك ما إذا أعتق عبده من قبل ميّت فإنّ الالتزام بأنه دخل في ملك الميّت ثمّ انعتق مشكل جدّاً  ، وعليه فلا تكون هذه الصورة من صور الاستثناء كما لا يخفى .

المورد الرابع من الموارد المستثناة عن عدم جواز بيع المسلم من الكافر : ما لو اشترط البائع على المشتري الكافر عتق العبد بعد الانتقال إليه ، وقد حكي عن جماعة في هذا المورد جواز البيع من الكافر بشرط العتق ، وقد تنظّر فيه الشيخ الأنصاري (رحمه الله)(1) من جهة كون الملكية قبل الاعتاق القابلة للاستقرار في نفسها سبيلا ، وبديهي أنّ جواز البيع في المقام لو كان من باب عدم لزوم البيع وتزلزله فلابدّ من الالتزام بجواز البيع في جميع الموارد التي لا يكون الخيار فيه مسقطاً بالاسقاط ، ضرورة أنّ البيع في كثير من الموارد متزلزل لثبوت خيار كخيار المجلس والحيوان وغير ذلك من الخيارات الموجبة لجواز البيع ، ويترتّب عليه صحّة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 594 .

ــ[210]ــ

جميع العقود الجائزة من الهبة ونحوها من كافر ، وهو كما ترى .

وإن كان جواز البيع في المقام من جهة أنّ البائع يلزم الكافر بعتق العبد فيلزم جواز البيع في غير موارد الشرط أيضاً لكون الكافر ملزماً ببيع العبد المسلم بالزام الحاكم .

وكيف كان ، أنّ الحقّ عدم جواز البيع في هذا المقام كما ذكره الشيخ (قدّس سرّه) وملخّصه : أنه لا فرق بين المقام وبين إجباره على بيعه في عدم انتفاء السبيل بمجرد الشرط ، هذا كلّه في الملك الاختياري .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net