الكلام في بيع الوقف - أدلّة عدم جواز بيع الوقف 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4741


الكلام في بيع الوقف

المشهور بل المتسالم عليه عند الفقهاء عدم جواز بيع الوقف في غير الموارد المستثناة ، والدليل عليه قوله (عليه السلام) « الوقوف على حسب ما يقفها أهلها »(1)وفي بعض النسخ على حسب ما يوقفها أهلها ، إلاّ أنّ الأول أصحّ لأنّ الوقف يستعمل متعدّياً أيضاً . وبديهي أنّ الواقف نظره إلى انتقال ما وقفه إلى الموقوف عليهم بطناً بعد بطن أو انتفاع عامّة الناس منه إذا كان الوقف عاماً من دون أن تكون نفس العين الموقوفة داخلة في ملك أحد من الموقوف عليهم ، وقد أمضى الشارع هذا النظر والعقد من الواقف بالأدلّة العامّة مثل : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وبالأدلّة الخاصّة مثل ما ذكرناه من قوله (عليه السلام) « الوقوف » الخ .

ولا يخفى أنّ مرادنا من عدم جواز البيع وضعاً هو البيع الخارجي كما سيجيء الكلام فيه(2) عند التعرّض للاختلاف الذي بين الشيخ (قدّس سرّه) وصاحب الجواهر (قدّس سرّه) .

وممّا استدلّ به أيضاً رواية أبي علي بن راشد قال « سألت أبا الحسن (عليه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 19 : 175 / كتاب الوقوف والصدقات ب2 ح2 .

(2) في الصفحة257 .

ــ[254]ــ

السلام) قلت جعلت فداك إنّي اشتريت أرضاً إلى جنب ضيعتي فلمّا وفّرت المال خُبّرت أنّها وقف ، فقال : لا يجوز شراء الوقف ولا تدخل الغلّة في ملكك ادفعها إلى من اُوقفت عليه . قلت : لا أعرف لها ربّاً ، قال : تصدّق بغلّتها »(1) والمراد من الغلّة لابدّ وأن يكون منافع الأرض الموقوفة التي تخرج من الأرض من دون زارع وليس المراد منه الزرع الذي يزرعه المشتري قطعاً بداهة أنّ الغلّة للزارع في موارد كون الأرض غصباً غاية الأمر يكون عليه اُجرة الأرض فما ظنّك فيما إذا كان مشترياً جاهلا بوقفيّتها ، وكيف كان يستفاد من قوله « لا يجوز شراء » الخ صريحاً عدم جواز بيع الوقف وشرائه .

ومن الروايات التي استدلّ بها في المقام : ما ورد من حكاية وقف أمير المؤمنين (عليه السلام) مثل ما عن ربعي بن عبدالله عن أبي عبدالله (عليه السلام) في صورة وقف أمير المؤمنين (عليه السلام) « بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدّق به علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو حي سوي تصدّق بداره التي في بني زريق صدقة لا تباع ولا توهب »(2) الخ ، والظاهر كون الوصف صفة للنوع يعني أنّ قوله (عليه السلام) « لا تباع ولا توهب » صفة لقوله (عليه السلام) « صدقة » التي هي المفعول المطلق النوعي بمعنى أنّ هذه الأوصاف معرّف لقسم من الصدقة الذي يكون كذا وهو الوقف ، ولا ينافي هذا جواز البيع في بعض الموارد كما سيجيء لأنّه (عليه  السلام) أراد بهذا الكلام أن يشير إلى نوع من الصدقة الذي يكون في نفسه وبطبعه هكذا وهو لا ينافي جواز البيع عند طروّ مسوغاته كما إذا قال المولى لحم الأرنب أو الأسد حرام ولا ينافي ذلك كونه حلالا للضرورة أو التداوي مثلا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 19 : 185 / كتاب الوقوف والصدقات ب6 ح1 .

(2) نفس المصدر ح4 .

ــ[255]ــ

وللصدقة قسم آخر لا إشكال في جواز بيعه ونحوه مثل الزكاة ونحوها ، بداهة أنّه لا إشكال في جواز بيع ما أعطي من جهة الزكاة للفقراء وغير ذلك من الصدقات وكيف كان لا صدقة في الشريعة المقدّسة متّصفة بصفة أن لا تباع ولا توهب إلاّ الوقف .

والحقّ كما ذكره الشيخ (قدّس سرّه)(1) من كون الوصف صفة نوع الصدقة وما استفاده بعض(2) من أنّ الشيخ (قدّس سرّه) يقول بكون الوصف قيداً توضيحياً ومؤكّداً لمعنى الوقف ، ثمّ اعترض عليه بأنّ الوصف قيد احترازي ، غير سديد بداهة أنّ مراد الشيخ أيضاً كون الوصف احترازياً وكون توصيف الصدقة بأنّها لا تباع ولا توهب معرّفاً لنوع خاصّ من الصدقة الذي هو عبارة عن الوقف ، وأمّا احتمال أن يكون شرطاً خارجياً بأن يكون معناه أنّ علياً (عليه السلام) تصدّق بداره التي في بني زريق صدقة واشترط في ضمن عقد الصدقة أن لا تباع ولا توهب فهو خلاف الظاهر .

واحتمال أنّه لا يمكن أن يكون شرطاً خارجياً لا من جهة كونه خلاف الظاهر بل من جهة أنّ اشتراط عدم البيع على الاطلاق مخالف للشرع من جواز بيعه في بعض الموارد فعليه يكون شرطاً فاسداً ومفسداً للعقد ، غير سديد .

وقد أجاب الشيخ (قدّس سرّه) عنه أوّلا : بأنّ هذا الاطلاق نظير الاطلاق المتقدّم في رواية ابن راشد في انصرافه إلى البيع لا لعذر . وثانياً : بأنّ هذا التقييد ممّا لابدّ منه حتّى على تقدير كون الصفة صفة لنوع الصدقة . وثالثاً : بأنّه من المحتمل علم الإمام (عليه السلام) بعدم عروض مسوغات البيع .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 4 : 34 .

(2) حاشية المكاسب (الايرواني) 2 : 438 .

ــ[256]ــ

ولكن الجواب المتين أن يقال : إنّ الشرط إن كان راجعاً إلى عدم جواز البيع من دون نظر إلى وقوع البيع فهو غير سديد لعدم كون هذا مقدوراً للواقف وتحت اختياره ، لأنّ جواز البيع وعدمه بيد الشارع فله أن يحكم بالجواز في مورد وعدم الجواز في مورد آخر وبديهي أنّه لابدّ وأن يكون متعلّق الشرط مقدوراً ، كما أنّ اشتراط عدم الإرث أيضاً كذلك يعني غير مقدور بل هو وعدمه تابع لحكم الشارع بالارث وعدمه ، وإن كان متعلّق الشرط عدم وقوع البيع خارجاً لا أنّه لا يجوز فلا مانع من اشتراطه على نحو الاطلاق ، وليس هذا مخالفاً للمشروع لأنّه لا ينافي جوازه شرعاً . نعم ينافي وجوبه فلو وجب البيع في مورد كما إذا كان عدم بيع الوقف مؤدّياً إلى قتل النفس بين الموقوف عليهم يكون الشرط باطلا .

وظهر من جميع ما ذكرناه : عدم جواز بيع الوقف بطبعه بالروايات ما لم يعرض عليه ما يجوّز بيعه ، فما ذكره الشيخ (قدّس سرّه) بقوله وممّا ذكرنا ظهر أنّ المانع عن بيع الوقف اُمور ثلاثة حقّ الواقف وحقّ الله سبحانه وحقّ الموقوف عليهم فمضافاً إلى أنّه لم يتقدّم شيء في كلامه (قدّس سرّه) يدلّ على مانعية هذه الاُمور الثلاثة عن البيع ، بل الدالّ على عدم جواز البيع الروايات الواردة في المقام كما ذكرنا بعضها  ، يرد عليه أنّ كونه متعلّقاً لحقّ الله تعالى حيث يعتبر فيه التقرّب على فرض تسليم مقالة اعتبار التقرّب ولا نقول به لا يكون مانعاً عن البيع لعدم الدليل عليه مع قطع النظر عن الروايات المانعة عن بيع الوقف ، وأمّا تعلّق حقّ الموقوف عليهم به فهو أيضاً لا محصّل له ، بداهة أنّ حقّ البطون المتأخّرة موقوف على وجود العين الموقوفة وبانتقال العين يكون سالبة بانتفاء الموضوع ، كما أنّ تعلّق حقّ الواقف من حيث جعلها صدقة جارية ينتفع بها الناس إلى الأبد يزول بمجرد قراءة صيغة الوقف وليس له حقّ بعد الوقف وإخراج العين عن ملكه ، وكيف كان أنّ المانع عن جواز بيع الوقف هو الروايات الخاصّة الواردة في ذلك ، وإمضاء الشارع عقد الوقف

ــ[257]ــ

على حسب ما يقفه أهله بالأدلّة العامّة كقوله تعالى : (أَوْفُوا) وبالأدلّة الخاصّة كقوله (عليه السلام) الوقوف على حسب ما يقفها أو يوقفها أهلها(1).

فتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ مقتضى القاعدة عدم جواز بيع الوقف  . وبعبارة واضحة : أنّ المال تارة يكون متحرّكاً وغير ساكن في يد مالكه يعني لمالكه أن يتصرّف فيه كيف يشاء ويحرّكه بحركته الاختيارية . واُخرى يجعل ماله ساكناً وغير متحرّك وهذا عبارة عن الوقف وقد أمضى الشارع هذا الاعتبار من الواقف وكيف كان إنّ مقتضى القاعدة في الوقف عدم جواز البيع نعم دلّ الدليل بالخصوص في موارد مخصوصة على جواز بيعه ، وجواز البيع فيه على قسمين ، وذلك لأنّ جواز البيع يكون تارة بدخول الثمن في ملك البائع الموقوف عليه ، وله بعد البيع التصرف في ثمنه كتصرف الملاّك في أموالهم وأملاكهم ، واُخرى يكون من قبيل التبدّل في الصورة النوعية مع بقاء الوقف على حاله كما إذا باع العين الموقوفة واشترى بثمنها شيئاً آخر  . وبعبارة واضحة أنّ حقّ الموقوف عليهم يسقط عن شخص العين دون بدلها  .
ـــــــــــــ

(1) تقدّم مصدره في الصفحة253 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net