لحوق الضالّ والمغصوب بالآبق - الصلح على ما يتعذّر تسليمه 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3870


ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرناه في المقام أنّ بيع الضالّ والمغصوب لا يقاس بالآبق ، لأنّ النصّ مختصّ به ولا يمكن التعدّي منه إلى الضالّ ، ولذا تردّد الشهيد في اللمعة(1) في جعل الآبق ثمناً ، لأنّ النهي إنّما اختصّ ببيعه وجعله مثمناً ولا يشمل ما إذا جعله ثمناً فكيف ببيع الضالّ والمغصوب . وبالجملة أنّ بيعهما ممّا لا يشمله النصّ ، وإن أمكن التعدّي منه إلى صورة جعله ثمناً لإمكان استفادة المنع عن مطلق المبادلة الواقعة عليه ولو بجعله ثمناً أو مورداً للاجارة ونحوه ، إلاّ أنّه لا يمكن التعدّي منه إلى بيع الضالّ والمغصوب بوجه ، ومن الواضح أنّ بيعهما ليس غررياً لإمكان الانتفاع بعتقهما فلا محالة يقع بيعهما صحيحاً .

الثالثة : هل يلحق بالبيع الصلح على ما يتعذّر تسليمه فيعتبر فيه القدرة على التسليم أو أنّه لا يلحق بالبيع أو فيه تفصيل ؟ وجوه وأقوال ، بعد التسالم على أنّ سائر المعاملات كالاجارة والمزارعة والمساقاة بل الوكالة التي هي من غير المعاوضات كالبيع في الاشتراط بالقدرة على التسليم .

فربما يقال بأنّ الصلح كالبيع في الحكم بالاشتراط لأنّ الدائر على الألسنة هو نفي الغرر من غير اختصاص بالبيع ، بل قد أرسل في كلماتهم عن النبي (صلّى الله عليه وآله) والمرسل هو العلاّمة(2) ظاهراً أنّه (صلّى الله عليه وآله) نهى عن الغرر ولم يقيّده بالبيع فيشمل الصلح أيضاً لا محالة .

واُخرى يقال بأنّ النهي يختصّ بالمبادلة الواقعة على المالين ولا يشمل الصلح الذي هو أمر آخر وراء المبادلة بين المالين .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) اللمعة الدمشقية 3 : 251 .

(2) التذكرة 10 : 51 .

ــ[351]ــ

وثالثة يفصّل بين الصلح المبني على المغالبة والتدقيق نظير صلح الدلالين الذي هو في الحقيقة بيع وقد أبرز بلفظ الصلح للتخلّص عن بعض الإشكالات ولكن الغرض هو بيع هذا بذاك وغرض كلّ من المتصالحين هو الغلبة على الآخر فحكم بالحاقه بالبيع ، وبين الصلح المحاباتي المبني على السماح والمسامحة لا على المغالبة كالمصالحة بين المالين من دون نظر إلى أنّ كلا منهما يسوى كذا مقدار فحكم بعدم إلحاقه بالبيع .

والتحقيق أن يقال : إنّ إلحاق الصلح بالبيع أو عدمه متوقّف على ملاحظة مدرك ذلك الاشتراط في البيع ، فإن كان المدرك للاشتراط في البيع هو الإجماع المنعقد على اشتراط البيع بالقدرة على التسليم فلا محالة نحكم بعدم الإلحاق لأنّ الإجماع دليل لبّي فيكتفى فيه بالمقدار المتيقّن ، والقدر المتيقّن منه هو البيع فلا يشمل الصلح حينئذ .

وإن كان مدركه في البيع هو الحديث أعني نهي النبي (صلّى الله عليه وآله) عن بيع الغرر فلا مانع من الحكم بالإلحاق ، وذلك لأنّ هذا النهي حينئذ نظير نهيه (صلّى الله عليه وآله) عن بيع الملامسة أو الحصاة وغيرهما ممّا اُريد منه البيع بالمعنى الأعمّ ويستفيد منه العرف أنّ المعاملة الغررية باطلة لأجل غررها من دون خصوصية للمعاملة ويتعدّون منه إلى جميع الموارد الغررية ، وهذا نظير ما إذا وهب أحد ماله لزيد واشترط عليه أن لا يبيعه فإنّ العرف يستفيد منه عدم جواز نقله إلى الغير من دون خصوصية للبيع بوجه ، وعليه فلا مانع من شمول الحديث للصلح .

إلاّ أنّ الصلح المبني على السماح والمسامحة لا يأتي فيه الغرر أصلا فهو خارج عن الحديث موضوعاً ، وذلك لأنّ الغرض المعاملي يعني ما ينشأه المتصالحان إنّما هو التسالم من دون نظر ولا غرض في أنّ هذا يسوى بكذا وكذا ، فهو ليس أمراً خطرياً بل هو بنفسه صالح الآخر لينتقل هذا المال إليه ، وعليه فلا مانع من التفصيل بين

ــ[352]ــ

الصلح المسامحي والصلح المبني على الدقّة ، هذا كلّه فيما إذا استندنا في إثبات شرطية ذلك إلى الإجماع أو الحديث .

وأمّا إذا استشكلنا في كلّ واحد من الإجماع والحديث وقلنا إنّ الإجماع الموجب للقطع برأي الإمام غير ثابت لأنّ دون تحصيله خرط القتاد ، وأنّ الحديث غير تامّ من جهة السند ، كما أنّ قوله (عليه السلام) « لا تبع ما ليس عندك » غير تامّ من جهة الدلالة فيبقى الاشتراط في نفس البيع خالياً عن الدليل فضلا عن الحاق الصلح به ، وبما أنّه لا دليل عليه غير الأمرين المتقدّمين فلابدّ من ملاحظة الأدلّة الواردة في خصوص بيع العبد الآبق حتّى نرى أنّها بحيث يمكن استفادة هذا الشرط منها لمطلق البيع أو لا .

فنقول : إنّه ورد في بيع الآبق روايتان إحداهما رواية رفاعة وثانيتهما موثّقة سماعة وقد نقلناهما آنفاً ، وهما تدلاّن على عدم جواز بيع الآبق إلاّ في صورة الضميمة  ، ويستفاد منهما أنّ التملّك في البيع بمجرّده لا يكفي في صحّته ، بل لابدّ في البيع من أن يصل إلى المشتري شيء يقابل ما بذله من الثمن ، فالعبد الآبق وإن أمكن الانتفاع منه بعتقه إلاّ أنّه (عليه السلام) مع ذلك لم يكتف به بل اشترط في صحّة بيعه ضمّ شيء إليه ، وهذا من دون اختصاص ببيع الآبق بل لابدّ في جميع البيوع من أن يكون فيها شيء يعود إلى المشتري ، فإذا لم يجز بيع العبد من دون ضميمة مع إمكان الانتفاع منه بعتقه فلا يجوز بيع غيره ممّا لا يمكن الانتفاع منه بوجه بطريق الأولوية وهذا كما في بيع الفرس الشارد حيث إنّه غير قابل للانتفاع بوجه ، فمن هاتين الروايتين نستفيد اشتراط القدرة على التسليم وكون المبيع بحيث يعود إلى المشتري لا محالة في جميع البيوع بل مطلق المعاوضات من دون خصوصية لبيع الآبق .

ثمّ إنّ المذكور في ذيل موثّقة سماعة قوله (عليه السلام) : « فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى معه » وهو بمنزلة التعليل للحكم بالجواز ، ولازم ذلك

ــ[353]ــ

التعدّي من بيع الآبق مع الضميمة إلى بيع مثل الفرس الشارد مع الضميمة ، إلاّ أنّ المشهور لم يلتزموا بذلك وذهبوا إلى بطلانه ، هذا تمام الكلام في إلحاق الصلح بالبيع .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net