4 ـ اشتراط العلم بمقدار الثمن 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4009


الكلام في اشتراط العلم بمقدار الثمن

من جملة الشرائط في صحّة البيع العلم بالثمن ، وقد استدلّوا على اعتباره أوّلا بإجماع المسلمين واتّفاقهم على أنّه إذا باع شيئاً بحكم المشتري بأن علّق تعيين الثمن على إرادة المشتري فالمعاملة باطلة . وثانياً بحديث النهي عن بيع الغرر(1) وثالثاً بالرواية الخاصّة(2) الواردة في أنّ الإمام (عليه السلام) كره أن يشتري الثوب بدينار إلاّ درهم لأنّه لا يدري المشتري أنّ الدينار أيّ مقدار من الدرهم ، هذا .

أمّا الرواية المباركة فلا دلالة فيها على بطلان البيع عند الجهل بالثمن لأنّ الإمام (عليه السلام) إنّما كرهه وهو لا يقتضي البطلان . وأمّا دليل نفي الغرر فقد تقدّم ما فيه سنداً ودلالة ، فلا يبقى في البين إلاّ الإجماع فإن تمّ فهو وإلاّ فلا وجه للاشتراط أبداً ، والظاهر أنّ إجماع المسلمين لم ينعقد على بطلان البيع فيما إذا لم يعيّن ثمنه بل جعله القيمة السوقية ، بل ولا غرر فيه أيضاً كما هو ظاهر ، هذا كلّه بالاضافة إلى ما تقتضيه القاعدة .

وأمّا حكم المسألة بملاحظة الأخبار الواردة في المقام فقد وردت فيها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 17 : 448 / أبواب آداب التجارة ب40 ح3 .

(2) الوسائل 18 : 80 / أبواب أحكام العقود ب23 .

 
 

ــ[361]ــ

صحيحة رفاعة النخّاس(1) وقد سأل فيها الإمام (عليه السلام) عمّا اشتراه من الجارية بحكمه وبعد ما قبضها وواقعها بعث إلى بائعها بألف درهم وقال إنّه حكمي في ثمن الجارية فاستقلّها وأبى أن يقبلها ، فقال (عليه السلام) أرى أن تقوّم الجارية بقيمة عادلة فإن كان قيمتها أكثر ممّا بعثتها إليه ، كان عليك أن تردّ ما نقص من القيمة وإن كان قيمتها أقلّ ممّا بعثت إليه فهو له ... إلى آخر الخبر ، وظاهرها أنّ البيع بحكم المشتري ممّا لا مانع منه وإن كان الثمن مجهولا بحسب الفرض ، هذا إلاّ أنّ شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(2) وجماعة استشكلوا في الرواية بأنّ حكم المشتري إذا كان كافياً في صحّة البيع فلماذا أوجب القيمة السوقية بعدما وقع البيع بثمن خاصّ ، وإذا لم يكن حكم المشتري كافياً فلماذا صحّح البيع في صورة زيادة ما بعثه إليه من القيمة السوقية .

وقد حملها صاحب الحدائق(3) على حكم المشتري المنصرف إلى القيمة السوقية . ويدفعه : أنّ ذلك لا يصحّح الرواية ، إذ لو كان حكم المشتري المنصرف إلى القيمة السوقية كافياً فلماذا أوجب عليه عدم أخذ الزيادة فيما إذا كان ما بعثه إليه أكثر من القيمة السوقية .

وقد أوّلها شيخنا الأنصاري وحملها على ما لا ينبغي حملها عليه ، بل وإسقاطها أولى من تأويلها بما ذكره (قدّس سرّه) وذلك لأنّه (قدّس سرّه) حملها على كون رفاعة وكيلا من قبل مالك الجارية في بيعها بالقيمة السوقية ولذا وجب عليه ردّ ما نقص من القيمة عند كون ما بعثه إليه أقلّ من القيمة السوقية ، وأمّا وجه عدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 17 : 364 / أبواب عقد البيع وشروطه ب18 ح1 .

(2) المكاسب 4 : 208 .

(3) الحدائق 18 : 460 ـ 463 .

ــ[362]ــ

أخذ الزيادة عند كون ما بعثه أكثر منها فهو أنّ المالك يرى غبنه في المعاملة وهو بدفعه الزيادة يريد إرضاء المالك حتّى يُسقط خياره لا أنّه يَسقط كما تخيّله بعض الأكابر وأورد عليه بأنّ دفع الزيادة ليس من مسقطات الخيار بل هو يُسقطه بمعنى أنّه يأخذ الزيادة ويُسقط خياره بنفسه ، وهذا الحمل كما ترى ليس بأقلّ من إسقاط الرواية رأساً .

والصحيح أن يقال : إنّ الرواية لا تحتاج إلى التأويل وأنّها ناظرة إلى ما هو المتعارف بين أهل السوق سيّما الحمّالين حيث إنّ الحمّال يأخذ الحمل ليوصله إلى محلّه فتسأله عن أُجرته وأنّها أيّ مقدار فيقول كيفك وأي مقدار تريده ، والقرائن الحالية قائمة على أنّه لا يريد الأقل من القيمة السوقية وإنّما يخيّره بين دفع اُجرة المثل والزيادة ، وهو بهذا اللفظ يجعل الاُجرة أو الثمن أمراً كلّياً يتحقّق بكلّ واحد من الزيادة والقيمة السوقية ، وقد ذكرنا في الصحيح والأعمّ(1) أنّ بعض الألفاظ يوضع للكلّي الجامع بين القليل والكثير ومثّلنا له بالكلمة لأنّها وضعت لما يشتمل حرفين فصاعداً ، وعليه فيكون الأخ كلمة وأحمد أيضاً كلمة لا أنّ الاُولى أنقص والثانية أزيد أو كلمة مع الزيادة بل كلّها كلّمة بلا زيادة ولا نقيصة ، وكذا لفظ الدار فإنّها وضعت لساحة مشتملة على أربعة حيطان مع الغرفة فإنّها إذا اشتملت على سرداب وغرفتين أيضاً دار لا أنّها دار وزيادة .

وكيف كان فلا مانع من أن يجعل الثمن أمراً كلّياً وجامعاً بين الزائد وثمن المثل  ، فإذا كان ما دفعه موافقاً للقيمة المتعارفة فقد أدّى الثمن وإذا كان أكثر منها فقد دفعه أيضاً ، وليس له أخذ الزيادة لأنّه بدفعه الزائد أوجد الكلّي بذلك الفرد كما أنّه إذا كان أنقص يجب عليه أن يتمّ نقصه لقيام القرائن على عدم توكيله في دفع الناقص

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 1 (الموسوعة 43) : 184 .

ــ[363]ــ

عن ثمن المثل ، وبذلك تندفع جميع المحاذير المتقدّمة فلا يبقى وجه لتأويل الرواية أو إسقاطها مع صحّة سندها ولعلّه ظاهر .

وكيف كان ، فلا ينبغي الإشكال في صحّة الرواية وأنّه لا مانع من جهالة مقدار الثمن ، إذ لا غرر فيها فيما إذا باعه بالقيمة السوقية وهي معروفة بين أهل السوق كما أنّه إذا باعه بسعر ما باعه لغيره أيضاً لا يكون فيه غرر فيما إذا كان ما باعه لغيره بقيمة السوق ، فما ذكره الاسكافي(1) من تجويز قول البائع بعتك بسعر ما بعت والحكم بصحّته نعم ما ذكره ، ولكن قوله : يكون للمشتري الخيار ممّا لا نعرف له وجهاً ، وذلك لأنّ البيع بالسعر المجهول إن كان موجباً للغرر فالمعاملة باطلة من أساسها ، وإن لم يوجب الغرر فالمعاملة صحيحة فما الموجب للخيار في البين ، هذا كلّه في اشتراط العلم بمقدار الثمن .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حكاه عنه في المختلف 5 : 266 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net