أقسام بيع الصبرة - بيع العين بمشاهدة سابقة 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4568


بقى في المقام أمران : أحدهما أنّ الشهيد (قدّس سرّه)(2) ذكر أنّ أقسام بيع الصبرة خمسة وبحسب تعلّق العلم والجهل يصير المجموع عشرة ، ونفرض الكلام أوّلا في أقسام العلم بمقدار الصبرة أحدها : أن يبيع الصبرة بأجمعها ، ولا إشكال في صحّة المعاملة حينئذ لأنّ المفروض أنّ مقدار المبيع معلوم فلا إشكال في صحّتها . ثانيها : أن يبيع بعضها أي بعض هذه الصبرة المعلومة المقدار كما إذا باع نصفها أو ثلثها أو ربعها . وهذه المعاملة أيضاً صحيحة للعلم بمقدار المثمن حسب الفرض وهو

ـــــــــــ
(2) الروضة البهية 3 : 268 .

ــ[422]ــ

بيع كسر مشاع  . ثالثها : أنّ يبيع صاعاً منها على نحو بيع الكلّي في المعيّن ، وقد مرّ أنّ بيع الكلّي في المعيّن صحيح ولا إشكال في صحّته بوجه . رابعها : أن يبيع جميع ما في الصبرة من الحنطة على حساب كلّ صاع منها بدرهم . ولا ينبغي الإشكال في صحّة المعاملة للعلم بمقدار الصبرة حسب الفرض فالمبيع معلوم والفرض بيعه بالكيل فكلّ صاع من المبيع كذا مقدار ، وهذا لا إشكال فيه بوجه . وخامسها : أن يبيع كلّ صاع أراد المشتري من الصبرة بدرهم ، فالصبرة وإن كانت معلومة المقدار حسب الفرض إلاّ أنّ المبيع ليس هو الصبرة في هذه الصورة بل المبيع هو كلّ صاع أراده المشتري ، فبما أنّ المبيع غير معلوم فقد وقع فيه الإشكال ، فذهب بعضهم إلى بطلان المعاملة برأسها وذهب آخر إلى الصحّة في الصاع الأوّل والبطلان في الأصوع المتأخرة ، وقد تعرّضنا لهذه المسألة في الاجارة في بحث الاُصول(1) عند التعرّض لما ذكره العلاّمة (قدّس سرّه) من أنّ أصالة الصحّة في مواردها لا تثبت اللوازم وذكرنا هناك أنّ معنى آجرتك الدار كلّ شهر بدرهم معناه آجرتك هذا الشهر بدرهم والأشهر الآتية بعدد ما أردته بهذه الاُجرة ، وعليه فالاجارة في الشهر الأول صحيحة للعلم بمقدار المدّة وبالاضافة إلى الأشهر الآتية باطلة ، ونظير ذلك نلتزم في المقام لأنّ معنى بعتك كل صاع بدرهم بعتك هذا الصاع بدرهم والباقي على حساب ذلك ، فالمعاملة في الصاع الأول صحيحة وفي الأصوع المتأخرة باطلة ، هذه هي الأقسام الخمسة في صورة العلم بمقدار الصبرة وهي بعينها تجري في صورة الجهل بمقدارها .

أمّا الصورة الاُولى أعني بيع جميع الصبرة مع الجهل بمقدارها فلا إشكال في بطلانها للجهل بمقدار الصبرة ، فالمبيع مجهول وغير معلوم المقدار ويكون البيع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 3 (الموسوعة 48) : 403 .

ــ[423]ــ

غررياً وجزافاً . ثانيتها : بيع بعض منها كنصفها أو ثلثها وهي أيضاً باطلة للجهل بمقدار الصبرة الموجب للجهل بنصفها أو ثلثها وأنّه أيّ مقدار . وثالثتها : بيع صاع من الصبرة المجهولة المقدار على نحو بيع الكلّي في المعيّن ، وهذا لا إشكال في صحّته للعلم بمقدار المبيع وهو الصاع وإن لم يعلم أنّ نسبة الصاع إلى مجموع الصبرة هي النصف أو الثلث أو غيرهما إلاّ أنّ ذلك لا يضرّ بصحّة المعاملة إذ لا يشترط فيها العلم بمقدار نسبة المبيع إلى المجموع وأنّه صار شريكاً مع البائع في أيّ مقدار ، نعم هناك كلام في أنّه يشترط في صحّة البيع العلم باشتمال الصبرة على المقدار المبيع أو لا يشترط ذلك بل مع الجهل باشتمالها عليه أيضاً تصحّ المعاملة وسيأتي الكلام في ذلك(1) عن قريب . ورابعتها : أن يبيع كل صاع من الصبرة المجهولة بكذا بأن يكون المبيع كل صاع يريده المشتري ، فقد وقع الإشكال في صحّة هذه المعاملة وفسادها إلاّ أنّ الظاهر صحّة المعاملة في هذه الصورة أيضاً بالاضافة إلى الصاع الأول دون الأصوع الاُخرى لعدم شيء من الموانع في البين ، أمّا الغرر فلأنّه لا غرر حينئذ في المعاملة لأنّ المفروض أنّ كلّ صاع إنّما يقع في مقابل درهم فلا يذهب ماله هدراً نعم لا يعلم بعدد الأصوع وأنّ ما ينتقل إليه أيّ مقدار ولكنّه يعلمه بعد التقدير والكيل  ، وهذا المقدار من الجهالة لا يمنع عن صحّة البيع لعدم استلزامه الغرر ، وأمّا الكيل والوزن فالمفروض أنّ الصاع الأول معلوم الكيل وإنّما الجهالة في الأصوع الاُخرى للجهل بمقدار ما يريده المشتري .

وخامستها : بيع الصبرة المجهولة على أنّ كل صاع منها بدرهم ، بأن يكون المبيع هو نفس الصبرة بأجمعها لا كلّ صاع منها كما مرّ في سابقتها ، فالظاهر صحّة المعاملة لعدم لزوم الغرر ، فإنّ كلا منهما يعلم أنّ كلّ صاع هو في مقابل درهم غاية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في الصفحة الآتية .

ــ[424]ــ

الأمر أنّهما لا يعلمان بعدد الدراهم والأصوع وهذا ليس خطرياً . وأمّا اشتراط معرفة المقدار بحسب الكيل والوزن والعدد فالروايات الدالّة عليه إنّما تدلّ على بطلان بيع الجزاف ، فالمناط هو صدق هذا العنوان ومن الواضح أنّ بيع الصبرة المجهولة على أنّ كل صاع منها بدرهم ليس جزافاً للعلم بمقدار ما يحصل عليه المشتري في مقابل كل درهم وما يحصل عليه البائع في مقابل كل صاع . فالمتحصّل من ذلك أنّ بعض صور العلم والجهل مشترك في الصحّة والفساد وبعضها الآخر مفترقان .

ومن صور الافتراق ما إذا باع الصبرة بأجمعها لأنّه صحيح عند العلم بالصبرة وباطل عند الجهل بها . ومنها : ما إذا باع كسراً مشاعاً منها كما إذا باع نصفها أو ثلثها وهكذا فإنّه صحيح أيضاً عند العلم بمقدار الصبرة وباطل في صورة الجهل بمقدارها .

ومن صور الاشتراك ما إذا باع الصبرة بأجمعها على أنّ كل صاع منها بدرهم فإنّه صحيح على تقديري العلم والجهل . ومنها : ما إذا باع كل صاع منها بدرهم فإنّ البيع في الصاع الأول منها صحيح على كلا تقديري العلم والجهل وفي غيره من الأصوع باطل على كلا التقديرين أيضاً . ومنها أيضاً : ما إذا باع صاعاً منها بكذا فإنّه بيع كلّي في المعيّن وصحيح على كلا التقديرين ، نعم هناك كلام في أنّا إذا جهلنا باشتمال الصبرة على الصاع فهل يحكم بصحّة المعاملة أو يحكم ببطلانها ؟ فربما يقال بالبطلان حينئذ للجهل بوجود المبيع والجهل بوجوده من أوضح أنواع الغرر ، وقد مال إليه شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) بدعوى أنّ المعاملة غررية .

والظاهر أنّ المعاملة صحيحة أمّا أوّلا : فلأنّ الغرر إنّما يتوجّه فيما إذا باع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 2 : 395 .

ــ[425]ــ

الصاع على كلّ تقدير وأمّا إذا باعه على تقدير وجوده فلا يتحقّق فيه غرر بوجه والتعليق على وجود الموضوع لا يوجب البطلان .

وأمّا ثانياً : فلأنّ البيع كما ذكرناه سابقاً ينحلّ إلى بيعين أو أكثر حسب تعدّد المبيع ، وعليه فإذا باع صاعاً مثلا بدرهم فقد باع كل نصف منه بنصف درهم فإذا فرضنا أنّ الموجود في الصبرة نصف الصاع لا تمامه فالبيع في الموجود صحيح وفي النصف غير الموجود باطل ، فهو لا يوجب البطلان في النصف الموجود أيضاً لأنّه من قبيل ضمّ بيع باطل إلى صحيح وهو لا يوجب البطلان ، وأمّا أنّ المشتري يتخيّر حينئذ أو لا يتخيّر فسيأتي الكلام فيه في بحث الخيار تفصيلا وأشرنا إليه سابقاً وذكرنا أنّ الخيار المعاملي (دون التعبّدي كخيار المجلس ونحوه) إنّما يثبت بأمرين :

الأول : الاشتراط من المتعاملين فإنّه يوجب الخيار عند التخلّف لا محالة والثاني اشتراطه ببناء العقلاء وإن لم يشترطه المتعاملان ، والأول غير متحقّق في المقام فلابدّ من ملاحظة أنّ الاجتماع في نصفي المبيع هل يتعلّق به غرض العقلاء وأنّ العقلاء يعتبرونه في المعاملات كما في مصراعي الباب أو النعال أو جلدي كتاب واحد وهكذا فيثبت له الخيار لا محالة ببناء العقلاء ، أو أنّ الاجتماع ليس متعلّقاً للغرض العقلائي كما في الأرز والحنطة وغيرهما من الحبوب فإنّ العقلاء لا يتعلّق غرضهم باجتماع نصفي الأوقية في الأرز مثلا بل لا يفرّق بين اجتماعهما وافتراقهما فلا يثبت له الخيار ، نعم ربما يكون الاجتماع في مثل الأرز أيضاً متعلّقاً للغرض الشخصي كما إذا كان نصفه الآخر من اُرز آخر لأوجب الفساد في الطبخ ، إلاّ أنّ الأغراض الشخصية لابدّ من أن تشترط في ضمن العقد لا محالة .

الأمر الثاني : إذا شاهد عيناً في زمان سابق ثمّ عقد عليها بتلك الرؤية

ــ[426]ــ

المتقدّمة فهل المعاملة صحيحة أو فاسدة ؟ والكلام في ذلك يقع في مقامين : أحدهما في حكم نفس البيع بلحاظ الرؤية السابقة من الصحّة والفساد . وثانيهما : في حكمه بلحاظ اشتراط وجود الأوصاف وأنّ حكمه عند التخلّف ماذا .

أمّا المقام الأول : أعني ما إذا باع شيئاً بملاحظة الرؤية السابقة من دون أن يشترط فيه وجود الأوصاف المرئية سابقاً بل بما هو هو كما إذا تبرّأ البائع عن الأوصاف ، وإنّما باع الموجود الذي رآه سابقاً وإلاّ فبملاحظة اشتراط الأوصاف فلا ينبغي الإشكال في صحّته ولو لم يره أصلا بوجه ، فنقول : إنّ العادة تارة تقتضي عدم تغيّر العين عمّا شاهدها عليه من الأوصاف كما إذا شاهد جارية قبل شهر أو شهرين أو شاهد داراً قبل أشهر فإنّ العادة تقتضي في أمثال ذلك عدم تغيّر الجارية من قوّة باصرتها أو صحّة مزاجها وجمالها في مدّة شهر واحد ، وكذلك الحال في الدار ولعلّه ظاهر . واُخرى تقتضي تغيّرها وعدم بقائها على تلك الأوصاف كما إذا شاهد الجارية قبل أربعين سنة أو الدار قبل ثلاثين سنة فإنّ العادة تقتضي ذهاب جمال الجارية وضعف قوّة باصرتها للخياطة ونحوها كما أنّها تقتضي خراب الدار واضمحلال أوضاعها في المدّة المزبورة .

فإن كانت المشاهدة قبل مدّة تقتضي العادة عدم بقاء العين على أوصافها السابقة فلا ينبغي الإشكال في فساد المعاملة لجهالة المبيع وعدم مشاهدته حسب الفرض حين المعاملة ، وأمّا إذا كان قبل مدّة تقتضي العادة بعدم تغيّر العين وزوالها عمّا شاهدها عليه من الأوصاف فلا محالة يحكم بالصحّة للاطمئنان حينئذ بالبقاء وإذا فرضنا أنّ العادة لا تقتضي البقاء ولا تقتضي الزوال في مورد كما إذا شاهد الجارية قبل عشر سنين فإنّ العادة في مثل ذلك غير مقتضية للبقاء أو الزوال فهل يمكن إحراز بقاء الأوصاف في مثله بالاستصحاب ويحكم بصحّة المعاملة بذلك أو  لا  .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net