إحراز بقاء أوصاف المبيع بالاستصحاب - إذا اشترى المبيع برؤية سابقة وقد ظهر التخلّف 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4048

ــ[427]ــ

ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ الاستصحاب من الطرق العقلائية للإحراز وهو نظير إخبار البائع بالكيل والوزن فلا مانع من استصحاب بقائها على حالها والحكم بصحّة المعاملة الواقعة عليها ، هذا .

وقد استشكل في ذلك شيخنا الاُستاذ(2) بأنّ الأثر في المقام أعني الحكم بصحّة المعاملة غير مترتّب على وجود تلك الأوصاف واقعاً وبقاء العين بحالها في نفس الأمر ، بل إنّما يترتّب على إحرازها والعلم بها وإن لم تكن موجودة في الواقع وذلك لأنّ الغرر إنّما ينتفي بالإحراز والعلم ببقاء العين على أوصافها السابقة لا بوجود تلك الأوصاف في الواقع وإن لم تحرز في المعاملة ، والاستصحاب إنّما يجري فيما إذا كان الأثر مترتّباً على الواقع فإنّه يوجب الحكم بترتّبه في مقام الشكّ أيضاً دون ما إذا كان الأثر مترتّباً على نفس الإحراز والعلم .

وهذا الذي أفاده (قدّس سرّه) ينافي مسلكه حيث إنّه (قدّس سرّه)(3) بنى على أنّ الاُصول تقوم مقام القطع الموضوعي الطريقي فلا وجه لمنعه عن صحّة المعاملة في المقام بالاستصحاب ، نعم بناءً على ما ذهب إليه صاحب الكفاية (قدّس سرّه)(4) من عدم قيام الاُصول والأمارات مقام القطع المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية لا مانع من منع جريان الاستصحاب في المقام ، هذا .

ويمكن أن يقال إنّ الاستصحاب إنّما يجري في المقام فيما إذا كان الأثر مترتّباً على نفس الواقع أو على العلم به وإحرازه بناءً على أنّ الاستصحاب يقوم مقام

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 4 : 270 .

(2) منية الطالب 2 : 396 .

(3) أجود التقريرات 3 : 19 .

(4) كفاية الاُصول : 263 .

ــ[428]ــ

القطع المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية ، إلاّ أنّ الأثر أعني صحّة المعاملة ليست مترتّبة على شيء من الواقع والعلم به بل إنّما يترتّب على عدم الغرر وانتفائه كما هو مقتضى قوله (صلّى الله عليه وآله) « نهى النبي عن بيع الغرر »(1) فالموضوع للصحّة هو عدم الغرر أي عدم احتمال الضرر ، وأمّا العلم فلم يترتّب الصحّة عليه في شيء من الروايات وغيرها ، نعم عدم احتمال الضرر وانتفاء الغرر ملازم عقلا للعلم بوجود الأوصاف ، فعليه فاستصحاب بقاء الأوصاف على القول بقيامه مقام العلم لا يثبت انتفاء الغرر وعدم احتمال الخطر حتّى يترتّب عليه الصحّة إلاّ بناء على القول بالاُصول المثبتة ، لأنّ عدم احتمال الخطر الذي هو الموضوع للحكم بالصحّة ملازم للعلم بوجود الأوصاف عقلا ، وهذا هو الوجه في عدم جريان الاستصحاب في المقام.

وأمّا المقام الثاني : إذا اشترى العين المرئية سابقاً من جهة اقتضاء العادة ببقائها على ما كانت عليه وظهر المبيع كما كان فلا إشكال في صحّة البيع ، وأمّا إذا ظهر التخلّف وعدم اشتمالها على الأوصاف السابقة فهل يحكم ببطلان المعاملة أو بصحّتها  ؟ فيه وجوه ، الأول : الحكم بالبطلان كما نسب إلى العلاّمة (قدّس سرّه)(2)والثاني : الحكم بالصحّة من دون خيار . والثالث : الحكم بالصحّة مع الخيار ، وهو المعروف .

أمّا الوجه الأول فالوجه فيه أمران : أحدهما دعوى أنّ الأوصاف يتقسّط عليها الثمن فإذا تخلّفت فالمبيع غير متحقّق في الخارج لأنّ الثمن إنّما بذل على الذات وأوصافها والمفروض أنّ الأوصاف متخلّفة ، وهذا أنسب بما حكي عن العلاّمة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 17 : 448 / أبواب آداب التجارة ب40 ح3 .

(2) نهاية الأحكام 2 : 501 .

ــ[429]ــ

(قدّس سرّه) من الاستدلال على البطلان بأنّ ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع .

ويدفعه : ما ذكرناه غير مرّة من أنّ الأوصاف لا يتقسّط عليها الثمن وإنّما يبذل المال في مقابل الذوات ، نعم الصفات دخيلة في زيادة قيمة الموصوف أو المشروط لا أنّها ممّا يقع الثمن بازائها ، والمفروض أنّ المبيع موجود فلا وجه للبطلان حينئذ .

وثانيهما : دعوى أنّ البيع إنّما وقع على الموصوف أو المشروط وانتفاء الشرط والوصف يوجب انتفاء الموصوف والمشروط لا محالة فالمبيع غير موجود .

وفيه : من المغالطة ما لا يخفى ، وذلك لأنّ انتفاء الشرط أو الوصف إنّما يوجب انتفاء المشروط فيما إذا كان من أجزاء العلّة كما إذا وقع العقد على المشروط مقيّداً ومعلّقاً على وجود الشرط والوصف بحيث لو لم يكن المشروط متّصفاً به لم يلتزم بالبيع ، فنفس البيع دون المبيع معلّق على الشرط والوصف فانتفاؤه حينئذ وإن كان يوجب انتفاء المشروط أيضاً إلاّ أنّ البيع في مثله باطل ولو مع وجود الأوصاف أيضاً فضلا عمّا إذا تخلّف عن المشروط ، وذلك لأنّه من التعليق المبطل للمعاملة وأمّا إذا لم يكن الشرط والوصف من أجزاء العلّة بل إنّما وقع البيع على شيء واشترط فيه أمر خارج عن المبيع فتخلّفه لا يوجب انتفاء المشروط لأنّه حينئذ من قبيل الالتزام في التزام فتخلّفها يوجب الخيار فقط كما سيأتي تفصيل ذلك في بحث الشروط إن شاء الله تعالى .

وأمّا الوجه الثاني ، أعني الحكم بالصحّة من دون خيار فالوجه فيه أنّ البيع والمعاملة صحيحة لما عرفت من أنّ الثمن لا يتقسّط على الأوصاف ، وأمّا وجه عدم الخيار فهو أنّ الوصف والشرط لم يذكر في ضمن العقد حتّى يوجب تخلّفه الخيار بل إنّما تبانيا عليه خارجاً وتخلّفه حينئذ لا يوجب الخيار .

ــ[430]ــ

وأجاب عن ذلك شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) بأنّ الشروط والأوصاف التي لا تصحّ المعاملة إلاّ إذا وقعت مبنيّة عليها لا يحتاج إلى ذكرها في ضمن العقد بل دخولها فيه أولى من دخول الشرط المذكور على وجه الشرطية .

وقد أوضحه شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(2) بأنّ الأوصاف والشروط على أقسام أربعة : الأوّل الشرط أو الوصف المذكور في العقد ، فلا ينبغي الإشكال في أنّ تخلّفه يوجب الخيار . الثاني : الشرط أو الوصف الذي بنى العقلاء على اشتراطه في المعاملات ولأجل هذا البناء تدلّ المعاملة على الاشتراط به بالدلالة الالتزامية وتخلّف ذلك أيضاً يوجب الخيار ، وهذا كاشتراط تسليم المبيع في بلد المعاملة أو اشتراط كونه بالقيمة السوقية فإنّهما وإن لم يذكرا في المعاملات ، إلاّ أنّ العقلاء بنوا على اشتراطها بهما فلو أراد تسليم المبيع في بلد آخر يكثر فيه المبيع فلا أظنّ فقيهاً التزم بلزوم هذه المعاملة بل هو من قبيل تخلّف الشرط يوجب الخيار ، وهكذا الأمر فيما إذا ظهرت قيمته أكثر من القيمة السوقية فإنّ المشتري على الخيار وإن لم يشترط ذلك في ضمن المعاملة . الثالث : الشرط أو الوصف الذي لم يبن العقلاء على اشتراط المعاملة به ولم يذكر في العقد أيضاً بل كان شرطاً شخصياً إلاّ أنّ صحّة المعاملة في المورد كانت متوقّفة عليه ، وهذا نظير المقام فإنّ وصف الكتابة ليس ممّا بنى العقلاء على اشتراط المعاملة بوجوده ولم يذكر في العقد أيضاً إلاّ أنّ صحّة بيع العين الغائبة تتوقّف على وجوده دفعاً للغرر وهو شرط شخصي ويوجب تخلّفه الخيار أيضاً . الرابع : الشرط أو الوصف الخارجي غير المذكور في العقد ولا بنى العقلاء على اشتراط المعاملة به ولم يكن ممّا يتوقّف عليه صحّة العقد أيضاً كوصف الكتابة في بيع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 4 : 273 .

(2) منية الطالب 2 : 397 .

ــ[431]ــ

العبد الحاضر ، فتخلّف مثله لا يوجب الخيار ، هذا ملخّص ما أفاده (قدّس سرّه) في توضيح كلام شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) .

وللمناقشة فيما أفاده كبرىً وصغرىً مجال واسع ، أمّا بحسب الصغرى فلأنّ صحّة العقد في بيع العين المرئية لا يتوقّف على وجود الأوصاف وبناء العقد عليها دائماً ، وذلك لبداهة أنّ المشتري إذا كان مطمئناً بوجود الأوصاف السابقة من جهة اقتضاء العادة بقاءها أو من جهة إخبار البائع بوجودها فيما إذا كان البائع ممّن يوثق به وتبرّأ البائع من الأوصاف وقال إنّما أبيع الموجود المشاهد سابقاً بأيّ نحو كان وأسقط الخيار ، فلا ينبغي الإشكال في أنّ المعاملة صحيحة حينئذ وإن تخلّف عنها الأوصاف أيضاً ، وذلك للإطمئنان بوجودها حين البيع وعدم كون البيع حينئذ غررياً ، نعم لو لم يكن مطمئناً بوجود الأوصاف كما إذا لم تكن العادة مقتضية لبقائها أو لم يخبر البائع بوجودها أو أخبر ولكن لم يكن موثوقاً به فحينئذ لابدّ في صحّة المعاملة من إيقاعها مبتنية على وجودها ، وتتوقّف صحّتها على بناء العقد على وجود الأوصاف لا محالة ، ولكنّ المورد لا ينحصر بذلك وقد عرفت أنّ في بعض الموارد والمصاديق لا تتوقّف صحّة العقد على البناء على وجودها ولعلّ ذلك ظاهر .

وأمّا بحسب الكبرى : فلأنّ الوجه في صحّة العقد عند البناء على الأوصاف السابقة إنّما هو صيرورة المشتري بذلك ذا خيار عند ظهور تخلّف الأوصاف وهذا الخيار ينفي احتمال الخطر ويدفع الغرر ولذا يوجب صحّة المعاملة حينئذ ، فتصير النتيجة أنّ اشتراط تلك الأوصاف في البيع ينفي الغرر ، وعليه فنسأل الفارق بين الأوصاف والشروط التي اشتراطها ينفي الغرر ويستلزم صحّة العقد ، وبين الأوصاف والشروط التي لا ربط لها بنفي الغرر ولا يلزم من عدمها الغرر أيضاً وأنّه لماذا يستلزم تخلّف القسم الأول الخيار ولو لم يذكر في العقد بخلاف التخلّف في القسم الثاني المعبّر عنه بالأوصاف الخارجية فإنّ التخلّف فيها لا يستلزم الخيار إلاّ

ــ[432]ــ

فيما إذا ذكرت في ضمن العقد والمعاملة ، ولم يظهر ممّا أفاده (قدّس سرّه) وجه الفرق بينهما .

فالمتحصّل : أنّه لا دليل على الفرق بين القسمين ولا وجه له أيضاً ، بل لابدّ إمّا من أن نلتزم بالخيار عند التخلّف في كلا القسمين ولو لم يذكرا في العقد ، وإمّا أن نلتزم بعدم الخيار عند تخلّفهما فيما إذا لم يذكرا في ضمن المعاملة ، وبناءً على عدم الخيار في القسم الأول إمّا أن نلتزم بفساد المعاملة للغرر وإمّا أن نلتزم بصحّتها من جهة وجود المبيع وعدم تقييده بالأوصاف ، فما أفاده (قدّس سرّه) في المقام مورد للمناقشة كبرىً وصغرىً .

والتحقيق أن يقال : إنّ ما اشتهر من أنّ الشرط إذا لم يذكر في ضمن العقد فلا يوجب تخلّفه الخيار كلام عار عن الدليل ولم ترد بذلك رواية ولا آية فلا يمكن الالتزام به بوجه ، نعم نلتزم بأنّ العهود القلبية والبناء القلبي ممّا لا اعتبار به في باب المعاملات بل لابدّ من إبرازها في الخارج بمبرز لا محالة ، بل لا يصحّ إطلاق الشرط على البناء القلبي أيضاً كما سيأتي تفصيله في بحث الشروط لأنّ الشرط كما حكاه شيخنا الأنصاري(1) عن القاموس عبارة عن الرابط بين شيئين ومنه الشريط المعروف لأنّه يربط أحد الشيئين بالآخر ، والأمر القلبي ما لم يبرز في الخارج ولم يتحقّق في عالم الوجود الخارجي لا معنى لكونه ربطاً بين الشيئين ، إذ لا وجود له في الخارج حتّى يوجب الارتباط ، إلاّ أنّ الابراز لا وجه لتقييده بما يكون مذكوراً في ضمن العقد والمعاملة بل يكفي في الإبراز القرائن الحالية والمقالية ومنها الارتكاز العقلائي كما ذكرناه في مثل تسليم المال في بلد العقد والغبن والعيب فإنّها توجب الخيار وإن لم تذكر في ضمن المعاملة والعقد .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ المكاسب 6 : 11 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net