الكلام في التفقّه في مسائل التجارات 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3760


الكلام في التفقّه في مسائل الحلال والحرام

المتعلّقة بالتجارات

ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ المعروف بين الأصحاب تبعاً لظاهر تعبير الشيخ بلفظ ينبغي استحباب التفقّه في المسائل المتعلّقة بالتجارات حتّى لا يقع في الفاسد والمحرّم منها ، ثمّ حاول (قدّس سرّه) توجيه الاستحباب الظاهر من كلام الشيخ (قدّس سرّه) .

والذي ينبغي أن يقال : إنّ تحصيل العلم بالأحكام تارة يكون واجباً من جهة حفظ الأحكام عن الاندراس ولأجله يجب تحصيل العلم بالمسائل التي لا يبتلى بها ذلك العالم المحصّل لها ، مثلا يجب عليه تحصيل العلم بمسائل الحجّ مع القطع أو الاطمئنان بعدم حصول الاستطاعة له أو تحصيل الأحكام المتعلّقة بالنساء مع أنّه لا يبتلى بها ، وهكذا في غيرها من الأحكام لأجل التحفّظ عن الاندراس . والوجوب في هذا المقام كفائي فيجب معرفة الأحكام على كلّ واحد من الناس على نحو الكفائي ، فلو قام به مَن به الكفاية في معرفة الأحكام بل تدريسها وتعليمها فضلا عن تعلّمها لسقط عن غيره لا محالة .

والدليل على وجوب التعليم والتعلّم في الأحكام قوله تعالى : (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 4 : 337 .

ــ[491]ــ

كُلِّ فِرْقَة) الآية(1)، فإنّها أوجبت التفقّه في الدين على بعضهم دون جميعهم ، هذا . ثمّ إنّ الامتثال لهذا الواجب الكفائي لا يمكن إلاّ بالاجتهاد لأنّه الذي يمنع عن اندراس الأحكام ولا يكفي فيه التقليد بوجه بل يجب الاجتهاد في جميع الأحكام الشرعية وتعليمها على نحو الواجب الكفائي .

واُخرى يجب معرفة الأحكام ووسائل الحلال والحرام من جهة عمل نفسه ووظيفته لا من جهة حفظها عن الاندراس ، وعليه فيجب عليه تحصيل العلم بالأحكام والمسائل التي يحتمل ابتلاءه بها عادة ، لتنجّز الأحكام بالعلم الاجمالي بوجودها ، وعليه فلو قصّر في تحصيل العلم بالأحكام وارتكب وصادف المحرّم الواقعي يعاقب عليه لا محالة ولو كان حين الارتكاب غافلا لتقصيره في المقدّمات .

نعم ، هناك كلام في أنّ العقاب هل هو على مخالفة الحكم الواقعي المجهول أو على مخالفة الأمر بالتعلّم وترك تحصيل المعرفة بالأحكام ، وقد ذهب الأردبيلي(2)إلى الثاني والمشهور إلى الأول ، وقد تعرّضنا للخلاف وبيّنا الصحيح منهما في الاُصول(3) فلا نعيد .

وكيف كان ، فالوجوب في هذا المقام عيني ، ولكنّه إنّما يجب في المسائل التي يحتمل ابتلاءه بها عادة لا في جميع الأحكام ولو لم تكن راجعة إليه كمسائل الحجّ مع القطع بعدم حصول الاستطاعة له أو مسائل الزكاة على البقّالين مع اطمئنانهم بعدم حصول النصاب في الزكاة عندهم ، وكذا مسائل النساء للرجال أو العكس فإنّ تعليمها وتعلّمها ليس واجباً على من يطمئن بعدم الابتلاء بها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التوبة 9 : 122 .

(2) مجمع الفائدة 2 : 110 .

(3) مصباح الاُصول 2 : (الموسوعة 47) : 573 .

ــ[492]ــ

ثمّ إنّ تحصيل العلم والمعرفة بالأحكام أعمّ من معرفتها على نحو الاجتهاد والتقليد ، فالمتعيّن عليه هو المعرفة وأمّا الاجتهاد فلا كما هو أوضح من أن يخفى .

فالمتحصّل أنّ المقصّر في تحصيل المعرفة في الأحكام الشرعية معاقب على تقدير مصادفته الحرام واقعاً ، ويجب عليه تحصيل العلم والمعرفة قبل ذلك بمجرد احتمال الابتلاء بها بحسب العادة . ثمّ إنّ هذا الوجوب حكم عقلي من جهة دفع الضرر والعقاب المحتمل ، هذا كلّه في كبرى المسألة .

وأمّا في خصوص المقام ففيه مزية خاصّة على غيره من المقامات فإنّه في سائر المحرّمات إذا قصّر في تحصيل المعرفة فلا يترتّب عليه إلاّ العقاب على تقدير ارتكابه الحرام واقعاً ، وأمّا في المقام فمضافاً إلى ترتّب العقاب في المحرّمات التكليفية من المعاملات يترتّب عليه أي على عدم معرفة الأحكام عدم جواز التصرف في شيء من المثمن أو الثمن ، لاستصحاب عدم انتقال المثمن من ملك مالكه إلى المشتري ، وكذا الثمن بالنسبة للبائع فلا يجوز للمشتري التصرف في المثمن لاحتمال عدم الانتقال إليه ولا في الثمن لاحتمال صحّة المعاملة بحسب الواقع وانتقاله إلى البائع ولا يجري استصحاب عدم انتقاله إلى البائع لكون الشبهة حكمية قبل الفحص وإنّما كان يجري استصحاب عدم انتقال المثمن إليه لكونه موافقاً للاحتياط فيجري قبل الفحص ، وعليه فالنهي في صورة الجهل في المعاملات عقلي من جهة دفع احتمال العقاب وشرعي من جهة الاستصحاب ، وهذا بخلاف سائر المقامات فإنّ النهي فيها عقلي فقط ، هذا كلّه في هذه الصورة .

وثالثة تكون معرفة الأحكام مستحبّة شرعاً لا واجباً كفائياً ولا عينياً ، وهذا كما في الموارد التي يطمئن بعدم ابتلائه بها ولكنّه يحتمل الابتلاء بعيداً كالعراقي الذي لا شغل له بخارج العراق كبلاد اُروبا إلاّ أنّه يحتمل المسافرة إليها بعيداً فيتعلّم أحكام القبلة في تلك البلاد وأنّها إذا اشتبهت ماذا يصنع المكلّف بالصلاة ، أو أنّ المياه

ــ[493]ــ

الموجودة في الأنابيب غير المعلوم اتّصالها بالكرّ طاهرة أو محكومة بالنجاسة وعليه فتكون معرفة تلك الأحكام مستحبّة لاطلاق روايات الاحتياط مثل «  أخوك دينك فاحتط لدينك »(1) فالمتحصّل أنّ معرفة الأحكام تجب بالوجوب الكفائي تارةً وبالوجوب العيني اُخرى وتتّصف بالاستحباب ثالثة ، هذا .
ـــــــــــــ

(1) الوسائل 27 : 167 / أبواب صفات القاضي ب12 ح46 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net