الأصل عدم اللزوم في مثل المسابقة - أصالة اللزوم في الشبهات الموضوعية 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4956


وبالجملة : أنّ هذه الروايات كما تمنع من جريان استصحاب عدم ارتفاع العلقة الثابتة في المجلس لدلالتها على اللزوم بعد الافتراق ، كذلك تمنع من جريان استصحاب الملكية بعده .

وكيف كان فلا وجه للتمسك باستصحاب الملكية مع وجود الروايات . ولعلّه إلى ذلك أشار بالأمر بالتأمّل .

ثم إنه (قدّس سرّه)(1) تعرّض إلى كلام العلاّمة (قدّس سرّه) في المختلف(2) وذكر أنّ ظاهره أنّ الأصل عدم اللزوم عند الشك في مثل المسابقة من أنّها لازمة أو جائزة . وقال إنّ من تأخّر عنه (قدّس سرّه) لم يردّه إلاّ بعموم قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ثم ذكر أنّ التمسك بأوفوا بالعقود في مثل المسابقة ونحوها ممّا لا يتضمّن تمليكاً أو تسليطاً قبل العمل وإن كان صحيحاً وبه نحكم بلزومها إلاّ أنه لولا عموم هذا الدليل لم يكن مانع من استصحاب عدم اللزوم في مثل المسابقة لعدم اشتمالها على تمليك أو تسليط قبل العمل ويجوز لهما الرجوع ، فإذا رجع أحدهما بعد العمل وشككنا في لزومها حتى لا يؤثّر فيها الفسخ وجوازها حتى يؤثّر فيه فيتمسك باستصحاب الجواز ، وبه نثبت أنّ الأصل في مثل المسابقة عدم اللزوم . وكيف كان فقد استحسن هذا الاستصحاب في المسابقة ، هذا .

وقد ذكرنا تفصيل ذلك في بحث الاستصحاب التعليقي(3) وذكرنا أنّا لا نقول بجريان الاستصحاب في الأحكام الكلّية الإلهية ، وعلى تقدير القول به فلا نقول

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 23 .

(2) المختلف 6 : 255 .

(3) مصباح الاُصول 3 (موسوعة الإمام الخوئي 48) : 161 التنبيه السادس .

ــ[45]ــ

بجريانه في الأحكام التعليقية ، إلاّ أنه لا مانع من جريان الاستصحاب في مثل المسابقة والجعالة ونحوهما فيما إذا قلنا بجريانه في الأحكام الكلية ، إذ ليست تلك العقود من قبيل الأحكام التعليقية ، وذلك لأنّ الحكم في موارد التعليق غير محقّق فعلا ومعلّق على ثبوت أمر آخر وهو المعلّق عليه ، ولذا أنكرنا جريان الاستصحاب فيه ، وفي هذه العقود ليس الالتزام تعليقياً بل هو فعلي والملتزم به أمر تقديري وذلك لأنّ الالتزام فيها على نحو القضية الحقيقية وكأنه انعقد على أنّ كل من سبق الآخر فله كذا ، فالحكم والالتزام فعلي والملتزم به وهو الجزاء معلّق على تحقّق السابق على الآخر خارجاً ، ولأجله إذا شككنا بعد العمل في أنّ الالتزام هل يرتفع بالفسخ أو لا يرتفع فيستصحب الالتزام السابق لا محالة ، لأنّ الالتزام الفعلي بعد ما صدر منهما فقد أمضاه الشارع حسب الفرض فلو بدا لأحدهما في التزامه بعد العمل فلا يبدو للشارع في إمضاء التزامهما .

وعلى الجملة : يجري استصحاب الالتزام في المسابقة ونحوها بلا إشكال كما ذكرنا تفصيل ذلك في الاُصول وتعجّبنا من شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) تبعاً لشيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه) حيث إنّه التزم بجريان الاستصحاب في الأحكام التعليقية ولم يلتزم به في المقام أعني عقود المسابقة والجعالة ونحوها ـ ولعلّه من جهة عدم ثبوت اللزوم قبلها فيكون من الاستصحاب التعليقي ـ لأنه كما عرفت يستصحب الجواز دون اللزوم ، وياليته عكس الأمر والتزم بجريان استصحاب اللزوم في المقام ومنع من جريانه في الأحكام التعليقية .

أصالة اللزوم في الشبهات الموضوعية

ثم إنّ ما ذكرناه من أنّ الأصل في المعاملات اللزوم من جهة عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) أو الاستصحاب أو غيرهما إنّما هو في الشبهات الحكمية كما إذا شككنا في

ــ[46]ــ

أنّ البيع لازم أو جائز ، وأمّا في الشبهات الموضوعية كما إذا شككنا في أنّ الواقع في الخارج هل هو عقد بيع حتى يحكم بلزومه أو أنه عقد هبة حتى يحكم بجوازه للعلم بخروج مثل الهبة عن عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وغيره من الأدلّة الدالّة على اللزوم فإن قلنا بجواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية فلا مانع من التمسك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لاثبات اللزوم .

وأمّا إذا منعنا عنه فإن كان هناك أصل موضوعي يثبت الجواز أو اللزوم فهو المتّبع ، وهذا كما إذا شككنا في أنّ الهبة ممّا قصد به القربة حتى لا يجوز فيها الرجوع لأنّ ما كان لله فلا رجوع فيه ، أو أنّها ممّا لم يقصد به القربة فيجوز الرجوع فيها ، لأنّ الأصل في مثله عدم قصد القربة وبه يثبت الجواز .

فكذلك الحال فيما إذا شككنا في أنّ بين الواهب والمتّهب قرابة وأنّ الهبة إليه هبة إلى ذي الرحم حتى يحكم بلزومها أو أنه لا قرابة بينهما وأنّ الهبة إليه هبة إلى غير ذي الرحم فيحكم بجوازها ، لأنّ الأصل يقتضي عدم القرابة بينهما وأنه لم يتولّد المتهب من اُمّه أو عمّه ونحوهما وبه يثبت الجواز .

أو إذا شككنا بعد انقضاء المجلس في أنّهما هل جعلا الخيار في البيع أم لم يجعلاه فيستصحب عدم جعلهما الخيار وبه يثبت اللزوم .

وإن لم يكن في البين أصل موضوعي ـ وهذا كما إذا شككنا في أنّ الواقع عقد بيع أو هبة أو أنّه صلح أو عقد جائز آخر ـ فلابدّ من الرجوع إلى استصحاب الملكية بعد رجوع أحدهما وفسخه لأجل الشك في ارتفاعها به ، هذا فيما إذا قلنا بجريان الاستصحاب في الأحكام ولو في الشبهات الموضوعية كالمقام .

وأمّا إذا بنينا على عدم جريان الاستصحاب في الأحكام حتى في الشبهات الموضوعية من جهة الشك في مقدار المجعول من الابتداء ، إذ لا نعلم أنّ الملكية هل جعلت إلى زمان الفسخ أو إلى الأبد ولو بالاضافة إلى هذا الفرد من العقد ، فالأصل

ــ[47]ــ

الجاري في المجعول بعد الفسخ يعارض الأصل الجاري في عدم الجعل في المقدار الزائد وهو ما بعد زمان الفسخ .

وعليه فيشكل الأمر في المقام ولا محيص حينئذ إلاّ أن يقال إنّ الثابت بالأدلّة المتقدّمة كأوفوا بالعقود وغيره أنّ كل عقد لازم وإنّما خرج من ذلك الهبة فإذا أثبتنا عدم كونه هبة ـ فيما إذا شككنا في أنه صلح أو هبة ـ فلا نحتاج إلى إثبات أنه صلح في الحكم باللزوم ، بل بمجرد أنه لم يكن هبة فهو لازم بمقتضى العموم المذكور .

وبكلمة اُخرى : نثبت عدم كون العقد الواقع هبة باستصحاب العدم الأزلي وبعد عدم كونه هبة يدخل تحت العموم ، وقد فرضنا أنّ العقود لازمة فيتمسك بالعموم فيه لا من باب التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية بل من جهة إحراز أنه من أفراد العموم ببركة إجراء الأصل في العدم الأزلي ، هذا فيما إذا لم يكن لكل واحد من المحتملين أثر يترتّب عليه كما في مثل الصلح والهبة .

وأمّا إذا كان لكل واحد من المحتملين أثر يترتّب عليه كما إذا شككنا في أنّ الواقع عقد بيع أو هبة ، حيث إنّ أثر البيع وجوب دفع الثمن إلى البائع وأثر الهبة جواز الرجوع فيها وكون الفسخ مؤثّراً ، ففي مثل ذلك يكون الأصل الجاري في كل واحد منهما معارضاً بالأصل الجاري في الآخر ، ولا يجري فيه ما ذكرناه من التمسك بالأصل في العدم الأزلي فينتهي الأمر إلى التصالح بينهما .

وأمّا ما ذكره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) من الرجوع إلى البراءة عن وجوب دفع العوض فهو إنّما يتم قبل الفسخ ولا يتم فيما إذا فسخ ، لأنه إذا فسخ فيعلم بوجوب أحد الأمرين عليه إجمالا ، فامّا أنّه يجب عليه دفع العوض إلى المالك لو كان بيعاً في الواقع ، وإمّا أنه يجب عليه دفع نفس العين لو كان هبة ، ومعه فلا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 24 .

ــ[48]ــ

تجري البراءة عن وجوب دفع العوض بل لابدّ من المصالحة بينهما .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net