خيار المجلس للفضولي - خيار المجلس لعاقد واحد 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5101


ثم إنّ شيخنا الأنصاري(1) تعرّض إلى مسألة الفضولي في البيع والشراء أو في أحدهما ، وأنّ الفضوليين لا إشكال في عدم ثبوت الخيار لهما لما مرّ في الوكيل في مجرد إجراء الصيغة ، وأمّا المالكان فإن كانا مجتمعين حال إجازتهما في مجلس العقد فلا إشكال في ثبوت الخيار لهما ، لأنّ الاجازة توجب صدق البيّعين عليهما في ذاك الحال فما لم يفترقا فهما على الخيار ، وأمّا إذا كانا مجتمعين في حال الاجازة لا في مجلس العقد فقد استظهر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) ثبوت الخيار لهما على القول

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 33 .

ــ[69]ــ

بالنقل ، لأنّهما يبيعان حينئذ من حين الاجازة ، فكأنّ مجلس الاجازة هو مجلس البيع . وأورد عليه شيخنا الاُستاذ(1) بأنّ الخيار إنّما يثبت مع الاجتماع في مجلس العقد وقد أصرّ على عدم ثبوته فيما إذا كانا متفرّقين عن مجلس العقد وإن كانا مجتمعين في حال الاجازة ، هذا  .

ولكنّه منه عجيب ، لما مرّ من أنّ دليل ثبوت خيار المجلس لم يشترط الاجتماع في حال العقد وفي مجلس البيع ، وإنما دلّ على اعتبار اجتماعهما مطلقاً ولو كان في خارج مجلس العقد ، وعليه فالظاهر ثبوت الخيار للمالكين فيما إذا كانا مجتمعين في حال إجازتهما قلنا بالنقل أو بالكشف ، لأنّهما مختلفان في الحكم بالملكية شرعاً ، فأحدهما يوجب الحكم بالملك من حين الاجازة والآخر يكشف عن الملك من أول الأمر ، وهذا لا ربط له بالمقام ، لأنّ صدق البيّعين عليهما إنّما هو في حال الاجازة فقط ولا يصدق عليهما البيّع قبلها ، فالخيار إنما يثبت لهما في ذلك الحال من دون فرق بين القول بالنقل والقول بالكشف .

لا إشكال في ثبوت الخيار للمالك والوكيل على تفصيل تقدّم ذكره فيثبت الخيار لكل واحد منهما ، وتظهر نتيجة ذلك فيما إذا أسقط أحدهما خياره فإنّ الآخر يتمكّن من إعمال خياره بفسخ البيع وإمضائه وهذا ممّا لا كلام فيه .

وأمّا إذا كان العاقد واحداً فله صور ثلاث :

الاُولى : أن يبيع مال الغير لنفسه بولايته على مالك المال أو وكالته عنه .

الثانية : أن يبيع مال نفسه للغير بولايته على المشتري أو وكالته عنه .

الثالثة : أن يبيع مال غيره لغيره لولايته على البائع والمشتري أو وكالته عنهما  ، وكيف كان فالعاقد شخص واحد وهو بائع ومشتري ، فهل يثبت له خيار

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 3 : 29 .

ــ[70]ــ

المجلس كما في صورة تعدّد المتبايعين وغاية الأمر أنه يسقط بغير التفرّق من المسقطات لعدم إمكان تحقّق الافتراق فيه ، أو أنّ خيار المجلس لا يثبت في مثله ؟

المشهور عدم ثبوت الخيار فيه ، وخالفهم في ذلك بعض الأصحاب ووافقه عليه السيد (قدّس سرّه) في حاشيته(1) وذهب إلى ثبوت الخيار في المسألة ومستندهم في ذلك هو إطلاقات أدلّة الخيار كقوله (عليه السلام) « المتبايعان بالخيار حتى يفترقا » وقولهم (عليهم السلام) « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا » وسيأتي أنّ التعدّد بحسب الاعتبار كاف في ثبوت الخيار وصدق المتبايعان والبيّعان ، وسيجيء تفصيل الكلام في ذلك عن قريب إن شاء الله .

وأمّا المانعون فلهم في المنع عن ثبوت الخيار في المسألة وجوه ومرجعها إلى ثلاثة اُمور :

الأول : أنّ أكثر الأخبار الواردة في خيار المجلس قد اشتملت على كلمة البيّعان وفي بعضها المتبايعان كما أشرنا إليه آنفاً ، ومن الظاهر أنّها تثنية والمثنّى لا يصدق على الواحد فلا يقال للواحد رجلان ولا للبائع البيّعان لأنه مفرد والمفرد غير التثنية . نعم يصدق عليه عناوين متعدّدة كعنوان العالم والعادل ونحوهما على وجه الانفراد ، وأمّا التثنية فلا . وكيف كان فلا تشمل الأخبار صورة اتّحاد البائع والمشتري ، هذا .

ويمكن الجواب عن ذلك : بأنّ المراد من كلمة البيّعان أو المتبايعان هو كل واحد من البائع والمشتري ، لأنّ التثنية في قوّة تكرار المفرد فكأنّه ورد البائع بالخيار وورد المشتري بالخيار وإنّما عبّر بالبيّعان أو المتبايعان من جهة أنّ البائع والمشتري بحسب الأغلب اثنان لا أنه مقيّد بخصوص تلك الصورة ، ولا ينبغي الاشكال في أنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حاشية المكاسب (اليزدي) : 6 من مبحث الخيارات .

ــ[71]ــ

كل واحد من عنواني البائع والمشتري يصدق على العاقد الواحد لأنه بائع كما أنه مشتر ، فلا مانع من شمول الأخبار للعاقد الواحد من هذه الجهة فلذا لا نتوقّف في الحكم بشمول سائر أحكامهما له .

الثاني : أنّ الروايات قد اشتملت على قوله « حتى يفترقا » أو « ما لم يفترقا  » وهو غاية وقيد للحكم بالخيار يعني أنّ الخيار ثابت قبل الافتراق ، أو أنه قيد للموضوع بمعنى أنّ الخيار ثبت للمتبائعين المقيّدين بعدم الافتراق ، وكيف كان فهو يقتضي عدم ثبوت الخيار في مورد عدم إمكان الافتراق ، إذ لا معنى لتقييد الحكم الشرعي بقيد أو غاية عير ممكنة .

ومنه يظهر أنّ ذلك لا ينافي صحة دخول « حتى » على المستحيل كما في قوله تعالى (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ)(1) لوضوح أنّ التعليق على المحال معناه أنّ الأمر المعلّق كالمعلّق عليه في عدم التحقّق والحصول ويقال في المقام إنّ سقوط الخيار معلّق على الافتراق فبما أنّ الافتراق غير ممكن فالخيار غير ساقط ، فإنّ هذا المعنى وإن كان صحيحاً إلاّ أنه لا يجري في المقام لما مرّ من أنّ الحكم الشرعي لا معنى لتقييده أو تعليقه على أمر مستحيل وخارج عن الامكان ، وكيف كان فهذا الخيار إنّما يثبت فيما إذا كان افتراق المتبايعين ممكناً وبما أنه مستحيل في العاقد الواحد لأنه دائماً مجتمع مع نفسه ، ولا معنى لافتراق الشخص عن نفسه ، فلا يثبت الخيار في حقّه  ، هذا .

والجواب عن ذلك بالنقض والحلّ ، أما النقض فهو ما أورده السيد (قدّس سرّه) في حاشيته(2) على هذا الوجه في كلام شيخنا الأنصاري من أنّا إذا فرضنا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأعراف 7 : 40 .

(2) حاشية المكاسب (اليزدي) : 6 من مبحث الخيارات .

ــ[72]ــ

شخصين متلاصقين لا يمكن افتراقهما إلاّ بالموت لاتّصال أحدهما بالآخر في بعض أجزائهما ، وافتراقهما في الأجزاء الرئيسية كالقلب ونحوه بحيث كانا شخصين متعدّدين أحدهما يتكلّم والآخر يسكت وأحدهما يبيع والآخر يشتري ، ففي مثل ذلك لا إشكال في ثبوت خيار المجلس لهما مع أنّ الافتراق فيهما مستحيل ، وثبوت الخيار في المثال ممّا لا يقبل الانكار فلا يمكن إنكار ثبوت الخيار بمجرد استحالة الانفكاك والافتراق ، أو فرضنا رجلين حبسهما ظالم بحيث لا يتمكّنان من الخروج عن مكانهما إلى يوم القيامة ، فإنّ في مثله لا يمكن نفي الخيار مع استحالة الافتراق .

وأما الحل فهو أنّ الغاية إذا كانت من الاُمور المستحيلة بالذات أي التي لا تنفك عن الاستحالة أبداً وإن كان لا يمكن أخذها في الحكم لأنه لا معنى للقول بأنّك مالك إن اجتمع الضدّان ، أو إنّ هذا واجب إن اجتمع النقيضان أو تحقق الدور أو التسلسل في الخارج لأنه لغو محض ، إلاّ أنّ جعل شيء جامع بين الامكان والاستحالة غاية للحكم ممّا لا ينبغي الاشكال في صحته كما إذا جعل الغاية للحكم شيئاً يستحيل في بعض الموارد ويمكن في بعضها الآخر نظير ما ورد في الروايات من أنّ ما لاقاه البول نجس حتى تغسله حيث إنّها أخذت الغسل غاية للنجاسة فيما لاقاه البول ، ومقتضاها أنّ كل ما لاقاه البول فهو نجس وترتفع النجاسة بالغسل وهو أمر ممكن بالذات وإن كان مستحيلا في بعض الموارد ، فإذا فرض استحالته في مورد كما إذا تنجّس القند والسُكّر أو الأصباغ وغيرها من الاُمور التي تتلف عينها بالغسل فهو لا يكشف عن أنّ ملاقاة البول فيه لا توجب النجاسة لاستحالة حصول الغاية فيه ، بل هو نجس ويبقى على نجاسته لعدم إمكان حصول الغاية فيه .

والمقام من هذا القبيل فإنّ استحالة التفرّق في العاقد الواحد لا تكشف عن عدم ثبوت الخيار في حقّه .

وبالجملة : الباطل هو أن تكون الغاية مستحيلة بالذات ، وأما المستحيل

ــ[73]ــ

بالقياس والاضافة فلا مانع من جعله غاية للحكم ، والافتراق من هذا القبيل لأنه ممكن بالاضافة إلى غير العاقد الواحد ومستحيل بالاضافة إليه ، فلا مانع من أخذه غاية للحكم ، واستحالته في مورد لا توجب انتفاء الحكم فيه ، وعليه فنلتزم في المقام بثبوت الخيار وعدم سقوطه إلاّ بغير الافتراق من المسقطات .

الوجه الثالث : أنّ بعض الأخبار الواردة في المقام أخذ الافتراق غاية للحكم حيث دلّ على أنّ البيّعان بالخيار حتى يفترقا ، وبعضها أخذ عدم الافتراق قيداً للموضوع ودلّ على أنّهما بالخيار ما لم يفترقا ، ولكن مرجعهما إلى أمر واحد وذلك لما بيّناه في محلّه من أنّ كل قيد اُخذ في ناحية الحكم لابدّ وأن يكون مفروض الوجود ويكون حاله حال القيود الراجعة إلى الموضوع من حيث عدم فعلية الحكم قبل تحقّقها ، وعليه فالمستفاد من الأخبار أنّ موضوع الخيار مقيّد بعدم الافتراق ولا اختلاف بين التعبير بأنّهما بالخيار حتى يفترقا وبين التعبير بأنّهما بالخيار ما لم يفترقا ، لأنّ معناهما واحد والاختلاف في مجرد التعبير . وكيف كان فالتقابل بين الافتراق وعدم الافتراق وإن كان تقابل السلب والايجاب فلابدّ من تحقّق أحدهما لا محالة ، وليس التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ، ولا يقاس ذلك بالاجتماع والافتراق فانّهما أمران وجوديان ويتقابلان بالعدم والملكة ويمكن ارتفاعهما فيما إذا لم يكن هناك قابلية الاجتماع ، وهذا بخلاف الافتراق وعدمه فإنّ العدم والوجود يقابلهما تقابل السلب والايجاب ، إلاّ أنّ ظاهر كل قضية موجبة أو سالبة أنّ السلب والايجاب فيها سلب للمحمول بعد الفراغ عن الموضوع ، أو إيجاب المحمول بعد فرض وجود الموضوع ، وهذا في الموجبة ظاهر ، وأما السالبة فهي أيضاً كذلك ، لأنّ السلب وإن كان يصدق عقلا مع انتفاء الموضوع أيضاً إلاّ أنّ ظهوره العرفي أنه سلب للمحمول عن موضوعه الموجود ، فإذا قال أحد إنّ داري ليست بوسيعة أو إنّ زوجتي ليست بجميلة فظاهرهما أنّ له داراً وزوجة مسلوباً عنهما السعة والجمال ، لا

ــ[74]ــ

أنه فاقد لنفس الدار والزوجة ، وإن كان ذلك بحسب العقل صادقاً .

وعليه فظاهر قوله (عليه السلام) « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا » أنّ الموضوع للافتراق موجود والافتراق مسلوب عنه ، ومن البديهي أنّ الافتراق وعدمه إنما يتعقّل في صورة التعدّد والاثنينية وأمّا صورة الوحدة والانفراد فهي غير قابلة للافتراق وعدمه مع فرض وجود الموضوع ، إذ لا معنى لافتراق الواحد عن نفسه أو عدم افتراقه عن شخصه ، فنفس مفهوم الافتراق متقوّم بالتعدّد ، فسلب الافتراق حينئذ معناه أنّهما متعدّدان والافتراق مسلوب عنهما ، لا أنه واحد غير متعدّد حتى لا يحتاج إلى الافتراق ويكون عدم الافتراق من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، وذلك لما عرفت من أنّ ظاهر القضية السلبية أنّ الموضوع فيها متحقّق وإنما سلب عنه حكمه ومحموله ، لا أنّ السلب من جهة عدم تحقق الموضوع .

وبعبارة اُخرى : ظاهر الأخبار أنّ الخيار مقيّد بعدم الافتراق ، وعدم الافتراق إنما يصح عرفاً فيما إذا كانا متعدّدين غير متفرّقين ، لا في صورة الاتّحاد حتى يكون سلب الافتراق من جهة انتفاء موضوعه ، لما مرّ من أنّ التفرّق وعدمه إنما يتعقّلان في صورة التعدّد ، لأنّ إطلاق التفرّق وعدمه للواحد غلط عرفاً وإن كان سلبه لأجل سلب الموضوع صحيحاً عقلا ، والعاقد الواحد حيث لا يصح إطلاق عدم الافتراق في حقه فلا يثبت له الخيار .

وهذا الوجه لا بأس به ، ولا يرد عليه ما أورده السيد (قدّس سرّه) في حاشيته(1) من النقض بصورة اتّصال أحد الشخصين بالآخر ، وذلك لأنّ التعدّد الذي هو موضوع الافتراق متحقّق في صورة الاتّصال فيعقل فيه الافتراق وعدمه وغاية ما هناك أنّ أحدهما لا ينفصل عن الآخر بالعرض ، وأمّا لو انفصل فهما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حاشية المكاسب (اليزدي) : 6 من مبحث الخيارات .

ــ[75]ــ

متعدّدان ، وهذا بخلاف ما هو محل الكلام لأنّ العاقد الواحد لا تعدّد فيه بوجه فلا معنى فيه للافتراق كما مرّ ، لأنه بنفسه ومفهومه يقتضي التعدّد والاثنينية ، وهذا ظاهر .

نعم ، قد يقال بوجود المناط لثبوت الخيار في العاقد الواحد أيضاً بأن يقال إنّ الخيار إنّما جعل في حق البائع والمشتري ارفاقاً لهما ليتروّيا ويأخذا بما هو أصلح لهما من البيع وتركه ، وهذا المناط موجود في صورة اتّحاد العاقد حتى يتروّى في أنّ البيع الصادر منه هل هو مصلحة في حق من اشتراه له أو لا ، إلاّ أنّ استكشاف المناط أمر غير ممكن ، وما ذكر في وجه ذلك اُمور استحسانية لا يعتمد عليها في مقابل أصالة اللزوم في المعاملات ، إذ لا يمكن الخروج منها إلاّ بدليل وهو مفقود في المقام .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net