استثناء بعض أشخاص المبيع عن خيار المجلس \ الأول - الثاني 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4820


استثناء بعض أشخاص المبيع عن خيار المجلس

من جملة المستثنيات لخيار المجلس شراء العمودين ، وقد ذكروا أنّهما ينعتقان بمجرد المعاملة ولا يثبت في بيعهما الخيار ، وقد علّلوا ذلك بوجوه :

الوجه الأول : أنّ الرضا بحسب البقاء الذي هو غير الرضا بأصل المعاملة يوجب سقوط خيار المجلس كما سيأتي ان شاء الله حيث ورد في بعض أخبار خيار الحيوان(1) إن لامس أو قبّل فذاك رضى منه بالبيع ، فإذا تصرف أحدهما فيما انتقل إليه بنحو من أنحاء التصرف بأكله وبيعه ونحوهما فهو يكشف عن رضاه بالمعاملة وبذلك يصير البيع لازماً ويسقط خياره ، وهذا المسقط موجود في المقام من الابتداء لأنه يعلم أنّ شراء العمودين يوجب الانعتاق فهو ببيعه ذلك يتصرف في المبيع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ورد مضمونه في الوسائل 18 : 13 / أبواب الخيار ب4 ح1 .

ــ[76]ــ

ويتلفه ، وهو يكشف عن رضاه بالبيع لا محالة وبه يسقط خياره ، لأنّ ما يوجب سقوط الخيار بحسب البقاء فهو أولى بأن يسقطه بحسب الحدوث ، وأنّ ما يصلح للرفع فهو أولى في الصلاحية للدفع ، فمن أوّل الأمر يمنع ذلك الرضا عن الخيار هذا ما اعتمد عليه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1).

ثم استشكل فيه : بأنه إنما يختص بصورة علم المتبايعين بالعمودين وأنّ بيعهما يوجب الانعتاق بأن يكونا عالمين بالمسألة صغرى وكبرى ، وحينئذ يمكن أن يقال إن كلا من البائع والمشتري أتلفا المبيع بالبيع وإتلافهما يكشف عن رضاهما بالبيع وأمّا في صورة الجهل بالحال وعدم العلم بصغرى المسألة أو بكبراها فكيف يكون ذلك كاشفاً عن رضاهما بالبيع ، هذا .

والظاهر أنّ الخيار لا يسقط في صورة العلم أيضاً ، وذلك أمّا في طرف البائع فلوضوح أنّ التصرف والاتلاف الكاشفان عن الرضا إنّما يسقطان الخيار فيما إذا وردا على ما انتقل إلى البائع من الثمن ، وأمّا تصرف البائع فيما انتقل عنه للمشتري ولو باتلافه فلا يكشف عن رضاه بالمعاملة حتى يسقط بذلك الخيار ، فإذا فرضنا أنّ البائع كان عالماً بأنّ المشتري سيتلف المبيع بأكله أو ببيعه وقلنا إنّ إقدامه على البيع حينئذ إتلاف للمبيع ، فإنّ هذا لا يوجب سقوط خيار البائع ويكشف عن رضاه بالبيع ، فلا مقتضي لسقوط الخيار من طرف البائع أصلا .

وأمّا من طرف المشتري فهو أيضاً كذلك ، لأنّ التصرف الكاشف عن الرضا الموجب لسقوط الخيار إنّما هو التصرفات الواقعة بعد البيع والمعاملة التي تعدّ عرفاً ترتيباً للأثر المترتّب على المعاملة كما هو ظاهر قوله « أرأيت إن لامس أو قبّل » يعني أنه لو أراد ترتيب أثر المعاملة وبنى على أنه له فتصرف فيه ، فهو الذي يكشف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 39 .

ــ[77]ــ

عن رضاه بحسب البقاء وهو رضا ثان غير رضاه بأصل البيع ، وأمّا التصرّف المقارن للبيع والملازم لتحقّق البيع فهو لا يكشف إلاّ عن رضاه بأصل المعاملة لا عن رضاه بابقاء المال ، ومثله لا يكون كاشفاً عن الرضا بحسب البقاء فلا يكون مسقطاً فالبيع الذي هو إتلاف للمبيع لا يوجب سقوط الخيار .

نعم ، لو ادّعينا انصراف الأخبار إلى صورة تمكّن ذي الخيار من ردّ عين المال المنتقل إليه كما ادّعاه شيخنا الأنصاري في بحث المعاطاة وفي أوائل بحث الخيار(1)لأمكن أن يقال إنّ المشتري للعمودين حيث لا يتمكّن من ردّ المال المنتقل إليه فلا يثبت له الخيار ، إلاّ أنّك عرفت سابقاً أنّ الخيار أمر غير راجع إلى العوضين بل هو حل للعقد الواقع على المال ، وبعد حلّه لابدّ من إرجاع عين المال إلى مالكه لو كان وإلاّ فلابدّ من ردّ بدله إليه من المثل أو القيمة ، وهذا نظير حكمهم بثبوت الأرش فيما إذا ظهر في المبيع عيب مع فرض تلفه ، وقد التزموا بجواز الرجوع بالأرش إلى البائع والحال أنّ المبيع تالف ، فليكن الخيار أيضاً كذلك ويجوز له أن يرجع ببدل المبيع إلى المشتري فيما إذا انعتق عليه .

والمتحصّل من جميع ذلك : أنّ إطلاقات أدلّة الخيار محكّمة في المقام ولا وجه لرفع اليد عنها كما لا يخفى .

الوجه الثاني : أنّ خيار المجلس إنّما ثبت في البيع ولا بيع في شراء العمودين أو غيرهما ممّن ينعتق على المشتري ، وذلك لأنه عتق وإتلاف حقيقة ، وليس في البين إلاّ مجرد إنشاء البيع دون البيع الحقيقي ، وهو وإن كان قاصداً للتملّك بانشائه إلاّ أنّ الشارع حكم فيه بالانعتاق ، فلا بيع في البين حتى يثبت فيه الخيار ، وأمّا العتق فلا خيار مجلس فيه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 29 .

ــ[78]ــ

وهذا الوجه ربما يستفاد من كلمات شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) حيث ذكر أنّ الملك في بيع العمودين تقديري فرضي وليس بتحقيقي ، وأنّ البيع في مثل ذلك إخراج للمال عن المالية ، فترى أنه لا يراه بيعاً وموجباً للملكية الحقيقية ، وكيف كان فلو تم هذا الوجه لما كان لثبوت الخيار في بيع العمودين مقتض أصلا ، لأنه ليس ببيع وإنّما هو عتق .

إلاّ أنّ الالتزام بذلك وإثبات أنه عتق وخارج عن البيع مشكل ودون إثباته خرط القتاد ، لاستلزامه الحكم بأنّ ما قصداه لم يقع والشارع حكم بالحرية عوضاً عن الملك ، وأنّ ما وقع لم يقصداه ، وهذا كما ترى ممّا لا يمكن الالتزام به إلاّ بدليل يدلّ عليه وهو مفقود في المقام . فالصحيح أنّ المشتري يملك المبيع في زمان قليل بحيث لا يترتّب عليه سوى الانعتاق فهو بيع حقيقة والانعتاق حكم شرعي قهري  .

الوجه الثالث : أنّ الفسخ يتوقّف على رجوع العين إلى ملك البائع فيما لو باعها المشتري أو أتلفها في زمن الخيار ، وحينئذ إذا فسخ البيع يصح للبائع أن يطالب المشتري ببدل ماله الذي تلف تحت يده حيث إنّ العين دخلت في ملكه ثم أتلفها المشتري فيضمنها المشتري بدليل من أتلف ونحوه ، وإلاّ فلا معنى للفسخ في صورة تلف المال ، لأنّ المال قد أتلفه المشتري في ملكه فبأيّ وجه يغرم للبائع القيمة مثلا ، فلابدّ من القول بأنّ العين تدخل في ملك البائع قبل تلفها فتكون ملكه ، وبما أنّ المشتري أتلفها أو تلفت هي تحت يده فيطالبه ببدلها بعد الفسخ ، وهذا التقدير في مثل تلف المبيع عند المشتري ببيعه وإتلافه ممكن ، وأمّا في مثل المقام الذي فرضنا انعتاق المبيع فيه على المشتري غير متصوّر ، لأنه لو كان داخلا في ملك البائع بفسخه لما كان هناك وجه لانعتاقه ، لأنه إنما ينعتق على المشتري دون البائع والمفروض أنّ البائع لم يعتقه بعد ذلك ، وبما أنه حرّ لا ينقلب إلى المملوكية بعده فلا يدخل في ملك البائع ، بل قد عرفت أنه لو دخل في ملكه لما كان وجه لانعتاقه ، وحيث إنّ المبيع لا

ــ[79]ــ

يمكن أن يكون داخلا في ملك البائع فلا يتصوّر فيه الفسخ والخيار ، هذا .

ولا يخفى أنّ الالتزام بلزوم دخول المبيع في ملك البائع قبل إتلاف المشتري ممّا لا ملزم عليه ، لما عرفت من أنّ الخيار والفسخ يرجعان إلى حل العقدة الأوّلية ومقتضى حلّها رجوع كل مال إلى ملك مالكه إن كان وإلاّ فبدله مثلا أو قيمة ، بل لا يمكن الالتزام بذلك أصلا لاستلزامه رجوع الثمن فيما إذا باعه المشتري قبل فسخ البائع إلى ملك البائع ، وذلك لأنّا فرضنا المبيع ملكه قبل بيعه ، ومقتضى قانون المبادلة أن يرجع الثمن إلى ملك من خرج عن كيسه المثمن والمفروض أنه خرج من كيس البائع ، مع أنه خلف لأنّا قد فرضنا أنّ المشتري باعه لنفسه لا للبائع ، وكيف كان فالالتزام بأنّ المال لابدّ من أن يتلف في ملك البائع وأنه لابدّ من أن يدخل في ملكه قبل طروّ الاتلاف عليه ممّا لا يمكن المساعدة عليه .

الوجه الرابع : أنّ الخيار حق متعلّق بالمالين فإذا تلف أحدهما أو كلاهما فلا يبقى معه مجال للخيار ، إذ لا يمكن ردّ المال حينئذ بالفسخ وإعمال الخيار كما ذكروا ذلك في المعاطاة .

وقد عرفت الجواب عن ذلك سابقاً بأنّ الخيار إنما يتعلّق بالعقد والالتزام لا بالمالين والعوضين وإلاّ فلازم ذلك سقوط خيار البائع في صورة بيع المشتري للمبيع لعدم إمكان ردّه إلى المالك حينئذ .

الوجه الخامس : ما ذكره الشيخ أسد الله التستري (قدّس سرّه)(1) من أنّ الخيار والانعتاق أمران حادثان ، فلابدّ من ملاحظة متعلّقهما وأنّهما هل تعلّقا بشيء واحد أو بشيئين وأيّهما أسبق من الآخر وأيّهما لاحق عليه ، فأمّا أن يكون متعلّقهما أمراً واحداً بلا سبق وتقدّم من أحدهما على الآخر كما إذا قلنا بتعلّقهما بالبيع أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مقابس الأنوار : 240 .

ــ[80]ــ

بتعلّقهما معاً بالملكية ، وإمّا أن يكون متعلّقهما مختلفاً ويكون أحدهما أسبق من الآخر كما إذا قلنا بتعلّق الخيار بالبيع وتعلّق الانعتاق بالملكية أو عكسنا الأمر وقلنا إنّ العتق يتعلّق بالبيع والخيار بالملكية .

فإن كان متعلّقهما متعدّداً فلا محالة يكون أحدهما أسبق من الآخر ، لأنّ الملكية متأخّرة عن البيع بحسب الرتبة فما يتعلّق بها متأخّر عمّا يتعلّق بالبيع لا محالة فإن كان المتعلّق بالبيع هو الخيار فنلتزم بالخيار في المقام لسبقه على الانعتاق  ، كما أنّ الانعتاق لو كان متعلّقاً بالبيع فلابدّ من الالتزام به ورفع اليد عن الخيار بسبق العتق عليه .

وأمّا إذا كان متعلّقهما واحداً بلا سبق ولا لحوق ، فتارة قدّم (قدّس سرّه) العتق على الخيار بدعوى أنّ دليله أنص وأصرح من الآخر ، واُخرى التزم بكليهما من جهة عدم التنافي بينهما وحكم بردّ البدل عند الفسخ .

إلاّ أنّ هذا التفصيل ممّا لا تترتّب عليه ثمرة ، إذ السبق واللحوق بحسب الزمان خارج عن فرض المسألة ، والسبق واللحوق بحسب الرتبة ممّا لا يترتّب عليهما أثر  ، والوجه في ذلك ما ذكرناه في محلّه من أنّ العبرة في التقدّم والتأخّر في الأحكام الشرعية بالخارج والزمان ، وأمّا التقدّم والتأخّر بحسب الرتبة فلا اعتبار بهما في الأحكام الشرعية بوجه ، وعليه فإذا كان البيع والملك متقارنين بحسب الزمان كما إذا باع العبد ممّن ينعتق عليه ببيع الحال فلا محالة يكون العتق والخيار متقارنين فلابدّ من الأخذ بأحدهما إذا كان بينهما التنافي وإلاّ بكليهما ، وهذا من دون فرق بين ما إذا قلنا بأنّ العتق يترتّب على البيع والخيار على الملك أو قلنا بعكسه وأنّ الخيار يترتّب على البيع والعتق على الملك ، وذلك لأنّا ولو سلّمنا أنّ الخيار في الفرض الأول متأخّر عن العتق بحسب المرتبة لأنّ مرتبة الملك متأخّرة عن مرتبة البيع وهو متقدّم على الملك فيكون العتق متقدّماً على الخيار ، إلاّ أنّك عرفت أنّ مجرد

 
 

ــ[81]ــ

التقدّم والتأخّر بحسب المرتبة لا اعتبار به في الأحكام الشرعية كما هو ظاهر ، هذا كلّه فيما إذا كانا متقارنين بحسب الزمان.

وأمّا إذا كان البيع والملك مختلفين زماناً بأن كان أحدهما متقدّماً والآخر متأخّراً بحسب الخارج والزمان كما إذا باع العبد ممّن ينعتق على المشتري ببيع السلم حيث إنّ البيع فيه فعلي وحصول الملك أمر متأخّر لتوقّفه على القبض المتأخّر عن البيع بحسب الزمان ، فحينئذ إذا كان العتق مترتّباً على البيع والخيار على الملك فالعتق يتحقّق بمجرد البيع وهو يمنع عن حصول الملك للمشتري فيمنع عن الخيار أيضاً برفع موضوعه ومورده ، لأنّ الخيار يترتّب على الملك حسب الفرض ومع الانعتاق بالبيع لا يبقى مجال للملكية ، كما أنّ المترتّب على البيع إذا كان هو الخيار وكان العتق مترتّباً على الملك فاعمال الخيار يمنع عن العتق لتحقّقه قبله ومنعه عن الملكية التي فرضناها متعلّقة للعتق وذلك ظاهر .

إلاّ أنّ الكلام ليس في مثل بيع السلم الفاقد لشرط الملكية حين المعاملة وإنّما الكلام في البيوع المتعارفة الواجدة لجميع شرائط الملكية ، وقد عرفت الحال حينئذ وأنه لا اعتبار بالتأخّر والتقدّم بحسب المرتبة ، وأمّا بيع السلم ونحوه ممّا لا يكون مشتملا على شرائط الملك كما إذا كان البيع فاقداً للقبول أو للاجازة والامضاء في بيع الفضولي أو لسائر شرائط الملكية مع تحقق البيع ، فيمكن أن نلتزم بالتخصيص في مثلها وأنّ كل بيع فيه الخيار إلاّ مثل بيع السلم فيما إذا كان الخيار مترتّباً على الملك ، أو يقال كل شراء العمودين يوجب الانعتاق إلاّ في الشراء في بيع السلم فيما إذا كان الانعتاق مترتّباً على الملك المتأخّر عن البيع بحسب الزمان ، بل يمكن أن يقال إنّ خروج أمثال بيع السلم ليس من جهة التخصيص بل هو خروج موضوعي ، لأنّ الكلام في البيع الواجد لجميع شرائط الملك وأمّا الفاقد كما في الأمثلة المتقدّمة فهو ليس من البيع الواجد للشرائط ، هذا كلّه .

ــ[82]ــ

مضافاً إلى أنّ الفرض الأول وهو كون العتق مترتّباً على البيع والخيار على الملك فرض بحت كأنياب الأغوال لا واقعية له بوجه ، لأنّ العتق إنّما يترتّب على شراء العمودين وملكهما لا على مجرد البيع ، كما أنّ الخيار يترتّب على عنوان «  البيّع  » لا على المالك ، فهذا الفرض ساقط عن الاعتبار .

وأمّا الفرض الثاني أعني عكس الصورة الاُولى وهو كون الخيار متقدّماً ومترتّباً على البيع والعتق على الملك فهو أمر ممكن ، لما عرفت من أنّ الموضوع للخيار هو « البيّع » وللعتق ملك العمودين ، فيتمكّن المتبايعان من أن يرجعا عن التزامهما الثابت بالبيع قبل حصول الملك ، إلاّ أنّهما إذا كانا متقارنين بحسب الزمان فقد عرفت عدم الأثر على تقدّم أحدهما عن الآخر بحسب المرتبة حينئذ ، بل لابدّ من أن يؤخذ بأحدهما إذا كان بينهما تناف وإلاّ فيؤخذ بكليهما ويحكم بردّ بدل العبد إلى المالك البائع ، وأمّا فيما إذا كانا مختلفين بحسب الزمان فقد مرّ أنه خارج عن محل الكلام بالتخصيص أو التخصّص ، هذا كله في هذه المسألة .

استثناء المسلم المشترى من كافر

ومن جملة المستثنيات شراء العبد المسلم من الكافر حيث ذهب بعضهم إلى أنه لا خيار فيه للكافر ولا للمشتري ، وهذا من دون فرق بين صورة ارتداد المالك المسلم وصيرورته كافراً وبين إسلام العبد الكافر وصيرورته مسلماً ، وكيف كان يقع الكلام في وجه الحكم بعدم الخيار فنقول :

إن قلنا بأنّ شراء العبد المسلم من الكافر ليس ببيع حقيقة بل من جهة أنّ العبد المسلم لا يجتمع مع المولى الكافر فهو بمجرد إسلامه قد انعتق وصار حرّاً غاية الأمر أنّ الشارع راعى جانب المالك وحكم بردّ ثمنه إليه من بيت مال المسلمين لئلاّ يتضرّر الكافر بذلك ، فهذا مجرد صورة البيع لا أنه بيع حقيقة كما احتمل ذلك في

ــ[83]ــ

المسألة المتقدّمة ، فعدم ثبوت الخيار في شراء العبد المسلم من الكافر ظاهر لأنه ليس ببيع .

وأمّا إذا قلنا بأنه بيع حقيقة وأنّ إسلام العبد لا يمنع عن كونه مملوكاً للكافر فلذا ورد عنهم (عليهم السلام) الأمر باجبار الكافر على البيع ، لا أنه ينعتق بمجرد الإسلام بل لابدّ من بيعه فهو بيع حقيقة ، فعليه إن قلنا بأنّ الملك الاستمراري ليس بسبيل وإنّما السبيل هو الملك الابتدائي ، فلا مانع من أن يثبت فيه الخيار ، لأنّ الفسخ حينئذ يوجب عود الملك السابق لا إحداث ملك جديد وقد فرضنا أنّ إسلام العبد لا يمنع عن كونه مملوكاً للكافر غاية الأمر أنه يجبر على البيع ثانياً فكأنّ البيع الأول لم يكن من الابتداء فيكون مملوكاً للكافر ثم يجبر الكافر على البيع ثانياً وإذا فرضنا البيع الثاني خيارياً أيضاً فيفسخ فيعود إلى ملك الكافر ثالثاً ثم يجبر الكافر على البيع مرّة ثالثة وهكذا إلى أن يبيعه بما لا خيار فيه باسقاط ونحوه .

وأمّا إذا قلنا بأنّ العبد لا يعود ملك الكافر ، لأنّ عوده إلى ملك الكافر سبيل للكافر على المسلم كالملك الابتدائي (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا)(1) أو لأنّ الأمر بالبيع ينافي الخيار وحكم الشارع برجوعه رقّاً إلى الكافر إذ لو جاز كونه رقاً للكافر فلماذا أمر بالبيع وأجبر عليه ، وإن لم يكن الشارع راضياً برقية المسلم وكونه تحت سلطنة الكافر فلماذا حكم بعوده إلى ملك الكافر رقاً فهذان الأمران لا يجتمعان ، فحينئذ إن اشترطنا في ثبوت الخيار رجوع المبيع من المشتري إلى ملك البائع وكون ذلك ممكناً ، فلا محالة لا يثبت الخيار في شراء العبد المسلم ، لعدم إمكان رجوعه إلى ملك البائع حسب الفرض .

وأمّا إذا قلنا ـ كما هو الحقّ ـ بأنّ الخيار أمر متعلّق بالعقد ، والفسخ يوجب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النساء 4 : 141 .

ــ[84]ــ

حلّه فيرجع كل مالك إلى ملكه إن كان وإلاّ فإلى بدله ، فلا مانع من الالتزام بثبوت الخيار في المقام ويقال إنّ الكافر يتمكّن من الفسخ والرجوع عن المعاملة والالتزام إلاّ أنه لا يجب ردّ ملكه إليه كما يجب في سائر المعاملات من أجل حكم الشارع بعدم صحة تملّك الكافر له ، فهو بمنزلة التالف فيجب ردّ بدله إليه من القيمة لا محالة .

وعليه فهذه الصورة ـ يعني شراء العبد المسلم من الكافر ـ لا تكون من المستثنيات لثبوت الخيار فيها كما عرفت . وكيف كان فلا يمكن الحكم بعدم الخيار بمجرد عدم جواز عود العبد إلى ملك الكافر بل لابدّ فيه من التفصيل المتقدّم .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net