خيار المجلس في غير البيع من المعاملات - مبدأ خيار المجلس 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6112


جريان خيار المجلس في غير البيع من المعاملات

ذكر الشيخ الطوسي (قدّس سرّه)(1) في بعض كلماته أنّ خيار المجلس لا يمنع من دخوله في الوكالة والعارية والقراض والجعالة مانع كما لا يمنع من دخول خيار الشرط فيها ، ولأجل ذلك وقع الكلام في اختصاصه بالبيع أو جريانه في جميع المعاملات فنقول :

أمّا الصلح والاجارة والدَين وغيرها من المعاملات المحكومة باللزوم ولو من طرف واحد كما في الدَين فلا مانع من جريان خيار المجلس فيها بحسب الثبوت كما يجري فيها سائر الخيارات كخيار الشرط ونحوه ، ولكنّه لم يدلّ عليه دليل في مقام الاثبات ، لاختصاص دليله بالبيع ، ولا يمكننا التعدّي عنه إلى غيره من دون دلالة دليل ولا قيام قرينة عليه . نعم في بعض موارد الأحكام نتعدّى إلى غيره من جهة المناسبات بين الموضوعات والأحكام كما في مثل : لعن الله بائعها ـ أي الخمر ـ وشاربها الخ(2) حيث إنه وإن كان مورده بيع الخمر إلاّ أنّا نقطع بعدم خصوصية للبيع في ذلك ، لأنه لو وهبها أو أباحها أيضاً ثبتت الحرمة من جهة تلك المناسبة الموجودة بين الخمر والحكم بحرمة بيعها ، وأمّا فيما لم تقم عليه قرينة فلا ولعلّه ظاهر  .

وبالجملة أنّ المانع عن جريان خيار المجلس في تلك العقود منحصر بمقام

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المبسوط 2 : 82 .

(2) ورد مضمونه في الوسائل 17 : 224 / أبواب ما يكتسب به ب55 ح3 ، 4 ، 5 .

ــ[88]ــ

الاثبات وهو عدم دلالة الدليل ، وأمّا في مثل الوكالة والعارية والمضاربة ونحوها من العقود الجائرة بالذات فلا معنى محصّل لخيار المجلس فيها ، لأنّها بحسب ذاتها محكومة بالجواز ومع ذلك يكون جعل الخيار الذي هو بمعنى جواز العقد لغواً محضاً  ، وقد ذكرنا أنّ الجواز الخياري هو عين الجواز الحكمي الثابت في تلك المعاملات وغاية الفرق بينهما أنّ الأول يقبل الاسقاط دون الثاني ، وعليه فلا يبقى مجال لجعل الخيار في العقود المذكورة لأنه يتمكّن فيها من الرجوع وحلّها . وأمّا من حيث إسقاط حقّ الرجوع فالمفروض أنّ هذه العقود جائزة ولا يرتفع جوازها بالاسقاط فما معنى جعل الخيار فيها ، وعليه فالمانع عن الخيار في العقود الجائزة مضافاً إلى المانع بحسب الاثبات هو المانع الثبوتي .

وأمّا ما أفاده الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) فلابدّ من تأويله بوجه ولو بما أوّله شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) وإن كان بعيداً في حدّ نفسه بأن يقال : إنّ المراد من دخول الخيار فيها هو اشتراط مثل الوكالة أو المضاربة في المعاملة البيعية حيث إنّ الخيار في البيع يسري إلى الوكالة المشروطة فيها بالتبع ، لأنه لو فسخ البيع تنفسخ الوكالة أيضاً لا محالة ، أو نحمل كلامه على الاشتباه أو نلتزم بعدم فهم كلامه .

الكلام في مبدأ خيار المجلس

لا إشكال في أنّ مبدأ هذا الخيار من حين العقد والبيع كما هو ظاهر النصّ والفتاوى ، ومن ثم وقع الكلام في بعض أفراد البيع كالصرف والسلم ونحوهما ممّا تتوقّف صحة البيع فيه بعد العقد على أمر آخر كالتقابض فيهما ، ولا ينبغي الاشكال في ثبوت الخيار فيهما أيضاً فيما إذا تحقّق التقابض في مجلس العقد لحصول شرط البيع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 48 .

ــ[89]ــ

والملك ، وإنّما الكلام في ثبوته فيهما قبل التقابض ، وقد وقع الخلاف في ذلك بينهم وتفصيل الكلام في ذلك يقع في مقامين : المقام الأول في وجوب التقابض في الصرف والسلم وعدمه . والمقام الثاني : في جريان الخيار فيهما على كلا تقديري القول بوجوب التقابض وعدمه .

أمّا المقام الأول : فقد استدلّ على وجوب التقابض فيهما بقوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(1) لأنّ الوفاء بالعقد يقتضي التقابض فيهما فيكون واجباً شرعاً . وحكي عن العلاّمة (قدّس سرّه)(2) انه استدلّ على وجوب التقابض في بيع الصرف بأنه لولا التقابض للزم الربا ، لأنّ بيع أحد المتجانسين بالآخر على أن يكون أحدهما معجّلا والآخر مؤجّلا محرّم وربا ، فلو أقبض أحدهما في المقام ولم يقبض الآخر فلا محالة يشبه الربا فيكون التقابض واجباً شرعاً .

أمّا الاستدلال بآية (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ففيه أوّلا : أنّ الآية لا دلالة لها على وجوب الوفاء تكليفاً وإنّما وردت هي في مقام الارشاد إلى عدم انفساخ البيع بالفسخ ، فهي إرشاد إلى الحكم الوضعي وهو اللزوم كما ذكرنا تفصيل ذلك سابقاً .

وثانياً : أنّا لو سلّمنا أنّها توجب الوفاء بالعقد شرعاً ، فهو إنّما يتمّ فيما إذا كان للعقد أثر يترتّب عليه خارجاً ، وأمّا إذا لم يكن للعقد أثر أصلا لعدم تماميته عند الشارع من أجل توقّفه على أمر غير متحقّق ، فلا معنى لوجوب الوفاء به ، والعقد في البيعين أعني الصرف والسلم ممّا لا يترتّب عليه أثر شرعاً لتوقّف تأثيره على حصول التقابض حسب الفرض ، فالعقد بدونه ممّا لا أثر له فما معنى وجوب الوفاء به .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 1 .

(2) التذكرة 10 : 416 .

ــ[90]ــ

وثالثاً : لو سلّمنا شمول الآية للمقام وقلنا إنّ العقد بما هو قابل لوجوب الوفاء به ، فنقول إنّ ذلك إنّما يتم فيما إذا كان هناك التزام بالملكية في البين حتى يقال بوجوب الوفاء على طبقها وإنهائها إلى الأبد ، وليس في المقام التزام بشيء قبل التقابض ، وإنّما التزم كل واحد منهما بتمليك ماله وإعطائه إلى الآخر على تقدير تمليك الآخر ودفعه المال إليه ، فلا التزام بشيء قبل حصول التقابض من الطرفين والالتزام تعلّق بالملكية بعد التقابض ، وعليه فلا معنى لوجوب الوفاء قبله ، إذ لا التزام حينئذ بشيء ، هذا كلّه في الاستدلال بآية (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) .

وأمّا ما حكي عن العلاّمة (قدّس سرّه) من أنّ عدم وجوب التقابض يستلزم شباهة المقام للربا فيكون التقابض واجباً ، فينبغي أن يعدّ هذا من غرائب الكلام ولا أدري كيف رضي العلاّمة (قدّس سرّه) باستنباط الأحكام الشرعية بهذه الاستحسانات الباردة وهي أشبه شيء باستدلالات المخالفين ، وذلك من جهة أنّ ما أفاده على تقدير تماميته أخصّ من المدّعى وإنّما يجري فيما إذا كان العوضان الربويّان متجانسين كما إذا باع الذهب بالذهب فإنّه الذي إذا كان أحدهما معجّلا والآخر مؤجّلا استلزم الربا الحرام ، وأمّا إذا باع الفضّة بالذهب ولم يكن العوضان الربويّان متجانسين فلم يدلّ دليل على أنّ كون أحدهما نسيئة أو مؤجّلا محرّم لأنه ربا فيكون الدليل أخصّ من المدّعى .

وثانياً : أنّ ما أفاده لو تم فإنّما يقتضي الحرمة فيما إذا أقبض أحدهما ولم يقبض الآخر لأنه الأشبه بالربا ، وليس هذا مورد البحث في المقام وإنّما نتكلّم فيما إذا لم يكن قبض ولا إقباض من الطرفين في البين ، ومن الظاهر أنه غير شبيه بالربا كما هو أوضح من أن يخفى .

وثالثاً : هب أنّ المقام أشبه بالربا الحرام ، إلاّ أنّ مجرد الشباهة لا تستدعي الحرمة أفيمكن أن يقال إنّ الأشبه بالخمر من حيث الرائحة أو اللون حرام لأنّ

ــ[91]ــ

الخمر حرام ، وكيف كان فالحق أنّ التقابض ممّا لا دليل على وجوبه شرعاً في الصرف والسلم وفاقاً للمحقّق الأردبيلي (قدّس سرّه)(1) هذا .

ثم إنه ربما يستدلّ على وجوب التقابض بقوله (عليه السلام) « وإن نزا حائطاً فانز معه »(2) بدعوى أنه إنّما اُمر بالنزو من جهة تحصيل التقابض ، فمنه يستكشف أنّ التقابض واجب ، إذ لولاه لما أمر بالنزو مع الطرف ، هذا .

ولا يخفى أنّ تلك الأخبار في مقام الارشاد إلى شرطية التقابض في بيع الصرف والسلم ولا دلالة فيها على وجوب التقابض تكليفاً ، إذ لا إشكال في جواز ترك النزو معه شرعاً فيبطل العقد بالتفرّق من دون تقابض ، وعليه فلا يمكن الاستدلال بها في المقام ، هذا كلّه في المقام الأول .

وأمّا المقام الثاني : أعني ثبوت الخيار في الصرف والسلم على كلا تقديري القول بوجوب التقابض وعدمه ، فالكلام فيه أيضاً يقع في مقامين : المقام الأول في إمكانه بحسب مقام الثبوت . والمقام الثاني في ثبوته بحسب مقام الاثبات .

أمّا الكلام في مقام الثبوت فملخّصه : أنه لا ينبغي الاشكال في إمكان جريان الخيار في بيع الصرف أو السلم على كل من احتمالي وجوب التقابض وعدمه . أمّا على القول بوجوب التقابض فلوضوح أنّ الخيار إذا ثبت فيهما فيترتّب عليه جواز الفسخ وهو يوجب رفع وجوب التقابض الذي فرضنا ثبوته بالعقد ، وأمّا على القول بعدم وجوب التقابض فلأنّ نتيجة الخيار وجواز الفسخ حينئذ رفع صلاحية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مجمع الفائدة 8 : 302 ، 347 .

(2) نصّ الرواية كما في الوسائل 18 : 169 / أبواب الصرف ب2 ح8 هكذا : عن أبي عبدالله (عليه السلام) « قال : إذا اشتريت ذهباً بفضّة أو فضّة بذهب فلا تفارقه حتى تأخذ منه ، وإن نزا حائطاً فانز معه » .

ــ[92]ــ

العقد للتأثير على تقدير التحاق التقابض به ، لبداهة أنّ العقد يصلح لذلك فيما إذا لحقه التقابض وأمّا إذا فسخه فيسقط عن قابلية التأثير بالانضمام إلى التقابض . وبالجملة لا مانع بحسب مقام الثبوت من أن يثبت خيار المجلس في بيع الصرف والسلم كما ذكره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) .

وأمّا الكلام بحسب مقام الاثبات : فمجمل القول فيه أنّ الروايات الدالّة على خيار المجلس بل وخيار الحيوان أيضاً إنما دلّت على ثبوتهما للبيّعان ، وهذا العنوان إنما يثبت للمتعاقدين في الصرف والسلم بعد حصول التقابض ، وأما قبله فلا بيع في البين فلا يصدق عليهما البيّعان ، هذا أوّلا .

وثانياً : أنّ مورد هذا الخيار بحسب الروايات هو ما يكون صحيحاً في حدّ نفسه بحيث لو افترقا لزم البيع ، وليس الأمر في المقام كذلك لأنّهما لو افترقا بطل البيع في الصرف والسلم فلا تكون صحة المعاملة مفروغاً عنها ، ومعه لا يثبت فيها الخيار لما عرفت من أنّ مورده هو البيع الصحيح الذي لو افترقا عن مجلس البيع لزم لا أنّهما لو افترقا بطل . وكيف كان فلا دليل بحسب مقام الاثبات على جريان خيار المجلس وثبوته في بيع الصرف والسلم . نعم لا مانع من جريان خياري الغبن والعيب ونحوهما فيهما لعمومية أدلّتهما ولعلّه ظاهر .

وممّا ذكرناه في المقام يظهر أنّ الخيار في بيع الفضولي للمالكين الحاضرين في مجلس العقد إنّما هو من زمان إجازتهما ، لأنه زمان الانتساب والاستناد إليهما فصدق البيّع عليهما إنّما هو من هذا الزمان ، وهذا من دون فرق بين القول بالنقل والقول بالكشف .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net