عدم الفرق بين الأمة وغيرها في مدّة الخيار - مبدأ خيار الحيوان 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5337


عدم اختصاص الثلاثة بغير الأمة

قد عرفت أنّ خيار الحيوان وهو ثلاثة أيام يختص بالمشتري ، وهذا من دون فرق بين أقسام الحيوانات وأصنافها ، فلو باع أمة فللمشتري خيار ثلاثة أيام لأنها أيضاً من أقسام الحيوان ، هذا .

وقد خالف في ذلك صاحب الغنية(1) على ما حكي عنه ، كما حكي عن الحلبي(2) حيث ذهبا إلى أنّ مدّة الخيار في الأمة مدّة استبرائها ، وهذا هو الذي يستفاد من نصّ عبارة الغنية ، وأمّا غيرها فلم يصرّحوا بذلك وإنما يستفاد ذهابهم إلى هذا القول من جهة حكمهم بضمان البائع لها أي للأمة مدّة استبرائها ، وضمان البائع للمبيع يلازم ثبوت الخيار للمشتري ، وبما أنهم حكموا بضمانه إلى آخر أمد استبرائها فيعلم من ذلك أنّ مذهبهم هو استمرار الخيار إلى ذلك الزمان .

وكيف كان ، فلم يظهر على ما ذهبوا إليه دليل ، وهذا من دون فرق بين أن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الغنية : 219 .

(2) الكافي في الفقه : 353 .

ــ[158]ــ

يكون مدركهم هو ضمان البائع للأمة في مدّة استبرائها أو يكون مدركهم أمراً آخر لأنّ الحكم بضمان البائع في تلك المدة لا يلازم الحكم بثبوت الخيار للمشتري في زمان استبرائها ، فلعلّ الضمان مستند إلى أمر آخر ولم تثبت ملازمة بين ضمان البائع وخيار المشتري ، وإنما الملازمة بين ثبوت الخيار للمشتري وثبوت الضمان للبائع دون العكس كما في المقام .

وبالجملة : أنّ مدركهم لو كان هو ذلك فالمعنى باطل ، كما أنّ مدركهم إذا كان غيره فلم يظهر لنا ذلك ، وعليه فلا وجه للتفرقة بين الأمة وغيرها من أقسام الحيوان في أمد الخيار .

مبدأ خيار الحيوان

ظاهر الروايات الواردة في المقام أنّ مبدأ ثلاثة أيام في بيع الحيوان هو زمان تمامية العقد ، وذلك لأنّ مقتضى الأخبار هو اتحاد خياري المجلس والحيوان من تمام الجهات ولا اختلاف بينهما إلاّ من جهة المنتهى ، فإنّ الأول ينتهي بانتهاء المجلس والثاني ينتهي بانتهاء ثلاثة أيام ، ولا اختلاف بينهما بحسب المبدأ بوجه ، فكما أنّ مبدأ خيار المجلس هو حين العقد فكذلك مبدأ خيار الحيوان ، بمقتضى تسوية الأخبار بين الخيارين كما تقدّم .

وعن الشيخ(1) والحلّي(2) أنّ مبدأ خيار الحيوان هو حين التفرّق وزوال خيار المجلس على ما يقتضيه كلامهما في خيار الشرط فراجع ، وعلى ذلك فلا يمكن أن يكون زمان خيار المجلس أطول من زمان خيار الحيوان بمعنى أن يتّحدا في زمان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المبسوط 2 : 85 .

(2) السرائر 2 : 247 .

ــ[159]ــ

ثم يرتفع خيار الحيوان ويبقى خيار المجلس ، وذلك لأنّ مبدأ هذا الخيار كما عرفت إنّما هو بعد انقضاء زمان المجلس ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا إنّ مبدأه من حين تمامية العقد فانه ربما يكون زمان امتداد خيار الحيوان أقصر من زمان خيار المجلس وهذا كما إذا فرضنا محبوسين في مكان واحد تبايعا ومضت عليه ثلاثة أيام حيث إنّ بانقضائها ينقضي خيار الحيوان مع أنّ خيار المجلس بحاله لعدم التفرّق الذي جعل غاية للخيار .

وكيف كان ، فقد عرفت أنّ ظاهر الروايات الواردة في خيار الحيوان هو أنّ مبدأ ذلك الخيار من حين تمامية العقد ، وعليه فلا يمكن الخروج عمّا يقتضيه ظاهر الأدلّة إلاّ بدليل آخر ، وقد ذكروا في الخروج عمّا يقتضيه الدليل وجوهاً ثلاثة :

الوجه الأوّل : الأصل العملي وهو الاستصحاب بتقريبين :

أحدهما : استصحاب بقاء الخيار وعدم ارتفاعه بعد مضي ثلاثة أيام من زمان العقد بمقدار بقاء المجلس ، فإذا فرضنا أنّ المجلس كان باقياً بمقدار يوم فبعد مضي ثلاثة أيام من زمان العقد يجري استصحاب بقاء الخيار في اليوم الرابع ، كما أنّ مقدار خيار المجلس إذا كان ساعة فنجري استصحاب بقائه بعد مضي الثلاثة من زمان العقد في تلك الساعة .

وثانيهما : استصحاب عدم حدوث الخيار قبل انقضاء المجلس .

ولا تخفى عليك المناقشات في كلا التقريبين والاستصحابين .

أمّا الأول فيرد عليه أوّلا : أنّ ذلك مبني على جريان الاستصحاب في الأحكام الكلّية وعدم معارضته باستصحاب عدم الجعل في أكثر من المقدار المتيقّن وهو زمان الشك ، وقد ذكرنا عدم جريانه في الأحكام الكلّية لابتلائه بالمعارض دائماً ، وعليه فلا يصح إجراء الاستصحاب في بقاء الخيار بعد ثلاثة أيام لمعارضته باستصحاب عدم جعل الخيار في أكثر من ثلاثة أيام بعد زمان العقد .

ــ[160]ــ

وثانياً : أنّ جريان الاستصحاب في بقاء الخيار في المقام مبني على عدم اختصاص الاستصحاب بالشك في الرافع وجريانه عند الشك في المقتضي بناء على تفسير الاقتضاء بما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) وهو أن يكون الشك في بقاء شيء بحسب عمود الزمان مع قطع النظر عن وجود شيء كان معدوماً أو عن عدم شيء كان موجوداً ، بل هو بنفسه بحسب استمرار الزمان مشكوك البقاء لأنه بحسب استمرار الزمان ينصرم وينعدم بنفسه مع قطع النظر عن حدوث شيء في العالم وارتفاعه ، كما أنّ المناط في الشك في الرافع أن يكون الشك في البقاء ناشئاً من جهة الاُمور الخارجية لا من جهة عمود الزمان نظير الطلاق في النكاح الذي نعلم ببقائه لولا حدوث ذلك الطلاق ، فإذا شككنا في غاية شيء من الأحكام أو من غيرها فلا يمكننا استصحابه ، لأنّ الشك فيه في المقتضي لأجل الشك فيه بحسب عمود الزمان  ، فبناء على ذلك لا يجري الاستصحاب في المقام ، لأنّ بقاء الخيار بعد انقضاء ثلاثة أيام مشكوك بحسب عمود الزمان بمعنى أنّا نحتمل أن يرتفع الخيار بنفسه بمرور الزمان وإن لم ينقلب شيء في العالم من الوجود إلى العدم ولا من العدم إلى الوجود نعم لا بأس بجريان الاستصحاب على مذاق صاحب الكفاية وغيره ممّن يرى الاستصحاب جارياً في كل من الشك في الرافع والشك في المقتضي .

وأمّا الثاني : فلأجل أنه لا يترتّب على عدم جعل الخيار قبل انقضاء المجلس أثر شرعي ، وأمّا كون مبدأ الخيار هو زمان التفرّق فهو لازم عقلي لعدم جعل الخيار قبله ، نعم لو كان لعدم جعل الخيار قبله أثر شرعي لكنّا حكمنا بثبوته بهذا الاستصحاب (وهذا كما إذا مات أحد المتبايعين قبل انقضاء المجلس فإنّا نحكم بعدم استحقاق الورثة للخيار وبلزوم العقد بهذا الاستصحاب) إلاّ أنّ الكلام في إجرائه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع أجود التقريرات 4 : 27 .

 
 

ــ[161]ــ

لاثبات أنّ المبدأ هو التفرّق وهو الأثر المرغوب في المقام ، وقد عرفت أنّ الاستصحاب بالاضافة إليه مثبت ، هذا كلّه مضافاً إلى أنّ الأصل لا يجري مع الدليل وقد عرفت أنّ مقتضى الأدلة أنّ مبدأ الخيار هو حين العقد لا زمان انقضاء الخيار ، وهذا ظاهر .

الوجه الثاني : أنّ قاعدة كون تلف الحيوان في الثلاثة من البائع تقتضي أن يكون مبدأ الخيار هو زمان التفرّق ، لأنّ الخيار حينئذ يختص بالمشتري وكل مبيع تلف في زمان الخيار فهو ممن لا خيار له فيحكم على البائع بالضمان ، لأنه الذي لا خيار له في البين ، وهذا بخلاف ما إذا كان مبدؤه حين العقد لأنّ الخيار حينئذ مشترك بين البائع والمشتري ، وتلف المبيع في زمان الخيار المشترك من مال المشتري لا من البائع مع أنّك عرفت أنّ مقتضى القاعدة أنّ تلف الحيوان في الثلاثة من البائع  ، فلو كان مبدؤه حين العقد لكانت تلك القاعدة معارضة بقاعدة كل مبيع تلف في زمان الخيار المشترك فهو من مال المشتري ، هذا.

ولا يخفى أنّ مقتضى القاعدة الأوّلية أن يكون تلف كل مال من ملك مالكه ويكون هو الضامن لماله ، إذ لا معنى لضمان شخص لمال شخص آخر عند تلفه من دون أن يكون في البين سبب للضمان من اليد والاتلاف ونحوهما ، والخروج عن هذه القاعدة الأوّلية يحتاج إلى دليل ، وقد خرجنا عنها فيما إذا تلف المبيع في زمان خيار المشتري حيث حكمنا فيه بضمان البائع للمبيع مع أنه تلف في ملك المشتري بمقتضى الروايات الواردة في ذلك . وكيف كان فضمان غير المالك ملك آخر هو الذي يتوقّف على دليل ورواية . وأمّا قاعدة أنّ كل مبيع يتلف في زمان الخيار المشترك فهو من مال المالك المشتري فهي على طبق القاعدة وليست مدلول دليل ولا آية أو رواية لما عرفت من أنّ مقتضى القاعدة الأوّلية أن يكون ضمان كل مال على مالكه لا على شخص آخر ، وبما أنّ المشتري مالك للمال في زمان الخيار المشترك فلذا حكمنا

ــ[162]ــ

بضمانه .

إذا عرفت ذلك فنقول : إذا تلف الحيوان قبل انقضاء ثلاثة أيام فقد عرفت أنّ مقتضى الروايات أنه من مال بائعه ، فإذا تمسّكنا باطلاق تلك الروايات حيث إنّ إطلاقها يقتضي أن يكون تلفه في ثلاثة أيام من مال البائع سواء كان قبل انقضاء المجلس أم كان بعده ، فلازمه أن يحكم بضمان البائع للمبيع سواء كان التلف قبل انقضاء المجلس أم بعده ، ولا تعارضه قاعدة أن تلف المبيع في زمان الخيار المشترك من مال المشتري ، وذلك لما عرفت من أنّ ذلك ممّا تقتضيه القاعدة الأوّلية ولم ترد فيها آية ولا رواية حتى تعارض الرواية الدالّة على خلاف القاعدة وأنّ تلف الحيوان في ثلاثة أيام من البائع ، وبما أنها مطلقة ولا معارض لها فلا محيص من الأخذ بها .

وبعبارة اُخرى : أنّا كما خرجنا عمّا تقتضيه القاعدة الأوّلية في القاعدة الاُولى أعني كون تلف المبيع على من لا خيار له بالروايات ، فكذلك نخرج عمّا تقتضيه القاعدة الأوّلية في المقام باطلاق الرواية الدالّة على أنّ تلف الحيوان من البائع مطلقاً أي ولو كان في زمان الخيار المشترك ، ولا وجه لحمل الرواية الدالّة على أنّ تلف الحيوان في ثلاثة أيام من البائع على الغالب كما ذكره شيخنا الأنصاري حيث حملها على صورة انقضاء المجلس لأنها الغالب ، والوجه فيما ذكرناه ما أشرنا إليه مراراً من أنه لا وجه لحمل المطلقات على الغالب سيّما في أمثال المقام ممّا لا يكون الطرف الآخر ملحقاً بالنادر .

وفي المقام ليست صورة تلف المبيع قبل انقضاء المجلس نادرة ، لأنه كثيراً ما يتّفق تلف الحيوان بعد البيع قبل التفرّق بآفة سماوية أو غيرها . نعم صورة التلف بعد الانقضاء أكثر إلاّ أنّ كون التلف في زمان المجلس الذي هو ساعة مثلا أقل من التلف بعد الانقضاء الذي هو ساعات كثيرة لا يوجب انصراف الرواية عنه وإلاّ فكلّ

ــ[163]ــ

ساعة ولو بعد الانقضاء في مقابل مجموع الساعات الاُخر بعد الانقضاء يكون التلف فيها أقل من مجموع الساعات التي في مقابل تلك الساعة ، وهذا لا يوجب حمل الرواية على غير تلك الساعة ، والوجه فيه أنه لا وجه لقياس ساعة إلى مجموع الساعات التي في مقابلها ، بل لابدّ من ملاحظة كل ساعة ومقايستها بساعة اُخرى وحينئذ فلا إشكال أنّ ساعة زمان المجلس كالساعة بعد الانقضاء لا يكون التلف في إحداهما أكثر من الاُخرى فلا وجه للحمل على الغالب ، بل لابدّ من أن يؤخذ باطلاقها ولا تعارضه القاعدة الثانية كما عرفت .

الوجه الثالث : أنّ اجتماع سببين وعلّتين على معلول واحد وسبب فارد غير صحيح ، فكيف يمكن أن يكون الخيار الواحد مستنداً إلى علّتين من المجلس والحيوان ، وقد عبّر عنه بعضهم باجتماع المثلين وقال إنّ اجتماعهما كاجتماع الضدّين مستحيل ، وعليه فيتعيّن أن يكون مبدؤه بعد انقضاء المجلس حتى لا تجتمع العلّتان على معلول واحد .

وهذا الوجه لا يحتاج إلى الجواب بعد وضوح أنّ اجتماع خيارين أو أكثر غير عزيز ولا باطل ، وهذا نظير اجتماع خياري الغبن والمجلس وخياري الغبن والشرط وهكذا ، فلا محذور في الجمع بينهما أبداً ، هذا .

وتحقيق الكلام في المقام أن يقال : إنّ العلّة الفاعلية للأحكام الشرعية تكليفية كانت أم وضعية ليست هي الموجودات الخارجية كالعقد والملاقاة والزوال وغيرها من الموضوعات ، بل العلّة الفاعلية للأحكام نظير غيرها من الأفعال هي اختيار الشارع وإرادته كما في غير الأحكام من أفعاله الاختيارية . نعم لابدّ وأن يكون اختياره للنجاسة عند الملاقاة أو الوجوب عند شرطه مستنداً إلى وجه ومصلحة حتى يخرج بذلك عن اللغوية ويصبح قابلا لأن يصدر من الحكيم ، إذ لولا تلك المصلحة لاختيار الحكم بالنجاسة لما كان لاختياره لها دون الحكم بالطهارة أو

ــ[164]ــ

الحكم بالوجوب وجهاً . وكيف كان فلا محيص من فرض مصالح وأغراض تدعو إلى اختيار الشارع وإرادته للأحكام ، إلاّ أنّ العلّة الفاعلية لأحكامه هو إرادته واختياره ، وعليه فلا يمكن أن تكون الاُمور الخارجية كالعقد والملاقاة ونحوهما علّة للأحكام بوجه .

فإن اُريد حينئذ بالأسباب تلك الموجودات والاُمور الخارجية فهي ليست سبباً أي علّة للأحكام ولا معرّفات إليها ، بل هي أعني تلك الاُمور الخارجية خارجة عن العلّية والمعرّفية للأحكام رأساً .

وإن اُريد بها الموضوعات للأحكام التي نسبتها إليها كنسبة العلل إلى معاليلها بمعنى تحقّق الأحكام وفعليتها عند تحقّق موضوعاتها ، فهو وإن كان لا بأس به إلاّ أنها أسباب للأحكام بهذا المعنى أي موضوعات لها لا علل لها ولا معرّفات إليها ، لبداهة أنّا إذا قلنا السفر يوجب القصر في الصلاة فظاهره أنّ السفر بنفسه موضوع لوجوب القصر لا أنه معرّف للموضوع كما لا يخفى .

وبالجملة : أنّ الموضوعات خارجة عن العلل والمعرّفات ، وحينئذ إذا تعدّد الموضوع في مورد فان كان الحكم أيضاً قابلا للتعدّد بأن يترتّب على كل واحد من الموضوعات حكم غير الحكم المترتّب على الموضوع الآخر كما في الكفّارة الناشئة من الجماع في نهار شهر رمضان والافطار فإنّهما يستدعيان كفّارتين فلا محالة يلتزم بهما معاً فيجب عندهما كفّارتان ، ونظيرها باب الأحداث إذا استفدنا من الأخبار أنّ كل واحد من الجماع ومسّ الميّت وغيرهما من الموجبات يقتضي غسلا واحداً فانه لا مانع حينئذ من الالتزام بوجوب غسلين عند اجتماع سببين للغسل ، وأمّا إذا لم يكن الحكم قابلا للتعدّد كما في المقام فإنّ الملكية الاعتبارية للفسخ أعني الخيار غير قابلة للتعدّد فإنّها نظير ملكية شيء آخر من الكتاب أو العباء فهل يمكن أن يتملّك الانسان الكتاب بملكين ، بل ليست الملكية الاعتبارية قابلة للاشتداد أيضاً

ــ[165]ــ

فضلا عن التعدّد ، فحينئذ لابدّ من الالتزام بتداخل الأسباب وكونها مؤثّرة في الحكم على نحو الاجتماع نظير اجتماع العلل الخارجية على معلول واحد حيث إنه يستند إلى مجموع العلّتين أو العلل .

فالمتحصّل : أنه لا مانع من اجتماع سببين أي موضوعين لحكم واحد أبداً وهذه المسألة أعني مسألة أنّ الأسباب الشرعية علل أو معرّفات كثيرة الدوران في الأبحاث الفقهية والاُصولية ، وقد ذكرنا في الموارد المناسبة أنّ العلل الفاعلية للأحكام الشرعية هي إرادة الشارع دون الاُمور الخارجية كما عرفت ، وعليه فهذا الاشكال أيضاً غير وارد ، هذا كلّه .

مضافاً إلى أنّ هذا الايراد غير وارد من أساسه ، فانه إنما يتوجه فيما إذا بنينا أنّ في المقام خيارين متعدّدين وهما خياري المجلس والحيوان فحينئذ يمكن أن يقال إنّ السببين أعني المجلس والخيار كيف يجتمعان على مسبّب واحد وهو الخيار ، وأمّا إذا قلنا إنّ الخيار واحد في البين أي في حقّ المشتري كما أنّ المجعول في حقّ البائع خيار واحد غير هذا الخيار وليست هناك أسباب متعدّدة فلا يتوجّه هذا الاشكال أبداً .

وتوضيح ذلك : أنّ خيار المجلس والحيوان لا يجتمعان في مورد واحد ، لأنّ هذين العنوانين اصطلاحان من أهل الفن وليس منهما في الروايات عين ولا أثر وإنّما الموجود فيها هو أنّ « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا »(1) وفي بيع الحيوان «  المشتري بالخيار ثلاثة أيام »(2) ولم يدل دليل على أنّ المشتري في بيع الحيوان بالخيار إلى أن يتفرّقا وبالخيار إلى ثلاثة أيام ، نعم البائع بالخيار في بيع الحيوان إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الوسائل 18 : 5 / أبواب الخيار ب1 ح1 .

(2) الوسائل 18 : 10 / أبواب الخيار ب3 ح2 .

ــ[166]ــ

أن يتفرّقا ، وأمّا المشتري فهو بالخيار إلى ثلاثة أيام وليس له الخيار إلى أن يتفرّقا وهذا الذي ذكرناه هو مقتضى الجمع بين الروايات الواردة في المقام .

وبيان ذلك : أنّ مقتضى الأخبار الواردة في خيار المجلس أنّ « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا » وهذه الروايات مطلقة وبإطلاقها تشمل صورة كون المبيع حيواناً أيضاً ، وقد أثبتت الخيار لكل من البائع والمشتري ، كما أنّ مقتضى صحيحة محمّد بن مسلم(1) الواردة في خيار الحيوان أنّ المتبايعين بالخيار إلى ثلاثة أيام ، في بيع الحيوان وفي غيره إلى أن يتفرّقا ، ولازمه أن يكون كل من البائع والمشتري بالخيار إلى ثلاثة أيام وإلى زمان الافتراق ، إلاّ أنّك عرفت عدم قابليتها للاعتماد ولمعارضتها بروايات اُخرى دلّت على اختصاص خيار الحيوان بالمشتري ، فلا يمكن التمسك بها لا محالة ، ومقتضى رواية الفضيل التي سئل (عليه السلام) فيها عمّا هو الشرط في الحيوان فقال (عليه السلام) « ثلاثة أيام للمشتري ، وعمّا هو الشرط في بيع غير الحيوان قال : البيّعان بالخيار ما لم يفترقا إنّ المشتري بالخيار إلى ثلاثة أيام  »(2) وهذه الرواية كما ترى إنما تثبت الخيار ثلاثة أيام للمشتري في بيع الحيوان  ، وأمّا أنّ البائع له خيار إلى أن يتفرّقا أو لا خيار له إلى زمان التفرّق فالرواية ساكتة عنه ، وعليه فيبقى البائع تحت إطلاقات قوله (عليه السلام) « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا » وكذا الحال في طرف المشتري فإنّ الرواية لا تنفي خيار المشتري إلى أن يتفرّقا ، فلا محالة يبقى تحت إطلاقات الأخبار .

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم الثانية وهي « البيّعان بالخيار حتى يفترقا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 10 / أبواب الخيار ب3 ح3 .

(2) الوسائل 18 : 6 / أبواب الخيار ب1 ح3 ، وأورد قطعة منها في ص11 ب3 ح5 .

ــ[167]ــ

وصاحب الحيوان بالخيار إلى ثلاثة أيام »(1) فمقتضاها أنّ المتبايعين بالخيار إلى زمان الافتراق في جميع أفراد البيع ، وإنّما خرج المشتري عن هذا الخيار في خصوص بيع الحيوان ، ولازمها أنّ البائع باق تحت إطلاقات « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا » حتى في بيع الحيوان ، وإنما خرج المشتري عن هذا الخيار وثبت له الخيار إلى ثلاثة أيام ، فليس هناك دليل يدل على أنّ المشتري كالبائع في بيع الحيوان بالخيار إلى زمان الافتراق حتى يقال قد اجتمع في المشتري سببان للخيار المجلس والحيوان وهو من باب اجتماع العلل المتعدّدة على معلول واحد ، بل قد عرفت أنّ المشتري بالخيار إلى ثلاثة أيام ولا خيار له غيره ، والبائع بالخيار إلى زمان الافتراق ولا خيار له غيره ، فأين اجتماع العلل على معلول واحد ، وقد عرفت أنّ تسمية أحدهما بخيار المجلس والآخر بخيار الحيوان اصطلاح نشأ من عندنا وليس منه في الأخبار عين ولا أثر ، وعليه فالخيار واحد وهو في حق البائع إلى زمان الافتراق وفي حق المشتري إلى ثلاثة أيام في بيع الحيوان .

فالمتحصّل من جميع ما ذكرناه في المقام : أنّ مبدأ خيار الحيوان كمبدأ خيار المجلس من حين تمامية العقد ، ولا يتوجّه عليه إشكال .

بقي الكلام في أمر قد نبّهنا عليه في خيار المجلس ، وهو أنّ مبدأ هذا الخيار هل هو زمان تمامية إنشاء العقد أو أنه زمان حصول الملكية ، وتظهر ثمرة الخلاف في موردين :

أحدهما : بيع الفضولي فيما إذا باع حيواناً فضولا وقلنا بالنقل في الاجازة فانه على القول بأنّ مبدأ الخيار هو زمان تمامية مجرد العقد فثلاثة أيام لابدّ من أن تحسب من زمان العقد ، وعلى القول بأنّ مبدأه زمان حصول الملكية فالثلاثة تحسب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 5 / أبواب الخيار ب1 ح1 .

ــ[168]ــ

من زمان الاجازة ، لأنه زمان حصول الملكية .

وثانيهما : بيع السلم فيما إذا تبايعا على نحو السلم ولم يقبض ، فإنّ الخيار على القول الأول يحسب من زمان العقد وعلى الثاني يحسب من زمان القبض ، وهذا ظاهر .

وقد نقل شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) عن بعض معاصريه ولعلّه صاحب الجواهر (قدّس سرّه) أنّ المبدأ هو زمان حصول الملك ، ورتّب عليه أنه إذا أسلم حيواناً في بيع طعام وقلنا إنّ الخيار لا يختص بالمشتري بل يثبت في حق البائع أيضاً يكون مبدأ الخيار للبائع زمان القبض لا محالة ، لأنه زمان حصول الملكية دون زمان العقد ، وقد قوّى شيخنا الأنصاري هذا الوجه أيضاً .

وهناك قول ثالث وهو أن يكون المدار على زمان تحقّق البيع وصدق البيّع على المتعاملين دون زمان العقد ولا زمان الملكية ، فإذا باع حيواناً فضولا وقلنا بالكشف على المعنى المختار وهو أن تكون الاجازة موجبة للحكم بالملكية السابقة من الآن أي من زمان الاجازة ، فلا محالة يكون مبدأ الخيار هو زمان الاجازة لا زمان الملكية السابقة ولا زمان العقد ، وذلك لأنّ زمان الاجازة هو الزمان الذي ينتسب البيع فيه إلى البائع ويصدق على المتعاملين عنوان البيّعين دون زمان الملكية ولا زمان العقد كما هو ظاهر ، وقد دلّت الأخبار على أنّ « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا ، وصاحب الحيوان بالخيار إلى ثلاثة أيام » حيث اُخذ في موضوع الخيار عنوان البيّع كما عرفت ، وهذا العنوان إنّما يحصل في زمان الاجازة لا في زمان الملك على المختار في معنى الكشف .

ومن هنا لو قلنا بصحة البيع فيما إذا باع فعلا داره من السنة المتقدّمة بأن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 94 .

ــ[169]ــ

تكون الملكية من السنة السابقة ببيعه فعلا ، أو باع حيواناً له بهذا النحو بأن يكون المشتري مالكاً له من السنة الماضية بالبيع فعلا ، لقلنا بالخيار من زمان البيع لا من زمان الملكية الذي هو السنة المتقدّمة ، إلاّ أنّ هذا النحو من المعاملات غير صحيح عند العرف وهو ظاهر ، وذلك لأنّ زمان البيع هو الزمان الذي يتّصف المتعاملان فيه بالبيّعين دون زمان الملكية كما هو واضح ، فعلى ما ذكرناه لا عبرة بزمان الملكية ولا بزمان العقد بما هو عقد وإنما المدار على زمان صدق البيّع وعدمه ، وعليه فإذا باع حيواناً على نحو السلم فيكون مبدأ الخيار فيه زمان القبض دون زمان العقد وذلك لعدم صحة البيع في السلم قبل القبض ، وزمان صدق البيّع على المتعاملين إنما هو زمان القبض .

وبعبارة اُخرى : إنّ أدلّة الخيار مخصّصة لعموم وجوب الوفاء بالعقد ووجوب الالتزام والوفاء فرع صدق البيع وتحقّقه ، فالخيار إنما يثبت في البيع الصحيح الذي يكون نافذاً شرعاً ، والسلم قبل القبض ليس ببيع في نظر الشارع وما لا يكون صحيحاً ولا نافذاً شرعاً لا معنى لجعل الخيار فيه .

ثم إنّ المثال الذي مثّل به بعض المعاصرين للشيخ فيما نقلناه عنه مبني كما أشار إليه شيخنا الأنصاري على عدم جريان الخيار في بيع الحيوان الكلّي واختصاصه بالحيوان الشخصي ، وأمّا بناء على ما ذكرناه من جريانه في بيع الحيوان على نحو الكلّي أيضاً فلا حاجة إلى جعل الحيوان ثمناً كما في المثال ، بل يجري الخيار ولو فيما إذا كان الحيوان مبيعاً على نحو السلم .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net