2 ـ أنحاء الثمن المشروط ردّه 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4924


الأمر الثاني

أنّ الثمن في بيع الخيار إمّا أن يكون كلّياً وإمّا أن يكون شخصياً ، وعلى تقدير كونه كلّياً تارةً يكون كلّياً في ذمّة البائع واُخرى يكون في ذمة المشتري أو في ذمة شخص ثالث .

إذا كان الثمن كلّياً وفي ذمة البائع فلا يأتي فيه القبض والاقباض ، إذ لا معنى لقبض ما في ذمّته ، فإذا فرضنا أنّ البائع مقروض للمشتري بمقدار من الدرهم أو الدينار ثم اشترى منه المشتري كتابه أو داره وجعل ثمنه المال المفروض في ذمة البائع ، فقد ملك البائع بذلك ما في ذمته بلا حاجة إلى القبض ، بل لا يمكن فيه القبض بوجه إذ لا معنى لقبض ما في ذمّته وبذلك يسقط ما في ذمته ، ويمكن أن يعود ما في ذمته ثانياً كما إذا فسخ البيع فإنه حينئذ مقروض للمشتري بما كان في ذمته ، وكيف كان فلا معنى للقبض في هذه الصورة ، إلاّ أنّ البائع مع ذلك يتمكّن من الفسخ فيما إذا

ــ[218]ــ

اشترط في البيع فسخه عند ردّ مثل الثمن ، فإنّ الرد وإن لم يعقل في المقام لأنه عبارة عن الأخذ والاعطاء ، والأخذ غير متحقّق فيما إذا كان الثمن كلّياً في ذمة البائع ، إلاّ أنّ الرد لا موضوعية له في خيار الفسخ ، وإنما المراد منه رفع اليد عن الثمن والتخلية بينه وبين المشتري سواء كان ذلك بالاعطاء بعد الأخذ أو كان بالاعطاء بلا أخذ كما في المقام ، والوجه في ذلك هو الفهم العرفي عند اشتراط الخيار برد مثل الثمن وهذا ظاهر .

وأمّا إذا كان الثمن كلّياً وفي ذمة المشتري أو في ذمة شخص ثالث فلا مانع حينئذ من القبض ، لأنّ القبض من المشتري أو الثالث أمر ممكن ، فإذا فرضنا في هذه الصورة أنّ البائع لم يقبض الثمن من المشتري باختياره حتى انتهت المدة التي اشترط الخيار في أثنائها فهل يسقط بذلك خياره أو لا ؟ احتمل شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) فيه وجهين : أحدهما السقوط من جهة عدم قبضه ورده الثمن في المدة المشروط فيها رد الثمن حتى انقضت المدة فلا محالة يسقط خياره . وثانيهما : الثبوت وعدم سقوط الخيار من جهة أنه وإن اشترط الرد إلاّ أنّه بالدلالة الالتزامية يدل على اشتراط القبض أيضاً ، لأن الرد بلا قبض غير معقول فحيث إنه اشترط الرد المشروط بالقبض فكأنه اشترط كلا من الرد والقبض ، وبما أنّ القبض والرد لم يتحققا في مفروض الكلام فلا محالة لا يسقط خياره ما لم يقبض الثمن ، هذا .

ولا يخفى أنّ احتمال ثبوت الخيار وعدم سقوطه بلا وجه ، وذلك لأنه لم يشترط الرد حتى يوجب ذلك اشتراط القبض بالدلالة الالتزامية ، بل إنما اشترط الخيار لنفسه وعلّقه على رد الثمن ، فليس الرد مشروطاً حتى يقتضي اشتراط القبض أيضاً ولعلّه ظاهر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 131 .

ــ[219]ــ

فالصحيح أنّ الخيار يسقط بمجرد انقضاء المدة لا محالة . نعم يمكن أن يقال إنّ للبائع خيار تخلّف الشرط من جهة أنّ البيع قد اشترط في ضمنه القبض والاقباض من الطرفين ، إذ ليس البيع لمجرد حصول العلقة الملكية بل هي مع الاقباض ، فإذا استند عدم حصول القبض إلى انقضاء مدة الخيار إلى المشتري كما إذا طالبه البائع به ولم يدفعه إليه أو لم يسلّمه إليه بلا مطالبة البائع أيضاً فكان المانع عن حصول القبض هو المشتري ، فلا محالة يثبت للبائع خيار تخلّف الشرط الضمني ، وأمّا إذا كان عدم حصول القبض مستنداً إلى نفس البائع ولم يكن المشتري ممتنعاً عن الاقباض فلا يثبت له الخيار بوجه ، لا الخيار المشروط عند رد مثل الثمن ولا خيار تخلّف الشرط ولعلّه ظاهر .

ثم إنّ الثمن إذا كان معيّناً فتارةً يشترط البائع رد عين الثمن المعيّن واُخرى يشترط ردّه أو ردّ مثله وبدله فيما إذا لم يتمكن من رد عين الثمن بسبب إتلاف شخص آخر غير البائع أو حتى بتلفه مطلقاً ولو كان من جانب البائع أيضاً أو ولو مع التمكّن من رد العين ، وثالثه يطلق ولا يقيّده بشيء ، هذه صور المسألة .

أمّا الصورة الاُولى : فلا إشكال في صحتها فيكون الخيار مشروطاً برد عين الثمن فلو تلف الثمن فلا محالة يسقط خياره فلا يتمكن من الفسخ ، اللهم إلاّ أن يقال إنّ هذا الاشتراط منصرف إلى اشتراط سقوطه باتلاف البائع فيبقى إتلاف غير البائع داخلا تحت الخيار ، إلاّ أنّ ذلك نزاع صغروي وهو تابع للظهور العرفي المستفاد من الكلام .

وأمّا الصورة الثانية : وهي ما إذا اشترط ردّ عين الثمن أو بدله فيما إذا لم يتمكن من عين الثمن بسبب أمر غير مستند إلى البائع أو مطلقاً أي ولو كان بسبب نفس البائع أو ولو مع التمكن من رد عين الثمن ، فقد استشكل فيها شيخنا الأنصاري

ــ[220]ــ

(قدّس سرّه)(1) فيما إذا اشترط ردّ عينه أو بدله ولو مع التمكّن من ردّ عينه من جهة أنّ مقتضى فسخ المعاملة رجوع كل من العوضين إلى ملك مالكه الأول ، فاشتراط ردّ بدله مع وجود عينه مناف لمقتضى الفسخ في المعاملات ، هذا .

ولا يخفى أنّ هذا الايراد إنما يختص بما إذا اشترط ردّ بدله مع وجود نفس الثمن بأن يكون البدل هو المنتقل إلى المشتري ، وأمّا إذا اشترط في خياره ردّ بدل الثمن وثيقة وعند ردّ البدل يتمكن من الفسخ بأن يرجع كل واحد من العوضين إلى ملك مالكهما الأول عند مجيء البائع ببدل الثمن ، فلا إشكال فيه وهذا ربما يتّفق عند المتعاملين كما إذا خاف المشتري من أن يفسخ البائع المعاملة ولا يرد ثمنه ولذا يشترط عليه أن يأتي ببدل الثمن المعيّن عند إرادة الفسخ ، فإذا جاء به ودفعه إلى المشتري يتمكن من الفسخ ، فإذا فسخها فيرجع كل من عين الثمن المعيّن والمثمن إلى مالكهما الأول ثم يرد المشتري بدل الثمن الذي ردّه إليه البائع إليه .

وبعبارة اُخرى : يكون شرط رجوع كل من عين الثمن والمثمن إلى مالكهما هو ردّ بدل الثمن ، لا لأجل أنّ بدله ينتقل إلى المشتري بل ينتقل إليه عين الثمن ، إلاّ أنّ ردّ بدله شرط في تمكّن البائع من الفسخ لئلاّ يفسخ بلا ردّ ثمنه ثم يدفع المشتري هذا البدل إلى نفس البائع وينتقل إليه عين الثمن ، وهذا كما ترى ليس من باب رجوع بدل الثمن إلى المشتري مع بقاء عينه ، نعم لو اشترط ردّ بدله إلى المشتري بأن يكون هو المنتقل إلى المشتري مع بقاء عين الثمن ، فلا محالة يكون ذلك منافياً لمقتضى الفسخ ، إلاّ أنه يمكن أن يقال إنّ هذا أيضاً لا ينافي مقتضى الفسخ ، فإنّ مرجع اشتراط ردّ بدله مع التمكّن من عينه إلى أمرين أحدهما : اشتراط الخيار عند رد ذلك البدل ، وثانيهما : اشتراط مبادلة هذا البدل مع عين الثمن بأن يرجع كل من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 132 .

 
 

ــ[221]ــ

عين الثمن والمثمن إلى مالكهما الأول إلاّ أنه يشترط تبديل عين ذلك الثمن الذي هو ملك المشتري بذلك البدل وهذه مبادلة اُخرى ، فباشتراط رد البدل يشترط أمرين الخيار والمبادلة ، وهذا لا محذور فيه ولا ينافي مقتضى العقد .

وأمّا الصورة الثالثة : وهي ما إذا أطلق وقال : لي الخيار عند ردّ الثمن ولم يقيّده ببدله أو بعينه ، فقد ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ الاطلاق منصرف إلى عين الثمن ، لأنّ الثمن في المعاملة معيّن والألف واللام في الثمن يشير إلى الثمن المعهود وهو الثمن المعيّن كما هو المفروض ، ومن الظاهر أنّ بدل الثمن ليس بثمن بل هو بدله ، هذا .

وما أفاده (قدّس سرّه) في حد نفسه وفي سائر المقامات ممّا لا غبار عليه ، إلاّ أنه في خصوص المقام أعني بيع الخيار غير تام ، لقيام القرينة فيه على إرادة البدل من الثمن وتلك القرينة هي ما أشرنا إليه في أول بحث بيع الخيار(2) من أنّ هذا الخيار إنما يشترطه البائع فيما إذا احتاج إلى النقود والثمن وإلاّ لم يرض برفع اليد عن ملكه على الاطلاق ، فلذا باعه بشرط أنه إذا جاء بمثل الثمن يتمكن من إرجاع ملكه إلى نفسه وهذه قرينة على أنّ الثمن المعيّن لا يبقى بحاله بعد البيع بل يتلفه البائع وأنه إنما أراد بالثمن بدله ومثله ، ولولا هذه القرينة كان ما أفاده (قدّس سرّه) متيناً جدّاً هذا .

ولكن الانصاف أنّ ما ذكرناه من القرينة والخصوصية في المقام إنما تتم فيما إذا كان الثمن من النقود أو ما بحكمها مما يحتاج البائع إليه بشخصه كما إذا أراد البائع الاطعام فباع كتابه وجعل الخيار لنفسه إذا ردّ مثل الثمن ، فتارةً يبيعه بالنقود حتى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 132 .

(2) في الصفحة 214 .

ــ[222]ــ

يصرفها في حوائجه من شراء الاُرز والدهن ونحوهما ، واُخرى يبيع الكتاب بنفس الاُرز لاحتياجه إلى الاُرز وهكذا بحيث يعلم خارجاً أنّ البائع أراد صرف الثمن الشخصي ، وأمّا إذا كان الثمن من غير النقود ومن غير ما يحتاج البائع إلى صرفه بنفسه كما إذا باع ماله بكتاب ككتاب الجواهر مثلا نظراً إلى حاجته إلى مطالعة الجواهر من دون أن يصرفه بنفسه ولا يتمكن من ردّه بعينه ، ففي أمثال ذلك لا قرينة على إرادة الأعم من الثمن وبدله كما هو ظاهر ، بل ظاهر اشتراط رد الثمن هو رد الثمن بعينه لانصرافه إليه كما ذكره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) .

وعليه فالحق في المقام أنّ يفصّل بين ما إذا كان الثمن من النقود أو ما بحكمها مما يصرفه البائع بعينه ، وبين ما إذا كان من غير النقود ومن غير ما يحتاج البائع إلى صرف شخصه ونفسه ، ويقال بارادة الأعم من الثمن وبدله في الصورة الاُولى وبارادة خصوص عين الثمن في الصورة الثانية ، هذا كلّه فيما إذا كان الثمن شخصياً .

وأمّا إذا كان الثمن كلّياً في ذمة البائع فقد عرفت أنه يسقط بعد المعاملة ، وإذا أراد البائع فسخ المعاملة فيثبت في ذمته ذلك الثمن ثانياً ، وهو مثل الثمن لا محالة لا شخصه ونفسه ، إذ لا شخص في البين لأنّ الثمن كلّي ، وأمّا إذا كان الثمن كلّياً في ذمة المشتري كما هو الغالب وقد طبّق المشتري ذلك الكلّي على فرد ودفعه إلى البائع فتارةً يشترط في هذه الصورة رد عين ذلك الفرد المدفوع إلى البائع ، واُخرى يشترط ردّ الأعم منه ومن مثله ، وثالثة يكون اشتراط رد الثمن مطلقاً ، فهل يحمل الاطلاق على الكلّي أو ينصرف إلى نفس الفرد المدفوع إلى البائع ؟ ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ المتبادر في هذه الصورة بحسب الغلبة هو إرادة الأعم من الفرد المدفوع ومثله ، ثم ذكر أنّ ذلك مما يدل عليه صريح بعض الأخبار الواردة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 133 .

ــ[223]ــ

في بيع الخيار ، ولكن المتيقن منها صورة فقد العين لا مطلقاً ولو مع بقائها ، هذا .

ولا يخفى أنّا لا نحتاج في المقام إلى إثبات الغلبة ولا إلى التمسك بالأخبار فهب أنّ الغلبة منتفية وأنّ الأخبار ساكتة عن ذلك ، إلاّ أنّ نفس اشتراط ردّ الثمن في المقام يقضي بارادة الثمن الكلّي لا خصوص الفرد المدفوع ، لأنّ الفرد الذي دفعه المشتري إلى البائع ليس هو الثمن بل الثمن كلّي وقد اشترط رد الثمن ، فلابدّ من أن يردّ الثمن الكلّي بأن يطبّق الكلّي عند ردّه على فرد ويدفعه إلى المشتري ولو كان غير ما دفعه إليه المشتري ولعلّه ظاهر ، ومع كون ذلك من مقتضيات نفس اشتراط ردّ الثمن لا نحتاج إلى دعوى الغلبة ولا إلى دلالة الأخبار .

ومما ذكرناه في المقام يظهر أنّ الثمن الشخصي والثمن الكلّي عند إطلاقهما متعاكسان ، لما مرّ من أنّ الاطلاق في الشخصي يقتضي ردّ عين الثمن ، وأمّا في الكلّي فهو كما عرفت يقتضي ردّ الثمن الكلّي لا خصوص الفرد الذي دفعه إليه المشتري
هذا تمام الكلام في هذا الأمر .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net