اعتبار قيمة حال العقد - ثبوت خيار الغبن للوكيل 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4799


الكلام فيما يعتبر من القيمة في خيار الغبن

ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ العبرة بالقيمة حال المعاملة وأنها إذا لم تكن مساوية للقيمة المعاملية حين المعاملة فلا محالة يثبت له الخيار ، فلو زادت القيمة السوقية بعد المعاملة وتساوت مع القيمة المعاملية فلا تنفع ولا يوجب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 167 .

ــ[303]ــ

سقوط الخيار ، ثم احتمل سقوطه فقوّاه من جهة تدارك الضرر قبل حصول القبض فهو حينما يقبض المال لا يتوجه عليه ضرر ، بل وكذلك الحال بعد القبض فيما إذا حصل التدارك بترقّ القيمة السوقية بعد القبض وقبل العلم بالغبن فإنه إذا علم بالحال يرى القيمة المعاملية مساوية للقيمة السوقية ، وكذلك فيما إذا حصلت الزيادة بعد العلم وقبل الرد ، والجامع أنه لا يتضرر ولا تكون القيمة المعاملية أكثر من القيمة السوقية .

وذكر (قدّس سرّه) أنّ الحال في العقود التي يتوقف فيها الملك على القبض أظهر من حيث عدم ثبوت الخيار ، وذلك لأنه يمكن أن يقال في الصورة الاُولى بأنّ الزيادة حصلت في ملك المغبون وهي غير مربوطة بتساوي القيمة المعاملية مع القيمة السوقية ، وأمّا في هذه الصورة فالمفروض أنه غير مالك للمال قبل قبضه وعند صيرورته ملكه ترقّت القيمة وحصل التساوي ، ولم يكن حصول الزيادة في ملكه بل في ملك مالكه الأول .

نعم ، بناء على ما ذكره العلاّمة (قدّس سرّه) في العقود التي يتوقف فيها الملك على القبض من أنّ الملك وإن لم يحصل فيها قبل القبض إلاّ أنّ القبض فيها واجب بعد العقد ، وإيجاب القبض مع عدم تساوي القيمتين ضرري ، يثبت الخيار لثبوت الضرر بوجوب إقباض الزائد في مقابل الناقص ، هذا .

ولا يخفى أنّ المدرك في خيار الغبن لو كان هو قاعدة نفي الضرر لكان لما أفاده (قدّس سرّه) في المقام مجال ، وذلك من جهة أنّ القيمة فيما إذا ترقّت بعد العقد أو بعد القبض بل وبعد العلم بالغبن أيضاً لا يتوجه على المغبون ضرر مالي ، لأنّ المفروض تساوي القيمتين حينذاك وليس هناك ضرر حتى يوجب ارتفاع اللزوم ، نعم لو كان فسخه قبل ترقّي القيمة لكان له مجال لأنّ المعاملة في حقه ضررية حينئذ ، وأمّا بعد حصول الزيادة فلا .

ــ[304]ــ

وبعبارة اُخرى : الأحكام الشرعية تابعة لتحقق موضوعاتها وتدور مدارها بحسب الحدوث والبقاء ، فما دام الضرر موجوداً على المغبون فحكمه وهو عدم لزوم المعاملة كان ثابتاً لتحقق موضوعه ، وأمّا إذا ارتفع الضرر فلا محالة يرتفع الخيار أيضاً لارتفاع موضوعه ، وليس الضرر موضوعاً له بحسب الحدوث إذ لا يحتمل أن يكون الضرر في بعض الأزمنة المتقدمة موجباً للخيار إلى يوم القيمة . وكيف كان فلما أفاده (قدّس سرّه) في المقام بناءً على أنّ المدرك هو قاعدة نفي الضرر وجه .

وأمّا بناءً على أنّ مدركه هو الاشتراط فلابدّ من ملاحظة أنّ الاشتراط تعلّق بأي شيء ، فهل الاشتراط تعلّق بتساوي القيمتين حين المعاملة فقط أو بتساويهما إلى الأبد ، فبحسب التصوير العقلي يمكن أن يكون متعلّق الاشتراط هو تساوي القيمتين إلى الأبد بحيث لو فرضنا القيمة أقل من القيمة السوقية أو أكثر منها في شيء من هذه الأزمنة يثبت للمغبون منهما خيار تخلّف الشرط ، ولازم ذلك أنه إذا كانت القيمتان متساويتين حال العقد ثم ارتفعت أو تنزّلت بعده فيثبت له الخيار لعدم تساوي القيمتين بعد العقد على الفرض ، كما أنه إذا كانت القيمتان مختلفتين حال العقد فيثبت له الخيار وإن تساوتا بعد المعاملة لعدم تساوي القيمتين حال المعاملة أيضاً ، وهذا ظاهر .

إلاّ أنّ شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) نقل الاجماع في الفرع الآتي وهو ما إذا تبدّلت القيمة وترقّت أو تنزّلت بعد العقد مع كونهما متساويتين حين العقد على عدم ترتّب الأثر عليه وأنه لا يوجب الخيار له ، ولازم ذلك عدم الاعتناء بترقّي القيمة أو تنزّلها بعد تساويهما حال المعاملة ، ويمكن أن يكون متعلّق الاشتراط هو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 168 .

ــ[305]ــ

التساوي حال القبض ولازمه عدم الخيار فيما إذا كانت القيمتان مختلفتين حال المعاملة ولكنّهما كانتا متساويتين حال القبض ، هذا .

والظاهر أنّ الاشتراط راجع إلى اشتراط التساوي بين القيمتين حين المبادلة  ، لأنّ المتبادر العرفي من اشتراط التساوي هو أن تكون القيمتان عند المبادلة متساويتين لا بعدها إلى يوم القيامة ، لأنّ شأن الأموال هو الترقّي والتنزّل في كل وقت وآن فربّ تاجر يربح بعد تجارته وتاجر آخر يخسر ، وهذا راجع إلى الحظّ والنصيب ولا يتعلّق الاشتراط بتساويهما دائماً ، وعليه فإذا كانت القيمتان متساويتين وبعد المبادلة نزلت أو ترقّت لا يترتّب عليه أثر كما أنه إذا لم تكن القيمتان متساويتين حال المعاملة والمبادلة ثم حصل التساوي لا يوجب هذا رفع الخيار الثابت له حين المعاملة لتخلّف شرطه .

ثم إنّ الاجماع المدّعى على عدم الخيار فيما إذا ترقّت القيمة أو تنزّلت بعد العقد لو كان إجماعاً تعبّدياً فهو ولا كلام فيه ، إلاّ أنّا نستبعد التعبّدية في الاجماع ولعلّه من جهة إنتفاء الضرر أو الاشتراط الضمني مع التساوي حين المعاملة ، وعليه فالجمع بينه وبين عدم ثبوت الخيار فيما إذا تساوت القيمتان بعد المعاملة وكانتا مختلفتين حينها من الجمع بين المتناقضين ، وذلك لما عرفت من أنّ الاشتراط راجع إلى اشتراط التساوي حين المعاملة ، ولازم ذلك ثبوت الخيار عند اختلاف القيمتين حال المبادلة ولو تساوت بعدها لتخلّف شرطه الضمني وهو اشتراط التساوي حين المعاملة ، وعليه فما معنى عدم ثبوت الخيار عند تساوي القيمتين بعد المعاملة ، وهذا بخلاف الصورة المدّعى عليها الاجماع لعدم تخلّف الشرط فيها ، إذ المفروض تساوي القيمتين فيها حال المعاملة ، فالجمع بينهما جمع بين متنافيين حتى بناءً على أنّ المدرك في ثبوت الخيار هو قاعدة نفي الضرر ، وذلك لأنّ الضرر وإن كان ينتفي عند تساوي القيمتين بعد المعاملة إلاّ أنّ لازم ذلك ثبوت الخيار في الصورة المدّعى فيها

ــ[306]ــ

الاجماع على عدم الخيار لتضرّر المغبون باختلاف القيمتين بعد العقد بآن ، فما وجه سقوط الخيار حينئذ ، فالمسألتان من واد واحد وإن كان يظهر من شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) الفرق بينهما . نعم لو كان الاجماع تعبّدياً لما كان في الجمع بينهما محذور  ، إلاّ أنّك عرفت البعد في كونه تعبّدياً ، لاحتمال أنّ مدركه هو الاشتراط الضمني أو قاعدة الضرر ونحوهما ، فراجع.

القول في ثبوت خيار الغبن عند علم الوكيل بالقيمة

الوكيل تارةً يكون وكيلا في مجرد إنشاء الصيغة فقط ، ولا يعتبر في مثله العلم بالعوضين ولا بمقدارهما ولا بشيء آخر ، بل يبيع الأمر المعلوم بالأمر المعلوم وإن لم يعلم بهما بوجه ، ومثله لا يثبت له الخيار لأنه نظير الآلة للموكّل فكأنّ الموكّل يجري العقد بلسان غيره ، وعليه فالمناط بجهل الموكّل بالقيمة فإذا كان جاهلا فيثبت له الخيار كما أنه إذا كان عالماً بها فلا يثبت في حقه كما مرّ .

واُخرى يكون وكيلا على نحو الاطلاق حتى في الفسخ والارجاع فيثبت الخيار للوكيل عند جهله بالقيمة ، وكذا فيما إذا كان وكيلا في مجرد المعاملة فقط بلا وكالة له في فسخها وإرجاعها فإنه إذا كان جاهلا بالقيمة يثبت الخيار ولكن لموكّله لا لنفسه ، وأمّا عند علمهما بالقيمة ومعرفتهما بالغبن فإن كانت وكالتهما شاملة لتلك الحالة أيضاً كما إذا وكّل أحداً في شراء شيء ولو مع علمه بالغبن فمعاملتهما صحيحة إلاّ أنه لا خيار للموكّل في البين ، لأنه قد أسقط خياره بتوكيل الوكيل على نحو الاطلاق حتى في صورة علمه بالغبن ، وبالجملة أنّ علمه كعلم الموكّل بالغبن ومعه لا يثبت له الخيار .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 3 : 122 .

ــ[307]ــ

وأمّا إذا كان الوكيل جاهلا فقد عرفت ثبوت الخيار للموكّل إذا كان الوكيل وكيلا في خصوص البيع فقط ، وللوكيل فيما إذا كان وكيلا عاماً حتى في فسخ المعاملة أيضاً ، إلاّ فيما إذا كان الوكيل وكيلا في خصوص البيع وكان الموكّل عالماً ببيع وكيله جاهلا بالقيمة وكونه مغبوناً في تلك المعاملة ، فإنه ذهب شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) فيها إلى عدم ثبوت الخيار للموكّل لعلمه بالغبن وعدم ردعه الوكيل ، فتقريره له لعدم ردعه موجب لسقوط خياره ، هذا .

وقد خالفه شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(2) وذهب إلى عدم سقوط خيار الموكّل في هذا الحال سيّما إذا كان عالماً بحكم الغبن وأنه يوجب الخيار له ، والحق معه (قدّس سرّه) لأنّ المدرك إذا كان هو الاشتراط الضمني فلفرض أنّ الوكيل بجهله اشترط التساوي بين القيمتين فلا محالة يثبت للموكّل الخيار ولو مع علم الموكّل بأنّ وكيله قد اشترط الخيار والتساوي بين القيمتين ، لأنّ علم شخص آخر باشتراط البائع الوكيل لا يمنع عن ثبوت الخيار له عند تخلّف شرطه ، كما أنّ الحال كذلك فيما إذا كان المدرك هو قاعدة نفي الضرر لأنّ علمه بالحال لا يوجب إقدامه على الضرر مع علمه بثبوت الخيار له عند معاملة الوكيل ، لتمكّنه من الفسخ بعدها على تقدير كونها ضررية ، وبالجملة أنّ تقريره لعلّه من جهة تمكّنه من الفسخ بعد المعاملة .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 168 .

(2) منية الطالب 3 : 123 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net