حكم تصرّف الغابن بالنقل أو التلف - لو اتّفق عود الملك إلى الغابن 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4354


وأمّا تصرفات الغابن فإن كان تصرفه إتلافاً حقيقياً للمال فلا إشكال حينئذ في الانتقال إلى ردّ بدله لعدم التمكن من ردّ عينه ، وأمّا إذا كان تصرفه بالنقل اللازم أو الجائز أو بنحو الاستيلاد المانع عن الردّ مع بقاء المال في ملكه فلا ينبغي الاشكال في أنّ ذلك لا يوجب سقوط خيار المغبون لعدم الربط بينهما ، وإنما توهم سقوطه في تصرفات المغبون من أجل أنّ تصرفه غالباً يكشف عن رضاه بالعقد فيسقط به خياره ، وأمّا تصرف الغابن فلا ربط له باسقاط خيار المغبون وهو ظاهر  .

وإنما الكلام في صحة تصرفات الغابن والرجوع إلى بدل المال أو في بطلانها وإرجاعه نفس العين إلى المغبون .

أمّا تصرفه بالنقل اللازم فالوجوه المتصورة فيه ثلاثة : أحدها بطلان التصرفات من الابتداء . وثانيها : بطلانها من حين فسخ المغبون . وثالثها : صحة التصرفات والانتقال إلى ردّ بدله .

أمّا وجه بطلان تصرفات الغابن من الابتداء فهو أنّ الخيار حق ثابت في العين ، والغابن إنما باع متعلّق حقّ الغير وبما أنه لا يزيد على بيع عين ملك الغير فلا

ــ[362]ــ

محالة تتوقف صحته على إجازة المالك ومن له الحق الذي هو المغبون ، كما يتوقف فساده على ردّه لأنه من قبيل بيع الفضولي ، وعليه فإذا لم يفسخ المغبون بعد هذا التصرف من الغابن فهو إمضاء عملي وإجازة لبيع متعلّق حقّه ، وأمّا إذا فسخ فيكون ذلك ردّاً للمعاملة الواقعة على متعلّق حق نفسه وبه يستكشف فساد المعاملة من الابتداء .

وفيه أوّلا : أنّ الخيار إنما تعلّق بالعقد وليس متعلّقه العين بدليل أنه لو كان متعلّقاً بالعين للزم ارتفاع الخيار بانعدام العين لعدم معقولية بقاء الخيار مع انعدام موضوعه ، مع أنّ الخيار لا يرتفع بزوال العين ، وهذا يكشف عن أنّ الخيار متعلّق بالعقد ومرجعه إلى حل العقدة بلا ربط له بالعين كما عليه بناء العقلاء نعم إذا ارتفعت العقدة فإن بقي عين ماله على حاله فهو وإلاّ فيطالبه ببدله .

وثانياً : أنّ بيع متعلّق حق الغير يحتاج إلى إجازة ذي الخيار وإمضائه ومجرد عدم الرد لا يكفي في الامضاء ، إذ لعلّه لم يلتفت إلى خياره أصلا ، ولأجل غفلته لم يردّ المعاملة ولم يفسخها ، وهذا كيف يكون امضاء لها .

وأمّا وجه بطلان تصرفات الغابن من حين فسخ المغبون فهو أنّ تصرفات الغابن إنما وقعت في متعلّق حق الغير إلاّ أنها لمّا كانت واقعة في ملكه فلا مانع من صحتها إلى حين الفسخ ، فكأنّ الجمع بين دليل سلطنة الناس على أموالهم ودليل الخيار يقتضي نفوذ تصرفات الغابن ما لم تبلغ حدّ المزاحمة لحق المغبون ، وأمّا إذا بلغت حد المزاحمة فللمغبون إبطال تصرفات الغابن .

وفيه : أنّ الخيار إذا كان متعلّقاً بالعين فتصرفات الغابن تكون فضولية ومتوقّفة على إجازة المغبون ، فإذا لم يجز فتلك التصرفات باطلة من الابتداء ، وأمّا إذا كان الخيار متعلّقاً بالعقد فتصرفات الغابن صحيحة لعدم وقوعها في متعلّق حق الغير فلا وجه لبطلانها أصلا .

ــ[363]ــ

وإذا ظهر بطلان كلا الوجهين فيتعيّن الوجه الثالث لا محالة وهو أن يقال ليس للمغبون إبطال تصرفات الغابن بوجه ، بل يرجع إليه ببدل ماله ، والوجه في ذلك ما سيأتي في محلّه من أنّ تصرفات من عليه الخيار صحيحة ونافذة ولو مع العلم بخيار طرفه ، وإنما يستثنى من ذلك خصوص البيع المشروط بردّ مثل الثمن فإنّ الغرض فيها هو التمكن من إرجاع نفس العين عند ردّ مثل ثمنها فلا يجوز للمشتري أن يتصرف فيها بنقلها ، وأمّا في غيره فلا مانع لمن عليه الخيار أن يتصرف في ملكه بنقله وهبته ونحوهما ، فإذا فسخ من له الخيار فلا محالة يرجع إلى بدله ، هذا كلّه في تصرفات الغابن اللازمة .

وأمّا تصرفاته الجائزة فالظاهر أنها كالتصرفات اللازمة وليس للمغبون إبطالها ، ولا تقاس تلك التصرفات الجائزة من الغابن بتصرفات المغبون الجائزة ولا يأتي فيها ما ذكرناه هناك حيث قلنا في تصرفات المغبون إنها إذا كانت جائزة وكان اختيار إبطالها وفسخها بيد المغبون فإذا أراد فسخ المعاملة الواقعة بينه وبين الغابن والتفت إلى أنّ معنى الفسخ إرجاع مال الغابن إلى الغابن وإرجاع مال نفسه إلى نفسه ، يكون فسخ تلك المعاملة الغبنية بعينه فسخاً للمعاملة الجائزة الصادرة من المغبون .

ولكن ذلك لا يجري في المقام من أجل أنّ اختيار فسخ تلك التصرفات بيد المغبون الذي يريد فسخ المعاملة الغبنية ، وأمّا في المقام فليس اختيار فسخ التصرفات الجائزة الصادرة من الغابن بيد المغبون حتى يكون فسخه المعاملة فسخاً لتلك التصرفات الصادرة من الغابن ، ومعنى كون تصرفات الغابن جائزة أنها جائزة للغابن أو له ولطرفه ، لا أنها جائزة بالاضافة إلى المغبون فلا يتمكن المغبون من فسخ تلك التصرفات ، فلا يبقى في البين إلاّ إجبار المغبون وإلزامه الغابن

ــ[364]ــ

على فسخ تلك التصرفات وهو بلا وجه صحيح وإن ذهب في المسالك(1) إلى ذلك حيث قال : لو كان الناقل مما يمكن ابطاله كالبيع بخيار اُلزم بالفسخ فإن امتنع فسخه الحاكم وإن امتنع فسخه المغبون على ما نقله في المكاسب(2) إلاّ أنه أجاب عنه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) بأنّ فسخ المغبون للعقد الغبني إمّا بدخول العين في ملكه وإمّا بدخول بدلها ، فعلى الأول لا حاجة إلى الفسخ حتى يتكلّم في الفاسخ وعلى الثاني فلا وجه للعدول عمّا استحقّه بالفسخ وهو البدل إلى نفس العين .

فإن قلت : إنّ البدل ليس بدلا عن الملك وإنّما هو بدل الحيلولة بين الملك ومالكه فيجب على الغابن تحصيل ملك المغبون مع ردّ بدل الحيلولة .

قلت : قد عرفت في محلّه أنّ بدل الحيلولة ممّا لا أساس له كما أنكرناه في محلّه(3) إلاّ أنه على تقدير القول به أيضاً فهو يختص بما إذا كان الملك باقياً على ملك مالكه وهو المغبون حتى يكون البدل بدلا عن تصرّفاته وسلطانه في ملكه على تقدير عدم الحيلولة ، وقد عرفت أنّ المغبون إنّما كان مالكاً له قبل المعاملة وأمّا بعدها وخروجه عن ملك الغابن أيضاً فلا يستحقّ المغبون إلاّ بدله ، وحيث ليس مالكاً للمال فلا يتم فيه بدل الحيلولة ، إذ لا ملك حتى يأخذ بدل حيلولته ، هذا كلّه في تصرّفاته الجائرة .

وأمّا التصرّفات التي لا توجب خروجها عن ملك الغابن ولكنّها تمنع عن إخراجها عن ملكه كالاستيلاد فقد ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(4) أنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المسالك 3 : 206 .

(2) المكاسب 5 : 192 ـ 193 .

(3) راجع المجلّد الأول من هذا الكتاب صفحة 287 .

(4) المكاسب 5 : 192 .

ــ[365]ــ

الاستيلاد وإن كان مانعاً عن خروج المبيع عن ملك الغابن إلاّ أنّ ذلك فيما إذا لم يسبقه حق الغير ، وبما أنّ المبيع قد تعلّق به حقّ المغبون فهو يمنع عن تأثير الاستيلاد في عدم الردّ ، هذا .

وما أفاده على تقدير تماميته يختص بما إذا قلنا بتعلّق حق الخيار بالعين وحينئذ يمكن أن يقال إنّ المبيع متعلّق لحق الغير وهو يمنع عن تأثير الاستيلاد فيه ولكنّك عرفت أنّ الخيار إنما يتعلق بالعقد ، ومقتضى فسخه رجوع المالين إلى مالكهما مع إمكان الرجوع ، وعليه فيكون الاستيلاد حاكماً على وجوب ردّها لأنّه يمنع عن إخراجها عن ملك الغابن ، وبه يتعذّر الردّ فتنتهي النوبة إلى ردّ مثله ، هذا .

بقي الكلام في أنه إذا خرج الملك عن الغابن بنقل لازم أو جائز ثم اتّفق عود المال إلى ملكه بفسخ أو هبة أو إرث أو شراء فهل يجب على الغابن أن يدفع العين إلى المغبون عند فسخه أو ينتقل إلى بدله ، أو أنّ هناك تفصيلا مبنياً على أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد ، وقد أسمعناك سابقاً(1) أنّ شيخنا الأنصاري وشيخنا الاُستاذ (قدّس سرّهما) ذهبا إلى هذا التفصيل ، وأنّ الملك إذا رجع إليه بفسخ أو إقالة لا بسبب مغاير لسبب الملك أوّلا فهو كالذي لم يزل ، وأمّا إذا عاد إليه بأسباب جديدة كالإرث والشراء والهبة فهو كالذي لم يعد ، وقد وعدناك التعرّض إلى تحقيق هذا الكلام .

فنقول : إنّ عود المال إلى ملك الغابن تارةً قبل فسخ المغبون واُخرى بعد فسخه .

أمّا إذا كان العود بعد فسخ المغبون فلا وجه لارجاعه إلى المغبون ، لأنّ المال قد انتقل إلى بدله حين فسخ المعاملة ، إذ المفروض عدم تمكّن الغابن من ردّ عينه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في الصفحة 360 وما بعدها .

ــ[366]ــ

وبعد انتقاله إلى البدل لا دليل على رجوع عين المال إليه إلاّ دعوى أنّ البدل بدل الحيلولة لا بدل أصل المال ، وقد عرفت أنّ بدل الحيلولة لا أساس له ، وهذا ظاهر .

وأمّا إذا كان عود المال إلى ملك الغابن قبل فسخ المغبون فقد ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) وتبعه شيخنا الاُستاذ(2) ما محصّله : أنّ عود الملك إلى الغابن إذا كان بفسخ المعاملة الواقعة عليه أو باقالتها فلا محالة يتلقّاه المغبون من الغابن ، لأنه بعينه الملك الذي الذي انتقل إليه من المغبون وليس بسبب جديد ، إذ سببه ليس إلاّ المعاملة الواقعة بينه وبين المغبون ، فالملك الزائل العائد بإبطال المعاملة الواقعة عليه كأنّه لم يزل وكأنّ المعاملة لم تقع عليه ، وأمّا إذا عاد إليه بأسباب جديدة كثيرة أو هبة أو إرث فلا يصحّ للمغبون أن يتلقّاه من الغابن ، لأنه ملك آخر جديد وليس هو الملك المنتقل منه إلى الغابن حتى يتلقّاه منه ، بل هو ملك جديد قد حصل بأسبابه من الارث والهبة والشراء ، فالملك الزائل العائد بتلك الأسباب الجديدة كأنه لم يعد ، لأنه ملك آخر ، هذا .

والصحيح هو ما ذكره السيد (قدّس سرّه)(3) من أنه لا فرق بين العود بالفسخ والعود بسائر الأسباب ، ومقتضى القاعدة رد العين إلى المغبون مطلقاً ، وذلك لأنّ المبادلة بينهما إنما وقعت بين نفسي المالين لا بين ملكيتين ، إذ الملكية كما أشرنا إليه غير مرّة أمر اعتباري قائم بمعتبره من الشارع أو العقلاء ، ولا معنى للمبادلة بين اعتبارين قائمين بشخصين ، وإنما المبادلة تقع بين المالين ، فإذا فسخ المغبون ورأى عين ماله الواقع طرفاً في المبادلة فله أن يأخذها ويطالب الغابن به ، لأنه طرف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 193 .

(2) منية الطالب 3 : 144 .

(3) حاشية المكاسب (اليزدي) : 44 من مبحث الخيارات .

ــ[367]ــ

المبادلة ، وإن كانت الملكية العائدة إليه ملكية جديدة على أي حال حتى فيما إذا كان العود بالفسخ ، لأنّ الملكية الحاصلة بالفسخ حينئذ ملكية جديدة وليست هي الملكية السابقة ، ولكن المال لمّا كان هو الطرف في المبادلة وقد عاد إلى ملك الغابن جاز للمغبون مطالبته به ، ولعلّه ظاهر .

ثم إنّ الغابن إذا تصرف في المال تصرفاً مغيّراً للعين فلا يخلو إمّا أن يكون التغيّر بالنقيصة كما إذا باعه عشرين متراً من قماش وقد أخذ منها الغابن خمسة أمتار فبقي خمسة عشر منها ، أو يكون بالزيادة ، أو لا هذا ولا ذاك وكان المال باقياً بحاله بلا نقيصة ولا زيادة ولكنه امتزج بغيره ولا يمكن تميّزه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net