تصرّف الغابن تصرّفاً مغيّراً للعين 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4346


أمّا التصرف الموجب للتغيّر بالنقيصة فهو أيضاً إمّا أن يكون نقصاً في أجزاء العين بأن يكون التصرف موجباً لزوال نصف المال أو ثلثه ، وإمّا أن يكون نقصاً في الأوصاف وهو على ثلاثة أقسام : لأنه إمّا أن يكون نقصاً يوجب الأرش بأن يكون التصرف موجباً لذهاب وصف الصحة ، وإمّا أن يكون موجباً لزوال وصف آخر غير وصف الصحة ولكنه كان موجباً لاختلاف قيمة المال كوصف الكتابة في العبد فإنها ليست بوصف الصحة إلاّ أنها توجب اختلاف قيمة العبد وهو ظاهر وإمّا أن يكون النقص والتغيّر بزوال وصف لا مدخلية له في زيادة القيمة ولا في نقيصتها وهذا ككون العبد المبيع حين المعاملة ممّن يحب الشيء الفلاني وقد زال منه ذلك الوصف عند الغابن ، أو كان الثوب الواقع ثمناً أصفر اللون حين المعاملة ثم صبغه الغابن بلون آخر لا يوجب تفاوتاً في القيمة ، فإنّ الوصف في المثالين متغيّر إلاّ أنه لا يوجب تفاوتاً في ناحية القيمة أبداً ، هذه هي أقسام النقيصة المتصوّرة في المقام  .

أمّا النقص بزوال القسم الثالث من الأوصاف أعني الوصف غير الدخيل في قيمة المال كزوال وصف الحبّ لأمر كذا ، أو وصف البياض المتبدّل بالسواد من دون

ــ[368]ــ

فرق بين الوصفين في قيمة المال ، فالظاهر أنه خارج عن محل الكلام ، لأنّ وجوده وعدمه على حدّ سواء ، ولا يكون النقص بزواله مغيّراً للعين ولا لقيمتها ، فوجوده كعدمه مما لا يترتّب عليه أثر .

كما أنّ النقص إذا كان من قبيل القسم الأول أعني به زوال بعض أجزاء العين كذهاب نصفه أو ثلثه فلا إشكال في دخوله في محل الكلام وكونه موجباً لردّه قيمة المقدار الناقص عند فسخ المغبون ، وهاتان الصورتان لا إشكال فيهما من حيث الوجود والعدم .

وإنما الكلام في القسمين المتوسطين وهما زوال وصف الصحة وزوال وصف كمال آخر غير الصحة ، فقد ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ الناقص إذا كان هو الصحة فيأخذ المشتري أي المغبون عين ماله مع الأرش ، لأنّ الفائت وهو وصف الصحة مضمون بجزء من العوض فإذا ردّ تمام العوض وجب ردّ مجموع المعوّض ، فيتدارك الفائت منه ببدله .

وأمّا إذا كان الناقص وصفاً آخر غير موجب للأرش إلاّ أنه كان دخيلا في تفاوت قيمة المال كما مثّلنا بوصف الكتابة في العبد ، فيأخذ المغبون عين ماله بلا أخذ شيء آخر للوصف الفائت ، لأنّ الأوصاف لا تقابل بالمال عند المعاملة ، وإنما هي توجب زيادة قيمة المال .

ثم ترقّى (قدّس سرّه) وذكر أنّ الاجارة أيضاً من هذا القبيل فإذا فسخ المغبون ووجد العين قد استؤجرت فإنما يأخذ عين ماله بعد انقضاء مدّة الاجارة ، وليس له مطالبة الغابن باُجرة مثل منافعها في مدة الاجارة ، لأنّ المنافع المنتقلة إلى المستأجر بالاجارة من الأوصاف وهي لا تقابل بالمال عند المعاملة حتى يأخذ عوضها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 194 .

ــ[369]ــ

بالفسخ ، والغابن إنما آجرها وهي ملكه ، ومنافع المملوك مملوكة ، فلا يجب عليه دفع ما يقابلها إلى المغبون ، بل عليه أن يصبر إلى أن ينقضي مدة الاجارة ولو كانت خمسين سنة ما لم يبلغ إلى حد تلف العين بزيادة مدة الاجارة .

ثم نقل عن المحقق القمي (قدّس سرّه)(1) انفساخ الاجارة في بقية المدة بفسخ المغبون ، لأنّ ملك المنافع تابع لملك العين فإذا خرجت العين عن ملك الغابن بالفسخ فتبعه المنافع أيضاً فتخرج عن ملكه وتقع الاجارة باطلة ، إلاّ أنه أجاب عنه : بأنّ ملك الغابن للعين ليس ملكاً محدوداً بزمان وإنما كان ملكها ملكاً مطلقاً وتتبعه منافعها وتكون مملوكة له مطلقاً وقد تصرف في ملكه حينئذ وآجرها إلى كذا مقدار ومدة فلا موجب لبطلانها .

ثم نقل عن العلاّمة(2) الحكم برجوع المغبون إلى الغابن باُجرة مثل المدة الباقية فيما إذا تفاسخا ، وكأنه (قدّس سرّه) يرى الفرق بين صورتي التفاسخ والفسخ كما أشار إليه بقوله : وسيجيء ما يمكن أن يكون فارقاً بين المقامين أي الفسخ والتفاسخ ، هذا ملخّص ما أفاده (قدّس سرّه) في المقام .

وفي كلامه (قدّس سرّه) مواقع للنظر وتأمّلات :

منها : تفصيله (قدّس سرّه) بين وصف الصحة وسائر الأوصاف الكمالية حيث فرّق بينهما بالحكم بضمان وصف الصحة ووجوب ردّ الأرش عند ردّ العين دون سائر الأوصاف الكمالية ، وذلك لأنه لا فرق بين الأوصاف الكمالية وصفة الصحة أبداً ، لأنها بأجمعها لا تقابل بالمال حتى وصف الصحة ، وإنما هي توجب زيادة قيمة المال فما هو الفارق بينهما .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جامع الشتات 3 : 431 ـ 432 المسألة 203 .

(2) القواعد 2 : 96 .

ــ[370]ــ

أضف إلى ذلك : أنه إذا أغمضنا النظر عن ذلك وقلنا بضمان وصف الصحة وتقابلها بالمال فالواجب حينئذ ردّ ما يقابل الصحة من عين الثمن لا من غيره ، وكذا في غير وصف الصحة من الأوصاف الكمالية ، مع أنّهما مما لا يلتزم به هو ولا غيره من الفقهاء ، وذلك لأنهم لم يلتزموا في الأرش أن يكون من عين الثمن كما لم يلتزموا بالأرش في غير وصف الصحة من الأوصاف الكمالية ، وأمّا الأرش في خصوص وصف الصحة فإنما ثبت بمقتضى الأخبار وإلاّ فمقتضى القاعدة عدم مقابلة شيء من الأوصاف بالمال ، وكذا يلزمه وجوب ردّ الأرش أعني قيمة الوصف الزائل مطلقاً سواء طالبه به المغبون أم لم يطالبه ، لأنه قيمة الجزء الفائت وهو ملكه ، مع أنه مما لا يلتزم به الفقهاء ولا يجب دفع الأرش عندهم إلاّ في صورة مطالبة مالك المال .

وبعبارة اُخرى : إن قلنا بضمان وصف الصحة دون سائر الأوصاف من باب مقابلته بجزء من العوض دون سائر الأوصاف ، ففيه : أنّ الأوصاف مطلقاً لا تقابل بشيء من العوض . على أنّ لازم مقابلته بالمال ردّ جزء من عين العوض سواء طولب به أم لا ، ولم يلتزم به أحد . وإن قلنا بضمان وصف الصحة من باب وجوب ردّ العين إلى مالكها كما أخذها الغابن لقوله (عليه السلام) « على اليد ما أخذت » إلخ فلابدّ من أن نلتزم بذلك في سائر الأوصاف الكمالية أيضاً ، كما أنه إذا لم نقل بذلك فلا نقول به في سائر الأوصاف أيضاً ، فالفرق بين وصف الصحة وسائر الأوصاف مما لا يرجع إلى وجه متين .

ومنها : ما أفاده في الاجارة من أنّ المغبون يرجع إلى نفس ماله ويصبر إلى أن تنقضي مدة الاجارة بلا مطالبة شيء آخر في مقابل المنافع في المدة الباقية ، فإنّ ذلك ممّا لا يمكن المساعدة عليه بوجه ، لأنّ الغابن يجب عليه ردّ مال المغبون إليه كما أخذه بمقتضى « على اليد ما أخذت » ومن المفروض أنّ المال حينما أخذه الغابن لم يكن مسلوب المنافع فكيف يردّه مسلوب المنافع ، وإلاّ فلو صح ذلك لأمكن أن

ــ[371]ــ

يؤجرها الغابن بمدة خمسين سنة ، ثم إذا فسخ المغبون يردّها إليه مسلوبة المنافع بلا ردّ قيمة المنافع في تلك المدة ، وهذا كما ترى لا يمكن الالتزام به .

بل لابدّ من أن يردّه العين كما أخذها ، وحيث إنّ العين لم تكن مسلوبة المنافع حين أخذها فيجب عليه ردّها بتلك المنافع ، وحينئذ فتقوّم العين مجرّدة عن المنافع كما تقوّم مع المنافع في تلك المدة ، ويؤخذ التفاوت بين القيمتين ويردّ إلى المغبون .

ومما ذكرناه يظهر أنّ المردود إلى المغبون إنما هو تفاوت القيمتين أعني قيمة العين مجردة وقيمتها مع منافعها في مدة الاجارة دون اُجرة مثل المدة الباقية كما وقع في كلام العلاّمة (قدّس سرّه) والذي يسهّل الخطب أنّ التفاوت بين القيمتين غالباً بل دائماً تطابق اُجرة مثل العين في مدة الاجارة كما نبّه عليه شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) والوجه في ذلك : أنّ التفاوت بين القيمتين إنما نشأ من قيمة المنافع في مدة الاجارة وهي المعبّر عنها باُجرة المثل ، فإذا فرضنا الفرق بينهما خمسة دنانير مثلا فهي اُجرة مثل العين في تلك المدة . نعم لا يمكن المساعدة على ما ذهب إليه المحقق القمي من بطلان الاجارة في المدة الباقية من جهة أنّ العين كانت مملوكة للغابن حين تصرفه كما كانت المنافع مملوكة له بتبعها ، وإنما تصرف في ملكه فلا وجه لبطلان تصرفاته ، فلابدّ من الالتزام بصحة المعاملة والاجارة وردّ العين مع التفاوت ما بين القيمتين .

فالمتحصّل من جميع ذلك : أنّ التصرف في العين تصرفاً مغيّراً بالنقيصة أعم من أن يكون مغيّراً وموجباً للنقص بحسب أجزاء العين أو من جهة زوال الأوصاف الأعم من وصف الصحة وسائر الأوصاف الكمالية مضمون على الغابن فيجب عليه ردّ العين وردّ بدل الفائت أعم من أجزاء العين أو من الأوصاف .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ منية الطالب 3 : 147 .

ــ[372]ــ

فالمتلخّص من جميع ذلك : أنّ النقيصة في أجزاء العين أو في الأوصاف أعم من الأوصاف الكمالية ووصف الصحة مضمون على الغابن بمقتضى « على اليد ما أخذت » ويجب عليه ردّ ما أخذه بعينه ، والأوصاف وإن كانت لا تقابل بالمال إلاّ أنها لا تقابل بالمال على وجه الاستقلال لا على نحو الاطلاق حتى على نحو التبعية مثلا لا يمكن بيع بياض الثوب أو علم العبد مستقلا ، ولكن بيعهما تبعاً لبيع الثوب والعبد مما لا إشكال فيه ، لأنها أي الأوصاف توجب زيادة في القيمة فيجب الخروج عن عهدتها كما في الغاصب بعينه ، وغاية الفرق أنّ الغاصب يرتكب المعصية بتصرفه في المال وهذا بخلاف الغابن فإنه إنما يتصرف في ملك نفسه ولا معصية عليه .

وأمّا إذا فسخ المغبون ورجع إليه بماله فيجب عليه ردّ ماله بجميع أوصافه الكمالية وغيرها ، لأنها مضمون على الغابن كما عرفت ، ومن ذلك ما لو وجد العين مستأجرة فإنّ الغابن لابدّ من أن يردّ إلى المغبون عين ماله كما أخذها منه ، وحيث إنّه أخذها منه من غير سلب المنافع عنها فعليه أن يردّها إليه مع منافعها ، وبما أنها فاتت بالاجارة فلا محالة يخرج عن عهدتها بردّ بدلها ، هذا كلّه في النقيصة .

بقي منها صورة واحدة لم يتعرّض لها شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) ولعلّه لوضوحها : وهي ما إذا نقصت قيمة العين في السوق من دون عروض نقيصة في نفسها وإنما تنزّلت القيمة السوقية فقط ، وفي مثل ذلك لا يجب على الغابن دفع مقدار النقص من قيمة المال ، لأنّ المضمون على الغابن إنما هو نفس العين وتوابعها من الأوصاف دون القيمة السوقية ، لأنها مما لا يشمله « على اليد ما أخذت » لأنّ يده إنما وقعت على العين وأوصافها لا على قيمة المال في السوق فانها لا تدخل تحت يد أحد حتى لا يؤخذ بها الغاصب مع أنه يؤخذ بأشق الأحوال فضلا عن الغابن فإنه إذا غصب مالا ثم تنزّلت قيمته السوقية فإنّ اللازم عليه هو ردّ نفس العين وأوصافها لا قيمتها السوقية زيادة ونقيصة وهذا ظاهر ، ولعلّ وضوح المسألة منع

ــ[373]ــ

شيخنا الأنصاري عن التعرّض إلى حكمها .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net