أقسام المزج وأحكامه - حكم تلف العوضين 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4346


فنقول : الامتزاج تارةً على نحو الاستهلاك والانعدام كما إذا امتزج مقدار من الماء الحلو في حوض من الماء المرّ واستهلك فيه وانعدم ، وهذا القسم من الامتزاج لا يوجب الاشتراك بل هو من باب التلف ، فلا يصير مالك الماء الحلو شريكاً لمالك الماء المرّ بوجه ، كما ليس له مطالبته بشيء ، لأنّ الامتزاج حصل بنفسه ووقع الكوز في الحوض بلا استناده إلى أحد .

وهذا من دون فرق بين زيادة قيمة المال المستهلك فيه بالامتزاج كما إذا امتزج عطر أحد في زيت مالك آخر وترقّت قيمة الزيت لطيب رائحته ، وبين عدمها كما في المثال السابق ، وفي كلتا الصورتين لا يستحق مالك المال المستهلك

ــ[391]ــ

على الآخر شيئاً لتلف ماله بنفسه .

وأمّا إذا كان المزج بفعل مالك المال المستهلك فيه ، فإن كان يده على المال المنعدم يد ضمان فلا إشكال في وجوب ردّ بدله عليه لإتلافه والفرض أنّ يده يد ضمان ، وأمّا إذا لم يكن يده على وجه الضمان كما إذا كان عنده أمانة وامتزجا بغير إفراط منه فلا يجب عليه تداركه ، وهذا ظاهر .

واُخرى يكون الامتزاج موجباً لتلف كلا الممتزجين بحسب الصورة وحصول صورة ثالثة ، وهذا كما إذا امتزج الترياك مع البَرش والزعفران وحصل منه معجون البَرش المتداول في سابق الزمان وكان يستعمله الشباب غالباً ونحن أدركناه ، فإنّ المزج بينها يوجب انعدام كل من الأجزاء المذكورة ويحدث صورة ثالثة ، ولعلّه من هذا القبيل مزج العسل بالخل لانعدامهما وحصول السكنجبين وهو شيء آخر ، ومن ذلك أيضاً مزج الماء والورد لاستحصال العرق منهما ويسمّى بعرق الورد ، فإنه ليس بماء ولذا منعنا عن التوضؤ به كما أنه ليس بورد وهو طبيعة ثالثة ، ففي أمثال هذه الموارد يحصل الاشتراك بين المالين لا محالة ، لأنّ خصوصيات المالين وإن زالت وانعدمت بالامتزاج إلاّ أنّ هذه الهيئة الحاصلة بالفعل أعني الصورة الثالثة تابعة في الملكية لمادّتها وهي مشتركة بين المالكين ، إلاّ أنّ الاشتراك حينئذ اشتراك في المالية لا في نفس المالين ، إذ لم يبق من المالين عين وانعدما بالامتزاج ، فلا وجه لاشتراكهما في المعدومين وإنما يشتركان في المالية ، فإذا فرضنا أنّ قيمة أحدهما كالخل نصف قيمة الآخر كالسكّر مثلا وكان السكّر منّاً والخلّ منّين فالمال بينهما بالسوية ، كما أنّ كل واحد منهما إذا كان منّاً واحداً فالمال بينهما بالثلث والثلثين ، فثلثان منه لمالك السكّر وثلث منه لمالك الخل لأنّه مقتضى مالية المالين ، إذ المفروض أنّ مالية السكّر ضعف مالية الخلّ ومعه لا معنى لتساويهما في المال الحاصل منهما .

ــ[392]ــ

وثالثة لا يوجب الامتزاج تلف شيء من الممتزجين ، بل المالان على حالهما إلاّ أنّهما امتزجا كما إذا امتزج أحد المتجانسين بالآخر ، فإنّ هذا الامتزاج لا يوجب تلف شيء منهما ولكنّه يوجب الاشتراك ، وبما أنّ المالين موجودان بنفسهما فلا مجال معه للشركة في المالية ، بل يشتركان في نفس المال المشترك ، والوجه في ذلك : أنّ الفائت بالامتزاج ليس إلاّ الخصوصية الشخصية دون أصل المال ، ولا يقاس هذه الصورة بالصورة المتقدّمة أعني مثل مزج العسل بالخل الموجب لتلف المالين وانقلابهما إلى شيء ثالث ، ومع بقاء المالين في المقام لا وجه للاشتراك في المالية بل يشتركان في نفس المال . هذا فيما إذا كان المالان الممتزجان متساويين من حيث الجودة والرداءة ، فإذا كان أحدهما منّاً والآخر منّين فيكون المال مشتركاً بينهما أثلاثاً ، فثلث منه لمالك المنّ وثلثان منه لمالك المنّين ، كما أنّ كل واحد منهما إذا كان منّاً واحداً فالمال بينهما نصفين .

وأمّا إذا اختلف المالان من حيث الرداءة والجودة وكان أحدهما جيّداً والآخر رديئاً ، فقد قسّمه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) إلى قسمين : فتارةً فرض الجيّد ملكاً للمغبون والرديء ملكاً للغابن ، واُخرى عكسه وفرض كون ملك المغبون رديئاً وملك الغابن جيّداً ، وإن لم يكن بينهما فرق على ما ذكرناه سابقاً من أنّ حكم الامتزاج هو حكم التلف ، وليس لما أفاده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) في المقام وجه إلاّ أنّه فرضه كذلك ، واحتمل في القسم الأول وهو ما كان الجيّد ملكاً للمغبون احتمالات ثلاثة :

أحدها : أن يكون المغبون مستحقاً لأرش النقص الوارد على ماله بامتزاج مال الغابن به فيطالب الغابن بالأرش .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 199 .

ــ[393]ــ

وثانيها : أنه يستحقّ التفاوت بين الجيد والرديء بأن يأخذ تفاوت الرداءة من نفس المال الممتزج كما إذا كان تفاوت الرداءة نصف منّ فيأخذ المغبون مقدار ماله مضافاً إلى نصف منّ آخر من المال المشترك .

وثالثها : أن يستحق تفاوت الرداءة من الثمن لا من نفس المال المشترك كما إذا كان تفاوتهما بمقدار درهم فيأخذ الدرهم من ثمن المال المشترك .

وأمّا في القسم الثاني وهو ما إذا كان ملك الغابن جيّداً وملك المشتري رديئاً احتمل فيه أمرين :

أحدهما : أن يكون الغابن والمغبون مشتركين في الثمن لا في نفس المال ويعطى من الثمن لكل منهما بنسبة قيمة ماله .

وثانيهما : أن يكونا مشتركين في نفس المال بنسبة قيمة مالهما ، فإذا كان الأجود يساوي قيمتي الرديء كان المال بينهما أثلاثاً ، فثلثه لصاحب الرديء وثلثاه لمالك الجيّد ، هذا .

وقد اختار شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1)من بين المحتملات الاحتمال الأول وأفاد أنّ امتزاج الجيد بالرديء يوجب الشركة في المال بنسبته ، فإذا كان الجيّد منّاً والرديء منّين فالمال بينهما أثلاثاً ، وذلك لأنّ الرديء إذا كان ملك المغبون وقد مزجه الغاصب أو الغابن بجيّد فهو رزق رزقه الله إيّاه ، لأنّ قيمة ماله يترقّى بذلك وأمّا إذا انعكس وكان الجيّد ملكاً للمغبون والرديء ملكاً للغابن وقد مزجه به فيضمن الغابن أرش النقص الذي أورده على مال المغبون ، ولكن المال مشترك بينهما ولصاحب المنّ منّ من المال المشترك ولصاحب المنّين منّان ، وقد أفاد أنّ الاشتراك في المالية حينئذ مع عدم زوال الكمّية عن المالين ممّا لا وجه له ، لأنّ ما زال

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 3 : 154 .

ــ[394]ــ

إنّما هو خصوصية الجودة والرداءة أي الكيفية ، وأمّا الكمّية أعني منّ مالك الرديء أو مقدار منّ مالك الجيّد فهي بعد باقية ، ومعه لا وجه لرفع اليد عنها والاشتراك في المالية ، وعليه فلصاحب المنّ منّ من المشترك ولمالك المنّين منّان منه ، وليس هذا نظير مزج العسل بالخل موجباً لتلف الكمّية أيضاً بحيث لا يمكنه تحصيل مقدار منّه من المشترك ، وقد عرفت أنّ مع بقائها أي الكمّية لا وجه للرجوع إلى الشركة في المالية وإن تلفت الكيفية ، هذا ملخّص ما أفاده في المقام .

قلت : قد عرفت أنّ مسألة المزج والاشتراك غير مختصّة بالغبن ، بل قد سبق أنّها أجنبية عن الغابن والمغبون ، وعليه فلابدّ من ملاحظة أنّ المزج مقتضاه ماذا وأنّ السيرة التي هي العمدة في حصول الشركة بالامتزاج هل تقتضي في امتزاج الجيد بالرديء الشركة في المال أو الشركة في المالية ، ثمّ إنّها هل تقتضي ضمان النقص الوارد على مالك الجيّد أو لا ، بلا مدخلية الغابن والمغبون في ذلك .

فنقول : إذا فرضنا مالين متجانسين في مكان واحد لشخصين بلا وقوع معاملة بينهما وقد امتزج أحدهما بالآخر لا بواسطة فعل أحدهما بل بآفة سماوية كريح عاصف أو زلزلة (نعوذ بالله) أو بفعل حيوان من الحيوانات ، فلا ينبغي الاشكال حينئذ في أنه لا موجب لضمان النقص الوارد على مالك الجيد أبداً ، إذ لم يصدر ذلك عن أحدهما وهو ظاهر ، فالحكم بضمان النقص على أحدهما حينئذ بلا وجه ، كما أنه لا وجه لاشتراكهما في المال المشترك بنسبة مالهما ، بأن يطالب مالك المنّ منّاً من المشترك ومالك المنّين منّين منه ، لأنّ المالين قد امتزجا فمنّ منه مركّب من جيّد ورديء فكيف يأخذه مالك المنّ الرديء ، فالاشتراك في المال بنسبة مالهما ممّا لا مقتضي له .

بل الصحيح حينئذ أن يشتركا في المال لكن لا بنسبة مالهما بل بنسبة قيمة مالهما ، فإذا كانت قيمة الأجود تساوي قيمتي الرديء وفرضنا كلا منهما منّاً فالمال

ــ[395]ــ

بينهما أثلاثاً ، فثلث منه لمالك الرديء وثلثاه لمالك الجيّد كما هو نسبة قيمتهما والغرض أنّ الامتزاج يقتضي الشركة في المال دائماً ولا موجب للشركة في المالية والثمن ، إلاّ أنّ الاشتراك فيه بنسبة ماليتهما ، فإذا كان مالية أحدهما أكثر من مالية الآخر بالضعف فلا محالة يشتركان في نفس المال أثلاثاً كما تقدّم ، وهذا تارةً يوجب وصول أكثر من منّ واحد لمالك المنّ ، واُخرى يوجب وصول أقل من مقدار ماله .

ومن هنا يظهر أنه مع بقاء نفس المالين لا وجه للاشتراك في الثمن بأن يباع المال ويقسّم ثمنه ، فإنّ الاشتراك فيه من أجل اشتراكهما في نفس المال فيشتركان فيه بلا موجب للبيع ، هذا كلّه فيما إذا لم يستند الامتزاج إلى أحد .

وأمّا إذا استند إلى أحد المالكين أو إلى ثالث ، فإن لم يحصل بذلك نقص في قيمة المجموع عن قيمة الجميع كما إذا كان أحدهما يسوى مائة فلساً والآخر خمسين فلساً ومجموعهما يسوى بمائة وخمسين فلساً فلا كلام ، وأمّا إذا حصل بالمزج نقص عن قيمة الجميع كما إذا مزج أرزاً يسوى كيلو منه مائة فلس كارز رشت بأرز آخر يسوى كيلو منه عشرين فلساً ومجموعهما لا يشترى بمائة وعشرين وإنما يسوى بثمانين لأجل زوال وصف الخلوص عن أرز رشت وصيرورته مخلوطاً بالأجزاء الصغار ، فلا إشكال في ضمان النقص على من استند إليه المزج ، فإن كان مستنداً إلى ثالث فيضمن النقص لكل من المالكين بنسبة حصّته ، وإذا كان مستنداً إلى أحدهما فبالإضافة إلى حصّة نفسه يتلف ويضمن حصة المالك الثاني ، هذا كلّه فيما إذا امتزج أحد المتجانسين بالآخر ، والمتحصّل أنّ أحدهما إذا كان جيّداً والآخر رديئاً يشتركان في نفس المال المشترك بنسبة مالية مالهما .

ويبقى الكلام فيما ذكره الشيخ الطوسي (قدّس سرّه)(1) من أنّ الاشتراك في المال

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المبسوط 2 : 263 .

ــ[396]ــ

بنسبة المالية يستلزم الربا ، لما أشرنا إليه من أنه ربما يصل إلى مالك المنّ أكثر من منّ واحد وهو ربا .

والجواب عن ذلك : أنّ الربا عبارة عن إعطاء الناقص في مقابل الزائد أو مبادلة الزائد بالناقص ، وهذا إنما يتحقّق فيما إذا كانت المبادلة والمعاوضة اختيارية للمالكين ، وفي المقام لا مبادلة اختيارية بين الجنسين المتجانسين ، وحرمة الربا تختص بالبيع وما يلحقه ، وعلى تقدير التعدّي إلى كل معاوضة فلا محالة تختص بالمعاوضة الاختيارية ، وقد عرفت أنّ المبادلة في المقام قهرية حصلت بحكم الشارع بعد الامتزاج حتّى أنّ المالكين إذا صرّحا بعدم رضاهما بذلك التبديل لا يصغى إليهما ، لرضا الله تعالى بتلك المعاوضة فهي قهرية لا معنى للحرمة فيها ، هذا كلّه في المتجانسين .

ومنه يظهر الكلام في امتزاج جنس بغير جنسه بلا استهلاك أحدهما في الآخر كما في الصورة الاُولى ولا تلف المالين معاً وانقلابهما إلى صورة نوعية ثالثة كما في الصورة الثانية ، ولا مع بقائهما وكونهما من جنس واحد كما في الصورة الثالثة وهذا كما إذا امتزج دقيق الاُرز بدقيق الحنطة أو بدقيق الحمّص أو العدس ، فإنّ حكم هذه الصورة بعينها حكم الصورة الثالثة ، إذ لا فرق بينهما إلاّ في أنّ المالين الممتزجين من جنس واحد في الصورة الثالثة ومن جنسين متغايرين في هذه الصورة ، وعليه فإذا لم يكن المزج مستنداً إلى أحد فلا ضمان للنقص الوارد على مالكي المالين .

وأمّا إذا كان مستنداً إلى أحد فإن كان مستنداً إلى فعل ثالث غير المتبادلين فيضمن النقص للمالكين ، وإن كان مستنداً إلى فعل أحدهما فبالإضافة إلى حصّة نفسه يكون تالفاً ويجب عليه دفع حصّة المالك الآخر إليه ، هذا كلّه فيما إذا حصل بالامتزاج نقص على مجموع المالين عن قيمة الجميع ، وإلاّ فلا ضمان ، وقد عرفت

ــ[397]ــ

أنّ المالكين يشتركان في المال بنسبة مالية مالهما كما تقدّم في صورة امتزاج أحد المتجانسين بالآخر ، هذا تمام الكلام في الامتزاج وإنّما تعرّضنا لحكمه بالمناسبة تبعاً لشيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) إلاّ أنّك عرفت أنّ الامتزاج في حكم التلف كما صرّح به هو (قدّس سرّه) فيما إذا حصل المزج بتصرف المغبون ، وأنّ بين ما أفاده في المقام وما ذكره هناك تهافتاً ظاهراً ، نعم الامتزاج الذي هو في حكم التلف لا يوجب سقوط الخيار لأنه لا يسقط بالتلف الحقيقي فكيف بالامتزاج .

 

حكم تلف العوضين

ذكر شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) أنّ الوجه والمناسبة في التعرّض إلى حكم تلف العوضين في خيار الغبن هو أنّهم لمّا ذكروا في المقام سقوط الخيار بتصرف المغبون في المال كان هذا موهماً لسقوط الخيار عند تلف المالين بطريق أولى ، لأنّ المال عند تصرف المغبون باق حقيقة ولكنّه حيث تصرف فيه المغبون حكمنا بسقوط الخيار به ، فإذا تلفت العين حقيقة يكون الخيار ساقطاً بذلك بطريق أولى فلأجل ذلك تعرّضوا لتلك المسألة في المقام وأرادوا أن يبيّنوا الفارق بين التلف وتصرّف المغبون ، وإلاّ فالأنسب أن يذكر ذلك في أحكام الخيار .

وكيف كان ، التلف في المقام يتصوّر على أقسام : فإنه تارةً لا يستند إلى أحد وإنما يتلف بآفة سماوية ، واُخرى يستند إلى فعل أحد المتعاملين ، وثالثة إلى فعل الأجنبي ، وهذا من دون فرق بين تلف المال المنتقل إليه والمال المنتقل عنه ، فإنّ حكمهما من باب واحد ، هذا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 3 : 156 .

ــ[398]ــ

وقد قسّم شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) في المقام تقسيماً آخر حيث فرض الصور الثلاث المتقدّمة فيما وصل إلى المغبون وهو المال المنتقل إليه تارةً وفرضها فيما وصل إلى الغابن وهو المال المنتقل عنه اُخرى .

وأورد عليه شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه) بأنّ هذا التقسيم ممّا لا يترتّب عليه أثر ، لأنّ تلف المال المنتقل إليه أو المنتقل عنه حكمه حكم الآخر ولا فرق بينهما في الحكم بوجه .

وهذا هو الصحيح لأنّهما من واد واحد لا يختلف حكمهما .

وعلى أيّ حال إذا قلنا بتعلّق حقّ الخيار بالعين كما يظهر ذلك من بعض كلمات العلاّمة (قدّس سرّه)(2) عند تعليله لسقوط الخيار بأنّ العين تلفت ومعه لا يمكن الترادّ نظير الهبة من العقود الجائزة لاشتراط جواز الرجوع فيها ببقاء نفس العين ، وكجواز الرجوع في المعاطاة حيث إنّ الجواز فيها بمعنى ترادّ العينين ، كان لتوهّم سقوط خيار الغبن بتلف المالين وجه ، لاستحالة الترادّ حينئذ كما في المعاطاة وخصوص الهبة من العقود الجائزة .

وأمّا إذا قلنا بتعلّق حقّ الخيار بالعقد لأنّه بمعنى ملك فسخ العقد ومن آثاره ترادّ العينين على تقدير بقائهما لا أنّ الخيار معناه الترادّ ، فلا وجه لسقوط الخيار في المقام بتلف المالين ، وهذا ظاهر .

وعليه فيقع الكلام في مسائل :

المسألة الاُولى : فيما إذا تلف أحد المالين بآفة سماوية أو أتلفه من في يده كما إذا أتلف المغبون ما في يده . ثمّ التلف والاتلاف قد يكون قبل الفسخ وقد يكون

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 200 .

(2) التذكرة 11 : 71 .

ــ[399]ــ

بعده ، وعلى كل تقدير فالمال مضمون على من أتلفه أو تلف في يده ، فإن كان هو المغبون كان هو الضامن ، إذ بالفسخ تنحلّ المعاملة ويرجع كل مال إلى مالكه إن كان موجوداً وإلاّ فلابدّ من دفع بدله ، ويد المغبون فيما إذا كان التلف بعد الفسخ ليست يداً أمانية وإنّما هي يد ضمانية ، لأنّ الغابن لم يدفعه إليه للحفظ والأمانة وإنّما دفعه إليه في مقابل ماله ، فالتلف في هذه الصورة مضمّن ولا إشكال فيه ، لأنه نظير غيره من موارد تلف مال أحد عند غيره وكون يده ضمانية .

وإنّما الكلام في أنه يضمن للغابن قيمة المال يوم التلف أو قيمته يوم الفسخ أو قيمته يوم الأداء ؟

أمّا احتمال وجوب دفع أعلى القيم من يوم الفسخ إلى يوم الأداء فهو مقطوع العدم في المقام ، لأنّا لم نقل به في الغصب فكيف بالبيوع الفاسدة والمقام ، والوجه في عدم اعتباره ما ذكرناه في محلّه من أنّ الضامن بالغصب أو بغيره من أسباب الضمان إنّما يجب عليه أن يخرج عن عهدة نفس العين وأوصافها التي يدخل تحت يد الضامن ، وأمّا القيمة السوقية فهي أمر اعتباري لا يدخل تحت يد أحد حتّى يضمنها ، ولأجل ذلك إذا دفع الغاصب نفس العين بعد تنزّل القيمة السوقية لا يجب عليه ردّ المقدار النازل من القيمة السوقية ، لأنّه إنّما يضمن العين دون القيمة السوقية وهذا ظاهر ، فلا وجه لاحتمال وجوب ردّ أعلى القيم في المقام .

وأمّا قيمة يوم التلف فالوجه في وجوب دفع تلك القيمة أنّ هذا الوقت أعني وقت التلف هو زمان الحكم عليه بوجوب ردّ القيمة ، لأنه إلى هذا الزمان كان مكلّفاً بردّ نفس العين لبقائها ، وحين تلفها تبدّل ضمان العين بضمان قيمتها أو مثلها وتوجّه عليه التكليف بوجوب دفع القيمة .

وقد أجبنا عن ذلك في محلّه : بأنّ وقت التلف وإن كان وقت تبدّل الضمان أي تبدّل ضمان العين بضمان القيمة وقد حكم عليه بوجوب ردّ قيمتها ، إلاّ أنّ المراد

ــ[400]ــ

بالقيمة لا يتعيّن أن يكون هو قيمة يوم التلف ، بل يحكم عليه حينئذ بوجوب ردّ قيمة يوم الغصب أو يوم الأداء ، وبالجملة فتوجّه وجوب ردّ القيمة وإن كان في زمان التلف إلاّ أنّه لابدّ من بيان أنّ المراد بها أيّ قيمة فهل يحكم عليه في ذاك الوقت بوجوب ردّ قيمة ذلك الوقت أو قيمة وقت آخر ، فلا يوجب توجّه الحكم بوجوب ردّ القيمة حين التلف أن يكون الواجب ردّ قيمة يوم التلف ، هذا ما أجبنا به عن تعيّن قيمة يوم التلف في موارد الغصب .

وأمّا في أمثال المقام ممّا إذا كان التلف قبل الفسخ فلا حاجة إلى هذا الجواب أيضاً ، لأنّ المال حين تلفه لم يكن ملكاً للغير كما في الغصب حتّى يتوجّه عليه وجوب ردّ قيمته ، بل كان التالف ملك نفسه وإنّما يفسخ المعاملة بعد ذلك وبه ينتقل التالف إلى ملك مالكه السابق ، وأمّا قبل الفسخ فالتالف لا يدخل في ملك شخص آخر حتى يتوجّه عليه ذلك الخطاب .

وليعلم أنّ مرادنا من كون التالف ملكه مع تلفه ، أنّ العين تنتقل إلى ذمّته في عالم الاعتبار ، وهي في هذا الحال ليست مملوكة للغير ولعلّه ظاهر ، فإذن يدور الأمر بين وجوب ردّ قيمة يوم الغصب وهو ينطبق في المقام على يوم الفسخ ، لأنّه يوم اشتغال ذمّته بمال الغير ، ووجوب ردّ قيمة يوم الأداء وقد ذكرنا في محلّه أنّ مقتضى القواعد تعيّن قيمة يوم الأداء ، لأنه وقت تفريغ الذمّة عن مال الغير ، فإن كانت عينه موجودة فيرد عينه وإلاّ فيردّ قيمتها حينئذ كما ذهب إليه شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1).

وما أفاده من تعيّن قيمة يوم الأداء في غاية المتانة لولا صحيحة أبي ولاّد حيث دلّت على وجوب ردّ قيمة يوم الغصب ، ولكنّها تختص بالغصب ولا يمكن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 3 : 157 .

 
 

ــ[401]ــ

التعدّي عن موردها إلى غيره من البيوع الفاسدة وما نحن فيه ، إلاّ بتقريب أن يقال : إنّ بين قيمة يوم الغصب وقيمة يوم الأداء عموماً من وجه ، وذلك لتطابقهما وتساويهما في بعض الموارد كما إذا كان قيمة المال يوم غصبه خمسة دنانير وكانت قيمته يوم الأداء أيضاً كذلك ، واختلافهما في موردين ، وهذا لأنّ قيمة يوم الغصب تارةً يكون أزيد وأعلى من قيمته يوم الأداء كما إذا كانت قيمته يوم الغصب عشرة ونزلت يوم أدائها وصارت خمسة ، واُخرى يكون قيمة يوم الأداء أزيد من قيمته يوم الغصب كما إذا كانت القيمة يوم الغصب عشرة ويوم الأداء خمسة عشر ، وقد دلّت الصحيحة على أنّ الواجب على الغاصب ردّ قيمة يوم الغصب ، فلو حكمنا في المقام بوجوب ردّ قيمة يوم الأداء لكان حال غير الغاصب أسوأ من حال الغاصب لأنّ المغبون غير غاصب في المقام فكيف يحكم عليه بوجوب دفع خمسة عشر التي هي قيمة يوم الأداء (عند ترقّي القيمة وزيادتها عن قيمة يوم الغصب) ويحكم على الغاصب بوجوب ردّ قيمة يوم الغصب وهي عشرة ، أفهل يكون حال غير الغاصب أسوأ من حاله ويراعي الشارع جانب الغاصب ويكلّف غيره بأشقّ من حكم الغاصب ، كلاّ إنّ هذا ممّا لا وجه لاحتماله مع اشتهار أنّ الغاصب يؤخذ بأشقّ الأحوال .

وكيف كان ، فتعيّن قيمة يوم الأداء يستلزم هذا المحذور في بعض الموارد (وهو ما إذا كانت قيمة يوم الأداء أزيد من قيمة يوم الغصب) وحيث إنّا نقطع بأنّ الشارع لا يراعي حال الغاصب ولا يسامحه بما لا يسامح به غير الغاصب ، لأنه إمّا أن يساوي الغاصب أو يكون حال الغاصب أسوأ منه ، وأمّا كون حال غير الغاصب أسوأ من حال الغاصب فهو ممّا لا نحتمله ، فلابدّ من تعيين قيمة يوم الغصب في المقام حتى يكون حاله مساوياً مع الغاصب ولا يكون حاله أسوأ من حال الغاصب
وبهذا لا مانع من أن تشمل الصحيحة البيوع الفاسدة في المقام ، فلا يمكن الالتزام

ــ[402]ــ

بتعيّن قيمة يوم الأداء أبداً .

ولا يكاد ينقضي تعجّبي أنّ شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه) مع التفاته إلى ما ذكرناه وتوجّهه إليه عند التكلّم في صحيحة أبي ولاّد ذهب في المقام إلى تعيّن قيمة يوم الأداء .

والمتحصّل من جميع ذلك : أنه يجب على المغبون ردّ قيمة المال إلى الغابن بعد فسخ المعاملة لاستحالة ردّ العين ، هذا فيما إذا تلف أحد المالين .

وأمّا إذا تلف كلاهما فيسقط القيمة عن كل منهما بالتهاتر ويجب دفع المقدار الزائد منهما ، هذا كلّه في التلف السماوي أو إتلاف أحدهما ما عنده من المال والمتلخّص أنّ الفاسخ يضمن حسب القاعدة قيمة المال يوم الأداء للغابن لأنّ العين في ذمّته حتّى يخرج عن عهدتها ، فلا محالة يضمن قيمة يوم الأداء ، إلاّ أنّ صحيحة أبي ولاّد دلّتنا على أنّ الاعتبار بيوم الغصب المنطبق في المقام على يوم الفسخ ، لأنّه يوم ضمان المال وقبله كان ملكه ولا معنى لضمانه مال نفسه ، وإن شئت عبرت عنه بيوم الضمان .

المسألة الثانية : ما إذا أتلف أحدهما ما عند صاحبه من المال كما إذا أتلف المغبون ما عند الغابن من المال المنتقل إليه منه أو أتلف الغابن ما عند المغبون ثمّ بعد ذلك فسخ المغبون ، وقد عرفت أنّ إتلاف المغبون مال الغابن أو العكس كلاهما من واد واحد ولا فرق بينهما ، وإن فصّل بينهما شيخنا الأنصاري وجعلهما قسمين  .

وكيف كان فإذا فرضنا أنّ المغبون قد أتلف ما عند الغابن ثمّ فسخ أو أتلف الغابن ما عند المغبون ثمّ فسخ المغبون (لنفرض الكلام في إتلاف الغابن حتّى يظهر منه حكم إتلاف المغبون) فلا محالة يستحق المغبون ثمنه الذي أدّاه إلى الغابن كما هو معنى الفسخ ، لأنه يوجب انتقال كل من المالين إلى مالكه الأوّل ، فبالفسخ يرجع الثمن إلى المغبون كما يرجع الغابن ببدل ماله إلى المغبون لعدم بقاء عين ماله

ــ[403]ــ

والمفروض أنه قيمي فيطالب المغبون بقيمة ماله ، كذلك المغبون يطالب الغابن بقيمة ماله الذي أتلفه الغابن قبل فسخ المعاملة ، لأنّ المال حينئذ كان ملك المغبون وأتلفه عليه الغابن فيضمن له بقيمته ، وفي الحقيقة يطالب المغبون الغابن بأمرين : أحدهما الثمن وهو يرجع إليه بلا خلاف بمقتضى الفسخ . وثانيهما : قيمة المال الذي أتلفه الغابن في ملك المغبون ، كما أنّ الغابن يطالب المغبون بقيمة ماله بمقتضى الفسخ وعدم بقاء عين ماله . أمّا الثمن فهو يرجع إلى المغبون بالفسخ وهو ظاهر ، وأمّا قيمة المال الذي أتلفه الغابن فيطالبها المغبون من الغابن كما يطالبها الغابن من المغبون ، وهي قيمة مال واحد كان انتقل من الغابن إلى المغبون بالبيع .

فإن جعلنا الاعتبار في موارد الغصب والبيوع الفاسدة والاتلافات بقيمة يوم الأداء أو بقيمة يوم التلف فيسقط كل ما لأحدهما على الآخر من القيمة بالتهاتر القهري لتساويهما حينئذ .

وأمّا إذا جعلنا المدار بقيمة يوم الغصب والضمان فيختلف القيمتان اللتان يطالبهما الغابن من المغبون والمغبون من الغابن أحياناً .

وتوضيح ذلك : أنه إذا قلنا بضمان قيمة يوم الأداء التي تقتضيها القواعد حيث إنّ العين في ذمّة المتلف إلى أن يخرج عن عهدتها بردّ عينها إن كان وإلاّ بردّ قيمتها أي قيمة العين التي في ذمّته إلى هذا الزمان وهي قيمة يوم الأداء ، أو قلنا بقيمة يوم التلف ، فالقيمة التي يطالبها الغابن من المغبون مساوية للقيمة التي يطالبها المغبون من الغابن ، لأنّ المال المطالب بقيمته كل من الغابن والمغبون مال واحد ويوم تلفه يوم واحد ، وقد فرضنا أنّ المغبون يطالب الغابن بقيمة يوم التلف لأنّه أتلفه عليه كما أنّ الغابن يطالب المغبون بقيمة ماله يوم التلف ، فالقيمتان قيمة يوم التلف فيكون ما في ذمّة أحدهما للآخر مطابقاً ومساوياً لما في ذمّة الآخر له ، فيتساقطان بالتهاتر القهري .

ــ[404]ــ

وكذا الحال فيما إذا جعلنا المدار بقيمة يوم الأداء فإنّ المغبون يطالب الغابن بقيمة ماله يوم الأداء لأنه في ذمّته إلى هذا الوقت فعليه أن يخرج عن عهدته كما أنّ الغابن يطالب المغبون بقيمة ماله يوم الأداء ، فالقيمتان قيمة يوم الأداء وهو يوم واحد (إذ يوم أداء المغبون القيمة إلى الغابن هو يوم أداء الغابن ما على ذمّته إلى المغبون ، وذلك لأنّ كلا منهما إذا طالب الآخر بخمسة قرانات فأراد أحدهما أداء ما في ذمّته فلا محالة يسقط عنه بالتهاتر كما يسقط عن ذمّة الآخر ، كذا اُفيد) فالقيمتان متساويتان فيتساقطان بالتهاتر القهري .

وأمّا إذا جعلنا الاعتبار بقيمة يوم الغصب والضمان فتختلف القيمتان ، لأنّ يوم الضمان من طرف الغابن هو يوم إتلافه ، لأنه قد ضمن قيمة هذا المال للمغبون في ذلك الوقت ، وأمّا يوم الضمان من طرف المغبون فهو يوم الفسخ لأنه يوم ضمان المغبون بالقيمة وهو ظاهر ، وحيث اختلف اليومان فقد تختلف القيمتان ، وعليه فالتهاتر إنّما يكون في مقدار منهما دون المقدار الزائد وهو واضح ، هذا .

ويمكن أن يقال : إنّ مقتضى صحيحة أبي ولاّد وإن كان ضمان يوم الغصب إلاّ أنّ مقتضى السيرة العقلائية خلاف ذلك ، لأنّهم في أمثال المقام ممّا يطالب فيه الاثنان المال الواحد كل من الآخر والضمان من جانبين يرون الاعتبار بيوم الأداء وتساقطهما بالتهاتر ، وصحيحة أبي ولاّد كما عرفت جعلت الضمان والاعتبار بقيمة يوم الغصب على خلاف القاعدة ، إذ القاعدة تقتضي اعتبار قيمة يوم الأداء ، لأنّ العين في ذمّة المتلف حتّى يخرج عن عهدتها بأداء نفسها أو قيمتها وقتئذ وهي قيمة يوم الأداء ، ولا يمكن التعدّي عن موردها إلى المقام لأنّها وردت في مورد الضمان من طرف واحد حيث قال (عليه السلام) : « قيمة بغل يوم خالفته »(1) والضمان في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 19 : 119 / كتاب الاجارة ب17 ح1 .

ــ[405]ــ

المقام من طرفين فأحدهما يضمن قيمة المال بالفسخ وهو المغبون ، وثانيهما يضمنها بالاتلاف فيتساقطان بالتهاتر القهري ، إذ المدار حينئذ بقيمة يوم الأداء .

وتوضيحه : أنّ ضمان القيمة ووجوب دفعها إنّما هو في صورة عدم وصول العين إلى مالكها حقيقة أو حكماً ، إذ لا يحتمل مع وصول العين إلى مالكها تغريم الطرف بقيمتها ، وفي مفروض المقام قد وصل العين إلى الغابن باتلافه ، وهذا نظير ما إذا غبن خبّاز أحداً فباع القرص من الخبز بعشرين فلساً ثمّ أخذه من يد المشتري المغبون فأكله ، فإذا فسخ المغبون حينذاك وطالب الخبّاز بفلوسه أفيحتمل أن يطالبه الخبّاز بقرصه فإنّه يجيبه بأنّك قد أخذت مالك وأكلته .

وبالجملة : أنّ التغريم بالقيمة في غير صورة وصول العين إلى مالكها حقيقة أو حكماً ، وأمّا معه فلا وجه لوجوب دفع القيمة ، والمقام من هذا القبيل لوصول المال إلى مالكه حكماً لأنه الذي أتلفه ، وعليه فتتساقط القيمتان بالتهاتر ولا وجه لضمان قيمة يوم الضمان حينئذ .

وهذا الوجه وإن لم أرَ من تعرّض له إلاّ أنه موافق للقاعدة ومطابق للسيرة العقلائية ، والصحيحة مختصة بموردها ولا يمكن التعدّي عنها لمخالفتها للقاعدة وموردها هو ما إذا كان الضمان من طرف واحد ، وأمّا في موارد ضمان شخصين لمال واحد كما في المقام فلأجل عدم مطابقة الصحيحة للقاعدة لا يمكن التعدّي إليه ، هذا كلّه في صورة الاتلاف من غير إبراء المالك ذمّة المتلف عن ضمانه .

وأمّا إذا أبرأ المغبون ذمّة الغابن عن ضمان ما أتلفه عليه ثمّ بعد ذلك فسخ العقد ، فمقتضى قانون الفسخ رجوع الثمن إليه وللغابن مطالبته بالمثمن ، ولا يمنع عنه إتلافه لأنه قد خرج عن عهدته بابراء المغبون فكأنّه لم يتلف أصلا فيرجع إليه بالمثمن لا محالة ، هذا كلّه في صورة إتلاف أحدهما مال الآخر .

المسألة الثالثة : فيما إذا أتلفه الأجنبي ثمّ بعد ذلك فسخ المغبون ، فللمالك أن

ــ[406]ــ

يرجع إلى كل من طرفه أو الأجنبي ، لأنّ المال بحسب البقاء صار ملكه فيطالب المتلف بماله ، كما يتمكّن من مطالبة طرفه ، وهذا بناءً على أنّ الاعتبار بضمان قيمة يوم الأداء أظهر ، لأنّ العين باقية في ذمّة المتلف حتّى يخرج عن عهدتها ، فما دام لم يؤدّها فذمّته مشغولة بالعين ، وحيث إنّها صارت ملك الطرف بقاءً بالفسخ فله أن يطالب من عنده ملكه ، وكذا الحال بناءً على أنّ الاعتبار بقيمة يوم التلف .

وأمّا بناءً على أنّ الاعتبار بقيمة يوم الغصب والضمان فيمكن أن يقال إنّه لا يصحّ للمالك أن يرجع إلى المتلف ، لأنّ ضمان المتلف إنّما هو بقيمة يوم التلف لأنه وقت ضمانه بها ، وضمان الطرف بقيمة يوم الفسخ ، وقد عرفت إمكان اختلاف القيمتين بحسب اليومين ، ومعه أي مع عدم كون ما اشتغل به ذمّة المتلف والطرف متّحداً لا يتمكّن المالك من مطالبة المتلف ، إذ له أن يقول إنّك إنّما تستحق قيمة يوم الفسخ وما في ذمّتي قيمة يوم التلف وأحدهما غير الآخر ، فلا يصح له أخذ ما في ذمّة المتلف حينئذ .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net