الثالث - الرابع - الخامس 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الرابع : الخيارات-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4466


وثالثاً : أنّ التصرف على إطلاقه لا دليل على إسقاطه الخيار إلاّ فيما ثبت فيه نص كالجماع أو قصد به الاسقاط ، وأمّا في غيرهما فلا ، وما ثبت في بعض الخيارات من سقوطه بالتقبيل واللمس ونحوهما قد عرفت أنه مختص بمورده من باب التعبّد .

وبالجملة : أنّهم عدّوا من جملة المسقطات لكل من الردّ والأرش التصرف في المبيع المعيب الذي لا يتفاوت قيمته السوقية بالعيب وصحيحه ومعيبه على حدّ سواء ، فيكون الأرش ساقطاً لعدم التفاوت بين صحيحه ومعيبه ، وكذا الردّ لأنّ التصرف في المبيع المعيب يسقط الخيار ، واُورد عليه بأنّ هذا يوجب ضرر المشتري لعدم تمكّنه من الردّ ولا الأرش وصبره على المعيب ضرر ، وردّ بأنّ الضرر المالي منتف على الفرض إذ لا تفاوت بين صحيحه ومعيبه بحسب القيمة ، وتخلّف الغرض الشخصي لا يوجب الضرر (لأنّ الضرر هو النقص في المال أو النفس أو العرض) .

وتفصيل الكلام في هذا المقام أن يقال : العيب غير الموجب للنقص بحسب القيمة كالخصاء في العبد والديك ونحوهما إمّا أن نمنع عن صدق العيب عليه كما منعناه ، لأنّ الوصف غير الدخيل في مالية المال لا يكون مقصوداً للعقلاء ولا يشترطونه ارتكازاً ولا يرون تخلّفه من تخلّف الشرط الضمني فلا يثبت به الخيار وقد عرفت أنّ الخيار في العيب على القاعدة ومن أجل تخلّف الشرط وإن كان الأرش ثابتاً من جهة الأخبار ، وإمّا أن نقول بصدق العيب على مثله .

وعلى الأول لا خيار للمشتري لا قبل التصرف ولا بعده إذ لا عيب ، وقد مرّ أنّ ذلك من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، فلا مقتضي للخيار حتى يسقط بالتصرف وهذا ظاهر .

ــ[235]ــ

وأمّا على الثاني فهو وإن كان مقتضياً للخيار كما يقتضيه التكلّم في المسقط بعد الفراغ عن ثبوت الخيار في المقام ، إلاّ أنّا ذكرنا أنّ التصرف ليس مسقطاً تعبّدياً وإنّما يوجب السقوط فيما إذا قصد به الاسقاط وكان مشعراً برضاه بالسقوط ، فإن كان التصرف من هذا القبيل فلا محالة يسقط به الخيار إلاّ أنه غير موجب لضرر المشتري لأنه بنفسه يسقط خياره بالاسقاط الفعلي كما هو المفروض ، وأمّا إذا لم يكن التصرف مشعراً بالرضا ولم يدلّ على الاسقاط فلا دليل على سقوط الخيار حتى يدّعى أنه يوجب الضرر على المشتري .

وممّا ذكرناه يظهر أنّا إذا منعنا عن صدق العيب على مثل الخصاء ولكنّا علمنا خارجاً أنّ المشتري يشترط عدمه في المبيع وأنّ غرضه متعلّق بالعبد المتّصف بجميع الأوصاف الخلقية فلا محيص من الالتزام بالخيار حينئذ أيضاً ، إلاّ أنه ليس بخيار العيب وإنّما هو خيار تخلّف الشرط وهذا الخيار لا يسقط إلاّ باسقاطه قولا أو فعلا ، فإن كان التصرف كاشفاً عن رضاه بالعيب وإسقاطه الخيار فهو وإلاّ فلا يكون التصرف موجباً للسقوط حتى يدّعى أنّ المشتري يتضرّر بذلك .

ومن جملة الموارد التي قالوا فيها بعدم الردّ والأرش : ما إذا كان المبيع معيباً بالعيب السابق ، أي ما لا يوجب تفاوتاً في قيمة المال صحيحاً ولا معيباً ولكن حدث فيه حدث عند المشتري كالعبد الخصي إذا صار أعمى عند المشتري أو كسر رجله ، فلا أرش حينئذ لعدم تفاوت قيمة العبد بالخصاء ولا ردّ لأنّ إحداث الحدث مانع عن الردّ بالعيب السابق ، وقد اعترف شيخنا الأنصاري(1) بلزوم الضرر على المشتري في هذه المسألة ، لأنّ صبره على المعيب من دون ردّه ولا الأرش يوجب الضرر لا محالة ، هذا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 327 .

ــ[236]ــ

ولا يخفى أنّ ما ذكرناه في المسألة المتقدّمة يأتي في المقام بتفاوت يسير ، لأنّا إن منعنا عن صدق العيب على مثل الخصاء كما هو الحقّ وقد مرّ فلا خيار للمشتري حتى يسقط بحدوث الحدث ولا ضرر مالي عليه لعدم تفاوت قيمة العبد بالخصاء وتخلّف الأغراض الشخصية لا يعدّ ضرراً كما تقدّم . وإن بنينا على أنه عيب فهو وإن كان يوجب الخيار في المقام إلاّ أنّا لا نلتزم بسقوطه بحدوث الحدث في خصوص المقام ، لأنّ العمدة في مانعية حدوث الحدث روايتان(1) إحداهما : رواية زرارة وفيها حكم الإمام (عليه السلام) بأنّه إذا أحدث حدثاً في المعيب يترتّب عليه أمران مضيّ العقد عليه وثبوت الأرش له . وثانيتهما : مرسلة جميل وفيها أنّ العين إذا لم تبق بعينها تلزم المعاملة ويثبت الأرش ، وكلتاهما تدلاّن على أنّ إحداث الحدث إنّما يمنع عن الخيار في مورد قابل لثبوت الأرش ، لأنّ المترتّب على إحداث الحدث أمران : مضي البيع وثبوت الأرش ، ففيما لا يثبت الأرش لا يمضي عليه البيع باحداث الحدث ، وعليه فلا تشمل الأخبار سقوط الردّ باحداث الحدث في المعيب الذي لا أرش فيه ، ولا أقل من اجمال المراد والشك في شمولها لمثل المقام الذي لا يثبت فيه أرش ، فإذن نرجع إلى عمومات الخيار ومعها لا حاجة إلى التمسّك بالاستصحاب كما صنعه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) وكيف كان فلا نلتزم بسقوط الردّ في المقام .

ومن ذلك يظهر الكلام فيما إذا صرّح أو قامت القرينة الخارجية على اشتراط المشتري عدم الخصاء في العبد مثلا وكونه باقياً على خلقته الأوّلية فإنه يثبت به الخيار ، إلاّ أنه خيار تخلّف الشرط وله الردّ بهذا الخيار ، وهو لا يسقط بحدوث الحدث ، إذ لا دليل على سقوط خيار تخلّف الشرط باحداث الحدث ، مثلا إذا اشترط الكتابة في العبد وظهر العبد غير كاتب وتعيّب عند المشتري بالعمى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 30 / أبواب الخيار ب16 ح2 ، 3 .

ــ[237]ــ

(نستجير بالله تعالى منه ومن أمثاله) أو بغيره فلا يسقط بذلك الخيار وله ردّ العبد إلى مالكه ، إلاّ أنّ اللازم في ردّ المبيع الذي تعيّب عند المشتري سواء كان ردّه بخيار العيب أو بخيار تخلّف الشرط ردّ الأرش إلى البائع ، لأنّ مقتضى قانون الفسخ ردّ كل من المالين إلى مالكهما كما اُخذ ، وحيث إنّ المبيع كان صحيحاً من جهة العيب الحادث عند المشتري عند أخذه فعليه أن يردّه إلى مالكه صحيحاً من هذا العيب بردّ مثله أو بدله .

ومنه يظهر أنّ هذا الأرش ليس هو الأرش الاصطلاحي أعني التفاوت بين صحيحه ومعيبه والأخذ بتلك النسبة من الثمن المسمّى ، بل الأرش في المقام بمعنى ردّ تفاوت القيمة الواقعية إلى البائع ، لأنه من جهة ضمان اليد لا المعاوضة كما تقدّم سابقاً وسيأتي إن شاء الله تعالى في أحكام الخيار أيضاً ، وبذلك يرتفع الضرر عن البائع .

ومن جملة الموارد التي عدّوها من مسقطات الردّ والأرش : ما إذا كان العوضان متجانسين وجنسين ربويين وتصرّف فيه المشتري أو حدث فيه حدث عنده بناءً على عدم جواز أخذ الأرش للمشتري في المتجانسين لاستلزامه الربا الحرام ، وأمّا بناءً على ما قدّمناه من جواز أخذ الأرش لأنه غرامة ولا يوجب الربا في المعاوضة فلا يكون التصرّف فيه حينئذ موجباً لسقوط كل من الردّ والأرش فهذه المسألة مبنية على عدم جواز الأرش في الربويين كما لا يخفى .

ولنقدّم الكلام فيما إذا تصرّف في المبيع ونقول : قالوا بأنّ التصرف فيه يوجب سقوط كل من الردّ والأرش . أمّا سقوط الأرش فلأجل أنه يستلزم الربا الحرام وأمّا الردّ فلأنّ التصرف من أحد موانع الردّ ويجري في ذلك ما ذكرناه في سابقه من أنّ التصرف لا دليل على كونه مسقطاً اللهمّ إلاّ فيما إذا كان مؤذناً بالرضا وإسقاط الخيار ، فإن كان التصرف في المبيع الربوي من هذا القبيل فلا محيص من الالتزام فيه

ــ[238]ــ

بسقوط كل من الردّ والأرش ، أمّا الأرش فلفرض استلزامه الربا ، وأمّا الردّ فلأجل أنّ الفرض أنّه أسقط خياره برضاه ، وأمّا إذا لم يكن التصرف مؤذناً برضاه فلا وجه لكونه مسقطاً للردّ بوجه . وأمّا ما ورد(1) في بعض الخيارات من أنّ اللمس والتقبيل موجب للسقوط فهو مخصوص بمورده ومن باب التعبّد ، هذا كلّه في التصرف .

وأمّا إذا حدث في المبيع الربوي حدث عند المشتري ففي كونه مانعاً عن الردّ ما تقدّم في سابقه من أنّ دليلي مانعية حدوث الحدث قاصران من الشمول لما لا يثبت فيه الأرش ، وحيث إنّ الأرش لا يثبت في المقام فلا يكون حدوث الحدث فيه مانعاً عن الردّ ، وعليه فللمشتري أن يردّ المبيع الربوي المعيب إلى بائعه ولو مع حدوث عيب جديد عنده ، غاية الأمر أنّ البائع يجوز له مطالبة قيمة العيب الحادث عند المشتري كما تقدّم .

ثم إنّ للعلاّمة (قدّس سرّه)(2) في خصوص هذه الصورة أعني حدوث الحدث في الربوي كلاماً ويمنع فيه عن جواز ردّ المبيع المعيب الربوي إلى البائع عند حدوث الحدث فيه عند المشتري ، ولكن لا من جهة أنّ حدوث الحدث مانع عن الردّ حتى يرد عليه ما تقدّم من أنّ دليل مانعية حدوث الحدث قاصر عن الشمول لموارد عدم ثبوت الأرش بل من جهة اُخرى كما سيتّضح إن شاء الله تعالى ، وحاصل ما أفاده في وجه المنع مع ضميمة كلام شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(3) إليه يبتني على مقدّمتين :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 13 / أبواب الخيار ب4 ح3 .

(2) التذكرة 11 : 131 .

(3) المكاسب 5 : 329 .

ــ[239]ــ

الاُولى : أنّ وصف الصحة لا تقابل بالمال في خصوص العوضين الربويين وإنما تقع المبادلة بين ذات الثمن وذات المثمن ، وإلاّ فلو قوبلت الصحة بالمال في الربويين لبطلت المعاملة من الابتداء لا أنّها تقع صحيحة ويمنع عن أخذ الأرش فيها  ، والوجه في ذلك أنه إذا باع عشرة قرانات بعشرة قرانات معيبة وفرضنا أنّ وصف الصحة في المبيع قد قوبل بقران واحد فمعناه أنه باع عشرة قرانات بتسعة قرانات ، لأنّ القران الواحد إنما وقع في مقابل وصف صحة القرانات العشرة لا في مقابل ذاتها فيلزم الربا في المعاملة وتبطل ، فوصف الصحة في الربويين لا يمكن مقابلته بالمال بحكم الشارع لاستلزامه الربا ، بل المعاملة وقعت بين الذاتين كما عرفت .

الثانية : أنّ مقتضى الفسخ والردّ هو ردّ ما بذل بازائه المال إلى مالكه ، وأمّا ردّ شيء آخر غير ما بذل بازائه المال فلا يوجبه الفسخ ، ومن هنا ذكروا في الاقالة أنها لا تصح بنقصان أو زيادة ، فإذا اشترى مالا بخمسمائة دينار ثم أرادا الاقالة لابدّ من الاقالة بردّ المال إلى مالكه وردّ خمسمائة إلى المشتري فلو أقاله بأربعمائة وخمسين ديناراً بطلت لأنه ليس معنى الاقالة والفسخ ، نعم لهما أن يتبايعا بنقصان ببيع آخر مستقل أمّا الاقالة فلا ، وهذا من دون اختصاصه بالربويين وغيرهما ، فلا وجه لما يستفاد من ظاهر كلام السيد في حاشيته(1) من تخصيص عدم جواز النقصان في الاقالة بالربويين .

وبالجملة : أنّ مقتضى قانون الفسخ ردّ ما قوبل بالمال إلى مالكه وأخذ المال المبذول بازائه ، وعلى هاتين المقدّمتين إذا أراد المشتري للمبيع الربوي المعيب ردّه وفسخ المعاملة مع حدوث عيب فيه عنده فلابدّ من أن يردّه إلى مالكه ويأخذ الثمن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حاشية المكاسب (اليزدي) : 89 من مبحث الخيارات .

ــ[240]ــ

من دون أن يضمن عيب الحادث عنده ، وذلك لما عرفت بمقتضى المقدّمة الاُولى أنّ وصف الصحة من جهة هذا العيب الحادث وكذا من سائر الجهات لا يقابل بالمال وعرفت بمقتضى المقدّمة الثانية أنّ مقتضى قانون الفسخ ردّ ما بذل بازائه المال إلى مالكه ، وما قوبل بالمال وبذل بازائه الثمن هو ذات المبيع لا هو مع وصف الصحة حتى يلزمه ردّه وردّ وصف صحته ، فلا موجب ولا ملزم لردّ وصف الصحة أو بدله  ، فلو ردّ لابدّ من أن يردّ ذات المبيع ولو مع تعيّبه عند المشتري ، وحيث إنّ هذا يوجب ضرر البائع لتعيّب ماله عند المشتري وعروض النقص في قيمته مع عدم جواز مطالبته المشتري ببدله لأنه بلا موجب ، فلا محيص من أن يحكم في المقام بعدم جواز الردّ لا مع ضمان العيب الحادث لأنه بلا موجب ولا بدونه لأنه ضرر فاحش على البائع ، إذ لو حكمنا بضمان المشتري لوصف الصحة فمعناه أنه قد قوبل بالمال في المعاملة وقد عرفت أنه يستلزم الربا الحرام ، وهذا وجه عدم جواز الردّ عند حدوث العيب عند المشتري في المبيع الربوي المعيب .

وذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) أنّ حال وصف الصحة حال سائر الأوصاف كوصف الكتابة في العبد فإنّها إذا زالت عند المشتري وأراد الفسخ لا يجب عليه ردّ عوض ذلك الوصف ، هذا .

ولا يخفى أنّ ما أفاده (قدّس سرّه) من أنّ وصف الصحة لا يقابل بالمال وإن كان كما أفاده ويستلزم الربا أيضاً إلاّ أنه لا يختص بالربويين بل في جميع الموارد لا يمكن أن يقابل وصف الصحة بالمال وإلاّ للزم اشتغال ذمّة البائع بالأرش من حين المعاملة ، لأنه لم يدفع عوض ما يقابل وصف الصحة فلو مات لاُخرج من تركته بلا توقّف على مطالبة المشتري ، مع أنهم ذكروا أنّ الأرش إنما يثبت بمطالبة المشتري لا من حين المعاملة .

ثم إنّ اللازم في الفسخ هو ردّ ما أخذه وإن لم يقابل بالمال إلاّ أنه كان دخيلا

 
 

ــ[241]ــ

في مالية المال ، فوصف الصحة وإن لم يقابل بالمال إلاّ أنّ له مدخلية في ماليته وقيمته فلابدّ من ردّه إلى البائع عند الفسخ ، وعليه لا وجه لما سلّمه شيخنا الأنصاري من عدم وجوب ردّ غير الصحة من الأوصاف كالكتابة مثلا ، بل وصف الصحة كغيرها من الأوصاف التي لها مدخلية في مالية المال لابدّ من ردّها إلى بائعها إمّا بنفسها أو ببدلها ، فإذا تعيّب المبيع عند المشتري وأراد فسخ المعاملة لابدّ من أن يدفع إلى البائع بدل وصف الصحة في المبيع ، وليس هذا موجباً للربا في أصل المعاملة  ، إذ الفرض أنّ المعاملة وقعت بين الذاتين بلا زيادة ، ولا يلزم الربا بدفع الأرش لأنه ليس معاوضة بل إنما هو فسخ المعاوضة السابقة ورفعها بارجاع العوضين إلى مالكهما ولا ربط له بالمعاملة ، فيكون حال ضمان الصحة في المقام كحاله في غيره  ، نظير ضمان الصحة في المقبوض بالسوم كما ذكره بعضهم أو المغصوب إذا أراد ردّه فإنه إذا تعيّب في يد المشتري أو الغاصب يجب عليهما ردّ عوضها ، لا من جهة الضمان المعاملي بل من جهة ضمان اليد ، فلا زيادة في المعاملة حتى يتوهم فسادها من جهة الربا كما لا يخفى ، وحيث إنه أخذه صحيحاً في المقام وقد وجب أن يدفعه إليه كذلك بنفسه أو بدله ، فقيمة الصحة المفقودة من جهة ضمان اليد الذي يقتضيه رفع المعاملة وفسخها . فتحصّل أنّه لا مانع من أن يردّ الربوي المعيب ولو مع حدوث عيب جديد عنده ولكن مع دفع عوض الوصف الفاقد .

ثم إنّا إذا قلنا بجواز أخذ الأرش في الربويين كما تقدّم في محلّه لأنه غرامة غير موجبة للربا ، وقلنا بأنّ حال الربويين كغير الربويين من حيث جواز الردّ والأرش أو قلنا بعدم جواز أخذ الأرش للعيب السابق في الربويين ولكن رخّصنا في ردّه مع ردّ قيمة الوصف الزائل والعيب الحادث فلا كلام ولا إشكال كما تقدّم .

وأمّا إذا قلنا بعدم جواز أخذ الأرش لاستلزامه الربا في الربويين وقلنا بعدم جواز ردّه مع ردّ قيمة الصحة الزائلة عند المشتري لأنه أيضاً مستلزم للربا كما ذكره

ــ[242]ــ

العلاّمة (قدّس سرّه) فيشكل الأمر من حيث إنّ المشتري لا يتمكّن من ردّ المعيب الربوي إلى البائع مع حدوث عيب عنده مجّاناً ، لأنه موجب لخسارة البائع وتضرّره فلا يمكن إجباره عليه ، ولا يتمكن المشتري من أخذ أرش العيب السابق لأنه يستلزم الربا على الفرض ، وصبره على المعيب وعدم ردّه وأخذ أرشه ضرر عليه أي على المشتري ، لأنّ ما اشتراه معيب سيّما إذا كان العيب موجباً لنقصان قيمته بالكلّية فماذا يصنع المشتري حينئذ .

فقد ذكروا حينئذ وجهاً آخر وهو أنّ ردّ المشتري لا يسقط بحدوث الحدث من أصله غاية الأمر أنه يردّ مثل المبيع المعيب بعيب سابق بلا تعيّبه بالعيب الحادث عند المشتري ، وإذا لم يوجد مثله كما لا يوجد غالباً لقلّة تساوي المثل معه في مقدار العيب وعدم زيادته ونقصانه فيدفع قيمة المعيب بالعيب السابق غير المتّصف بالعيب الجديد الحادث عند المشتري ، وذلك لأنّ الضرورات تتقدّر بقدرها ، وإنّما حكمنا بعدم جواز الردّ للمشتري لأنه مع عوض الصحة التالفة رباً وبدونه ضرر على البائع  ، وأمّا ردّه بلا ربا ولا ضرر على البائع فلا مانع عنه ، فيكون المبيع الموجود كالتالف من جهة حدوث العيب الجديد وموانع الردّ كما أخذ ، وبعد تلفه ينتقل الأمر إلى مثله أو قيمته ، ومن هنا يظهر أنّ البائع لو رضي بردّ المعيب مع عيبه الجديد بلا ردّ شيء زائد لما كان من ردّ نفس المعيب مانع ، لأنّ المانع من ردّه بلا عوض هو تضرّر البائع فلو اُلغي حقّه فله ذلك .

ومن جملة المسقطات لكل من الردّ والأرش : تأخير الأخذ بمقتضى الخيار حكى شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) عن الغنية(2) أنّ التأخير في إعمال

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 332 .

(2) الغنية : 222 .

ــ[243]ــ

الخيار يسقط الردّ والأرش لأنّ الخيار فوري ، وادّعى عدم الخلاف في ذلك . وعن الوسيلة(1) والمبسوط(2) أنّ التأخير يسقط الردّ خاصة دون الأرش ، وعن الكفاية(3) والحدائق(4) أنّ الخيار على التراخي وأنّ التأخير لا يسقط الردّ ولا الأرش ، وادّعيا عليه عدم الخلاف فكأنّهما لم يلتفتا إلى مخالفة الغنية في المقام .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسيلة : 256 .

(2) المبسوط 2 : 139 .

(3) الكفاية : 94 .

(4) الحدائق 19 : 117 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net