هل يسقط الخيار بالتصرّف الصادر بإذن من له الخيار ؟ 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الخامس : الخيارات-3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4429


بقي الكلام فيما استدلّ به شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) على أنّ التصرف الصادر بإذن من له الخيار موجب لسقوط الخيار ، وملخّص ما أفاده في وجهه : هو أنّ التصرّف موجب لتلف العين وتفويت محلّ الحقّ وبعده إذا فسخ ذو الخيار فلا يتمكّن من أن يطالب بعين ماله لأنّها تلفت بتصرّف صادر من أهله ، ولا ببدلها لأنّ ضمان البدل إنّما هو فيما إذا كان التلف في حال ثبوت الحق ووجوده لا في حال سقوطه ، هذا .

ولم يعلم حقيقة ما أفاده (قدّس سرّه) لأنّه إن أراد بالحق هو الخيار كما هو أحد محتملات كلامه (قدّس سرّه) إذ لا نتعقّل حقّاً غير الخيار في المقام بأن يقال إنّ الانتقال إلى البدل إنّما هو فيما إذا كان التلف حال وجود الخيار لا في حال سقوطه ، فهو ممنوع كبرى ومورد للمناقشة صغرى .

أمّا المنع بحسب الكبرى : فلأنّه لم يقم دليل على أنّ ضمان البدل يختصّ بما إذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 6 : 158 .

ــ[196]ــ

كان التلف حال وجود الخيار ، بل ضمان البدل ثابت حتّى فيما إذا كان التلف في غير حال الخيار ، مثلا إذا كان للمشتري خيار منفصل عن العقد كالخيار رأس شهر وقد تلفت العين قبل وقت الخيار ثمّ إذا أتى وقت الخيار فسخ المشتري بخياره المنفصل فإنّه يرجع إلى بدل ماله لا إلى عينه لأنّها تالفة ، فلو منعنا عن رجوعه إلى البدل أيضاً فما معنى ثبوت الخيار له حينئذ مع أنّ التلف كان في غير حال الخيار .

أو إذا فرضنا العقد لازماً من الابتداء أو لازماً باسقاط الخيار فيما إذا كان جائزاً من الابتداء وبعد ما صار لازماً تلفت العين ثمّ بعد تلفها تقايلا فتفاسخا ، فإنّ كلّ واحد منهما يرجع إلى عين ماله لو كان وإلاّ فإلى بدله مع أنّ التلف كان في غير حال الخيار ، والسرّ في ذلك أي في الانتقال إلى البدل مع أنّ التلف في غير حال الخيار هو أنّ ضمان المال في المقام إنّما هو ضمان يد وهي تقتضي ضمانه بعينه لو كان وبدله فيما إذا تلف بعد الفسخ أو التفاسخ ، فإنّ معناهما حلّ العقد وجعله كالعدم ولازمه رجوع كلّ من المالين إلى مالكهما إمّا بنفسهما أو ببدلهما وهذا ظاهر فالكبرى ممنوعة .

وأمّا المناقشة صغرى : فلأنّا لو سلّمنا تمامية الكبرى المدعاة وبنينا على أنّ التلف حال الخيار يوجب ضمان البدل لا في حال سقوطه ، فلا نسلّم أنّ التلف والتصرف في المال بإذن من له الخيار مسقط للخيار بحيث يقع التصرف حال سقوط الخيار ، فإنّ ذلك مستلزم للدور ، فإنّ سقوط الخيار موقوف على وقوع التصرف ووقوع التصرف في حال سقوط الخيار موقوف على سقوط الخيار ، ومن هنا علّل شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) سقوط الخيار بالتصرف المقرون باجازة ذي الخيار بوجه آخر :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 3 : 322 .

ــ[197]ــ

وهو أنّ ثمرة الخيار إنّما هي الرجوع إلى عين المال أو إلى بدله وإلاّ فلا معنى للخيار من دون جواز مطالبة العين ولا بدلها ، وفي المقام لا يتمكّن ذو الخيار من مطالبة عين ماله ولا بدله ، أمّا عدم إمكان المطالبة بعين ماله فلأجل تلفها ، وأمّا عدم إمكان المطالبة بالبدل فلأجل أنّ التلف إنّما يوجب ضمان البدل فيما إذا لم يستند إلى إذن المالك ومن له الخيار ، فإنّ التلف مع الإذن فيه لا يمكن أن يكون موجباً لضمان البدل ، والمفروض في المقام أنّ تصرّف المشتري وإتلافه مستند إلى إجازة ذي الخيار فلا رجوع إلى العين ولا إلى بدلها فلا معنى للخيار في المقام ، ولعلّ هذا الوجه هو مراد شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) أيضاً وإن لم تكن عباراته وافية بذلك ، فإنّ إرادة الخيار من الحقّ ودعوى أنّ ضمان البدل مخصوص بما إذا كان التلف في حال وجود الخيار لا يرجع إلى محصّل .

إلاّ أنّ ما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه) أيضاً ملحق بالأول في عدم إمكان المساعدة عليه ، وذلك لأنّ التلف وإن كان مقروناً بإذن من له الخيار إلاّ أنّ إذنه في المقام لا يزيد شيئاً على ما ثبت بنفسه وطبعه ، لأنّه إنّما أجاز في تصرّفه والمفروض أنّ تصرّفات من عليه الخيار صحيحة ونافذة عند شيخنا الأنصاري ، فهو إنّما أذن فيما ثبت له في نفسه ومثله لا يكون رافعاً لضمانه ، فإنّ الإذن في التصرّف الرافع للضمان إنّما هو إذن المالك ، ومن له الخيار ليس مالكاً للمال وإنّما يكون مالكاً له بعد فسخه ، فإذنه إنّما وقع في حال عدم مالكيته وهو غير مؤثّر في ارتفاع الضمان ، وبعد ما صار مالكاً له بالفسخ لم يأذن في إتلافه ، فله بعد مالكيته المطالبة بماله أو بدله .

ومن هنا يظهر أنّ الأمر كذلك حتّى على القول بعدم نفوذ تصرّفات من عليه الخيار في زمان الخيار ، وذلك لأنّ إذن ذي الخيار في التصرف حينئذ إنّما يوجب رفع حرمته كما في إذن المرتهن في بيع مال الرهانة ، إلاّ أنّه لا يقتضي رفع ضمان البدل فإنّ ضمان البدل إنّما يرتفع بإذن المالك ومن له الخيار ليس مالكاً للمال كما تقدّم ، وكأنّه

ــ[198]ــ

(قدّس سرّه) خلط إذن غير مالك في الاتلاف بإذن المالك .

فالمتحصّل إلى هنا : أنّه لا دليل على أنّ إذن ذي الخيار أو التصرف المقرون بإذنه مسقط للخيار ، اللهمّ إلاّ أن تقوم قرينة خارجية على أنّه أراد بإذنه إسقاط الخيار أو يعلم ذلك بأمر آخر وهذا ظاهر .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net