عدم اختصاص القاعدة بالبيع - تلف بعض أجزاء المبيع أو أوصافه قبل القبض 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الخامس : الخيارات-3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4043


ثم إنه ظهر ممّا ذكرناه في المقام عدم اختصاص جريان القاعدة بالبيع وجريانها في جميع المعاوضات والمعاملات إجارة كانت أم بيعاً أم غيرهما ، وإن كان صريح كلام شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(2) أنه لم يجد من يعمّم جريان القاعدة في

ـــــــــــ
(2) المكاسب 6 : 279 ـ 280 .

ــ[308]ــ

سائر المعاوضات إلاّ في المهر وفي مال الخلع .

ولا يخفى عليك أنّ الضمان المبحوث عنه في المقام هو الضمان بمعنى الانفساخ وأمّا الضمان في تلف المهر أو مال الخلع فهو بمعنى اشتغال الذمّة بردّ البدل مثلا أو قيمة  ، فبين الضمانين فرق ظاهر .

ولا يمكن حمل الضمان في تلف المهر أو مال الخلع على الانفساخ ، إذ لم يقل أحد بانفساخ الطلاق أو النكاح بتلف المهر أو مال الخلع ، فإنّ المهر غير مقوّم للنكاح حتى يبطل بتلفه ، وإذا لم يكن الضمان فيهما بمعنى الانفساخ فلا محالة يتوقّف على دليل ، والسيرة إنما اختصّت بالانفساخ ، وكذلك الروايتان والاجماع إنّما دلّت على الانفساخ على خلاف القاعدة إذ لولاها لما كنّا نلتزم بالانفساخ ، ولا دليل في مثل تلف المهر أو مال الخلع على الضمان إذا كان تلفهما قبل قبضهما فإنه إن كان « على اليد ما أخذت » فهو مختص بموارد كون اليد ضمانية وهي في الموردين ليست ضمانية بل يد أمانة ، وإن كان هو الاجماع فهو غير متحقّق في المقام .

ونظيرهما ضمان المقبوض بالسوم فإنه أيضاً بمعنى اشتغال العهدة ببدله مع أنه لا دليل عليه ، فالظاهر عدم ثبوت الضمان في الموردين وفي المقبوض بالسوم إذا تلف من غير تقصير المشتري أو الزوج ، وببالي أنّ صاحب الجواهر (قدّس سرّه)(1)أيضاً يناقش في ثبوت الضمان في المقبوض بالسوم ، وكيف كان فخلط الضمان في الموردين بالضمان في المقام ممّا لا وجه له .

تلف بعض أجزاء المبيع أو أوصافه قبل القبض

تعرّض شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(2) في المقام لما إذا تلف جزء المبيع أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 37 : 73 لكنّه يلتزم هنا بالضمان .

(2) المكاسب 6 : 281 .

ــ[309]ــ

وصفه قبل قبضه بكلا قسمي الوصف أعني الأوصاف الكمالية التي لها دخل في زيادة قيمة الشيء وسائر الأوصاف ممّا لا مدخلية له في زيادة قيمته ، فأمّا تلف بعض أجزاء المبيع فتفصيل الكلام فيه أنّ الجزء كما أفاده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) على قسمين : فإنه ربما يكون من قبيل الأجزاء التي يتقسّط عليها الثمن ويقابل بالمال في المعاملة ، واُخرى لا يتقسّط عليها الثمن .

فإن كان الجزء التالف قبل قبضه ممّا يتقسّط عليه الثمن ، فلا ينبغي الإشكال في أنه يوجب انفساخ المعاملة بالنسبة إلى ذلك الجزء وتبقى المعاملة في غير الجزء التالف بحالها ، غاية الأمر أنه يثبت للمشتري خيار تبعّض الصفقة ، كما يحتمل ثبوته للبائع أيضاً لأنه إنما باع المجموع دون نصفه مثلا .

وهذا الذي ذكرناه بناءً على أنّ المدرك في قاعدة « كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه » هو السيرة العقلائية ظاهر لا خفاء فيه ، فإنّ العقلاء بعد ملاحظتهم التسليم دخيلا في تمامية المعاملة والملكية لا يفرّقون بين تلف جميع المبيع أو بعضه .

وأمّا بناءً على أنّ مدركها الاجماع أو الخبران(1) فيشكل جريان القاعدة عند تلف الجزء الذي يتقسّط عليه الثمن ، لأنّ تحقّق الاجماع عند تلف الجزء أشكل من تحقّقه عند تلف الجميع ، والخبران إنما دلاّ على ثبوت الانفساخ عند تلف المبيع وإطلاق المبيع على جزء المبيع لا يخلو عن تأمّل لأجل الانصراف .

وأمّا بناءً على ما ذكرناه من السيرة فلا ينبغي التأمّل في جريانها في صورة تلف الجزء كما عرفت ، ومن هنا قلنا إنّ بعض أجزاء المبيع إذا ظهر مستحقاً للغير أو غير متموّل كالخمر والخنزير تصحّ المعاملة في الجزء الآخر وتبطل فيما ظهر مستحقاً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المتقدّمان في الصفحة 301 .

ــ[310]ــ

للغير أو غير متموّل ، وفي المقام أيضاً نحكم بالانفساخ في الجزء التالف وبالصحة في غيره وهذا ظاهر .

وأمّا الجزء الذي لا يتقسّط عليه الثمن فالمراد منه هو جزء ذات المبيع لا جزء المبيع بعنوان المبيع ، فإنّ جزء المبيع بوصف المبيعية يستحيل أن لا يتقسّط عليه الثمن  ، فكونه جزءاً للمبيع وعدم تقسّط الثمن عليه متناقضان ، وهذا بخلاف جزء ذات المبيع ، وذلك لما أشرنا إليه في بحث الصحيح والأعم(1) من أنّ الموضوع له في مثل الإنسان والحيوان هو الأمر الثابت من أوّل وجوده إلى آخره من دون تبدّل ولا تغيّر في ذلك المسمّى مع تغيّره في ذاته ووصفه ، فزيد مثلا اسم لما هو باق من أوّل عمره إلى آخره سواء نقص شيء من أجزائه كما إذا قطعت يده أو بعض مصارينه أم بقي بحاله ، فاليد أو الرجل وإن كانا من أجزائه إلاّ أنه ليس من أجزاء المسمّى بزيد كما هو ظاهر ، وعليه فيكون المبيع في المعاملة هو ذلك المسمّى بزيد أو بالمبارك من دون ملاحظة كل جزء من أجزائه في البيع بأن يقوّم رأسه بقيمة ويده بقيمة اُخرى ، وفي مثله إذا حصل نقص في بعض أجزاء ذاته كاليد أو الرجل ونحوهما فهو من الأجزاء التي لا يتقسّط عليها الثمن ، فتلف مثل هذه الأجزاء لا يوجب الانفساخ لأنّها غير مقابلة بالمال حتى تنفسخ المعاملة بازائها ، وإذا حدث تلف شيء منها قبل العقد أو بعده وقبل القبض ، فكونها مضمونة على البائع ليس بمعنى الانفساخ بل هو بمعنى آخر كما سنبيّنه في تخلّف الأوصاف وتلفها قبل القبض .

وأمّا تلف الأوصاف قبل قبض المبيع فقد ظهر ممّا أشرنا إليه آنفاً أنه لا يوجب الانفساخ لعدم مقابلتها بالمال ، ولكنّها كالأجزاء غير المقابلة بالمال يوجب تعيّب المبيع ، فهل يكون العيب الحادث بعد العقد وقبل القبض كالعيب الموجود قبل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 1 (موسوعة الإمام الخوئي 43) : 181 ـ 182 .

ــ[311]ــ

العقد في كونه مضموناً على البائع واستلزامه الخيار بين الرد والفسخ وثبوت الأرش  ، أو أنه لا يوجب شيئاً من الخيار والأرش لاختصاصهما بالعيب الذي حدث قبل المعاملة ، أو هناك تفصيل بين الردّ والأرش والردّ ثابت دون الأرش أو الأرش ثابت دون الردّ ؟ وجوه ومحتملات .

فيمكن أن يقال بعدم ثبوت شيء من الأرش والردّ .

أمّا عدم ثبوت الأرش فلأجل أنّ الأرش غرامة شرعية وقد ثبت على خلاف القاعدة فيما إذا حدث العيب قبل المعاملة ، ومن هنا قلنا بعدم تعيّنه في خصوص الثمن لأنه غرامة ، بل لا يثبت إلاّ بعد المطالبة ، وما هذا شأنه يحتاج ثبوته إلى دليل ولا دليل على ثبوته في نقص الجزء أو الوصف بعد العقد وقبل القبض .

وأمّا الردّ فلأنه إنما ثبت في تعيّب المبيع قبل العقد وجريانه في تعيّبه بعد العقد وفي ملك المشتري يتوقّف على دليل ، هذا .

وقد استدلّ على ثبوت الردّ في المقام بوجهين كلاهما ضعيفان :

أحدهما : أنّ المبيع بمجموعه إذا كان مضموناً على البائع قبل قبضه فجميع أجزائه وأوصافه أيضاً مضمون عليه قبل قبضه .

وهذا الاستدلال قياس محض ، فإنّ ضمان المجموع كما عرفت بمعنى الانفساخ وهو لا يأتي في تلف الجزء أو الوصف غير المتقابلين بالمال ، فإنّ الانفساخ إنما يعقل في المبادلة ولا مبادلة في مثلهما ، وثبوت الضمان فيهما بمعنى آخر يحتاج إلى دليل
فهذا الوجه ساقط .

وثانيهما : قاعدة لا ضرر فإنّ الردّ لو لم يثبت للمشتري في المقام أي فيما إذا تلف الجزء أو الوصف بعد العقد ولم يتمكّن من ردّه يتضرّر لا محالة ، وبهذا استدلّ

ــ[312]ــ

العلاّمة (قدّس سرّه)(1) على ثبوت الأرش للمشتري ، إذ ربما يتعلّق غرضه الشخصي بابقاء العين فيكون ردّه موجباً لضرره ، وهذا بخلاف ما لو أبقاه مع مطالبة الأرش .

وهذا الاستدلال في كل من الردّ والأرش عجيب ، فإنّ النقص قد ورد على ملك المشتري في يد البائع وهي يد أمانية فبأيّ وجه يصح إرجاعه إلى البائع لأنه أيضاً يتضرّر بردّ المعيوب إليه أو بأخذ الأرش منه ، وإلاّ فلو تم ذلك فما الفارق بين حدوثه قبل القبض وبعده لأنه ضرري في كليهما على المشتري ، ولا بين مطالبة البائع أو غيره من المسلمين ، ولماذا لا يجوز له الرجوع إذا حدث بعد القبض ، ولا إلى غيره من المسلمين كأخذه الأرش من بيت المال ، فهذا الوجه ساقط أيضاً .

نعم هناك وجه آخر يتمكّن من إثبات خصوص الردّ به ، وهو أنّ ظاهر التزام البائع بتسليم العين إلى المشتري في ضمن المعاملة هو تسليمها على ما كانت عليه حين المعاملة من الأجزاء والأوصاف ، وإذا لم يسلّمها إليه أصلا لتعذّره أو لاختياره ، أو سلّمها ولكن لا على ما كانت عليه فثبت للمشتري خيار تخلّف الشرط ، وبه يتمكّن من الردّ كما هو الحال عند تعذّر التسليم ، هذا كلّه فيما إذا كان التلف بآفة سماوية .

وأمّا إذا حدث باتلاف متلف ، فإن كان المتلف هو البائع أو الأجنبي ، فيثبت للمشتري خيار تخلّف الشرط أيضاً ، لأنه أي المبيع لم يصل إليه بما كان عليه من الأوصاف والأجزاء حين المعاملة ، بل يثبت له أمر زائد أيضاً وهو تخيّره بين فسخ العقد ورجوعه بثمنه ، وبين إمضائه ومطالبة كل من البائع أو الأجنبي بقيمة التالف لأنه ملكه وقد عيّبه الآخر ، فإن رجع إلى البائع وكان المتلف هو الأجنبي فللبائع أن يرجع إلى الأجنبي بما غرمه للمشتري ، وأمّا إذا كان المتلف هو المشتري فبما أنّ عدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مختلف الشيعة 5 : 209 .

ــ[313]ــ

وصول العين إليه على ما كانت عليه من الأوصاف مستند إلى نفسه فلا يثبت له شيء من الردّ ولا المطالبة بشيء .

هذا تمام الكلام في القبض وبه تمّت دورة بحث المكاسب

والحمد لله أوّلا وآخراً

وقد وقع ذلك يوم الاثنين

بعد مضي ستة وعشرين يوماً من شهر ربيع الأول

من شهور سنة ألف وثلاثمائة وسبعة وسبعين من الهجرة النبوية

على مهاجرها السلام تحت القبّة العلوية

أعني المدرسة الكبرى للتشيّع

النجف الأشرف في زاوية المدرسة الخليلية الكبرى

 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net