القاضي المنصوب وقاضي التحكيم واعتبار الاجتهاد في الأوّل 

الكتاب : مبـاني تكملة منهاج الصالحين - الجزء الأول : القضاء   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6439


   (مسألة 5) : القاضي على نوعين : القاضي المنصوب ، وقاضي التحيكم (3) .

 ـــــــــــــــــــــــــــ
   (3) أمّا القاضي المنصوب :  فيعتبر فيه الاجتهاد بلا خلاف ولا إشكال بين الأصحاب ، وذلك لأنّ القضاء ـ كما عرفت ـ واجب كفائي ، لتوقّف حفظ النظام عليه ، ولا شكّ في أنّ نفوذ حكم أحد على غيره إنّما هو على خلاف الأصل ، والقدر المتيقّن من ذلك هو نفوذ حكم المجتهد ، فيكفي في عدم نفوذ حكم غيره الأصل ، بعد عدم وجود دليل لفظي يدلّ على نصب القاضي ابتداءً ليتمسّك


ــ[9]ــ

بإطلاقه .

   وما استدلّ به على ذلك من الروايات التي منها ما رواه الشيخ الصدوق (قدس سره) بإسناده عن إسحاق بن يعقوب من التوقيع: «أمّا ما سألت عنه أرشدك الله وثبّتك ـ إلى أن قال: ـ وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة الله» الحديث(1).

   فهي على تقدير تماميّتها والإغماض عن ضعف إسنادها لا تعمّ غير العالم المتمكّن من استنباط الأحكام من الكتب والسنّة .

   هذا ، وقد يستدلّ على نصب القاضي ابتداءً ولزوم كونه مجتهداً بمقبولة عمر ابن حنظلة ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث ، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة ، أيحلّ ذلك ؟ «قال : من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت ، وما يحكم له فإنّما يأخذ سحتاً وإن كان حقّاً ثابتاً له ، لأ نّه أخذه بحكم الطاغوت ، وما أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى: (يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوْا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوْا أَن يَكْفُرُوْا بِهِ)(2)، قلت : فكيف يصنعان ؟ «قال : ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا ، فليرضوا به حكماً ، فإنِّي قد جعلته عليكم حاكماً ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخفّ بحكم الله ، وعلينا ردّ ، والرادّ علينا الرادّ على الله ، وهو على حدّ الشرك بالله» الحديث (3) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 27 : 140 /  أبواب صفات القاضي ب 11 ح 9 ، إكمال الدين : 484 / 4 .

(2) النساء 4 : 60 .

(3) الوسائل 27 : 136 /  أبواب صفات القاضي ب 11 ح 1 .

ــ[10]ــ

   ببيان : أنّ قوله (عليه السلام) فيها : «فليرضوا به حكماً» بعد قوله : «ينظران من كان منكم» يدلّ على أ نّهم ملزمون بالرضا به حَكَماً ، نظراً إلى أ نّه (عليه السلام) قد جعله حاكماً عليهم بمقتضى قوله : «فإنّي قد جعلته» ، حيث إنّه تعليل لإلزامهم بذلك .

   فالنتيجة :  أنّ الرواية تامّة من حيث الدلالة على نصب القاضي ابتداءً ، إلاّ أ نّها قاصرة من ناحية السند ، فإن عمر بن حنظلة لم يثبت توثيقه ، وما ورد من الرواية في توثيقه (1) لم يثبت ، فإنّ راويها يزيد بن خليفة ولم تثبت وثاقته .

   وقد يستدلّ على ذلك أيضاً بمعتبرة أبي خديجة سالم بن مكرّم الجمّال ، قال : قال أبو عبدالله جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) : «إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم ، فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه» (2) ، والرواية صحيحة ، فإنّ أبا خديجة ثقة على الأظهر .

   بتقريب :  أنّ الرواية ظاهرة في جعل منصب القضاء لمن يعلم شيئاً من قضاياهم (عليه السلام) فيجب الرجوع إليه في موارد الترافع والتشاجر . ثمّ إنّ قوله (عليه السلام) : «يعلم شيئاً من قضايانا» لا يراد به العلم بشيء ما ، فإنّ علومهم (عليهم السلام) لا يمكن لأحد الإحاطة بها ، فالعالم بالأحكام ـ مهما بلغ علمه ـ فهو لا يعلم إلاّ شيئاً من قضاياهم ، فلا بدّ من أن يكون ذلك الشيء مقداراً معتدّاً به حتى يصدق عليه أ نّه يعلم شيئاً من قضاياهم . والمراد به هو المجتهد العالم بالأحكام من الكتاب والسنّة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 3: 275/1.

(2) الوسائل 27 : 13 /  أبواب صفات القاضي ب 1 ح 5 .

ــ[11]ــ

   ولكنّ الصحيح : أنّ الرواية غير ناظرة إلى نصب القاضي ابتداءً ، وذلك لأنّ قوله (عليه السلام) : «فإنّي قد جعلته قاضياً» متفرّع على قوله (عليه السلام) : «فاجعلوه بينكم» ، وهو القاضي المجعول من قبل المتخاصمين .

   فالنتيجة :  أنّ المستفاد منها أنّ من جعله المتخاصمان بينهما حكماً هو الذي جعله الإمام (عليه السلام) قاضياً ، فلا دلالة فيها على نصب القاضي ابتداءً .

   ويؤكّد ذلك أنّ قوله (عليه السلام) : «يعلم شيئاً من قضايانا» لا دلالة فيه بوجه على اعتبار الاجتهاد ، فإنّ علومهم (عليهم السلام) وإن لم تكن قابلة للإحاطة بها إلاّ أنّ قضاياهم وأحكامهم في موارد الخصومات قابلة للإحاطة بها ، ولا سيّما لمن كان في عهدهم (عليهم السلام) . وعليه ، فمن كان يعلم شيئاً من قضاياهم (عليهم السلام) يجوز للمترافعين أن يتحاكما إليه وينفذ حكمه فيه وإن لم يكن مجتهداً وعارفاً بمعظم الأحكام .

   ثمّ إنّه هل تعتبر الأعلميّة في القاضي المنصوب ؟

   لا ريب ولا إشكال في عدم اعتبار الأعلميّة المطلقة، فإنّ الأعلم في كلّ عصر منحصر بشخص واحد ، ولا يمكن تصدّيه للقضاء بين جميع الناس .

   وإنّما الإشكال في اعتبار الأعلميّة في البلد ، فقيل باعتبارها ، وهو غير بعيد ، وذلك لما عرفت من أ نّه لا دليل في المسألة إلاّ الأصل ، ومقتضاه عدم نفوذ حكم من كان الأعلم منه موجوداً في البلد .

   ويؤكّد ذلك قول علي (عليه السلام) في عهده إلى مالك الأشتر: «اختر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك» (1) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 27 : 223 /  أبواب آداب القاضي ب 8 ح 9 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net