تحرير محل النزاع 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5036


الأمر الحادي عشر في المشتق

لا ريب في صحّة إطلاق المشتق على المتلبس بالمبدأ فعلاً ، وعلى المنقضي عنه المبدأ ، وعلى من لم يتلبس به بعد ، ولكنّه سيتلبس به في المستقبل ، ولا إشكال أيضاً في أنّ إطلاق المشتق على المتلبس بالمبدأ فعلاً إطلاق حقيقي ، كما أ نّه لا إشكال في أنّ إطلاقه على من يتلبس بالمبدأ في المستقبل إطلاق مجازي ، وإنّما الكلام والإشكال في إطلاق المشتق على من انقضى وانصرم عنه المبدأ هل هو مجاز أو حقيقة ؟ وقبل تحقيق الحال في المقام ينبغي التنبيه على اُمور :

الأوّل : أنّ اللفظ الموضوع لمعنى على قسمين :

أحدهما : ما يسمى بالمشتق وهو ما كان لكل واحدة من مادته وهيئته وضع خاص مستقل .

والثاني : ما يسمى بالجامد وهو ما كان للمجموع من مادته وهيئته وضع واحد لا وضعان .
أمّا المشتق فهو على قسمين :

ــ[247]ــ

أحدهما : ما يكون موضوعاً لمعنى يجري على الذات المتصفة بالمبدأ بنحو من أنحاء الاتصاف ويصدق عليها خارجاً كاسم الفاعل والمفعول والزمان والمكان وما شاكل ذلك .

وثانيهما : ما يكون موضوعاً لمعنى لا يجري على الذات ولا يصدق عليها خارجاً ، وذلك كالأفعال جميعاً والمصادر المزيدة ، بل المصادر المجردة ، بناءً على ما هو الصحيح من أنّ المصادر المجردة أيضاً مشتقات .

وأمّا الجامد فهو أيضاً على قسمين :

أحدهما : ما يكون موضوعاً لمعنى منتزع عن مقام الذات كالانسان والحيوان والشجر والتراب ونحو ذلك .

وثانيهما : ما يكون موضوعاً لمعنى منتزع عن أمر خارج عن مقام الذات وذلك كعنوان الزوج والرق والحر وما شابه ذلك ، فهذه أربعة أقسام ، ومحل النزاع في هذه المسألة لا يختص بالمشتقات المصطلحة فقط كما ربّما يوهم عنوان النزاع فيها، بل يعم القسم الثاني من الجوامد أيضاً، كما أ نّه لا يعم جميع المشتقات بل يختص بخصوص القسم الأوّل منها .

فالنتيجة : أنّ محل البحث هنا في القسم الأوّل من المشتق والقسم الثاني من الجامد ، والقسمان الآخران خارجان عنه .

ومن هنا يظهر أنّ النسبة بين المشتق في حريم البحث وكل من المشتق المصطلح والجامد عموم من وجه ، فانّ الأفعال والمصادر المزيدة والمجردة جميعاً من المشتقات المصطلحة ومع ذلك هي خارجة عن محل النزاع ، والعناوين الانتزاعية كعنوان الزوج والحر والرق وما شاكل ذلك من الجوامد ، ومع ذلك هي داخلة في محل البحث ، فالنزاع يجري في كل عنوان جار على الذات باعتبار

ــ[248]ــ

تلبسها بالمبدأ بنحو من أنحائه ، سواء أكان ذلك المبدأ من إحدى المقولات التسع الواقعية كالكم والكيف والأين وأشباه ذلك ، أم كان من توابعها كالشدة والضعف والسرعة والبطء ، أم كان من الاعتبارات كالملكية والزوجية والحرية وما شابهها ، أم كان من الانتزاعيات كالفوقية والتحتية والسابقية والمسبوقية والامكان والوجوب والامتناع وما شاكلها .

وقد تحصّل من ذلك : أنّ دخول شيء في محل النزاع هنا يبتني على ركنين :

الركن الأوّل : أن يكون الشيء جارياً على الذات المتلبسة بالمبدأ ومتحداً معها خارجاً بنحو من الاتحاد ، وبذلك الركن خرجت المصادر المزيدة ، لأ نّها لا تجري على الذات المتصفة بها ، فانّها مغايرة معها خارجاً وعيناً فلا يقال : زيد إكرام إذا كان زيد متصفاً بهذا المبدأ ، بل يقال : زيد كريم . وكذا المصادر المجردة لا يشملها النزاع لعدم صحّة حملها على الذات ، فلا يقال : زيد علم إلاّ مبالغة ، وإن قلنا بأ نّها من جملة المشتقات كما هو الصحيح . وهكذا الأفعال بجميع أنواعها لا يجري فيها النزاع ، لعدم جريانها على الذوات وإن كانت من المشتقات .

فتحصّل : أنّ المصادر المزيدة والمجردة والأفعال بأجمعها خارجة عن محل النزاع لكونها فاقدة لهذا الركن .

الركن الثاني : أن تكون الذات باقية بعد انقضاء المبدأ ، بأن تكون لها حالتان حالة تلبسها بالمبدأ ، وحالة انقضاء المبدأ عنها ، وبذلك الركن خرج القسم الأوّل من الجوامد كالانسان والحيوان والشجر وما يضاهيها من العناوين الذاتية ، والوجه فيه : أنّ المبادئ في أمثال ذلك مقوّمة لنفس الحقيقة والذات ، وبانتفائها تنتفي الذات فلا تكون الذات باقية بعد انقضاء المبدأ .

وبتعبير آخر : أنّ شيئية الشيء بصورته لا بمادته ، فإذا فرضنا تبدل الانسان

ــ[249]ــ

بالتراب أو الكلب بالملح فما هو ملاك الإنسانية أو الكلبية ـ وهو الصورة النوعية ـ قد انعدم وزال ووجدت حقيقة اُخرى وصورة نوعية ثانية وهي : صورة النوعية الترابية أو الملحية ، ومن الواضح أنّ الانسان أو الكلب لا يصدق على التراب أو الملح بوجه من الوجوه ، لأنّ الذات غير باقية وتنعدم بانعدام الصورة النوعية ـ وهي صورة الانسانية أو الكلبية ـ ومع عدم بقاء الذات لا يشملها النزاع ، ولا معنى لأن يقال إنّ الإطلاق عليها حقيقة أو مجاز .

وأمّا المادة المشتركة بين الجميع المعبّر عنها بالهيولى وإن كانت باقية ، إلاّ أ نّها قوّة صرفة لافاضة الصور عليها ، وليست ملاكاً لشيء من هذه العناوين ، ولا تتصف بالانسانية أو الكلبية أو نحوها بحال من الأحوال .

وأمّا القسم الثاني من الجوامد ، وهو ما كان منتزعاً عن أمر خارج عن مقام الذات ، فهو داخل في محل النزاع ، كعنوان الزوج والرق والحر وما شاكل ذلك ، لأنّ الذات فيه باقية بعد انقضاء المبدأ عنها ، وحينئذ يشمله النزاع في أنّ الإطلاق عليها حال الانقضاء حقيقة أو مجاز .

وممّا يشهد لما ذكرناه من عموم النزاع لهذا القسم من الجامد أيضاً : ما ذكره فخر المحققين والشهيد الثاني (قدس سرهما) في الإيضاح (1) والمسالك (2) من ابتناء الحرمة في المرضعة الثانية على النزاع في مسألة المشتق ، في من كانت له زوجتان كبيرتان وزوجة صغيرة وقد أرضعت الكبيرتان الصغيرة فتحرم عليه المرضعة الاُولى لصدق أم الزوجة عليها ، والصغيرة لصدق بنت الزوجة عليها ، وإنّما الكلام والإشكال في المرضعة الثانية ، فقد ابتني الحرمة في هذه المسألة على النزاع في مسألة المشتق ، فبناءً على أ نّه موضوع للأعم يصدق عليه عنوان اُمّ

ـــــــــــــــــــــ
(1) إيضاح الفوائد 3 : 52 .
(2) المسالك 7 : 268 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net