المختار في المسألة بالنسبة إلى مقامي الثبوت والاثبات 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 7049


والذي ينبغي أن يقال في المقام : هو جواز الشرط المتأخر ، ويقع الكلام فيه في مقامين : الأوّل : في مقام الثبوت . والثاني : في مقام الاثبات .
أمّا المقام الأوّل : فقد ذكرنا غير مرّة أنّ الأحكام الشرعية بشتى أنواعها اُمور اعتبارية ، فلا واقع موضوعي لها ما عدا اعتبار من بيده الاعتبار ، ولا صلة لها بالموجودات المتأصلة الخارجية أبداً . وبكلمة اُخرى : أنّ الموجودات التكوينية المتأصلة خاضعة لعللها الطبيعية فلا يتعلق بها جعل شرعي أصلاً . وأمّا الموجودات الاعتبارية التي منها الأحكام الشرعية فهي خاضعة لاعتبار المعتبر ، وأمرها بيده وضعاً ورفعاً ، ولا تخضع لشيء من الموجودات التكوينية وإلاّ لكانت تكوينية .
وعلى ضوء هذا البيان قد اتضح أنّ موضوعات الأحكام الشرعية وإن كانت من الاُمور التكوينية، إلاّ أ نّه لا تأثير لها فيها أبداً ، لا تأثير العلة في المعلول ، ولا الشرط في المشروط ، ولا السبب في المسبب وإن اُطلق عليها الشرط مرّة ، والسبب مرّة اُخرى ، إلاّ أنّ ذلك مجرد اصطلاح من الأصحاب على تسمية الموضوعات في الأحكام التكليفية بالشروط، وفي الأحكام الوضعية بالأسباب ، مع عدم واقع موضوعي لها ، فيقولون إنّ البلوغ شرط لوجوب الصلاة مثلاً، والاستطاعة شرط لوجوب الحج ، وبلوغ النصاب شرط لوجوب الزكاة وهكذا ، والبيع سبب للملكية ، والموت سبب لانتقال المال إلى الوارث ، وملاقاة النجس مع الرطوبة المسرية سبب لنجاسة الملاقي وهكذا ، وقد قلنا في موطنه إنّه لم يظهر لنا وجه للتفرقة بين تسمية الاُولى بالشروط والثانية

ــ[136]ــ

بالأسباب أصلاً ، بداهة أنّ كلتيهما موضوع للحكم فلا فرق بين الاستطاعة والبيع من هذه الناحية ، فكما أنّ الشارع جعل وجوب الحج معلّقاً على فرض وجود الاستطاعة في الخارج ، فكذلك جعل الملكية معلقة على فرض وجود البيع فيه ، هذا من ناحية .
ومن ناحية اُخرى: أنّ فعلية الأحكام وإن كانت دائرة مدار فعلية موضوعاتها بتمام قيودها وشرائطها في الخارج ، إلاّ أنّ لازم ذلك ليس تقارنهما زماناً، والسبب فيه هو أنّ ذلك تابع لكيفية جعلها واعتبارها، فكما يمكن للشارع جعل حكم على موضوع مقيد بقيد فرض وجوده مقارناً لفعلية الحكم ، يمكن له جعل حكم على موضوع مقيد بقيد فرض وجوده متقدماً على فعلية الحكم مرّة ومتأخراً عنها مرّة اُخرى، فإن كل ذلك بمكان من الوضوح بعد ما عرفت من أ نّه لا واقع للحكم الشرعي ما عدا اعتبار من بيده الاعتبار ، فإذا كان أمره بيده وضعاً ورفعاً سعة وضيقاً ، كان له جعله بأيّ شكل ونحو أراد وشاء ، فلو كان جعله على الشكل الثالث فبطبيعة الحال تتقدم فعلية الحكم على فعلية موضوعه ، كما أ نّه لو كان على الشكل الثاني تتأخر فعليته عن فعليته وإلاّ لزم الخلف .
والسر فيه : أنّ المجعول في القضايا الحقيقية حصة خاصة من الحكم وهي الحصة المقيدة بقيد فرض وجوده في الخارج لا مطلقاً ، ومن الطبيعي أنّ هذا القيد يختلف ، فمرّة يكون قيداً لها بوجوده المتأخر ، مثل أن يأمر المولى باكرام زيد مثلاً فعلاً بشرط مجيء عمرو غداً ، فانّ المجعول فيه هو حصة خاصة من الوجوب وهو الحصة المقيدة بمجيء عمرو غداً ، فإذا تحقق القيد في ظرفه كشف عن ثبوتها في موطنها وإلاّ كشف عن عدم ثبوتها فيه . ومرّة اُخرى بوجوده المتقدم كما لو أمر باكرام زيد غداً بشرط مجيء عمرو هذا اليوم . ومرّة ثالثة بوجوده المقارن ، وذلك كقوله تعالى (وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ ا لْبَيْتِ مَنِ

ــ[137]ــ

اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (1) .
وبكلمة اُخرى : بعد ما كان جعل الأحكام الشرعية بيد الشارع سعة وضيقاً ورفعاً ووضعاً ، فكما أنّ له جعل الحكم معلّقاً على أمر مقارن ، كذلك له جعل الحكم معلّقاً على أمر متقدم عليه أو متأخر عنه ، ومن المعلوم أنّ المولى إذا جعل الحكم معلّقاً بأمر متأخر عن وجوده ، فبطبيعة الحال تكون فعليته قبل وجود ذلك الأمر، وإلاّ لكانت الفعلية على خلاف الانشاء وهو خلف كما عرفت . ومثال ذلك في العرفيات : الحمّامات المتعارفة في زماننا هذا ، فان صاحب الحمام يرضى في نفسه رضى فعلياً بالاستحمام لكل شخص على شرط أن يدفع بعد الاستحمام وحين الخروج مقدار الاُجرة المقرّرة من قبله ، فالرضا من المالك فعلي والشرط متأخر .
ومن ضوء هذا البيان يظهر فساد ما أفاده المحقق النائيني (قدس سره) (2) من أنّ الموضوع في القضايا الحقيقية بما أ نّه اُخذ مفروض الوجود فيسـتحيل تحقق الحكم وفعليته قبل فعلية موضوعه بقيوده ، توضيح الفساد : ما عرفت من أ نّه كما يمكن أخذ الموضوع مفروض الوجود في ظرف مقارن للحكم أو متقدم عليه ، كذلك يمكن أخذه مفروض الوجود في ظرف متأخر عنه ، وعليه فلا محالة تتقدم فعلية الحكم على فعلية موضوعه .
فالنتيجة في نهاية المطاف : هي أنّ شرائط الحكم عبارة عن قيود الموضوع المأخوذة مفروضة الوجود في الخارج من دون فرق بين كونها مقارنة للحكم أو متقدمة عليه أو متأخرة عنه ، وليس لها أيّ دخل وتأثير في نفس الحكم أصلاً . ومن هنا قلنا إنّ إطلاق الشروط والأسباب عليها مجرد اصطلاح بين

ـــــــــــــــــــــ
(1) آل عمران 3 : 97 .
(2) أجود التقريرات 1 : 329 .

ــ[138]ــ

الأصحاب كما مرّ .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net