جهات من البحث 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4415


ــ[286]ــ
 

مسألة الضدّ

هل الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه

يقع الكلام في هذه المسألة من جهات :
الاُولى : قد تقدّم منّا في بحث مقدمة الواجب أنّ البحث عن ثبوت الملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدمته لا يختص بما إذا كان الوجوب مدلولاً لفظياً، فان ملاك البحث يعم مطلق الوجوب، سواء أكان مستفاداً من اللفظ أو الاجماع أو العقل، ولذلك قلنا إنّها من المسائل الاُصولية العقلية، لا من مباحث الألفاظ(1).
وهكذا الشأن في مسألتنا هذه ، فان جهة البحث فيها في الحقيقة ثبوت الملازمة بين وجوب شيء وحرمة ضدّه .
ومن الواضح أنّ البحـث عن تلك الجهة لا يختص بما إذا كان الوجوب مدلولاً لدليل لفظي ، بل يعمّ الجميع ، ضرورة أنّ ما هو المهم في المقام هو البحث عن ثبوت تلك الملازمة وعدمه ، ولا يفرق فيه بين أن يكون الوجوب مستفاداً من اللفظ أو من غيره ، وإن كان عنوان البحث في المسألة ـ قديماً وحديثاً ـ يوهم اختصاص محلّ النزاع بما إذا كان الوجوب مدلولاً لفظياً ، إلاّ أنّ ذلك من جهة الغلبة ، وأنّ الوجوب في الغالب يستفاد من دليل لفظي ، لا من جهة اختصاص محلّ النزاع بذلك ، كما هو واضح .
ولأجل ذلك تكون المسألة من المسائل الاُصولية العقلية لا من مباحث الألفاظ، لعدم صلتها بتلك المباحث أصلاً، كما أ نّه لا صلة لغيرها من المسائل العقلية بها .

ـــــــــــــــــــــ
(1) راجع ص 114 .

ــ[287]ــ

الثانية : هل هذه المسألة من المسائل الاُصولية أو الفقهية أو المبادئ الأحكامية؟ قالوا في ذلك وجوهاً :
1 ـ إنّها من المسائل الفقهية ، بدعوى أنّ البحث فيها عن ثبوت الحرمة لضدّ الواجب ، وعدم ثبوت الحرمة له ، وهذا بحث فقهي لا اُصولي.
ويدفعه : ما ذكرناه في أوّل بحث الاُصول من أنّ هذا التوهم قد ابتنى على كون البحث بحثاً عن حرمة الضد ابتداءً ، لتكون المسألة فقهية ، إلاّ أنّ الأمر ليس كذلك ، فانّ البحث فيها عن ثبوت الملازمة بين وجوب شيء وحرمة ضدّه ، وعدم ثبوتها ، ومن الواضح أنّ البحث عن هذه الناحية ليس بحثاً فقهياً له صلة بأحوال فعل المكلف وعوارضه بلا واسطة .
2 ـ إنّها من المبادئ الأحكامية .
ويدفعه أيضاً : ما ذكرناه في بحث مقدمة الواجب (1) من أنّ المبادئ لا تخلو من التصورية والتصديقية ولا ثالث لهما ، والمبادئ التصورية هي لحاظ ذات الموضوع أو المحمول وذاتياتهما، ومن الواضح أنّ البحث عن مسألة الضد لايرجع إلى ذلك . والمبادئ التصديقية هي المقدمة التي يتوقف عليها تشكيل القياس ، ومنها المسائل الاُصولية ، فانّها مبادئ تصديقية بالاضافة إلى المسائل الفقهية ، لوقوعها في كبرى قياساتها التي تستنتج منها تلك المسائل والأحكام ، ولا نعقل المبادئ الأحكامية في مقابل المبادئ التصورية والتصديقية .
3 ـ وهو الصحيح ، أ نّها من المسائل الاُصولية العقلية .
أمّا كونها من المسائل الاُصولية : فلما قدّمناه في أوّل بحث الاُصول(2) من

ـــــــــــــــــــــ
(1) في ص 113 .
(2) راجع المجلد الأوّل من هذا الكتاب ص 4 ـ 9 .

ــ[288]ــ

أنّ المسائل الاُصولية ترتكز على ركيزتين :
الاُولى : أن تكون استفادة الأحكام الشرعية من الأدلة من باب الاستنباط والتوسيط ، لا من باب التطبيق ، أي تطبيق مضامينها بأنفسها على مصاديقها كتطبيق الطبيعي على أفراده ، والكلي على مصاديقه .
الثانية : أن يكون وقوعها في طريق الحكم بنفسها من دون حاجة إلى ضم كبرى اُصولية اُخرى ، فكل مسألة إذا ارتكزت على هاتين الركيزتين فهي من المسائل الاُصولية ، وإلاّ فلا .
وعلى هذا الأساس نميِّز كل مسألة ترد علينا أ نّها اُصولية أو فقهية أو غيرها، وحيـث إنّ هاتين الركيزتين قد توفرتا في مسـألتنا هذه ، فهي من المسائل الاُصولية لا محالة ، إذ أ نّها واقعة في طريق اسـتفادة الحكم الشرعي من باب الاستنباط والتوسيط بنفسها ، بلا توسط كبرى اُصولية اُخرى .
وتوهم خروج هذه المسألة عن علم الاُصول ، لعدم توفر الركيزة الثانية فيها، إذ لايترتب أثر شرعي على نفس ثبوت الملازمة بين وجوب شيء وحرمة ضدّه، لتكون المسألة اُصولية ، وأمّا حرمة الضد فهي وإن ثبتت من ناحية ثبوت تلك الملازمة، إلاّ أ نّها حرمة غيرية فلا تصلح لأن تكون ثمرة للمسألة الاُصولية .
مندفع بما ذكرناه في أوّل علم الاُصول (1) من أ نّه يكفي لكون المسألة اُصولية ترتب نتيجة فقهية على أحد طرفيها ، وإن لم تترتب على طرفها الآخر ، بداهة أنّ ذلك لو لم يكن كافياً في اتصاف المسألة بكونها اُصولية ، للزم خروج كثير من المسائل الاُصولية عن علم الاُصول ، حتّى مسألة حجية خبر الواحد ، فانّه على القول بعدم حجيته لا يترتب عليها أثر شرعي أصلاً ، ومسألتنا هذه تكون

ـــــــــــــــــــــ
(1) في المجلد الأوّل من هذا الكتاب ص 11 .

ــ[289]ــ

كذلك ، فانّه تترتب عليها نتيجة فقهية على القول بعدم ثبوت الملازمة ، وهي صحة الضد العبادي ، وأمّا الحكم بفساده على القول الآخر فهو يتوقف على استلزام النهي الغيري ، كما يستلزمه النهي النفسي ، وسنتعرض إلى ذلك إن شاء الله تعالى بشكل واضح .
فالنتيجة الكلية هي : أنّ الملاك في كون المسألة اُصولية وقوعها في طريق الاستنباط بنفسها ولو باعتبار أحد طرفيها ، في مقابل ما ليس له هذا الشأن وهذه الخاصة كمسائل سائر العلوم .
وأمّا كونها عقلية : فلأنّ الحاكم بالملازمة المزبورة إنّما هو العقل ، ولا صلة لها بدلالة اللفظ أبداً .
الثالثة: أنّ المراد من الاقتضاء في عنوان المسألة ليس ما هو ظاهره، بل الأعم منه ومن الاقتضـاء بنحو الجزئية والعينية، ليعم جميع الأقوال، فان منها قولاً بأنّ الأمر بالشيء عين النهي عن ضده. ومنها قول بأنّ النهي عن الضد جزء من الأمر بالشيء. ومنها قول بأنّ الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده كما هو ظاهر لفظ الاقتضاء، فالتعميم لأجل أن لايتوهم اختصاص النزاع بالقول الأخير.
الرابعة : أنّ المراد بالضد في محل البحث مطلق ما يعاند الشيء وينافيه ، سواء أكان أمراً وجودياً كالأضـداد الخاصة ، أو الجامع بينها ، وقد يعبّر عن هذا الجامع بالضد العام أيضاً ، أم كان أمراً عدمياً كالترك الذي هو المسمّى عندهم بالضد العام فإنّ من الأقوال في المسألة قولاً بأنّ الأمر بالشي يقتضي النهي عن ضدّه العام وهو الترك .
وبعد بيان ذلك نقول : إنّ الكلام يقع في مقامين :
الأوّل : في الضدّ الخاص .
والثاني : في الضدّ العام .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net