المرجح الثاني : كون أحد الواجبين مشروطاً بالقدرة عقلاً \ القسم الأوّل 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الثالث   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4597


ــ[42]ــ

المرجح الثاني:
ما إذا كان أحد الواجبين المتزاحمين مشروطاً بالقدرة شرعاً والآخر عقلاً، فيقدّم ما كان مشروطاً بالقدرة عقلاً على ما كان مشروطاً بالقدرة شرعاً، وبيان ذلك: أنّ الحكمين المتزاحمين لا يخلوان من أن يكون أحدهما مشروطاً بالقدرة شرعاً دون الآخر، وأن يكون كلاهما مشروطاً بالقدرة شرعاً أو عقلاً، فهذه أقسام ثلاثة:
أمّا القسم الأوّل: وهو ما كانت القدرة مأخوذة في أحدهما شرعاً دون الآخر، فقد ذكر شيخنا الاُستاذ (قدس سره) (1) أنّ الواجب المشروط بالقدرة عقلاً يقدّم على الواجب المشروط بها شرعاً.
وأفاد في وجه ذلك: أنّ ملاك الواجب المشروط بالقدرة عقلاً حيث إنّه تام لا قصور فيه أصلاً فلا مانع من إيجابه بالفعل، فاذا كان وجوبه فعلياً فلا محالة يكون موجباً لعجز المكلف عن الاتيان بالواجب الآخر ومانعاً عن ثبوت الملاك له، لتوقفه على القدرة عليه عقلاً وشرعاً على الفرض، وهذا بخلاف الواجب المشروط بالقدرة عقلاً، فانّ ثبوت الملاك له لا يتوقف على شيء ما عدا القدرة عليه عقلاً، والمفروض أ نّها موجودة، فاذن ليس لوجوبه بالفعل أيّة حالة منتظرة أصلاً.
وعلى الجملة: فالواجب المشروط بالقدرة شرعاً يتوقف وجوبه فعلاً على تمامية ملاكه، والمفروض أ نّها تتوقف على عدم فعلية الواجب الآخر، ومع فعلية ذاك الواجب لا ملاك له، لعدم القدرة عليه عندئذ شرعاً، والمفروض أنّ
ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 2: 36، 4: 276.

ــ[43]ــ

القدرة الشرعية دخيلة في ملاكه، إذن لا وجوب له فعلاً، ليكون مزاحماً مع الواجب المشروط بالقدرة عقلاً.
ومن ذلك يتقدّم الواجب المشروط بالقدرة عقلاً في مقام المزاحمة على الواجب المشروط بالقدرة شرعاً ولو كان أهم منه، لما عرفت من عدم تمامية ملاكه وعدم تحقق موضوعه وهو القدرة شرعاً مع فعلية وجوب ذلك الواجب. ومن الواضح أ نّه لا يفرق فيه بين أن يكون الواجب المشروط بالقدرة شرعاً أهم منه أو لا، كما أ نّه لا فرق بين أن يكون متأخراً عنه زماناً أو مقارناً معه أو متقدماً عليه، فانّ ملاك التقدّم في جميع هذه الصور واحد، وهو أنّ وجوب الواجب المشروط بالقدرة عقلاً بصرف تحققه ووجوده رافع لموضوع وجوب الواجب الآخر، ومعه لا ملاك له أصلاً، ومن هنا أنكر (قدس سره) جريان الترتب في أمثال هذه الموارد.
أقول: قد حققنا سابقاً (1) أ نّه لا مانع من جريان الترتب في أمثال هذه الموارد، وما أفاده (قدس سره) من عدم الجريان فيها لا أصل له أبداً، ولذا قلنا هناك إنّه لا فرق في جريانه بين أن تكون القدرة الماخوذة في الواجب عقلية أو شرعية، كما تقدّم ذلك بشكل واضح، فلا حاجة إلى الاعادة.
وأمّا ما ذكره (قدس سره) هنا من أنّ الواجب المأخوذ فيه القدرة عقلاً يتقدّم على الواجب المأخوذ فيه القدرة شرعاً في مقام المزاحمة، وإن كان صحيحاً ولا مناص من الالتزام به، إلاّ أنّ ما افاده (قدس سره) في وجه ذلك غير تام، وهو أنّ ملاك الواجب المشروط بالقدرة عقلاً تام ولا قصور فيه، فاذن لا مانع من إيجابه فعلاً، وملاك الواجب المشروط بالقدرة شرعاً غير تام، فلا يمكن إيجابه فعلاً.
ـــــــــــــــــــــ
(1) في المجلد الثاني من هذا الكتاب ص 390 وما بعدها.

ــ[44]ــ

ووجه عدم تماميته هو ما ذكرناه غير مرّة من أ نّه لا طريق لنا إلى إحراز ملاكات الأحكام أصلاً مع قطع النظر عن ثبوتها، وعليه فلا طريق لنا إلى استكشاف أنّ الواجب المأخوذ فيه القدرة عقلاً واجد للملاك في مقام المزاحمة، والواجب المأخوذ فيه القدرة شرعاً فاقد له، لينتج من ذلك أنّ وجوب الأوّل فعلي دون الثاني.
أضف إلى هذا أنّ تقديم أحد المتزاحمين على الآخر بمرجح لا يرتكز بوجهة نظر مذهب دون آخر، بل يعم جميع المذاهب والآراء، ضرورة عدم اختصاص البحث في مسألة التزاحم بوجهة نظر مذهب العدلية من تبعية الأحكام للملاكات الواقعية، بل يعمّ البحث عنها وجهة نظر جميع المذاهب حتّى مذهب الأشعري المنكر لتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد الواقعـيتين. وعلى هذا فلا وجه لما أفاده شـيخنا الاُسـتاذ (قدس سره) من جعل التقديم مبنيّاً على وجهة نظر مذهبنا.
أمّا أنّ أصل الحكم بالتقديم في هذه الموارد صحيح فلأجل أ نّه لا مانع من فعلية وجوب ما هو المشروط بالقدرة عقلاً في مقام المزاحمة مع الواجب المشروط بالقدرة شرعاً، لفرض أ نّه غير مشروط بشيء ما عدا القدرة التكوينية عليه، وهي موجودة، وهذا بخلاف وجوب ما هو المشروط بالقدرة شرعاً، فانّ المانع من فعلية وجوبه موجود، وهو فعلية وجوب ذاك الواجب، لفرض أ نّها توجب عجز المكلف عن الاتيان به في الخارج، وعليه فلا يكون قادراً عليه، ومع انتفاء القدرة ينتفي الوجوب لا محالة، لاستحالة بقاء الحكم مع انتفاء موضوعه. هذا هو وجه التقديم في تلك الموارد، وترى أ نّه لا يبتني على وجهة نظر مذهب دون آخر. ولا يفرق فيه بين أن يكون الواجب المشروط بالقدرة شرعاً أهم منه أو لا يكون أهم، كما أ نّه لا يفرق بين أن يكون متأخراً عنه

ــ[45]ــ

زماناً أو مقارناً معه أو متقدماً عليه، فانّ ملاك التقديم في الجميع واحد، وهو أنّ وجوب الاتيان بالواجب الآخر فعلاً أو وجوب التحفظ عليه في ظرفه كذلك لئلاّ يفوت مانع عنه وموجب لعجز المكلف عن امتثاله تشريعاً.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net