أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الثالث   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5033


ــ[181]ــ
 

هل يجوز أمر الآمر
مع علمه بانتفاء شرطه

لا يخفى أنّ شيخنا الاُستاذ (قدس سره) (1) قد ذكر أنّ هذه المسألة باطلة من رأسها، وليس فيها معنىً معقول ليبحث عنه، لا في القضايا الحقيقية التي كان الحكم فيها مجعولاً للموضوع المفروض الوجود خارجاً ولا في القضايا الخارجية.
أمّا في الاُولى: فلما ذكرناه في بحث الواجب المشروط من أنّ الحكم في القضية الحقيقية مجعول للموضوع المقدر وجوده بجميع قيوده وشرائطه، مثلاً وجوب الحج في الآية المباركة: (وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ ا لْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(2) مجعول لعنوان المستطيع على نحو مفروض الوجود في الخارج.
ومن الطبيعي أنّ فعلية مثل هذا الحكم مشروطة بفعلية موضوعه ووجوده خارجـاً ويستحيل تخلّفها عنه، وعليه فعلم الآمر بوجود الموضوع أو بعدم وجـوده أجنبي عن فعلية الحـكم بفعلية موضوعه وعدم فعليته بعدم فعلية موضوعه بالكلّية، وليس له أيّ دخل في ذلك، ضرورة أنّ الحكم في مثل هذه
ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 1: 304.
(2) آل عمران 3: 97.

ــ[182]ــ

القضايا لم يجعل من الأوّل لفاقد الشرط والموضوع، مثلاً وجوب الحج في المثال المزبور لم يجعل من الابتداء لفاقد الاستطاعة، فإذن لا معنى للنزاع في أ نّه هل تعقل فعلية الحكم مع علم الحاكم بانتفاء فعلية موضوعه في الخارج أم لا، ضرورة أنّ علم الحاكم به أجنبي عن ذلك رأساً، فانّ الملاك في فعلية الحكم إنّما هو فعلية موضوعه خارجاً ووجوده، ضرورة استحالة تخلّفها عنه، وعليه فلا تعقل صحّة توجيه هذا التكليف فعلاً إلى فاقد الشرط والموضوع، بداهة أنّ انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه عقلي، فعندئذ لو وجّه إليه تكليف فهو لا محالة يكون تكليفاً آخر غير الأوّل، وهو خلاف مفروض الكلام.
وأمّا في الثانية: وهي القضايا الخارجية، فلأنّ جعل الحكم فيها يدور مدار علم الحاكم بوجود شرائط الحكم، وأمّا وجود هذه الشرائط في الخارج أو عدم وجودها فيه أجنبي عنه رأساً وليس له أيّ دخل فيه، فإذن لا معنى للبحث عن جوازه مع علمه بانتفاء تلك الشرائط خارجاً وعدم جوازه، ضرورة أنّ البحث على هذا الشكل أجنبي عمّا هو دخيل في هذا الحكم بالكلّية، وعليه فلا معنى له أصلاً كما لا يخفى.
ومن هنا قال(1): إنّ ما ذكروه من الثمرة لتلك المسألة ـ وهي وجوب الكفارة على من أفطر في نهار شهر رمضان مع عدم تمامية شرائط الوجوب له إلى الليل ـ ليست ثمرة لها، بل هي ثمرة مترتبة على مسألة فقهية وهي أنّ التكليف بالصوم هل ينحل إلى تكاليف متعددة بتعدد آنات اليوم، أو هو تكليف واحد مشروط بشرط متأخر وهو بقاؤه على شرائط الوجوب إلى الليل.
ـــــــــــــــــــــ
(1) المحقق النائيني في المصدر السابق.

ــ[183]ــ

وذكر المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) (1) أ نّه لا يجوز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه، وإن نسب ذلك إلى الأشاعرة حيث إنّهم يجوّزون التكليف بالمحال، ولا يرون فيه قبحاً أصلاً، وقد أفاد في وجه ذلك ما ملخصه: وهو أنّ الشرط بما أ نّه كان من أجزاء العلة التامة فيستحيل أن يوجد الشيء بدونه، ضرورة استحالة وجود المعلول بدون وجود علته والمشروط بدون وجود شرطه، فانّ المركب ينحل بانحلال بعض أجزائه، وبما أنّ العلة التامة مركبة من المقتضي والشرط والمانع فلا محالة تنتفي بانتفاء كل منها، وعليه فلا يعقل أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه، إلاّ أن يكون المراد من لفظ الأمر الأمر ببعض مراتبه وهو مرتبة الانشاء، ومن الضمير الراجع إليه بعض مراتبه الاُخر وهو مرتبة الفعلية، بأن يكون النزاع في أنّ أمر الآمر يجوز إنشاؤه مع علمه بانتفاء شرط فعليته وعدم بلوغه تلك المرتبة، فإذن لا إشكال في جوازه بل في وقوع ذلك في الشرعيات والعرفيات، ضرورة أنّ الأمر الصوري إذا كان الداعي له الامتحان أو نحوه لا البعث والتحريك حقيقةً واقع في العرف والشرع، ولا مانع من وقوعه أصلاً.
الذي ينبغي أن يقال في هذه المسألة: هو أنّ الكلام فيها مرّةً يقع في شرائط الجعل، ومرّةً اُخرى في شرائط المجعول، لما ذكرناه من أنّ لكل حكم مرتبتين: مرتبة الجعل، ومرتبة المجعول.
أمّا الكلام في الاُولى: فلا شبهة في انتفاء الجعل بانتفاء شرطه، وذلك لأنّ الجعل فعل اختياري للمولى كبقية أفعاله الاختيارية، هذا من ناحية. ومن ناحية اُخرى: أنّ كل فعل اختياري مسبوق بالمبادئ النفسانية وهي الارادة بمقدّماتها من التصور والتصديق ونحوهما.
ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول: 137.

ــ[184]ــ

فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين: هي أ نّه لا يمكن جعل الحكم من المولى مع انتفاء شيء من تلك المبادئ والمقدّمات، ضرورة أ نّه معلول لها ومشروط بها، ومن الطبيعي استحالة وجود المعلول بدون وجود علّته، ووجود المشروط بدون تحقق شرطه، وهذا من الواضحات الأوّلية وغير قابل لأن يكون ذلك محل البحث والأنظار.
ومن هنا يظهر ما في كلام صاحب الكفاية (قدس سره) حيث جعل هذا محل الكلام والنزاع هنا، ولأجل ذلك حكم بعدم الجواز، هذا من جانب.
ومن جانب آخر: أنّ ما ذكره (قدس سره) من الجواز فيما إذا لم يكن الأمر بداعي البعث والتحريك واقعاً بل كان بداعي الامتحان أو نحوه أيضاً خارج عن محل البحث، ضرورة أنّ محل البحث في الجواز وعدمه إنّما هو في الأوامر الحقيقية التي يكون الداعي فيها البعث والتحريك نحو إيجاد متعلقاتها في الخارج حقيقة، أمّا في الأوامر الصورية التي ليس الداعي فيها البعث نحو إيجاد متعلقاتها في شيء، بل الداعي لها الامتحان أو غيره، فلا إشكال في جوازها مع علم الآمر بانتفاء شروط فعليتها، بل لا إشكال في وقوعها في العرف والشرع كما هو ظاهر.
فالنتيجة: أ نّه لا مجال للنزاع في الأوامر التي لم يكن الداعي فيها وقوع متعلقاتها في الخارج، بل الداعي لها مجرد الامتحان أو الاستهزاء أو شيء آخر، كما أ نّه لا مجال للنزاع في شرائط الجعل، ولكن في الأوّل من ناحية أ نّه لا إشكال في جواز تلك الأوامر بل في وقوعها خارجاً، وفي الثاني من ناحية أ نّه لا إشكال في عدم جوازه، بل في امتناعه مع انتفاء شرطه، كما عرفت.
وأمّا الكلام في الثانية: وهي شرائط المجعول، فقد ذكرنا في بحث الواجب المطلق والمشروط أنّ كل شرط اُخذ مفروض الوجود في مقام الجعل تستحيل

ــ[185]ــ

فعلية الحكم بدون فعليته ووجوده في الخارج، لما ذكرناه هناك من أنّ فعلية الحكم في القضية الحقيقية تدور مدار فعلية موضوعه ووجوده ويستحيل تخلّفها عنه، مثلاً وجوب الحج مشروط بوجود الاستطاعة بمقتضى الآية الكريمة: (وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ ا لْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(1) فتستحيل فعليته بدون فعلية الاستطاعة في الخارج، وكذا وجوب الزكاة مشروط ببلوغ المال حدّ النصاب، فإذا بلغ المال ذلك الحد تجب الزكاة عليه فعلاً، وإلاّ فلا وجوب لها أصلاً. ووجوب الغسل مشروط بوجود الجنابة، ووجوب الصوم مشروط بدخول شهر رمضان، ووجوب الصلاة مشروط بدخول الوقت... وهكذا، فهذه الأحكام جميعاً تدور فعليتها خارجاً مدار فعلية موضوعها وتحققه فيه. ومن هنا قلنا إنّ كل قضية حقيقية ترجع إلى قضية شرطية مقدّمها وجود الموضوع وتاليها ثبوت الحكم له.
وعلى هذا الأصل، فإذا علم الآمر بانتفاء شرط فعلية الحكم وأ نّه لو جعل فلا يصير فعلياً أبداً من ناحية عدم تحقق موضوعه في الخارج، فهل يجوز له جعله أم لا ؟
قد يقال بعدم إمكانه، لأ نّه لغو محض فلا يصدر من الحكيم، وكذا الحال في القضية الخارجية فلا يجوز للمولى أن يأمر بزيارة الحسين (عليه السلام) مثلاً على تقدير السفر إلى كربلاء مع علمه بأ نّه لا يسافر... وهكذا.
ولكنّ الصحيح في المقام هو التفصيل بين ما إذا كان انتفاء الشرط مستنداً إلى نفس جعل الحكم وكان هو الموجب له، وما إذا كان مستنداً إلى عدم قدرة المكلف أو إلى جهة اُخرى.
ـــــــــــــــــــــ
(1) آل عمران 3: 97.

ــ[186]ــ

فعلى الأوّل: لا مانع من جعله أصلاً إذا كان الغرض منه عدم تحقق الشرط والموضوع في الخارج، من دون فرق بين أن يكون الجعل على نحو القضية الحقيقية أو الخارجية، كما إذا قال المولى لعبده أو الأب لابنه: إن كذبت مثلاً فعليك دينار، مع علمه بأنّ جعل وجوب الدينار عليه على تقدير كذبه موجب لعدم صدور الكذب منه، فيكون غرضه من جعله ذلك.
وكما إذا فرض أنّ جعل الكفارات في الشريعة المقدّسة على ارتكاب عدّة من المحرمات يوجب عدم تحققها في الخارج، كوجوب القصاص المترتب على القتل الاختياري إذا فرض أ نّه موجب لعدم تحقق القتل خارجاً، ووجوب الحد للزاني وقطع اليد للسارق وما شاكل ذلك، إذا فرض أنّ جعل هذه الاُمور أوجب عدم تحقق ما هو الموضوع والشرط لها وهو الزنا في المثال الأوّل والسرقة في المثال الثاني ونحوهما، ومن المعلوم أ نّه لا مانع من مثل هذا الجعل أصلاً، بل هو مما تقتضيه المصلحة العامة كما في القضايا الحقيقية، والمصلحة الخاصة كما في القضايا الخارجية، ضرورة أنّ الغرض من جعل هذه الاُمور هو عدم تحقق موضوعها في الخارج، فإذا فرض أنّ المولى علم بأنّ جعلها يوجب عدم تحقق موضوعها فيه مطلقاً فهو أولى بالجعل مما لم يعلم المولى أ نّه يوجبه. فالنتيجة: أ نّه لا شبهة في إمكان ذلك، بل في وقوعه خارجاً في العرف والشرع.
وعلى الثاني: وهو ما إذا كان انتفاء الشرط من غير ناحية اقتضاء الجعل له، فهو لغو محض فلا يصدر من المولى الحكيم، مثل أن يأمر بركعتين من الصلاة مثلاً على تقدير الصعود إلى السماء أو على تقدير اجتماع الضدّين أو نحو ذلك، أو أن يأمر بوجوب الحج على تقدير الاستطاعة في الخارج مع علمه فرضاً بعدم تحققها فيه أصلاً... وهكذا، فانّه لا شبهة في أنّ جعل مثل هذا الحكم لغو صرف فلا يترتب عليه أيّ أثر شرعي، ومعه يستحيل صدوره منه.

ــ[187]ــ

ومن هنا يظهر أنّ ما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدس سره) (1) من أنّ هذه المسألة باطلة من رأسها وليس فيها معنىً معقول ليبحث عنه، لا يتم وذلك لأنّ النزاع في هذه المسألة لو كان في دخل علم الآمر بوجود الموضوع أو بعدم وجوده في فعلية الحكم وعدم فعليته لكان ما أفاده (قدس سره) في غاية الصحّة والمتانة، وذلك لما عرفت من أنّ فعلية الحكم في القضايا الحقيقية تدور مدار فعلية موضوعه وتحققه في الخارج، ولا دخل لعلم الآمر بوجوده أو بعدمه في ذلك أصلاً، فإذن لا معنى للنزاع فيه كما هو واضح، إلاّ أ نّك عرفت أنّ النزاع في المسألة ليس في هذا بل هو فيما ذكرناه من أنّ جعل الحكم في القضية الحقيقية للموضوع المقدّر وجوده مع علم الجاعل بعدم تحقق الموضوع في الخارج أصلاً هل يجوز أم لا ؟
ومن الظاهر أنّ النزاع في هذا نزاع في معنى معقول، غاية الأمر أنّ جعل الحكم عندئذ لغو محض فلا يترتب عليه أثر، ولكن من المعلوم أنّ هذا لا يوجب عدم كون النزاع في معنى معقول.
وبكلمة اُخرى: أنّ النزاع في المقام ليس في معقولية فعلية الحكم مع علم الحاكم بانتفاء موضوعه في الخارج وعدم معقوليتها، ليقال إنّ علم الآمر بوجود الموضوع خارجاً وعدمه أجنبي عن ذلك بالكلّية، ضرورة أنّ الملاك في فعلية الحكم واقعاً فعلية موضوعه كذلك، بل النزاع في جواز أصل جعل الحكم مع العلم بانتفاء شرط فعليته وعدم جوازه، ومن الواضح أنّ هذا النزاع نزاع في أمر معقول.
ومن هنا يتبيّن أنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ الحكم في القضية الخارجية
ـــــــــــــــــــــ
(1) تقدّم ذكر المصدر في ص 181.

ــ[188]ــ

يدور مدار علم الحاكم بوجود شروط الحكم، وأمّا نفس وجودها في الخارج أو عدمها فيه فهو أجنبي عن الحكم بالكلّية، لا يتم أيضاً وذلك لأنّ علم الحاكم الذي له دخل في جعل هذا الحكم ليس علمه بما هو صفة نفسانية قائمة بها مع قطع النظر عمّا تعلق به من الموجودات الخارجية، ضرورة أنّ علمه بوجود شرطه في الخارج يدعو إلى جعل هذا الحكم، كما أنّ علمه بعدم وجوده فيه داع لعدم جعله، فيما إذا لم يكن الغرض منه عدم تحقق شرطه وموضوعه كالأمثلة المتقدمة. فإذن يقع الكلام في أ نّه هل يجوز للمولى أن يأمر عبده بفعل مشروطاً بشيء مع علمه بانتفاء ذلك الشيء في الخارج وعدم تحققه فيه أصلاً أم لا، ومن المعلوم أنّ النزاع فيه نزاع في أمر معقول.
وقد تحصّل مما ذكرناه اُمور:
الأوّل: أ نّه لا فرق فيه بين القضية الحقيقية والقضية الخارجية، فهما من هذه الناحية على نسبة واحدة.
الثاني: أنّ الصحيح في المسألة هو التفصيل بين ما إذا كان انتفاء الشرط مستنداً إلى نفس الجعل، وما إذا كان مستنداً إلى عجز المكلف أو نحوه، كما سبق بشكل واضح.
الثالث: أ نّه لا ثمرة لهذه المسألة أصلاً، ولا تترتب على البحث عنها أيّة فائدة عملية ما عدا فائدة علمية. وأمّا ما ذكر من الثمرة لها من وجوب الكفارة على من أفطر في نهار شهر رمضان مع عدم تمامية شرائط الوجوب له إلى الليل، كما إذا أفطر أوّلاً ثمّ سافر أو وجد مانع آخر من الصوم كالمرض أو نحوه، فليس ثمرة لتلك المسألة اصلاً، وذلك لأنّ عروض المانع من الصوم في أثناء اليوم وإن كان يكشف عن عدم وجوبه عليه من الأوّل، ضرورة أ نّه واجب واحد ارتباطي، ولذا لو طرأ على الصائم مانع من الصوم واضطرّ إلى

ــ[189]ــ

الإفطار في بعض آنات اليوم لم يلتزم أحد من الفقهاء بوجوب الامساك في باقي آنات هذا اليوم وهذا معنى ارتباطية وجوبه.
وأمّا وجوب الكفارة على من أفطر في نهار شهر رمضان متعمداً فلا يدور مدار وجوب الصوم عليه ولو مع انتفاء شرائطه ليكون ذلك ثمرةً لهذه المسألة، بل هو على ما يستفاد من روايات الباب مترتب على الإفطار في نهار شهر رمضان عالماً وعامداً بلا عذر مسوّغ له، وذلك لأنّ جواز الإفطار في الروايات معلّق على خروج المكلف عن حدّ الترخص، فما دام لم يخرج عنه حرم عليه الافطار وإن علم بأ نّه يسافر بعد ساعة، كما أنّ وجوب القصر في الروايات معلّق على ذلك ولذا يجب عليه التمام ما دام هو دون حدّ الترخص.
وبتعبير أوضح: أنّ المستفاد من الروايات الواردة في المقام هو ثبوت الملازمة بين وجوب القصر وجواز الإفطار، وبين وجوب التمام وعدم جوازه، ففي كل مورد وجب القصر جاز الإفطار وفي كل مورد وجب التمام حرم الإفطار.
ونتيجة ما ذكرناه: هي أنّ وجوب الكفارة مترتب على الإفطار العمدي في نهار شهر رمضان بلا عذر مسوّغ له، سواء أطرأ عليه مانع من الصوم بعد ذلك أم لم يطرأ، وذلك لاطلاق الروايات الدالة عليه.
ومن هنا يظهر أنّ ما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدس سره) (1) ـ من ابتناء وجوب الكفارة في هذا الفرض على أنّ التكليف بالصوم هل ينحل إلى تكاليف متعددة بتعدد آنات اليوم، أو هو تكليف واحد متعلق بمجموع الآنات، فعلى الأوّل تجب الكفارة عليه دون الثاني، إلاّ إذا فرض قيام دليل على وجوب
ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 1: 304.

ــ[190]ــ

الامساك في بعض اليوم أيضاً ـ لا يمكن تصديقه بوجه، وذلك لما عرفت من أنّ موضوع وجوب الكفارة هو الإفطار العمدي في شهر رمضان من دون عذر شرعي له على ما يستفاد من الروايات، وعليه فكون التكليف بالصوم تكليفاً واحداً أو متعدداً أجنبي عن ذلك بالكلّية ولا دخل له في وجوب الكفارة أو عدم وجوبها أصلاً، ضرورة أنّ المناط في وجوبها صدق العنوان المزبور، ومن الواضح أ نّه لا يفرق فيه بين كون التكليف واحداً أو متعدداً بتعدد الآنات.
ونتيجة البحث عن هذه المسألة عدّة نقاط:
الاُولى: أنّ محل النزاع فيها الأوامر الحقيقية التي يكون الغرض منها إيجاد الداعي للمكلف للاتيان بمتعلقاتها في الخارج، وأمّا الأوامر الصورية التي ليس الغرض منها ذلك بل الغرض منها مجرد الامتحان أو نحوه، فهي خارجة عن محل النزاع ولا إشكال في جوازها مع علم الآمر بانتفاء شرط فعليتها.
الثانية: أنّ محل الكلام في المسألة ليس في شرائط الجعل، كما عن المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) ضرورة استحالة الجعل بدون تلك الشرائط، هذا من جهة. ومن جهة اُخرى: أنّ ما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدس سره) من أنّ فعلية الحكم في القضية الحقيقية بفعلية موضوعه وعلم الآمر بوجود الموضوع في الخارج أو عدم علمه به أجنبي عن ذلك، ولذا قال: إنّه ليس في المسألة معنىً معقول ليبحث عنه، أيضاً ليس من محل الكلام في شيء كما عرفت.
الثالثة: أنّ محل النزاع فيها إنّما هو في تحقق أصل الأمر بداعي إيجاد متعلقه في الخارج مع علم الآمر بانتفاء شرط فعليته، ومن الواضح أنّ النزاع فيه نزاع في أمر معقول، ولا يفرق فيه بين أن تكون القضية حقيقية أو خارجية كما سبق.

ــ[191]ــ

الرابعة: أنّ ما ذكروه من الثمرة لهذه المسألة ـ وهي أنّ من أفطر في نهار شهر رمضان مع عدم تمامية شرائط وجوب الصوم له إلى الليل، كما إذا أفطر في حين أ نّه علم بأ نّه يسافر بعد ساعة أو يوجد مانع آخر منه، فعلى القول بالجواز تجب الكفارة عليه، وعلى القول بعدمه فلا ـ ليس ثمرةً لها أصلاً، وذلك لما ذكرناه من أ نّها تدور مدار أنّ المستفاد من الروايات هو ترتب الكفارة على مطلق الإفطار العمدي ولو علم بطروء مانع عن الصوم بعده ولا يتمكن من إتمامه، أو أ نّها مترتبة على الإفطار العمدي الخاص وهو ما لم يطرأ عليه مانع عنه أصلاً، فعلى الأوّل تجب الكفارة على من أفطر في نهار رمضان ثمّ سافر، وعلى الثاني فلا.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net