مفهوم الوصف 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الرابع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 9380


مفهوم الوصف

لتنقيح محل النزاع ينبغي لنا تقديم أمرين:
الأوّل: أنّ محل الكلام بين الأصحاب في دلالة الوصف على المفهوم وعدم دلالته عليه إنّما هو في الوصف المعتمد على موصوفه في القضية بأن يكون مذكوراً فيها كقولنا: أكرم إنساناً عالماً، أو رجلاً عادلاً، أو ما شاكل ذلك. وأمّا الوصف غير المعتمد على موصوفه كقولنا: أكرم عالماً أو عادلاً أو نحو ذلك فهو خارج عن محل الكلام ولا شبهة في عدم دلالته على المفهوم، ضرورة أ نّه لو كان داخلاً في محل الكلام لدخل اللقب فيه أيضاً، لوضوح أ نّه لا فرق بين اللقب وغير المعتمد من الوصف من هذه الناحية، فكما أنّ الأوّل لا يدل على المفهوم من دون خلاف فكذلك الثاني، ومجرد أنّ الوصف ينحل بتعمل من العقل إلى شيئين: ذات ومبدأ كما هو الحال في جميع العناوين الاشتقاقية لا يوجب فارقاً بينه وبين اللقب في هذه الجهة، حيث إنّ هذا الانحلال لا يتعدى عن اُفق النفس إلى اُفق آخر فلا أثر له في القضية في مقام الاثبات والدلالة أصلاً، حيث إنّ المذكور فيها شيء واحد وهو الوصف دون موصوفه.
وكيف كان، فالظاهر أ نّه لا خلاف ولا إشكال في عدم دلالته على المفهوم، والسبب فيه هو أنّ الحكم الثابت في القضية لعنوان اشتقاقياً كان أو ذاتياً فلا تدل القضية إلاّ على ثبوت هذا الحكم لهذا العنوان وكونه دخيلاً فيه، وأمّا انتفاؤه عن غيره فلا إشعار فيها فضلاً عن الدلالة، بل لو دلّ على المفهوم لكان

ــ[273]ــ

الوصف الذاتي أولى بالدلالة، نظراً إلى أنّ المبدأ فيه مقوّم للذات وبانتفائه تنتفي الذات جزماً، وهذا بخلاف الوصف غير الذاتي فانّ المبدأ فيه حيث إنّه خارجي غير مقوّم للذات فلا محالة لا تنتفي الذات بانتفائه. فالنتيجة أ نّه لا فرق بين اللقب وغير المعتمد من الوصف، فانّ ملاك عدم الدلالة فيهما واحد.
الثاني: أنّ الوصف تارةً يكون مساوياً لموصوفه كقولنا: أكرم إنساناً ضاحكاً وما شاكله، واُخرى يكون أعم منه مطلقاً كقولنا: أكرم إنساناً ماشياً، وثالثةً يكون أخص منه كذلك كقولنا: أضف انساناً عالماً، ورابعةً يكون أعم منه من وجه كقوله (عليه السلام): «في الغنم السائمة زكاة»(1).
أمّا الأوّل والثاني: فلا إشكال في خروجهما عن محل النزاع والوجه فيه ظاهر، وهو أنّ الوصف في هاتين الصورتين لا يوجب تضييقاً في ناحية الموصوف حتى يكون له دلالة على المفهوم، حيث إنّ معنى دلالة الوصف على المفهوم هو انتفاء الحكم عن الموصوف المذكور في القضية بانتفائه، وهذا فيما لا يوجب انتفاؤه انتفاء الموصوف، والمفروض أنّ في هاتين الصورتين يكون انتفاؤه موجباً لانتفاء الموصوف فلا موضوع لدلالته على المفهوم.
وأمّا الثالث: فلا إشكال في دخوله في محل الكلام، فانّ ما ذكرناه من الملاك لدلالته على المفهوم موجود فيه.
وأمّا الرابع: فهو أيضاً داخل في محل الكلام حيث إنّه يفيد تضييق دائرة الموصوف من جهة فيقيد الغنم في المثال المتقدم بخصوص السائمة، فعلى القول بدلالة الوصف على المفهوم يدل على انتفاء وجوب الزكاة عن الموضوع المذكور في القضية بانتفائه، فلا زكاة في الغنم المعلوفة. نعم، لا يدل على انتفائه عن غير
ـــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9: 118 / أبواب زكاة الأنعام ب 7 (نقل بالمضمون).

ــ[274]ــ

هذا الموضوع كالابل المعلوفة كما نسب ذلك إلى بعض الشافعية(1) فنفى وجوب الزكاة عن الابل المعلوفة استناداً إلى دلالة وصف الغنم بالسائمة على انتفاء حكمها، يعني وجوب الزكاة عن فاقد هذا الوصف مطلقاً ولو كان موضوعاً آخر، ووجه عدم دلالته على ذلك واضح، لما عرفت من أنّ معنى دلالته على المفهوم هو انتفاء الحكم عن الموصوف المذكور في القضية بانتفائه، وأمّا غير المذكور فيها فلا يكون فيه تعرض لحكمه لا نفياً ولا إثباتاً، فما نسب إلى بعض الشافعية لا يرجع إلى معنىً محصّل أصلاً.
وبعد ذلك نقول: إنّ الصحيح هو عدم دلالة الوصف على المفهوم، بيان ذلك: أنّ دلالة القضية على المفهوم ترتكز على أن يكون القيد فيها راجعاً إلى الحكم دون الموضوع أو المتعلق، وبما أنّ الوصف في القضية يكون قيداً للموضوع أو المتعلق دون الحكم فلا يدل على المفهوم أصلاً، فانّ ثبوت الحكم لموضوع خاص لا يدل على نفيه عن غيره، ضرورة أنّ ثبوت شيء لشيء لا يدل بوجه على نفيه عن غيره، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الموضوع شيئاً واحداً كاللقب أو كالوصف غير المعتمد على موصوفه أو يكون مقيداً بقيد كالموصوف المقيد بوصف خاص، فانّ ملاك عدم الدلالة على المفهوم في الجميع واحد، وهو أنّ ثبوت حكم لموضوع خاص وإن كان مركباً أو مقيداً لا يدل على نفيه عن غيره، فلا فرق بين قولنا: أكرم رجلاً وأكرم رجلاً عادلاً، حيث إنّهما يشتركان في نقطة واحدة وهي الدلالة على ثبوت الحكم لموضوع خاص، غاية الأمر أنّ الموضوع في الجملة الثانية مقيد بقيد خاص فتدل على ثبوت الحكم له ولا تدل على نفيه عن غيره كما إذا كان الموضوع واحداً.
ـــــــــــــــــــــ
(1) المنخول: 222.

ــ[275]ــ

ومن ضوء ذلك يظهر الفرق بين القضية الوصفية والقضية الشرطية، نظراً إلى أنّ الشرط في القضية الشرطية راجع إلى الحكم دون الموضوع فيكون الحكم معلّقاً عليه فلأجل ذلك تدل على انتفائه عند انتفاء الشرط، وهذا بخلاف الوصف في القضية الوصفية فانّه راجع إلى الموضوع فيها دون الحكم. فالنتيجة أنّ دلالة الوصف على المفهوم ترتكز على أن يكون قيداً لنفس الحكم لا لموضوعه أو متعلقه وإلاّ فلا دلالة له عليه أصلاً.
ولكن مع ذلك قد يستدل على المفهوم بوجوه:
الأوّل: أنّ الوصف لو لم يدل على المفهوم لكان الآتي به لاغياً وهو مستحيل في حقّ المتكلم الحكيم، فاذن لا مناص من الالتزام بدلالته عليه.
ويرد عليه: أ نّه مبني على إحراز أنّ الداعي للآتي به ليس إلاّ دخله في الحكم نفياً وإثباتاً حدوثاً وبقاءً بمعنى أ نّه علة منحصرة له، فاذا كان كذلك فبطبيعة الحال ينتفي الحكم عن الموصوف بانتفائه.
ولكن من المعلوم أنّ هذا الاحراز يتوقف أوّلاً: على كون الوصف قيداً للحكم دون الموضوع أو المتعلق، وقد عرفت أنّ الأمر بالعكس تماماً.
وثانياً: على الالتزام بأنّ إثبات حكم لموضوع خاص يدل على انتفائه عن غيره، وقد مرّ أ نّه لا يدل على ذلك، بل لا يكون فيه إشعار به فضلاً عن الدلالة.
وثالثاً: على أن لا يكون الداعي له أمراً آخر حيث إنّ فائدته لا تنحصر بما ذكر.
ورابعاً: على أ نّه لا يكفي في الخروج عن كونه لغواً الالتزام بدلالته على اختصاص الحكم بحصة خاصة من موصوفه وعدم ثبوته له على نحو الاطلاق،

ــ[276]ــ

والمفروض أ نّه يكفي في ذلك ولا يتوقف على الالتزام بدلالته على المفهوم ـ وهو الانتفاء عند
الانتفاء ـ.
فالنتيجة: أنّ هذا الوجه ساقط فلا يمكن الاستدلال به على إثبات المفهوم للوصف.
الثاني: أنّ الوصف الموجود في الكلام مشعر بعليته للحكم عند الاطلاق.
ويرد عليه: أنّ مجرد الاشعار على تقدير ثبوته لا يكفي لاثبات المفهوم جزماً، حيث إنّه لا يكون من الدلالات العرفية التي تكون متبعة عندهم، بل لا بدّ في إثبات المفهوم له من إثبات ظهور القضية في كون الوصف علةً منحصرةً للحكم المذكور فيها، ومن الطبيعي أنّ إثبات ظهورها في كونه علةًً في غاية الاشكال بل خرط القتاد، فما ظنك بظهورها في كونه علةً منحصرةً، كيف حيث إنّ مردّ هذا الظهور إلى كون الوصف قيداً للحكم دون الموضوع أو المتعلق وأ نّه يدور مداره وجوداً وعدماً وبقاءً وارتفاعاً، وقد تقدم أنّ القضية الوصفية ظاهرة في كون الوصف قيداً للموضوع أو المتعلق دون الحكم. فالنتيجة أنّ مجرد الاشـعار بالعلية غير مفيد وما هو مفيد ـ وهو الظهور فيها ـ فهو غير موجود.
الثالث: أنّ القضية الوصفية لو لم تدل على المفهوم وانحصار التكليف بما فيه الوصف لم يكن موجب لحمل المطلق على المقيد، حيث إنّ النكتة في هذا الحمل هي دلالة المقيد على انحصار التكليف به وعدم ثبوته لغيره، وبدون توفر هذه النكتة لا موجب له، ومن الطبيعي أنّ هذه النكتة بعينها هي نكتة دلالة الوصف على المفهوم.
ويرد عليه: أنّ نكتة حمل المطلق على المقيد غير تلك النكتة، فانّها نكتة

ــ[277]ــ

دلالة القيد على المفهوم وقد عرفت عدم توفرها فيه وأ نّه لا يدل على المفهوم أصلاً. وأمّا حمل المطلق على المقيد فلا يتوقف على تلك النكتة، فانّه على ضوء نظرية المشهور يتوقف على أن يكون التكليف في طرف المطلق متعلقاً بصرف وجوده، ففي مثل ذلك إذا تعلق التكليف في دليل آخر بحصة خاصة منه وعلم من القرينة أنّ التكليف واحد حمل المطلق على المقيد، نظراً إلى أنّ المقيد قرينة بنظر العرف على التصرف في المطلق، ومن المعلوم أ نّه لا صلة لهذا الحمل بدلالة القيد على المفهوم أي نفي الحكم عن غير مورده، ضرورة أنّ المقيد لا يدل إلاّ على ثبوت الحكم لموضوع خاص من دون دلالة له على نفيه عن غيره بوجه، ومع ذلك يحمل المطلق على المقيد. وأمّا إذا كان التكليف في طرف المطلق متعلقاً بمطلق وجوده المستلزم انحلاله بانحلال وجوداته وأفراده خارجاً، ففي مثل ذلك لا يحمل المطلق على المقيد، لعدم التنافي بينهما، وذلك كما إذا ورد في دليل: أكرم كل عالم، وورد في دليل آخر: أكرم كل عالم عادل، فلا موجب لحمل الأوّل على الثاني أصلاً، حيث إنّ النكتة التي توجب حمل المطلق على المقيد غير متوفرة هنا فلا مانع من أن يكون كل منهما واجباً، غاية الأمر يحمل المقيد هنا على أفضل أفراد الواجب.
وأمّا بناءً على ضوء نظريتنا من عدم الفرق في حمل المطلق على المقيد بين ما كان التكليف واحداً أو متعدداً، فأيضاً لا يتوقف هذا الحمل على دلالة القيد على المفهوم يعني نفي الحكم عن غير مورده، بل يكفي فيه دلالته على عدم ثبوت الحكم للطبيعي على نحو الاطلاق، وسنبيّن إن شاء الله تعالى عن قريب أ نّه لا شبهة في دلالته على ذلك كما أ نّه لا شبهة في عدم دلالته على نفي الحكم عن غير مورده.

ــ[278]ــ

وعلى الجملة: سوف نذكر في مبحث المطلق والمقيد إن شاء الله(1) أنّ ظهور المطلق في الاطلاق كما يتوقف حدوثاً على عدم دليل صالح للتقييد كذلك بقاءً، حيث إنّ ظهوره يتوقف على جريان مقدمات الحكمة، ومن الواضح أ نّها لا تجري مع وجود الدليل الصالح للتقييد، والمفروض أنّ دليل المقيد يكون صالحاً لذلك عرفاً. ومما يدل على أنّ حمل المطلق على المقيد لا يبتني على دلالة القضية الوصفية على المفهوم، هو أ نّه يحمل المطلق على المقيد حتى في الوصف غير المعتمد على موصوفه، كما إذا ورد في دليل: أكرم عالماً، وورد في دليل آخر: أكرم فقيهاً، يحمل الأوّل على الثاني مع أ نّه لا يدل على المفهوم أصلاً.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة: وهي أنّ النكتة التي ذكرناها في القضية الشرطية لدلالتها على المفهوم عرفاً ـ وهي تعليق الحكم فيها على الشرط تعليقاً مولوياً ـ غير متوفرة في القضية الوصفية، حيث إنّ الحكم فيها غير معلّق على الوصف، يعني أنّ الوصف ليس قيداً للحكم كالشرط بل هو قيد للموضوع أو المتعلق، ومن المعلوم أنّ ثبوت الحكم لموضوع خاص لا يدل على انتفائه عن غيره. فما ذكرناه لحدّ الآن هو المعروف والمشهور بين الأصحاب في تقرير المسألة.
ولكنّ الصحيح فيها هو التفصيل، بيان ذلك: أنّ النزاع في دلالة الوصف على المفهوم تارةً بمعنى أنّ تقييد الموضوع أو المتعلق به يدل على انتفاء الحكم عن غيره، فلو ورد في الدليل: أكرم رجلاً عالماً يدل على انتفاء وجوب الاكرام عن غير مورده، يعني عن الرجل العادل أو الفاسق أو الفقير أو ما شاكل ذلك ولو بسبب آخر. واُخرى بمعنى أنّ تقييده به يدل على عدم ثبوت الحكم له
ـــــــــــــــــــــ
(1) لاحظ ص 536.

ــ[279]ــ

على نحو الاطلاق، أو فقل: إنّ معنى دلالته على المفهوم هو دلالته على نفي الحكم عن طبيعي موصوفه على نحو الاطلاق وأ نّه غير ثابت له كذلك.
فإن كان النزاع في المعنى الأوّل فلا شبهة في عدم دلالته على المفهوم بهذا المعنى، ضرورة أنّ قولنا: أكرم رجلاً عالماً لا يدل على نفي وجوب الاكرام عن حصة اُخرى منه كالرجل العادل أو الهاشمي أو ما شاكل ذلك، لوضوح أ نّه لا تنافي بين قولنا: أكرم رجلاً عالماً، وقولنا: أكرم رجلاً عادلاً مثلاً بنظر العرف أصلاً، فلو دلت الجملة الاُولى على المفهوم ـ أي نفي الحكم عن حصص اُخرى منه ـ لكان بينهما تناف لا محالة. وقد تقدم وجه عدم دلالته على المفهوم بشكل موسع.
وإن كان النزاع في المعنى الثاني فالظاهر أ نّه يدل على المفهوم بهذا المعنى. ونكتة هذه الدلالة هي ظهور القيد في الاحتراز ودخله في موضوع الحكم أو متعلقه إلاّ أن تقوم قرينة على عدم دخله فيه، ففي مثل قولنا: أكرم رجلاً عالماً، يدل على أنّ وجوب الاكرام لم يثبت لطبيعي الرجل على الاطلاق ولو كان جاهلاً، بل ثبت لخصوص حصة خاصة منه ـ وهي الرجل العالم ـ وكذا قولنا: أكرم رجلاً هاشمياً، أو أكرم عالماً عادلاً وهكذا، والضابط أنّ كل قيد اُتي به في الكلام فهو في نفسه ظاهر في الاحتراز ودخله في الموضوع أو المتعلق، يعني أنّ الحكم غير ثابت له إلاّ مقيداً بهذا القيد لا مطلقاً، وإلاّ لكان القيد لغواً، فالحمل على التوضيح أو غيره خلاف الظاهر فيحتاج إلى قرينة.
والحاصل: أنّ مثل قولنا: أكرم رجلاً عالماً وإن لم يدل على نفي وجوب الاكرام عن حصة اُخرى من الرجل كالعادل أو نحوه ولو بملاك آخر، إلاّ أ نّه لا شبهة في دلالته على أنّ وجوب الاكرام غير ثابت لطبيعي الرجل على نحو الاطلاق.

ــ[280]ــ

فالنتيجة في نهاية الشوط: هي أنّ النزاع في دلالة القضية الوصفية على المفهوم إن كان في دلالتها على نفي الحكم الثابت فيها عن غير موضوعها ولو بسبب آخر، فقد عرفت أ نّها لا تدل على ذلك بوجه، بل لا إشعار فيها على ذلك فضلاً عن الدلالة. وإن كان في دلالتها على نفي هذا الحكم عن طبيعي الموصوف على إطلاقه فقد عرفت أ نّها تدل على ذلك جزماً، حيث لا شبهة في ظهورها فيه إلاّ فيما قامت قرينة على خلافه. ومن هنا يظهر الفرق بين الوصف المعتمد على موصوفه وغير المعتمد عليه كقولنا: أكرم عالماً مثلاً، فانّه لا يدل على المفهوم بهذا المعنى وإن انحل بحسب مقام اللب والواقع إلى شيء له العلم إلاّ أ نّه لا أثر له في مقام الاثبات بعد ما كان في هذا المقام شيئاً واحداً لا شيئان: أحدهما موصوف والآخر صفة له.
ثمّ إنّ هذه النقطة التي ذكرناها قد اُهملت في كلمات الأصحاب ولم يتعرضوا لها في المقام لا نفياً ولا إثباتاً، مع أنّ لها ثمرة مهمة في الفقه، منها: ما في مسألة حمل المطلق على المقيد حيث إنّ المشهور قد خصّوا تلك المسألة ـ فيما إذا كانا مثبتين أو منفيين ـ بما إذا كان التكليف فيهما واحداً، وأمّا إذا كان متعدداً فلا يحملوا المطلق على المقيد. وأمّا على ضوء ما ذكرناه من النقطتين فيحمل المطلق على المقيد ولو كان التكليف متعدداً، كما إذا ورد في دليل: لا تكرم عالماً، وورد في دليل آخر: لا تكرم عالماً فاسقاً، فانّه يحمل الأوّل على الثاني مع أنّ التكليف فيهما انحلالي. وكذا إذا ورد في دليل: أكرم العلماء ثمّ ورد في دليل آخر: أكرم العلماء العدول، فيحمل الأوّل على الثاني، والنكتة في ذلك هي ظهور القيد في الاحتراز، يعني أ نّه يدل على أنّ الحكم ـ وهو وجوب الاكرام ـ لم يثبت للعالم على نحو الاطلاق، وإنّما ثبت لحصة خاصة منه ـ وهو العالم العادل في المثال دون العالم مطلقاً ولو كان فاسقاً ـ ومن الواضح أ نّه لا فرق في

 
 

ــ[281]ــ

دلالة القيد على ذلك بين كون التكليف واحداً أو متعدداً.
نلخّص هذا المبحث في ضمن عدة نقاط:
الاُولى: أنّ محل الكلام هنا كما عرفت إنّما هو في الوصف المعتمد على موصوفه، وأمّا غير المعتمد فيكون حاله حال اللقب في عدم الدلالة على المفهوم.
الثانية: أنّ ملاك الدلالة على المفهوم هو أن يكون القيد راجعاً إلى الحكم، وأمّا إذا كان راجعاً إلى الموضوع أو المتعلق فلا دلالة له عليه، وبما أنّ الوصف من القيود الراجعة إلى الموضوع أو المتعلق دون الحكم فلا يدل على المفهوم.
الثالثة: أ نّه قد استدلّ على المفهوم بوجوه ثلاثة وقد عرفت نقدها جميعاً.
الرابعة: أنّ الحق في المقام هو التفصيل على شكل قد تقدم.
الخامسة: أنّ لهذه الدلالة ثمرة مهمة تظهر في الفقه.
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net