هل التخصيص يوجب تقيّد العام بالعدم النعتي أو المحمولي ؟ 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الرابع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4277

فالنتيجة: أنّ محل النزاع إنّما هو في أنّ المأخوذ في موضوع حكم العام بعد ورود التخصيص عليه ما هو؟ هل هو العدم النعتي أو العدم المحمولي، وقد برهن شيخنا الاُستاذ (قدس سره) أنّ المأخوذ فيه هو العدم النعتي دون المحمولي بما حاصله: أنّ المأخوذ في موضوع العام من جهة ورود المخصص عليه لو كان هو العدم المحمولي ليكون الموضوع مركباً من الجوهر وعدم عرضه بمفاد كان التامة، فلا محالة إمّا أن يكون ذلك مع بقاء إطلاق الموضوع بالاضافة إلى كون العدم نعتاً، أو يكون ذلك مع التقييد من جهة كون العدم نعتاً أيضاً. وبكلمة اُخرى: أنّ العدم النعتي بما أ نّه من نعوت موضوع العام وأوصافه ولذا ينقسم الموضوع باعتباره إلى قسمين، مثلاً العالم الذي هو موضـوع في قضية أكرم كل عالم إلاّ إذا كان فاسقاً، له انقسامات منها انقسامه إلى اتصافه بالفسق مثلاً واتصافه بعدمه، فلا محـالة إمّا أن يكون الموضوع ملحوظاً بالاضافة إليه مطلقاً، أو مقيداً به أيضاً، أو مقيداً بنقيضه، بداهة أنّ الاهمال في الواقع مستحيل.
أمّا القسم الأوّل: وهو ما إذا كان الموضوع بالاضافة إلى العدم النعتي مطلقاً،

ــ[374]ــ

فهو غير معقول للزوم التناقض والتهافت بين إطلاق موضوع العام بالاضافة إلى العدم النعتي وتقييده بالاضافة إلى العدم المحمولي، فانّ الجمع بينهما غير ممكن، حيث إنّ العدم النعتي ذاتاً هو العدم المحمولي مع زيادة شيء عليه وهو إضافته إلى الموضوع الموجود في الخارج، فلا يعقل أن يكون الموضوع في مثل قضية كل مرأة ترى الدم إلى خمسين إلاّ القرشية مثلاً مطلقاً بالاضافة إلى العدم النعتي، وهو اتصافه بعدم القرشية بعد فرض تقييده بالعدم المحمولي، وهو عدم القرشية بمفاد ليس التامة، بداهة أنّ مردّ إطلاق الموضوع في القضية هو أنّ المرأة مطلقاً ـ أي سواء أكانت متصفة بالقرشية أم لم تكن ـ تحيض إلى خمسين، وهذا الاطلاق كيف يجتمع مع الاستثناء وتقييد المرأة بعدم كونها قرشيةً بمفاد ليس التامة، فالنتيجة أنّ إطلاق موضوع العام بالاضافة إلى العدم النعتي بعد تقييده بالعدم المحمولي غير معقول.
وأمّا القسم الثاني: فهو أيضاً كذلك، ضرورة أنّ الموضوع قد قيّد بعدم الفسق بمفاد ليس التامة فكيف يعقل تقييده بوجوده بمفاد كان الناقصة، فاذن يتعين القسم الثالث وهو تقيده بالعدم النعتي، فاذا قيّد الموضوع به فهو أغنانا عن تقييده بالعدم المحمولي، حيث إنّه يستلزم لغوية التقييد به. فالنتيجة هي أ نّه لا مناص من تقييد موضوع العام بعد ورود التخصيص عليه بالعدم النعتي، ومعه لا يمكن التمسك بالاستصحاب في العدم الأزلي.
ولنأخذ بالنقد على ما أفاده (قدس سره):
أوّلاً: أنّ النكتـة التي ذكرها (قدس سره) لاستلزام التخصيص تقييد موضوع حكم العام بالعدم النعتي لو تمت لم تختص بخصوص ما نحن فيه، بل تجري في الموضوعات المركبة بشتى أنواعها حتى فيما إذا كان مركباً من

ــ[375]ــ

جوهرين أو عرضين لمحل واحد أو محلين، والسبب فيه: هو أنّ انقسام كل جزء من أجزاء الموضوع المركب بمقارنته للجزء الآخر زماناً أو مكاناً وعدمها بما أ نّه من الانقسامات الأوّلية والأعراض القائمة بالجوهر فلا بدّ من لحاظها في الواقع، لاستحالة الاهمال فيه، وعليه فبطبيعة الحال لا يخلو الأمر من أن يلحظ كل جزء مقيداً بالاضافة إلى الاتصاف بالمقارنة للجزء الآخر زماناً أو مكاناً، أو مقيداً بالاضافة إلى الاتصاف بعدم المقارنة له كذلك، أو مطلقاً لا هذا ولا ذاك، ومن المعلوم أنّ الثاني والثالث كليهما غير معقول.
أمّا الثاني فلفرض أنّ تقييد جزء الموضوع بجزئه الآخر قد ثبت في الجملة ومعه كيف يعقل أخذه فيه متصفاً بعدم مقارنته له، ضرورة أ نّه في طرف النقيض معه. وكذا الحال في الثالث، لوضوح أنّ فرض الاطلاق فيه بالاضافة إلى الاتصاف بالمقارنة وعدمه يستلزم التدافع بينه وبين التقييد المزبور، فاذن لا مناص من الالتزام بالأوّل، ومن الطبيعي أنّ مع اعتبار التقييد بالاتصاف بالمقارنة بمفاد كان الناقصـة يلزم لغوية تقييد كل جزء بنفس وجود الجزء الآخر بمفاد كان التامة.
والنكتة فيه: أنّ مفاد كان الناقصة هو مفاد كان التامة مع اشتماله على خصوصية زائدة، وهي إضافته إلى موضوعه ومحلّه، وعليه فبطبيعة الحال إذا افترضنا تقييد جزء موضوع بالاضافة إلى جزئه الآخر بمفاد كان الناقصة لزم لغوية تقييده بالاضافة إليه بمفاد كان التامة، ويترتب على ذلك أ نّه لا يمكن إحراز الموضوع بجريان الأصل في نفس وجود أحد الجزأين مع إحراز الآخر بالوجدان إلاّ على القول باعتبار الأصل المثبت، ولتوضيح ذلك نأخذ بمثالين:
الأوّل: ما إذا افترضنا أنّ الموضوع مركب من جوهرين كوجودي زيد

ــ[376]ــ

وعمرو مثلاً، فانّ وجود كل منهما بالاضافة إلى الآخر لا يخلو من أن يكون ملحوظاً مقيداً بالاضافة إلى الاتصاف بالمقارنة له، أو مقيداً بالاضافة إلى الاتصاف بعدم المقارنة له، أو مطلقاً بالاضافة إلى كل منهما لاستحالة الاهمال في الواقع، وحيث إنّ الشقي الثاني والثالث غير معقول فلا محالة يتعين الشق الأوّل، ومعه يكون تقييده بوجود الجزء الآخر بمفاد كان التامة لغواً محضاً كما عرفت، وعليه فلا يمكن إحراز الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل.
الثاني: ما إذا افترضنا أنّ الموضوع مركب من عرضين في محلّين كاسلام الوارث وموت المورّث، حيث إنّ موضوع الإرث مركب منهما، وعليه فبطبيعة الحال إمّا أن يلحظ كل منهما بالاضافة إلى الآخر مقيداً باتصافه بالمقارنة له بمفاد كان الناقصة، أو مقيداً باتصافه بعدم المقارنة له بمفاد ليس الناقصة، أو مطلقاً بالاضافة إلى كل منهما، ولا رابع لها وذلك لاستحالة الاهمال في الواقع، وقد تقدم أنّ القسمين الثاني والثالث يستلزمان التدافع والتناقض فلا يمكن الأخذ بشيء منهما. وأمّا القسم الأوّل فلا مناص من الأخذ به، ومعه لا محالة يكون تقييد أحدهما بالآخر بمفاد كان التامة لغواً محضاً بعد ثبوت التقييد بينهما بمفاد كان الناقصة. فاذن لا يمكن إحراز الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل، كما إذا كان الموت محرزاً بالوجدان وشك في بقاء إسلام الوارث، فباستصحاب بقائه لا يثبت الاتصاف بالمقارنة إلاّ على القول بالأصل المثبت ولا نقول به.
فالنتيجة: أنّ لازم ما أفاده (قدس سره) هو أ نّه لايمكن إحراز الموضوعات المركبة بشتى أنواعها وأشكالها بضم الوجدان إلى الأصل.
وثانياً: حلّ ذلك بصورة عامة وهو ما ذكرناه في ضمن بعض البحوث السالفة من أنّ موضوع الحكم أو متعلقه بالاضافة إلى ما يلازمه وجوداً في

ــ[377]ــ

الخارج لا مطلق ولا مقيد ولا مهمل. أمّا الاطلاق فهو غير معقول حيث إنّ مردّه إلى أنّ ما افترضناه من الموضوع أو المتعلق للحكم ليس موضوعاً أو متعلقاً له، فانّ معنى إطلاقه بالاضافة إليه هو أ نّه لا ملازمة بينهما وجوداً وخارجاً وهو خلف. وأمّا التقييد فهو لغو محض، نظراً إلى أنّ وجوده في الخارج ضروري عند وجود الموضوع أو المتعلق، ومعه لا معنى لتقييده به. وأمّا الاهمال فهو إنّما يتصور في المورد القابل لكل من الاطلاق والتقييد، فانّ المولى الملتفت إليه لا يخلو من أن يلاحظ متعلق حكمه أو موضوعه بالاضافة إليه مطلقاً أو مقيداً، لاستحالة الاهمال في الواقع، وأمّا إذا لم يكن المورد قابلاً لذلك كما فيما نحن فيه فلا موضوع للاهمال فيه.
وبكلمة اُخرى: أنّ الاطلاق والتقييد إنّما يتصوران في المحل القابل لهما، يعني ما يمكن لحاظ الموضوع أو المتعلق بالاضافة إليه مطلقاً تارةً ومقيداً اُخرى، كالقبلة مثلاً بالنسبة إلى الصلاة حيث يمكن لحاظ الصلاة مطلقة بالاضافة إليها ويمكن لحاظها مقيدة بها، ولكن بعد تقييد الصلاة بها كما امتنع إطلاقها بالاضافة إليها كذلك امتنع تقييدهابعدم كونها إلى دبر القبلة، فانّ هذا التقييد أصبح ضرورياً بعد التقييد الأوّل، يعني أنّ التقييد الأوّل يغني عنه ويلازمه وجوداً بلا حاجة إليه.
وإن شئت قلت: إنّ للصلاة إلى القبلة لوازم متعددة، فانّها تستلزم في بلدتنا هذه كون يمين المصلي في طرف الغرب ويساره في طرف الشرق وخلفه في طرف الشمال، بل لها لوازم غير متناهية، ومن الطبيعي كما أ نّه لا معنى لاطلاقها بالاضافة إليها كذلك لا معنى لتقييدها بها، حيث إنّها قد أصبحت ضرورية التحقق عند تحقق الصلاة إلى القبلة، ومعها لا محالة يكون كل من الاطلاق

ــ[378]ــ

والتقييد بالاضافة إليها لغواً، حيث إنّهما لا يعقلان إلاّ في المورد القابل لكل منهما، لا في مثل المقام فانّ تقييدها إلى القبلة يغني عن تقييدها بها، كما هو الحال في كل متلازمين في الوجود الخارجي، فانّ تقييد المأمور به بأحدهما يغني عن تقييده بالآخر، حيث إنّه لغو صرف بعد التقييد الأوّل، كما أنّ الأمر بأحدهما يغني عن الأمر بالآخر حيث إنّه لغو محض بعد الأمر الأوّل، ولا يترتب عليه أيّ أثر، فلو أمر المولى بالفعل المقيد بالقيام كالصلاة مثلاً فبطبيعة الحال يغني هذا التقييد عن تقييده بعدم جميع أضداده كالقعود والركوع والسجود وما شاكل ذلك، فانّ تقييده به بعد التقييد الأوّل لغو محض.
فالنتيجة: أنّ ما ذكرناه سار في جميع الاُمور المتلازمة وجوداً، سواء أكانت من قبيل اللازم والملزوم أم كانت من قبيل المتلازمين لملزوم ثالث، فانّ تقييد المأمور به بأحدهما يغني عن تقييده بالآخر، كما أنّ الأمر به يغني عن الأمر بالآخر، وعليه فلا معنى لاطلاق المأمور به بالاضافة إليه، فانّ إطلاقه بحسب مقام الواقع والثبوت غير معقول، لفرض تقييده به قهراً، وأمّا إطلاقه بحسب مقام الاثبات فانّه لغو، وكذلك تقييده به في هذا المقام. وما نحن فيه من هذا القبيل، فانّ العدم النعتي ملازم للعدم المحمولي، وعليه فتقييد موضوع العام بعدم كونه متصفاً بعنوان الخاص كالقرشية مثلاً لا يبقي مجالاً لتقييده باتصافه بعدم ذلك العنوان الخاص ولا لاطلاقه بالاضافة إليه، فكما أنّ تقييد المراة مثلاً باتصافها بعدم القرشية يغني عن تقييدها بعدم اتصافها بالقرشية، كذلك التقييد بعدم اتصافها بالقرشية يغني عن التقييد باتصافها بعدم القرشية، ضرورة أ نّه مع وجود المرأة في الخارج كان كل من الأمرين المزبورين ملازماً لوجود الآخر لا محالة، فلا يبقى مع التقييد بأحدهما مجال للاطلاق والتقييد بالاضافة إلى الآخر أصلاً.

ــ[379]ــ

وعلى الجملة: فحيث إنّ العدم النعتي والعدم المحمولي متلازمان في الخارج ولا ينفك أحدهما عن الآخر، فبطبيعة الحال إذا قيّد الموضوع أو المتعلق بأحدهما لم يبق مجال للتقييد أو الاطلاق بالاضافة إلى الآخر. نعم، إنّما تظهر الثمرة بين التقييد بالعدم المحمولي والتقييد بالعدم النعتي في صحة جريان الأصل وعدمها، فعلى الأوّل لا مانع من جريان الأصل في نفس العدم وإحراز تمام الموضوع بضمه إلى الوجدان كما هو الحال في بقية موارد تركب الموضوع من جزأين أو أكثر، وعلى الثاني فلا يمكن إحراز الموضوع بجريان الأصل في نفس العدم بمفاد ليس التامة إلاّ على القول باعتبار الأصل المثبت ولا نقول به.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة: وهي أنّ أخذ كل من العدم المحمولي والعدم النعتي في الموضوع أو المتعلق يغني عن أخذ الآخر فيه بحسب مقام الثبوت والواقع، فلا مجال للاطلاق أو التقييد بالاضافة إليه أصلاً. نعم، في ظرف الشك فيه تظهر النتيجة بينهما في جريان الأصل وعدمه، نظراً إلى أنّ المأخوذ في الموضوع أو المتعلق إذا كان العدم المحمولي أمكن إحرازه بجريان الأصل في نفس ذلك العدم إذا كان جزؤه الآخر محرزاً بالوجدان، وأمّا إذا كان المأخوذ فيه العدم النعتي فلا يمكن إحرازه بجريان الأصل في نفس ذلك العدم إلاّ على القول بالأصل المثبت. نعم، لو كانت حالة سابقة لنفس ذلك العدم جرى الأصل فيه وبضمه إلى الوجدان يلتئم الموضوع المركب.
ومن هنا يظهر الفرق بين ما إذا كان المأخوذ في الموضوع أو المتعلق الوجود المحمولي وما إذا كان المأخوذ فيه الوجود النعتي، فعلى الأوّل إذا شك في بقائه فلا مانع من جريان الأصل فيه وبه يحرز الموضوع أو المتعلق إذا كان جزؤه الآخر محرزاً بالوجدان، كما إذا افترضنا أنّ الصلاة مقيدة بالطهارة بمفاد كان

ــ[380]ــ

التامة، فعندئذ إذا شك في بقائها فلا مانع من استصحاب بقائها وبه يحرز أنّ المكلف قد صلّى في زمان كان واجداً للطهارة في ذلك الزمان، أمّا الصلاة فيه فهي محرزة بالوجدان وأمّا الطهارة فهي محرزة بالأصل، وبضم الوجدان إلى الأصل يلتئم الموضوع المركب، وعلى الثاني إذا شك في بقائه لم يمكن إحرازه بجريان الأصل فيه إلاّ على أساس أحد أمرين: إمّا القول باعتبار الأصل المثبت أو يكون لنفس هذا الوجود حالة سابقة، ومثاله هو ما إذا افترضنا أنّ المأخوذ في الصلاة هو عنوان اقترانها بالطهارة واجتماعها معها، وعليه فلا يمكن إحراز هذا العنوان باستصحاب بقاء الطهارة إلاّ على القول بحجية الأصل المثبت، أو فيما إذا كانت حالة سابقة لنفس هذا العنوان.
وعلى ضوء هذه النتيجة يقع الكلام في أنّ التخصيص هل يوجب تعنون موضوع العام بعدم اتصافه بعنوان المخصص بمفاد ليس التامة، أو يوجب تعنونه باتصافه بعدم ذلك العنوان بمفاد ليس الناقصة، قد اختار شيخنا الاُستاذ (قدس سره) الثاني. والصحيح هو الأوّل فلنا دعويان:
الاُولى: بطلان ما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدس سره).
الثانية: صحة ما اخترناه.
أمّا الدعوى الاُولى: فلأنّ التخصيص لا يقتضي تقييد موضوع العام بكونه متصفاً بعدم عنوان المخصص ليترتب عليه تركب الموضوع من العرض ـ وهو العدم النعتي ـ ومحلّه، فانّ غاية ما يترتب عليه فيما إذا كان المخصص عنواناً وجودياً هو تقييد موضوع العام بعدم كونه متصفاً بذلك العنوان الوجودي، بيان ذلك: أ نّه قد حقق في محلّه أنّ وجود العرض في نفسه عين وجوده لموضوعه ويستحيل أن يتحقق بدون وجود موضوع محقق في الخارج، حيث

 
 

ــ[381]ــ

إنّ حقيقة وجود العرض حقيقة متقوّمة بالموضوع الموجود خارجاً في مقابل وجود الجوهر حيث إنّه في ذاته غني عن الموضوع وقائم بذاته، ولذا قيل في تعريف الجوهر بأ نّه ماهية إذا وجدت وجدت في نفسه في قبال تعريف العرض بأ نّه ماهية إذا وجدت وجدت في غيره يعني متقوّماً بغيره، ومن هنا يكون وجوده المحمولي عين وجوده النعتي، يعني أنّ في الخارج وجوداً واحداً والاختلاف بينهما إنّما هو في الاضافة باعتبار إضافته إلى نفسه محمولي، وباعتبار إضافته إلى موضوعه نعتي.
وعلى هذا فإن كان الموضوع مركباً من جوهرين أو عرضين في محل واحد أو في محلّين، أو عرض مع غير محلّه وموضوعه ففي جميع ذلك يكون العرض مأخوذاً في الموضوع بوجوده المحمولي وبمفاد كان التامة، فانّ أخذه بمفاد كان الناقصة في هذه الموارد يحتاج إلى عناية زائدة، وإلاّ فالقضية في نفسها وبطبعها لا تقتضي أزيد من أخذه بمفاد كان التامة، وأمّا إذا كان مركباً من العرض ومحلّه الخاص كالكرية المأخوذة في الماء والعدالة المأخوذة في زيد مثلاً وهكذا، ففي مثل ذلك لا محالة يكون المأخوذ فيه العرض بوجوده النعتي، ضرورة أنّ الحكم إنّما يترتب على خصوص وجوده في ذلك المحل الخاص والموضوع المخصوص، ومن المعلوم أ نّه بعينه وجود نعتي، لما عرفت آنفاً أنّ وجود العرض في نفسه عين وجوده لموضوعه، فوجود الكرية في ماء هو بعينه ثبوت الكرية له الذي يعبّر عنه باتصافه بالكرية وما هو مفاد كان الناقصة، وكذا وجود العدالة في زيد مثلاً هو بنفسه ثبوت العدالة له المعبّر عنه باتصاف زيد بالعدالة الذي هو مفاد كان الناقصة، فعلى الأوّل لا مانع من إحراز الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل، وعلى الثاني لا يمكن ذلك، فانّ استصحاب وجود العدالة بمفاد كان التامة لا يثبت اتصاف زيد بها، وكذا استصحاب وجود

ــ[382]ــ

الكرية كذلك لا يثبت اتصاف الماء بها إلاّ إذا كانت لهذا الاتصاف حالة سابقة، وأمّا في غير هذه الصورة فلا مجال لجريان الاستصحاب وترتب آثار الوجود النعتي إلاّ على القول باعتبار الأصل المثبت، فالأثر المترتب على كرية ماء في الخارج أو عدالة زيد مثلاً إنّما يترتب عليها بضم الوجدان إلى الأصل فيما إذا علم باتصاف الماء بالكرية أو اتصاف زيد بالعدالة ليستصحب بقاؤه عند الشك فيه، وأمّا مع عدم العلم بهذا الاتصاف فلا يمكن إحراز كريته أو عدالته باستصحاب وجود طبيعي الكرية أو العدالة بمفاد كان التامة ولو مع العلم بالملازمة بين وجودها في الخارج واتصافه بها، حيث إنّه من أوضح أنحاء الأصل المثبت.
فالنتيجة: أنّ الموضوع إذا كان مركباً من العرض ومحلّه فلا محالة يكون المأخوذ فيه هو وجود العرض بمفاد كان الناقصة، حيث إنّ ثبوته لموضوعه بعينه هو اتصافه به كما عرفت.
وأمّا إذا كان مركباً من عدم العرض ومحلّه فلا يلزم أن يكون العدم مأخوذاً فيه بمفاد ليس الناقصة حتى لا يمكن إحرازه بالأصل، بل الظاهر هو أ نّه مأخوذ فيه بمفاد ليس التامة، والسبب في ذلك يرجع إلى الفرق بين وجود العرض وعدمه، حيث إنّ العرض في وجوده يحتاج إلى موضوع محقق في الخارج لا في عدمه فانّه لا يحتاج إلى موضوع كذلك، بداهة أنّ نقطة الافتقار إلى وجود الموضوع في عالم العين إنّما تكون من لوازم وجود العرض دون عدمه، فكرية الماء مثلاً وإن كانت بحيث إذا تحققت في الخارج كانت لا محالة في الموضوع، إلاّ أنّ عدم كريته ليس كذلك، بل هو أمر أزلي كان متحققاً قبل تحقق موضوعه، فاذا تحقق ماء في الخارج ولم يكن متصفاً بالكرية كان عدم

ــ[383]ــ

كريته الذي يعبّر عنه بعدم اتصافه بالكرية باقياً على ما كان عليه في الأزل، وكذا عدم عدالة زيد مثلاً، فانّ عدالته وإن كانت بحيث إذا تحققت في الخارج كانت في الموضوع لا محالة إلاّ أنّ عدم عدالته ليس كذلك، بل هو ثابت من الأزل سواء أكان موضوعها موجوداً أم لا، فاذا وجد زيد في الخارج ولم يكن متصفاً بالعدالة فبطبيعة الحال كان عدم عدالته المعبّر عنه بعدم اتصافه بالعدالة باقياً على ما كان عليه في الأزل.
نعم، قد يؤخذ في موضوع الحكم اتصافه بعدم شيء على نحو الموجبة المعدولة إلاّ أنّ هذا الاعتبار يحتاج إلى مؤونة وعناية زائدة، حيث إنّ صِرف عدم شيء بما هو هو لم تؤخذ فيه أيّة خصوصية من الخصوصيات، منها كونه صفةً ونعتاً لموضوع موجود في الخارج، ضرورة أ نّه بطلان محض، فلا بدّ في أخذه نعتاً لموضوع محقق فيه من اعتبار خصوصية في ذلك الموضوع ملازمة لأخذ العدم كذلك، وتلك الخصوصية هي إضافته إليه، ومن المعلوم أ نّها خصوصية زائدة على أصل العدم وذاته.
وأمّا على تقدير تحقق هذا الاعتبار وأخذ العدم في الموضوع كذلك فلا يجري الاستصحاب في مورده لاحراز تمام الموضوع إذا كان جزؤه الآخر محرزاً بالوجدان، إلاّ إذا كان لاتصاف الموضوع به حالة سابقة، فعندئذ لا مانع من جريان استصحاب بقائه، وبضم الوجدان إليه يحرز الموضوع بكلا جزأيه.
وأمّا إذا لم تكن حالة سابقة له فلا يجري الاستصحاب فيه، ولا يكفي في صحة جريانه العلم بعدم اتصافه، أي اتصاف الموضوع بوجود ذلك الوصف قبل ذلك، فانّه وإن كان يوجب صحة جريانه في عدم الاتصاف بالوصف الوجودي بمفاد ليس التامة، ضرورة أ نّه لا مانع منه في نفسه، إلاّ أ نّه لا يجدي

ــ[384]ــ

في إحراز موضوع الحكم في محل الفرض، لأنّ المفروض أنّ العدم المأخوذ فيه إنّما هو بمفاد ليس الناقصة والعدم النعتي دون العدم المحمولي وما هو مفاد ليس التامة، ومن المعلوم أنّ استصحاب العدم المحمولي وما هو بمفاد ليس التامة لا يثبت العدم النعتي وما هو بمفاد ليس الناقصة الذي له خصوصية وجودية زائدة، وهي خصوصية إضافته إلى الموضوع الموجود في الخارج، إلاّ على القول باعتبار الأصل المثبت ولا نقول به.
فالنتيجة لحدّ الآن: هي أنّ أخذ العدم النعتي في موضوع الحكم يحتاج إلى مؤونة وعناية زائدة دون العدم المحمولي.
وعلى ضوء هذه النتيجة فالظاهر أنّ عدم عنوان المخصص المأخوذ في موضوع حكم العام بعد ورود التخصيص عليه هو العدم المحمولي وما هو مفاد ليس التامة دون العدم النعتي وما هو مفاد ليس الناقصة، فانّ أخذه فيه يحتاج إلى عناية ونصب قرينة وإلاّ فالقضية ظاهرة في أنّ المأخوذ هو الأوّل دون الثاني، مثلاً الظاهر في مثل قضية: أكرم العلماء إلاّ الفسّاق منهم هو تقييد موضوعها بعدم الاتصاف بالفسق لا بالاتصاف بعدمه.
وعلى الجملة: إذا اُخذ وجود عرض في محلّه موضوعاً لحكم شرعي فهو وإن كان لا بدّ من كونه مأخوذاً فيه على وجه النعتية والصفتية وما هو مفاد كان الناقصة، إلاّ أنّ ذلك لا يستدعي أخذ عدم ذلك العرض نعتاً في موضوع عدم ذلك الحكم وارتفاعه، لوضوح أنّ الحكم الثابت للموضوع المقيد بما هو مفاد كان الناقصة إنّما يرتفع عند عدم اتصافه بذلك القيد على نحو السالبة المحصّلة من دون أن يتوقف ذلك على اتصاف الموضوع بعدم ذلك القيد على نحو مفاد ليس الناقصة، وعليه فمفاد قضية: المرأة تحيض إلى خمسين إلاّ القرشية وإن كان هو اعتبار صفة القرشية على وجه النعتية في موضوع الحكم الخاص،

ــ[385]ــ

وهو الحكم بتحيض المرأة القرشية بعد الخمسين، إلاّ أنّ من الواضح أ نّه لا يستدعي أخذ عدم القرشية في موضوع عدم الحكم بتحيض المرأة بعد الخمسين على وجه النعتية أي مفاد ليس الناقصة، وإنّما يستدعي أخذه في ذلك الموضوع على نحو السالبة المحصّلة، أعني به مفاد ليس التامة، فكل امرأة لا تكون متصفةً بالقرشية باقية تحت العام بعد خروج خصوص المرأة المتصفة بها، لا أنّ الباقي تحته المرأة المتصفة بعدمها أي بعدم القرشية.
والنكتة في ذلك: ما عرفت من أنّ أخذ العدم النعتي في موضوع الحكم يحتاج إلى مؤونة وعناية زائدة في مقام الثبوت والاثبات دون أخذ العدم المحمولي، فقضية: أكرم العلماء إلاّ الفسّاق منهم في نفسها ظاهرة في أنّ المأخوذ في موضوعها هو العدم المحمولي، فانّ دلالتها على أنّ المأخوذ فيه هو العدم النعتي تحتاج إلى رعاية نصب قرينة لكي تدل على اعتبار خصوصية زائدة على أخذ نفس العدم فيه، كما أنّ أخذه في مقام الثبوت يحتاج إلى لحاظ عناية زائدة.
وعلى ذلك فاذا شك في كون المرأة الفلانية قرشـية من جهة الشبهة الموضوعية دون الحكمية، فلا مانع من التمسك باستصحاب عدمها الثابت لها قبل وجودها في عالم التكوين، حيث إنّ في زمان لم تكن المرأة موجودةً ولا اتصافها بالقرشية، ثمّ وجدت المرأة في الخارج وشك في أنّ اتصافها بالقرشية هل وجد أيضاً، فلا مانع فيه من استصحاب عدم اتصافها بها وأ نّه لم يوجد وبذلك يثبت موضوع العام فانّ كونها مرأة محرز بالوجدان وعدم اتصافها بالقرشية بالاستصحاب، وبضمه إلى الوجدان يحرز الموضوع بكلا جزأيه ويترتب عليه أثره وهو أ نّها تحيض إلى خمسين ولا تحيض إلى ستين.
فالنتيجة في نهاية المطاف: هي أنّ دعوى استلزام التخصيص بعنوان وجودي أخذ عدم ذلك العنوان في طرف العام على وجه الصفتية والنعتية كما

ــ[386]ــ

أصرّ على ذلك شيخنا الاُستاذ (قدس سره)، ولأجل ذلك منع عن جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية خاطئة جداً ولا واقع موضوعي لها أصلاً، حيث قد عرفت بشكل موسّع أنّ التخصيص بعنوان وجودي سواء أكان بالاستثناء أو بمخصص منفصل إنّما يستلزم تقييد موضوع العام بعدم ذلك العنوان الوجودي بمفاد ليس التامة، نظراً إلى أنّ أخذ عدم عرض مّا في موضوع الحكم بطبعه لا يقتضي إلاّ أخذه كذلك، فانّ تقييده به بمفاد ليس الناقصة يحتاج إلى عناية زائدة ثبوتاً وإثباتاً، وعليه فلا مانع من جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية، ويترتب على جريانه فيها ثمرات في أبواب الفقه كما لا يخفى.
بقي هنا شيء: وهو أنّ ما ذكره المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) من العبارة بقوله: لا يخفى أنّ الباقي تحت العام بعد تخصيصه بالمنفصل أو كالاستثناء من المتصل لمّا كان غير معنون بعنوان خاص بل بكل عنوان لم يكن ذاك بعنوان الخاص، كان إحراز المشتبه منه بالأصل الموضوعي في غالب الموارد إلاّ ما شذ ممكناً (1) ما هو مراده ومقصوده؟ الظاهر أنّ مراده منها هو أنّ الباقي تحت العام بعد تخصيصه بما أ نّه كان مقيداً بعدم عنوان الخاص، فلا محالة يكون المنافي لحكمه هو وجود هذا العنوان الخاص دون غيره من العناوين، فانّ أيّ عنوان كان وجودياً أو عدمياً فلا يكون اتصافه وتعنونه به مانعاً عن ثبوت حكمه له.
مثلاً في جملة: كل مرأة تحيض إلى خمسين إلاّ القرشـية يكون المانع عن
ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول: 223.

ــ[387]ــ

ثبوت هذا الحكم العام لكل مرأة إنّما هو هذا العنوان الوجودي وهو عنوان القرشية دون غيره من العناوين، إذ أيّ عنوان فرض إمكان اتصاف المرأة به سواء أكان وجودياً أم كان عدمياً دون ذاك، لا يكون مانعاً عن ثبوت هذا الحكم العام لها.
إلى هنا قد انتهينا إلى هذه النتيجة، وهي أ نّه لا يجوز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية إلاّ في صورة واحدة، وهي ما إذا كان عموم العام على سبيل القضية الخارجية وكان المخصص له لبياً، فانّ لمثل هذا العام ظهوراً في نفسه في أنّ أمر التطبيق بيد المولى، وعليه فلا محالة يكون عمومه حجةً حتى في الفرد المشكوك فيه على ما تقدم بشكل موسّع.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net