الكلام في قيام الاُصول مقام القطع 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5426


 وأمّا قيام الاُصول المحرزة مقام القطع، وهي الاُصول التي تكون ناظرة إلى الواقع، كالاستصحاب وقاعدة الفراغ والتجاوز ـ بناءً على عـدم كونها من الأمارات ـ وقاعدة عدم اعتبار الشك من الإمام والمأموم مع حفظ الآخر، وقاعدة عدم اعتبار الشك ممّن كثر شكّه وتجاوز عن المتعارف، وغيرها من القواعد الناظرة إلى الواقع في ظرف الشك ـ فالظاهر أ نّها تقوم مقام القطع الطريقي والقطع المأخوذ في الموضوع بنحو الطريقية، إذ الشارع اعتبر موارد جريانها علماً، فتترتب عليها آثاره العقلية والشرعية من المنجزية والمعذرية، والحكم المأخوذ في موضوعه القطع.

 وتوهم أ نّه قد اُخذ في موضوع الاُصول الشك، فكيف يمكن اعتبارها علماً،


 
 

ــ[41]ــ

فانّ اعتبارها علماً مع التحفظ على الشك المأخوذ في موضوعها اعتبار للجمع بين النقيضين، فلم يعتبر في مواردها إلاّ البناء العملي مدفوع بأنّ الشك المأخوذ في موضوع الاُصول هو الشك الوجداني، والعلم تعبدي، ولا تنافي بينهما أصلاً، إنّما التنافي بين الشك الوجداني والعلم الوجداني لا بين الشك الوجداني والعلم التعبدي، كيف ولو كان هذا جمعاً بين النقيضين لزم التناقض في جميع موارد التنزيل كقوله (عليه السلام) المروي: «الفقاع خمر استصغره الناس» (1) وقوله (صلّى الله عليه وآله) المروي في روايات العامّة: «الطواف بالبيت صلاة»(2) فيقال كيف يمكن أن يكون الفقّاع خمراً مع أ نّه غيرها، وكيف يمكن أن يكون الطواف صلاة مع أ نّه غيرها. والجواب هو ما ذكرناه، فانّ الفقّاع فقّاع بالوجدان وخمر بالتعبّد، ولا منافاة بينهما، وكذا الطواف مع كونه غير الصلاة بالوجدان صلاة بالتعبد، ولا منافاة بينهما أصلاً.

 هذا مضافاً إلى أ نّه لو كان هذا مانعاً عن قيام الاُصول مقام القطع، لمنع عن قيام الأمارات أيضاً مقام القطع، إذ لا فرق بين الاُصول والأمارات من هذه الجهة، فانّ الأمارات أيضاً قد اُخذ في موضوعها الشك، غاية الأمر أنّ الاُصول قد اُخذ الشك في موضوعها في لسان الدليل اللفظي، وفي الأمارات قد ثبت ذلك بالدليل اللبي، بيانه:

 أنّ الاهمال في مقام الثبوت غير معقول كما ذكرناه غير مرّة (3) فامّا أن تكون الأمارات حجّة مع العلم بموافقتها للواقع، ولا خفاء في أنّ جعل الحجّية للأمارات حين العلم بالواقع لغو محض، إذ الاستناد ـ حينئذ ـ إلى العلم لا إلى الأمارة،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 25: 365 / أبواب الأشربة المحرمة ب 28 ح 1 (باختلاف يسير).

(2) سنن النسائي 5: 222، المستدرك 9: 410 / أبواب الطواف ب 38 ح 2.

(3) راجع محاضرات في اُصول الفقه 1: 534.

ــ[42]ــ

وإمّا أن تكون حجّة مع العلم بمخالفتها للواقع، وهذا أفحش من سابقه كما هو ظاهر. وكذا لا يمكن أن يكون الموضوع هو الجامع بينهما، أي مطلق العالم إمّا بالموافقة أو بالمخالفة، كما لا يمكن أن يكون الموضوع هو الجامع بين العالم بالموافقة أو بالمخالفة والشاك، فتعيّن أن يكون الموضوع هو خصوص الشاك.

 هذا مضافاً إلى أ نّه قد اُخذ الشك في موضوع بعض الأمارات في لسان الدليل اللفظي أيضاً، كقوله تعالى: (فَاسْأَ لُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)(1).

 فتحصّل: أنّ حال الاُصول المحرزة هي حال الأمارات في أ نّها تقوم مقام القطع الطريقي والقطع المأخوذ في الموضوع بنحو الطريقية. نعم، يستثنى من ذلك ما لو التزمنا فيه بقيام الأصل مقام القطع المأخوذ في الموضوع بنحو الطريقية، لزم الغاء اعتبار القطع رأساً، كما في العلم المأخوذ في ركعات صلاة المغرب والصبح والركعتين الاُوليين من الصلوات الرباعية، فانّ العلم مأخوذ فيها بنحو الطريقية، ولا يقوم مقامه الاستصحاب، أي استصحاب عدم الاتيان بالأكثر المعبّر عنه بالبناء على الأقل، والوجه في ذلك: أنّ الاستصحاب جار في جميع موارد الشك المتعلق بركعات صلاة المغرب والصبح والاُولـيين من الصلوات الرباعية، فلو بني على قيام الاستصحاب مقام العلم المأخوذ في الموضوع، لزم أن يكون اعتبار العلم لغواً، ولزم إلغاء الأدلة الدالة على اعتبار العلم.

 وأمّا الاُصـول غير المحرزة التي ليس لها نظر إلى الواقع، بل هي وظائف عملية للجاهل بالواقع، كالاحتياط الشرعي والعقلي والبراءة العقلية والشرعية، فعدم قيامها مقام القطع الطريقي والموضوعي واضح، لأ نّها لا تكون محرزة للواقع لا بالوجدان ولا بالتعبد الشرعي.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النحل 16: 43، الأنبياء 21: 7.

ــ[43]ــ

 توضيح ذلك: أنّ الاحتياط العقلي عبارة عن حكم العقل بتنجز الواقع على المكلف وحسن عقابه على مخالفته، كما في موارد العلم الاجمالي والشبهة الحكمية قبل الفحص، والبراءة العقلية عبارة عن حكم العقل بعدم صحّة العقاب، وكون المكلف معذوراً في مخالفة الواقع لعدم وصوله إليه، ولا معنى لقيامهما مقام القطع، إذ لا بدّ في التنزيل وقيام شيء مقام شيء آخر من وجه التنزيل، أي الأثر الذي يكون التنزيل بلحاظه، وهو المصحح للتنزيل، وفي المقام أثر القطع هو التنجز والمعذورية، فإذا قام شيء مقامه كان بلحاظهما لا محالة. وأمّا نفس التنجز والمعذورية فلا يعقل قيامهما مقام القطع، وليس الاحتياط والبراءة العقليّان إلاّ التنجز والتعذر بحكم العقل، فكيف يقومان مقام القطع.

 وكذا الحال في الاحتياط والبراءة الشرعيين، فانّ الاحتياط الشرعي عبارة عن إلزام الشارع إدراك مصلحة الواقع، والبراءة الشرعية عبارة عن ترخيصه حين عدم إحراز الواقع، فالاحتياط الشرعي نفس التنجز، والبراءة الشرعية نفس التعذر بحكم الشارع، فليس هنا شيء يقوم مقام القطع في التنجز والتعذر.

 بقي في المقام شيء ينبغي التعرض له: وهو أنّ صاحب الكفاية (قدس سره) بعد ما منع عن قيام الأمارات والاُصول مقام القطع الموضوعي، لاستلزامه الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي في دليل الحجّية على ما تقدّم بيانه (1) ذكر في حاشيته على الرسائل (2) وجهاً لقيامها مقامه، وحاصل هذا الوجه: أنّ أدلة الأمارات والاُصـول وإن كانت متكفلة لتنزيل المؤدى منزلة الواقع فقط، فلا يكون هناك إلاّ لحاظ آلي، إلاّ أنّ هذه الأدلة الدالة على تنزيل المؤدى منزلة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 37 ـ 38.

(2) دُرر الفوائد في الحاشية على الفرائد: 29 ـ 31.

ــ[44]ــ

الواقع بالمطابقة، تدل على تنزيل العلم بالمؤدى منزلة العلم بالواقع بالالتزام، لأجل الملازمة العرفية بين التنزيلين، هذا ملخص كلامه في الحاشية.

 وعدل عنه في الكفاية (1)، وقال: إنّه لا يخلو من تكلّف، بل من تعسف، ولعلّ مراده من التكلف منع الملازمة العرفية، ومن التعسف لزوم الدور على ما يظهر من ذيل كلامه ونشير إليه قريباً إن شاء الله تعالى.

 أقول: هذا البحث وإن لم يترتب عليه أثر في خصوص المقام، لما ذكرناه من أنّ تنزيل المؤدى منزلة الواقع مبني على القول بأنّ المجعول في باب الأمارات هو المؤدى، وهو فاسد على ما تقدّمت الاشارة إليه ويأتي التعرض له مفصّلاً في محلّه (2) إن شاء الله تعالى.

 ولكن هذه الكبرى الكلّية ـ وهي ترتب الحكم على الموضوع المركب بدليل دال على تنزيل أحد الجزأين بدعوى دلالته على تنزيل الجزء الآخر بالملازمة العرفية ـ على تقدير تماميتها تنطبق على موارد اُخرى غير المقام، فلا بدّ من البحث عنها.

 فنقول: إذا كان موضوع حكم من الأحكام مركباً من أمرين أو اُمور كما في قوله (عليه السلام): «إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء» (3) فانّ الموضوع لعدم الانفعال هو الماء مع كونه كراً، لا يترتب الحكم إلاّ مع إحراز كلا الجزأين بالوجدان أو بالتعبد، أو أحدهما بالوجدان والآخر بالتعبد، فلا يمكن التعبد بأحدهما إلاّ مع إحراز الآخر بالوجدان أو بالتعبد في عرض التعبد بالأوّل، إذ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول: 266.

(2) تقدّم في ص 38، ويأتي في بحث إمكان التعبد بالظن، راجع ص 120 وما بعدها.

(3) الوسائل 1: 158 / أبواب الماء المطلق ب 9 ح 1.

ــ[45]ــ

التعبد إنّما هو بلحاظ الأثر، والمفروض أ نّه لا أثر لأحدهما ليشمله دليل التعبد، فلو قامت البيّنة مثلاً على كرية مائع لا يترتب عليه الحكم بعدم الانفعال، إلاّ مع إحراز كونه ماء بالوجدان أو بالتعبد من قيام بيّنة اُخرى، أو جريان الاستصحاب مثلاً. وكذا لو قامت البيّنة على كونه ماءً لا يترتب عليه الحكم إلاّ مع إحراز كونه كراً بالوجـدان أو بالتعبد. وكذا الحال لو اُحرز أحدهما بالاستصحاب لا يترتب عليه الحكم إلاّ مع إحراز الآخر بالوجدان أو بالبيّنة أو بالاستصحاب الجاري في عرض ذلك الاستصحاب، بأن يكون كلاهما متيقن الحدوث مشكوك البقاء.

 والمتحصل من ذلك: أنّ إطلاقات أدلة الأمارات والاُصول غير شاملة للأمارة القائمة على أحد جزأي الموضوع ولا الأصل الجاري في أحد جزأي الموضوع، ليحرز بها الجزء الآخر بالدلالة الالتزامية، إذ شمولها لأحد الجزأين متوقف على أن يترتب عليه أثر، وهو يتوقف على شمولها للجزء الآخر المتوقف على شمولها للجزء الأوّل، لكونه مترتباً عليه على الفرض، وهذا هو الدور الواضح.

 وبالجملة: التعبد بكلا الجزأين إنّما يصح فيما إذا كان الدليل شاملاً لكليهما في عرض واحد، كما في شمول لا تنقض اليقين بالشك لما إذا شكّ في بقاء المائية والكرية معاً في المثال السابق، فيجري الاستصحاب في كليهما في عرض واحد بلا ترتب بينهما، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به في المقام، للزوم اجتماع اللحاظ الآلي والاستقلالي على مسلك صاحب الكفاية (قدس سره)، بخلاف ما إذا كان شموله لأحدهما في طول شموله للآخر ومتوقفاً عليه، فانّه ممّا لا يمكن التعبد به، ولا تشمله أدلة التعبد لاستلزامه الدور على ما تقدّم بيانه. نعم، لو ورد دليل خاص على حجّية أمارة خاصّة قائمة على أحد جزأي الموضوع أو

ــ[46]ــ

أصل خاص كذلك، دلّ على تنزيل الجزء الآخر بدلالة الاقتضاء، صوناً لكلام الحكيم عن اللغوية، بخلاف ما إذا كان الدليل عاماً أو مطلقاً، فانّه لا يشمل مثل هذه الأمارة وهذا الأصل.

 فتحصّل: أنّ الصحيح ما ذكره وعدل إليه في الكفاية لا ما ذكره في الحاشية (1).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هكذا ذكر سيّدنا الاُستاذ (دام ظلّه) ولكن بنظري القاصر أنّ القاعدة المذكورة ـ وهي عدم شمول دليل التعبد للأمارة القائمة على أحد جزأي الموضوع على ما تقدّم بيانه ـ وإن كانت صحيحة تامّة، إلاّ أ نّها لا تنطبق على المقام، إذ ليس في المقام موضوع مركب قامت على أحد جزأيه أمارة واُريد إثبات جزئه الآخر بالملازمة العرفية، حتّى يرد عليه أ نّه مستلزم للدور، بل المقصود أنّ مفاد دليل حجّية الأمارة هو تنزيل المؤدى منزلة الواقع فيما له من الأثر الشرعي، ويدل بالالتزام على تنزيل العلم بالمؤدى منزلة العلم بالواقع فيما إذا كان العلم مأخوذاً في الموضوع، فيترتب عليه هذا الحكم المأخوذ في موضوعه العلم أيضاً، فتكون الأمارة قائمة مقام القطع الطريقي والموضوعي كليهما.

 مثلاً لو فرضنا أنّ حكم الخمر في نفسه هو وجوب الاجتناب، وقد اُخذ القطع بكون مائع خمراً في موضوع الحكم بوجوب التصدق مثلاً، فلو قطعنا بكون مائع خمراً يترتب حكمان:

 الأوّل: حكم المقطوع به وهو وجوب الاجتناب ويكون القطع بالنسبة إليه طريقاً محضاً.

 الثاني: حكم القطع، أي الحكم الذي اُخذ القطع في موضوعه وهو وجوب التصدق، فلو قامت بيّنة على خمرية مائع كان مقتضى دليل حجّية البيّنة بالمطابقة تنزيل المؤدى =

ــ[47]ــ

 ثمّ إنّه ذكر صاحب الكفاية (1) (قدس سره) أ نّه لا يمكن أن يؤخذ القطع بحكم في موضوع نفس هذا الحكم، للزوم الدور، ولا في موضوع مثله، للزوم اجتماع المثلين، ولا في موضوع ضدّه، للزوم اجتماع الضدّين. نعم، يصح أخذ القطع بمرتبة من الحكم في موضوع مرتبة اُخرى منه أو مثله أو ضدّه.

 أقول: أمّا أخذ القطع بحكم في موضوع نفس هذا الحكم، فلا ريب في كونه مستحيلاً ومستلزماً للدور، فانّ القطع المتعلق بحكم يكون طريقاً إليه لا محالة، إذ الطريقية غير قابلة للانفكاك عن القطع، ومعنى كونه طريقاً إلى الحكم فعلية الحكم مع قطع النظر عن تعلّق القطع به. ومعنى كون القطع مأخوذاً في موضوعه عدم كونه فعلياً إلاّ بعد تعلّق القطع به، إذ فعلية الحكم تابعة لفعلية موضوعه، ولذا قد ذكرنا غير مرّة أنّ نسبة الحكم إلى موضوعه أشبه شيء بنسبة المعلول إلى علّته، فيلزم توقف فعلية الحكم على القطع به، مع كونه في رتبة سابقة على القطع به، على ما هو شأن الطريق، وهذا هو الدور الواضح.

 وأمّا أخذ القطع بحكم في موضوع ضدّه، كما إذا قال المولى: إذا قطعت

ــــــــــــــــــــــــــــ

=    منزلة الواقع، فيجب الاجتناب عنه، ويدل بالالتزام على تنزيل العلم به منزلة العلم بالواقع فيجب التصدق، ولا نرى فيه دوراً. نعم، يصح ما ذكر فيما إذا لم يكن للمقطوع به أثر في نفسه، وكان القطع به مأخوذاً في حكم من الأحكام، فانّه حينئذ إذا قامت أمارة عليه لا يمكن الالتزام بشمول دليل الحجّية لمثل هذه الأمارة، إذ معنى شموله لها تنزيل المؤدى منزلة الواقع. والمفروض أ نّه لا أثر للواقع ليصحّ التنزيل بلحاظه، بل الأثر مترتب على العلم بالواقع على الفرض، فيحتاج ترتب الأثر على تنزيل آخر وهو تنزيل العلم بالواقع بالدلالة الالتزامية، وحيث إنّ هذا التنزيل في طول التنزيل الأوّل ومتوقف عليه لزم الدور لا محالة.

(1) كفاية الاُصول: 266 و 267.

ــ[48]ــ

بوجوب الصلاة تحرم عليك الصلاة، فقد يقال: إنّه لا يلزم منه اجتماع الضدّين، إذ الوجوب قد تعلّق بالصلاة بما هي، والحرمة قد تعلقت بها بما هي مقطوعة الوجوب، فيكون الموضوع للحكمين متعدداً بحسب الجعل. نعم، لا يمكن الجمع بينهما في مقام الامتثال، إذ الانبعاث نحو عمل والانزجار عنه في آن واحد محال، وبعد عدم إمكان امتثالهما لا يصح تعلّق الجعل بهما من المولى الحكيم من هذه الجهة.

 هذا، ولكن التحقيق لزوم اجتماع الضدّين، إذ الحرمة وإن تعلقت بالصلاة بما هي مقطوعة الوجوب في مفروض المثال، إلاّ أنّ الوجوب قد تعلق بها بما هي، وإطلاقه يشمل ما لو تعلق القطع بوجوبها، فلزم اجتماع الضدّين، فان مقتضى إطلاق الوجوب كون الصلاة واجبة ولو حين تعلق القطع بوجوبها، والقطع طريق محض، ومقتضى كون القطع بالوجوب مأخوذاً في موضوع الحرمة كون الصلاة حراماً في هذا الحين. وهذا هو اجتماع الضدّين.

 وأمّا أخذ القطع بحكم في موضوع حكم آخر مثله، كما إذا قال المولى: إذا قطعت بوجوب الصلاة تجب عليك الصلاة بوجوب آخر، فالصحيح إمكانه، ويرجع إلى التأكد، وذلك لأنّ الحكمين إذا كان بين موضوعيهما عموم من وجه، كان ملاك الحكم في مورد الاجتماع أقوى منه في مورد الافتراق، ويوجب التأكد، ولا يلزم اجتماع المثلين أصلاً، كما إذا قال المولى: أكرم كل عالم، ثمّ قال: أكرم كل عادل، فلا محالة يكون وجوب الإكرام في عالم عادل آكد منه في عالم غير عادل أو عادل غير عالم، وليس هناك اجتماع المثلين، لتعدد موضوع الحكمين في مقام الجعل.

 وكذا الحال لو كانت النسبة بين الموضوعين هي العموم المطلق، فيكون الحكم في مورد الاجتماع آكد منه في مورد الافتراق، كما إذا تعلق النذر بواجب

ــ[49]ــ

مثلاً، فانّه موجب للتأكد لا اجتماع المـثلين، والمقام من هذا القبيل بلحاظ الموضوعين، فانّ النسبة بين الصلاة بما هي والصلاة بما هي مقطوعة الوجوب هي العموم المطلق، فيكون الحكم في مورد الاجتماع آكد منه في مورد الافتراق، ومن قبيل العموم من وجه بلحاظ الوجوب والقطع به، إذ قد لا يتعلق القطع بوجوب الصلاة مع كونها واجبة في الواقع، والقطع المتعلق بوجوبها قد يكون مخالفاً للواقع، وقد يجتمع وجوب الصلاة واقعاً مع تعلق القطع به، ويكون الملاك فيه أقوى فيكون الوجوب بنحو آكد.

 وأمّا ما ذكره صاحب الكفاية (قدس سره) أخيراً من أ نّه يمكن أخذ القطع بمرتبة من الحكم في مرتبة اُخرى منه أو من مثله أو من ضدّه، فهو صحيح على مسلكه من أنّ للحكم مراتب أربعاً: الاقتضاء والانشاء والفعلية والتنجز، إذ لا محذور في أخذ القطع بحكم إنشائي محض في موضوع حكم فعلي، بلا فرق بين أن يكون الحكم الفعلي هو نفس الحكم الانشائي الواصل إلى مرتبة الفعلية أو يكون مثله أو ضدّه، ولا يتصور مانع من أن يقول المولى: إذا قطعت بأنّ الشيء الفلاني واجب بالوجوب الانشائي المحض، وجب عليك ذلك الشيء فعلاً، أو حرم عليك فعلاً.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net