3 ـ الاستدلال بآية الكتمان 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5220


ــ[218]ــ

 ومن الآيات التي استدلّ بها على حجّية الخبر آية الكتمان، وهي قوله تعالى: (إِنَّ ا لَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ ا لْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي ا لْكِتَابِ أُوْلئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ)(1) بدعوى الملازمة بين حرمة الكتمان ووجوب العمل، وإلاّ لزم كون تحريم الكتمان لغواً، ولذا حكموا بحجّية إخبار المرأة عن كونها حاملاً، تمسكاً بقوله تعالى: (وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ)(2).

 وفيه: أ نّه لا ملازمة بين حرمة الكتمان ووجوب القبول تعبداً في المقام، إذ الموضوع لحرمة الكتمان عام استغراقي، بمعنى حرمة الكتمان على كل أحد، فيحتمل أن يكون الوجه فيها أنّ إخبار الجميع ممّا يوجب العلم كما في الخبر المتواتر، ولا يقاس المقام بحرمة الكتمان على النساء، لأنّ طريق إحراز ما في الأرحام منحصر في إخبارهن، وإخبار المرأة ممّا لايفيد العلم غالباً، فلو لم يكن إخبارها حجّة تعبداً، وقيدت بالعلم كان تحريم الكتمان عليها لغواً، فصحّ دعوى الملازمة بين حرمة الكتمان ووجوب القبول هناك. بخلاف المقام، فانّ حرمة الكتمان فيه إنّما هو على علماء اليهود الذين أخفوا على الناس ما كان ظاهراً في التوراة من علامات نبوّة نبيّنا وصفاته (صلّى الله عليه وآله) بحيث لولا كتمانهم لظهر الحق لعامّة الناس، فالغرض من تحريم الكتمان إنّما هو ظهور الحق وحصول القطع للناس، لا قبول الخبر تعبداً. والذي يشهد بما ذكرناه ـ من أنّ المراد حرمة كتمان ما هو ظاهر في نفسه لولا الكتمان ـ قوله تعالى في ذيل الآية: (مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ) أي أظهرناه لهم. فتحصّل: أ نّه لا ملازمة بين حرمة الكتمان ووجوب القبول في المقام.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة 2: 159.

(2) البقرة 2: 228.

ــ[219]ــ

 إن قلت: مقتضى إطلاق الآية حرمة الكتمان ولو مع علم المخبر بأنّ إخباره لا يفيد العلم للسامع، ولا ينضم إليه إخبار غيره لكتمانه، وحرمة الكتمان في هذا الفرض تدل على وجوب القبول، وإلاّ لزم كونها لغواً كما في حرمة الكتمان على النساء.

 قلت: ظهور الحق للناس وحصول العلم لهم إنّما هو حكمة لحرمة الكتمان، والحكمة الداعية إلى التكليف لا يلزم أن تكون ساريةً في جميع الموارد، ألا ترى أ نّه يجب على الشاهد أن يشهد عند الحاكم إذا دعي لذلك بمقتضى قوله تعالى: (وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا)(1) ولو مع العلم بعدم انضمام الشاهد الثاني إليه، مع أنّ الحكمة في وجوب الشهادة ـ وهي حفظ حقوق الناس ـ غير متحققة في هذا الفرض، وكذا الحال في وجوب العدّة على المطلّقة وعلى المتوفّى عنها زوجها وإن كانت عقيماً، مع أنّ الحكمة وهي التحفظ على النسب غير موجودة في مفروض المثال.

 ويدل على ما ذكرناه ـ من أنّ الغرض من حرمة الكتمان في مقام ظهور الحق وحصول العلم به لعامّة الناس لا وجوب القبول تعبداً ـ أنّ مورد الآية هو نبوّة نبيّنا (صلّى الله عليه وآله) ومن الظاهر عدم حجّية خبر الواحد في اُصول الدين.
ـــــــــــــــ

(1) البقرة 2: 282.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net