الاستدلال على حجّية الخبر بطوائف من الروايات 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 9438


 وممّا استدلّ به على حجّية الخبر: الروايات الكثيرة وقد رتّبها الشيخ (قدس سره) (3) على طوائف أربع:

 الطائفة الاُولى: الأخبار العلاجية الدالة على أنّ حجّية الاخبار في نفسها كانت مفروغاً عنها عند الأئمة (عليهم السلام) وأصحابهم، وإنّما توقفـوا عن العمل من جهة المعارضة، فسألوا عن حكمها، ومن الواضح أ نّه ليس مورد الأخبار العلاجية الخبرين المقطوع صدورهما، لأنّ المرجحات المذكورة فيها

ــــــــــــــ
(3) فرائد الاُصول 1: 185 ـ 192.

ــ[223]ــ

لا تناسب العلم بصـدورهما، وأنّ الظاهر من مثل قوله: «يأتي عنكم خبران متعارضان»(1) كون السؤال عن مشكوكي الصدور . مضافاً إلى أنّ وقوع المعارضة بين مقطوعي الصدور بعيد في نفسه.

 الطائفة الثانية: الأخبار الآمرة بالرجوع إلى أشخاص معينين من الرواة، كقوله (عليه السلام): «إذا أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس» (2) مشيراً إلى زرارة، وقوله (عليه السلام): «نعم، بعد ما قال الراوي: أفيونس بن عبدالرحمن ثقة نأخذ معالم ديننا عنه» (3) وقوله (عليه السلام): «عليك بالأسدي»(4) يعني أبا بصير، وقوله (عليه السلام): «عليك بزكريا بن آدم المأمون على الدين والدُّنيا» (5) إلى غير ذلك.

 الطائفة الثالثة: الأخبار الآمرة بالرجوع إلى الثقات كقوله (عليه السلام): «لا عذر لأحد في التشكيك فيما يرويه ثقاتنا» (6) وقد ادّعى المحقق النائيني (قدس سره) تواتر هذه الطائفة معنى (7)، وهو بعيد لكونها قليلة غير بالغة حدّ التواتر.

 الطائفة الرابعة: الأخبار الآمرة بحفظ الروايات واستماعها وضبطها والاهتمام

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك 17: 303 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 2 (باختلاف يسير).

(2) الوسائل 27: 143 / أبواب صفات القاضي ب 11 ح 19.

(3) المصدر السابق ح 33 (باختلاف يسير).

(4) المصدر السابق ح 15.

(5) المصدر السابق ح 27 (باختلاف يسير).

(6) المصدر السابق ح 40 (باختلاف يسير).

(7) أجود التقريرات 3: 199.

ــ[224]ــ

بشأنها على ألسنة مختلفة، وقد ذكرها صاحب الوسائل في الباب 8 من أبواب كتاب القضاء فراجع (1).

 ثمّ إنّ الاستدلال بهذه الأخبار متوقف على ثبوت تواترها لتكون مقطوعة الصدور، وإلاّ فلا يصحّ الاستدلال بها كما هو ظاهر. ولا ينبغي الشك في أ نّها متواترة اجمالاً، بمعنى العلم بصدور بعضها عن المعصوم (عليه السلام) وتوضيح ذلك أنّ التواتر على أقسام ثلاثة:

 الأوّل: التواتر اللفظي، وهو اتفاق جماعة امتنع اتفاقهم على الكذب عادةً على نقل خبر بلفظه، كتواتر ألفاظ الكتاب الصادرة عن لسان النبي (صلّى الله عليه وآله).

 الثاني: التواتر المعنوي، وهو اتفاقهم على نقل مضمون واحد مع الاختلاف في الألفاظ، سواء كانت دلالة الألفاظ على المضمون بالمطابقة أو بالتضمن أو بالالتزام أو بالاختلاف، كالأخبار الحاكية لحالات أمير المؤمنين (عليه السلام) في الحروب وقضاياه مع الأبطال، فانّها متفقة الدلالة على شجاعته (عليه السلام).

 الثالث: التواتر الاجمالي، وهو ورود عدّة من الروايات التي يعلم بصدور بعضها مع عدم اشتمالها على مضمون واحد.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منها: ما عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خطب الناس في مسجد الخيف فقال: «نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلّغها من لم يسمعها، فربّ حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه»، الحديث الوسائل 27: 89 / أبواب صفات القاضي ب 8 ح 43.

ــ[225]ــ

 وأنكر المحقق النائيني(1) (قدس سره) التواتر الاجمالي، بدعوى أ نّا لو وضعنا اليد على كل واحد من تلك الأخبار نراه محتملاً للصدق والكذب، فلا يكون هناك خبر مقطوع الصدور.

 وفيه: أنّ احتمال الكذب في كل خبر بخصوصه غير قادح في التواتر الاجمالي، لأنّ احتمال الصدق والكذب في كل خبر بخصوصه لا ينافي العلم الاجمالي بصدور بعضها، وإلاّ لكان مانعاً عن التواتر المعنوي واللفظي أيضاً، إذ كل خبر في نفسه محتمل للصدق والكذب.

 وبالجملة: التواتر الاجمالي ممّا لا مجال لانكاره، فانّ كثرة الأخبار المختلفة ربّما تصل إلى حدّ يقطع بصدور بعضها وإن لم يتميز بعينه، والوجدان أقوى شاهد وأوضح دليل عليه، فإنّا نعلم علماً وجدانياً بصدور جملة من الأخبار الموجودة في كتاب الوسائل ولا نحتمل كذب الجميع. وأوضح منه أ نّا نعلم بصدق بعض الأخبار المتحققة في هذه البلدة في يوم وليلة، فضلاً عن الحكايات المسموعة في أيام وليال عديدة.

 فتحصّل: أنّ التواتر الاجمالي في هذه الطوائف الأربع من الأخبار غير قابل للانكار، ومقتضاه الالتزام بحجّية الأخص منها المشتمل على جميع الخصوصيات المذكورة في هذه الأخبار، فيحكم بحجّية الخبر الواجد لجميع تلك الخصوصيات باعتبار كونه القدر المتيقن من هذه الأخبار الدالة على الحجّية.

 وذكر المحقق النائيني (2) (قدس سره) أنّ الأخص منها هو ما دلّ على حجّية خبر الثقة، فبناءً على تحقق التواتر الاجمالي تثبت حجّية الخبر الموثوق به.

 وفيه: أنّ ظاهر جملة منها اعتبار العدالة كقوله (عليه السلام) في الأخبار

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 3: 197.

(2) أجود التقريرات 3: 199.

ــ[226]ــ

العلاجية: «خذ بقول أعدلهما» (1) وقوله (عليه السلام): «عليك بزكريا بن آدم المأمون على الدين والدُّنيا» (2) وبعضها ظاهر في اعتبار الوثاقة، كقوله (عليه السلام): «نعم، بعد ما قال السائل أفيونس بن عبدالرحمان ثقة نأخذ معالم ديننا عنه» (3) وبعضها ظاهر في اعتبار كونه إمامياً أيضاً، كقوله (عليه السلام): «لا عذر لأحد في التشكيك فيما يرويه ثقاتنا» (4) فانّ إضافة الثقات إلى ضمير المتكلم وإسنادها إليهم (عليهم السلام) ظاهرة في أنّ المراد منها كون الراوي من أهل الولاية لهم، وحيث إنّ المراد من الثقة في الأخبار هو المعنى اللغوي لا ما هو المصطلح عليه عند المحدِّثين، فانّهم يطلقون الثقة على الإمامي العادل، ومنه إطلاقهم ثقة الاسلام على الكليني (قدس سره) فالنسبة بين العادل والموثوق به هي العموم من وجه، إذ قد يكون الراوي عادلاً غير موثوق به لكثرة خطئه وسهوه، وقد يكون موثقاً غير عادل بمعنى أ نّه ضابط حافظ متحرز عن الكذب، إلاّ أ نّه فاسق من غير ناحية الكذب كما يوجد كثيراً، وقد يكون عادلاً موثقاً. وعليه فالقدر المتيقن منها هو الجامع للعدالة والوثاقة، فبناءً على التواتر الاجمالي لا يستفاد منها إلاّ حجّية الخبر الصحيح الأعلائي.

 نعم، ذكر صاحب الكفاية (5) (قدس سره) أنّ المتيقن من هذه الأخبار وإن كان هو خصوص الخبر الصحيح، إلاّ أ نّه في جملتها خبر صحيح يدل على حجّية الخبر الموثق، فتثبت به حجّية خبر الثقة وإن لم يكن عادلاً. وما ذكره متين، ولعل مراده من الخبر الصحيح الدال على حجّية خبر الثقة قوله (عليه السلام): «نعم، بعد ما قال السائل أفيونس بن عبدالرحمان ثقة نأخذ معالم ديننا عنه»(6)،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك 17: 303 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 2.

(2)، (3)، (4)، (6) تقدّمت في ص 223.

(5) كفاية الاُصول: 302.

ــ[227]ــ

فانّ ظاهره كون حجّية خبر الثقـة مفروغاً عنها بين الإمـام (عليه السلام) والسائل، وأنّ السؤال ناظر إلى الصغرى فقط.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net