أدلة البراءة 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4323


 وبالجملة: عدم استحقاق العقاب في فرض عدم البيان ممّا لم ينكره ولن ينكره عاقل، إنّما الخلاف بين الاُصوليين والأخباريين في الصغرى، حيث ذهب أصحابنا الأخباريون إلى تمامية البيان، وقيام الحجّة على التكاليف الواقعية لوجهين: الأوّل: العلم الاجمالي بثبوت التكاليف وهو يقتضي الاحتياط. الثاني: الأخبار الكثيرة الدالة على التوقف عند الشبهة، وعلى الاحتياط في المشتبهات، وعليه فالذي يناسب بحث البراءة هو البحث عن الصغرى والتعرّض لهذين الوجهين، وإثبات أنّ العلم الاجمالي بثبوت التكاليف قد انحلّ بما عثرنا عليه من الأحكام التي دلّت عليها الأخبار، على ما أشرنا إليه غير مرّة (3)، وإثبات أنّ أخبار التوقف والاحتياط ظاهرة ـ بنفسها أو بضميمة الروايات الدالة على جواز الاقتحام في الشبهات ـ في الارشاد إلى حكم العقل بوجوب تحصيل الأمن من العقاب، فتكون ناظرةً إلى الشبهة قبل الفحص والمقرونة بالعلم الاجمالي. وسنتكلّم في كلا الوجهين عند التعرّض لاستدلال الأخباريين والجواب عنه (4).

 وأمّا البحث عن الكبرى والاستدلال عليها بالآيات والروايات وبحكم العقل بقبح العقاب بلا بيـان فلا ملزم له، لما ذكرناه من أ نّها مسلّمة عند

ـــــــــــــ
(3) راجع ص 271 ـ 272.

(4) في ص 345 ـ 355.

ــ[296]ــ

الأخباريين والاُصوليين، ولم يقع فيها خلاف ليحتاج إلى الاثبات والاستدلال، إلاّ أ نّا نتعرّض للبحث عن الكبرى والاستدلال عليها بالآيات والروايات وحكم العقل، تبعاً لشيخنا الأنصاري (قدس سره)(1) وحرصاً على ما فيه من الفائدة، والتعرّض لفقه الأحاديث الشريفة.

 إذا عرفت هذه الاُمور فاعلم أ نّه قد استدلّ على البراءة مع الشك في التكليف باُمور:

 منها: قوله تعالى: (وَمَا كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(2) وتقريب الاستدلال به: أنّ بعث الرسول كناية عن بيان الأحكام للأنام وإتمام الحجّة عليهم، كما هو ظاهر بحسب الارتكاز والفهم العرفي، فتدلّ الآية الشريفة على نفي العقاب بمخالفة التكليف غير الواصل إلى المكلف.

 واُورد على الاستدلال بهذه الآية الكريمة بوجهين:

 الأوّل: أنّ المراد من الآية هو الاخبار عن عدم وقوع العذاب على الاُمم السابقة إلاّ بعد البيان، بقرينة التعبير بلفظ الماضي في قوله تعالى: (وَمَا كُنّا مُعَذِّبِينَ) فيكون المراد هو الاخبار عن عدم وقوع العذاب الدنيوي فيما مضى من الاُمم السابقة إلاّ بعد البيان، فلا دلالة لها على نفي العذاب الاُخروي عند عدم تمامية البيان.

 الثاني: أنّ المنفي في الآية فعلية العقاب لا استحقاقه، ونفي الفعلية لا يدل على نفي الاستحقاق، مع أنّ محل الكلام بيننا وبين الأخباريين هو الثاني.

 أمّا الايراد الأوّل فيدفعه أوّلاً: أنّ نفي العذاب الدنيوي عند عدم تمامية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 1: 357.

(2) الإسراء 17: 15.

ــ[297]ــ

البيان يدل بالأولوية القطعية على نفي العذاب الاُخروي، إذ العذاب الدنيوي أهون من العذاب الاُخروي، لكونه منقطعاً غير دائم.

 وثانياً: أنّ جملة ما كان أو ما كنّا وأمثالهما من هذه المادة مستعملة في أنّ الفعل غير لائق به تعالى، ولا يناسبه صدوره منه (جلّ شأنه) ويظهر ذلك من استقراء موارد استعمالها، كقوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْمَاً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ)(1). وقوله تعالى: (مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ)(2) وقوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ)(3) وقوله تعالى: (وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ا لْمُضِلِّينَ عَضُداً)(4) إلى غير ذلك. فجملة الفعل الماضي من هذه المادة منسـلخة عن الزمان في هذه الموارد، فيكون المراد أنّ التعذيب قبل البيان لايليق به تعالى ولا يناسب حكمته وعدله، فلا يبقى فرق حينئذ بين العذاب الدنيوي والاُخروي. وبهذا ظهر الجواب عن:

 الايراد الثاني أيضاً، لأنّ عدم لياقة التعذيب قبل البيان يدل على عدم كون العبد مستحقاً للعذاب، إذ مع فرض استحقاق العبد لا وجه لعدم كونه لائقاً به تعالى، بل عدم لياقته به تعالى إنّما هو لعدم استحقاق العبد له، فالمدلول المطابقي للآية الشريفة وإن كان نفي فعلية العذاب إلاّ أ نّها تدل على نفي الاستحقاق بالالتزام على ما ذكرناه.

 وأمّا ما أجاب به شيخنا الأنصاري (قدس سره) عن الايراد الثاني من أنّ الخصم يسلّم الملازمة بين نفي الفعلية ونفي الاستحقاق، فنفي الفعلية المستفادة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التوبة 9: 115.

(2) آل عمران 3: 179.

(3) الأنفال 8: 33.

(4) الكهف 18: 51.

ــ[298]ــ

من الآية كاف في إلزامه (1)، فيرد عليه الوجهان المذكوران في الكفاية: من أنّ الاستدلال يكون حينئذ جدلياً لا يمكن أن يستند إليه الاُصولي المنكر للملازمة المذكورة، وأنّ اعتراف الخصم بالملازمة المذكورة بعيد جداً، بل غير واقع، إذ ربّما تنتفي فعلية العذاب في مورد العصيان اليقيني للعفو أو التوبة أو الشفاعة، مع ثبوت الاستحقاق فيه بلا كلام وإشكال، فكيف يظن الاعتراف بالملازمة بين نفي الفعلية ونفي الاستحقاق من الأخباريين (2).
ــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 1: 359.

(2) كفاية الاُصول: 339.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net