الرجوع إلى الأصل فيما كان المعلوم بالاجمال جزء الموضوع 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4209


ــ[472]ــ

وجوب الاجتناب عن أكل لحم كل من الجسدين، إلاّ أ نّه إذا مسّ شخص أحدهما لا يحكم عليه بوجوب الغسل، لأنّ المعلوم بالاجمال وهو بدن ميّت الانسان جزء للموضوع للحكم بوجوب الغسل، وتمامه مس بدن ميّت الانسان وهو مشكوك التحقق والأصل عدمه.

  والوجه في ذلك: أنّ العلم الاجمالي إذا تعلّق بثبوت التكليف الفعلي فالشك في كل واحد من الأطراف إنّما يكون شكاً في انطباق المعلوم بالاجمال عليه، ومعه لايمكن الرجوع إلى الأصل النافي في جميع الأطراف، لاستلزامه الترخيص في المعصية ومخالفة التكليف الواصل، ولا في بعضها لبطلان الترجيح بلا مرجّح على ما تقدّم بيانه مفصّلاً (1). وأمّا إن كان الشك في تمامية الموضوع، كما في المثال الذي ذكرناه، فمرجعه إلى الشك في أصل التكليف، فلا مانع من الرجوع إلى الأصل فيه. وما ذكرناه من تساقط الاُصول فيما إذا كان المعلوم بالاجمال تمام الموضوع، وعدم المانع من الرجوع إلى الأصل فيما إذا كان المعلوم بالاجمال جزء الموضوع، واضح لا إشكال فيه من حيث الكبرى.

  إلاّ أ نّه وقع الاشكال والخلاف في بعض الموارد من حيث الصغرى، فقد يدّعى أ نّه من موارد العلم الاجمالي بالتكليف الفعلي، للعلم بتمام الموضوع فيحكم بالتنجيز. وقد يقال: إنّه من موارد العلم بجزء الموضوع لا تمامه، فيكون التكليف مشكوكاً فيه فيرجع إلى الأصل. ومن ذلك ما إذا علم إجمالاً بغصبية إحدى الشجرتين ثمّ حصلت لإحداهما ثمرة دون الاُخرى، فقد يقال فيه بجواز التصرّف في الثمرة تكليفاً وبعدم ضمانها وضعاً باعتبار أنّ الموجب لحرمة الثمرة كونها نماء المغصوب وهو مشكوك فيه والأصل عدمه، كما أنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 404 وما بعدها.

ــ[473]ــ

موضوع الضمان وضع اليد على مال الغير وهو أيضاً مشكوك فيه والأصل عدمه. فالعلم الاجمالي بغصبية إحدى الشجرتين لا يترتب عليه الحكم بحرمة التصرف، ولا الضمان بالنسبة إلى الثمرة لإحداهما، للشك في تحقق الموضوع والأصل عدمه. نعم، يترتب عليه الحكم بحرمة التصرف في نفس الشجرتين وضمان المغصوب منهما بوضع اليد عليه.

  وقد يقال: بتنجيز العلم الاجمالي المذكور كلا الحكمين التكليفي والوضعي بالنسبة إلى الثمرة أيضاً. واختاره المحقق النائيني (قدس سره) (1) بدعوى أنّ وضع اليد على العين المغصوبة موجب لضمانها وضمان منافعها إلى الأبد، لأ نّه بأخذ العين يتحقق أخذ المنافع، أو أخذ العين مستتبع لأخذ المنافع، ومن ثمّ جاز للمالك الرجوع إلى الغاصب الأوّل في المنافع المتجددة الحاصلة بعد خروج العين عن يده ودخولها تحت الأيادي المتأخرة، فالعلم بغصبية إحدى الشجرتين كما يترتب عليه ضمان نفس العين المغصوبة كذلك يترتب عليه ضمان منافعها المتجدِّدة. هذا من حيث الحكم الوضعي، وأمّا الحكم التكليفي أي حرمة التصرّف في الثمرة، فهو وإن كان منتفياً بانتفاء موضوعه وهو الثمرة في الزمان الأوّل، إلاّ أنّ ملاكه قد تمّ بغصب العين الموجب لضمانها وضمان منافعها الموجودة بالفعل والمتجددة بعد ذلك، وهو كون اليد عاديةً بالنسبة إلى العين ومنافعها الموجودة وغير الموجودة، فتترتب حرمة التصرف في الثمرة بعد وجودها لا محالة.

  والتحقيق عدم تمامية ما ذكره من الوجه للحكم الوضعي ولا ما ذكره للحكم التكليفي. أمّا ما ذكره للحكم الوضعي، فلأنّ الحكم بضمان منافع العين المغصوبة مسلّم من حيث الكبرى كما ذكره، إلاّ أ نّه لا يترتب الحكم على الكبرى الكلّية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 3: 440 و 441، فوائد الاُصول 4: 73.

ــ[474]ــ

إلاّ بعد إحراز الصغرى خارجاً، وتحققها مشكوك فيه، إذ لم يحرز كون الثمرة من منافع العين المغصوبة، لاحتمال كونها من منافع العين المملوكة، فيجري استصحاب عدم كونها من  منافع العين المغصوبة، ولا يعارض باستصحاب عدم كونها من منافع العين المملوكة، لما ذكرناه سابقاً(1) من أ نّه لا مانع من جريان الاستصحابين إذا لم يستلزم مخالفة عملية، ولو نوقش في الاستصحاب المذكور لأجل المعارضة فلا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة من الضمان.

  وأمّا الحكم التكليفي فتجري البراءة عنه أيضاً، لعدم العلم بتحقق موضوعه وهو التصرّف في مال الغير، لعدم إحراز كون الثمرة مال الغير. ولا تتحقق حرمة التصرّف إلاّ بعد إحراز كون التصرف تصرفاً في مال الغير، وهو مشكوك فيه فيرجع إلى الأصل.

  وأمّا ما يظهر من كلام شيخنا الأنصاري (قدس سره) (2) في موارد متعددة من عدم جريان البراءة في الأموال تمسكاً بقوله (عليه السلام): «لا يحل مال إلاّ من حيث أحلّه الله» (3)، ففيه أوّلاً: أنّ الرواية مرسلة لا يصحّ الاعتماد عليها، بل لم نجدها إلى الآن في الجوامع المعتبرة. وثانياً: أنّ الشك في الحرمة من أسباب الحلية شرعاً لأدلة البراءة، فبالتعبد الشرعي يثبت كون النماء ممّا أحلّه الله تعالى. وثالثاً: أنّ منشأ الشك في الحرمة احتمال كون النماء ملك الغير، والاستصحاب يقتضي عدمه بناءً على جريانه في الأعدام الأزلية، كما هو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 406، 410.

(2) فرائد الاُصول 1: 409.

(3) الوسائل 9: 538 / أبواب الأنفال ب 3 ح 2 (باختلاف يسير). ولا يخفى أنّ الرواية مرويّة في الجوامع المعتبرة كما يظهر بمراجعة هامش الوسائل.

ــ[475]ــ

الصحيح على ما ذكرناه في محلّه (1). وبهذا الاستصحاب يحرز كونه ممّا أحلّه الله تعالى، ولا يعارض هذا الاستصحاب باستصحاب عدم دخوله في ملكه، إذ لا يثبت بذلك كونه ملكاً للغير الذي هو الموضوع لحرمة التصرّف إلاّ على القول بالأصل المثبت ولا نقول به. وأمّا جواز التصرف فلا يتوقف على كونه ملكاً له، بل يكفيه عدم كونه ملكاً للغير، فلا يكون الأصل بالنسبة إلى جواز التصرّف مثبتاً.

  هذا كلّه فيما إذا لم تكن الأطراف مسبوقةً بملكية الغير، كما لو اصطاد رجلان صيدين، فغصب أحدهما صيد الآخر واشتبها وحصل لأحدهما النماء، وأمّا إن كانت الأطراف مسبوقةً بملكية الغير، كما إذا اشترى إحدى الشجرتين وغصب الاُخرى فاشتبها وحصل لإحداهما النماء، فلا إشكال في الحكم بضمان المنافع وحرمة التصرّف فيها، لاستصحاب بقاء الشجرة في ملك مالكها وعدم انتقالها إليه. ومقتضى هذا الاستصحاب الحكم بملكية المنافع لمالك الشجرة، فيحرم التصرّف فيها ويضمنها.

  وتوهّم أنّ استصحاب بقاء الشجرة ذات النماء على ملك مالكها معارض باستصحاب بقاء الشجرة الاُخرى على ملك مالكها للعلم الاجمالي بمخالفة أحدهما للواقع، فاجراء الأصل في الشجرة ذات النماء دون الاُخرى ترجيح بلا مرجح مدفوع بأ نّه لا معارضة بينهما، لما عرفت غير مرّة من أنّ العلم الاجمالي بمخالفة أحد الاستصحابين للواقع لا يمنع من جريانهما ما لم يستلزم المخالفة العملية كما في المقام.

  هذا كلّه في التصرّفات غير المتوقفة على الملك كالأكل والشرب واللبس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 4: 360.

ــ[476]ــ

ونحوها. وأمّا التصرفات المتوقفة عليه كالبيع ونحوه، فلا ينبغي الشك في عدم جوازها، لما ذكرناه من أنّ الاستصحاب المذكور لا يثبت كونه ملكاً له إلاّ على القول بالأصل المثبت، ولا نقول به.

  ولا يخفى أنّ جميع ما ذكرناه في الثمرة من جواز التصرف فيها وعدمه وثبوت الضمان وعدمه يجري في حق غير الغاصب أيضاً ممّن وهب الغاصب له الثمرة أو اشتراها منه، فليس ما ذكرناه من التفصيل مختصاً بالغاصب.

  إذا عرفت ما ذكرناه من الأمرين فلنعد إلى حكم الملاقي لبعض أطراف الشبهة المحصورة، فنقول: إنّ الكلام في الملاقي يتم في مسائل ثلاث: الاُولى: ما إذا كانت الملاقاة والعلم بها بعد العلم الاجمالي. الثانية: عكس الاُولى بأن كانت الملاقاة والعلم بها قبل العلم الاجمالي. الثالثة: ما إذا كان العلم الاجمالي بعد الملاقاة وقبل العلم بها.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net