1 ـ تحقّق الملاقاة والعلم بها بعد العلم الاجمالي 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4179


  أمّا المسألة الاُولى: فملخص الكلام فيها: أنّ نجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ على فرض تحقّقها ليست توسّعاً في نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ ولا تكون بمنزلة تقسيم النجس الواحد إلى قسمين، حتّى تكون نجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ قسماً من نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ بل تكون نجاسة اُخرى حاصلة من نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ حصول المعلول من العلّة، ولذا لا تجري على الملاقي ـ بالكسر ـ أحكام الملاقى ـ بالفتح ـ فانّه لو ولغ الكلب في إناء فلا بدّ في تطهيره من التعفير، ولكنّه لو لاقى شيء آخر هذا الاناء من الثوب أو الاناء أو غيرهما، لا يجب في تطهيره التعفير، وكذا يجب الغسل من البول مرّتين دون الملاقي له، فلا يجب الغسل من الماء الملاقي للبول إلاّ مرّة واحدة.

  فتحصّل: أنّ نجاسة الملاقي ليست عين نجاسة الملاقى بل غيرها، نظير الطهارة الحاصلة من الماء الطاهر مثلاً، فانّه لو أصاب المطر ثوباً متنجساً فطهّره،

ــ[477]ــ

كانت طهارة الثوب غير طهارة المطر لا محالة حاصلة من طهارة المطر حصول المعلول من العلّة. وبالجملة: نجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ على فرض تحققها نجاسة جديدة حادثة، والمفروض وجود الشك في تحققها والأصل عدمه. فلا ينبغي الشك في عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي، لأنّ وجوب الاجتناب عن ملاقي النجس موضوعه مركب من أمرين: النجس وملاقاته، والعلم الاجمالي بنجاسة أحد المائعين ليس إلاّ علماً بما هو جزء الموضوع، والجزء الآخر وهو الملاقاة مشكوك فيه ولايكون العلم منجّزاً له، فيرجع عند الشك فيه إلى أصالة عدم ملاقاة النجس أو أصالة الطهارة.

  وربّما يقال بوجوب الاجتناب عن الملاقي أيضاً، ويستدل عليه بوجهين:

  الوجه الأوّل: أنّ نجاسة الملاقي إنّما هي بنحو السراية الحقيقية من نجاسة الملاقى، فنجاسـة الملاقي متحـدة مع نجاسة الملاقى، غاية الأمر أ نّها توسّـعت بالملاقاة وثبتت لأمرين بعد ما كانت ثابتة لأمر واحد، نظير ما لو قسّم ما في أحد الاناءين إلى قسمين وجعل كل قسم في إناء، فكما يجب الاجتناب عن كليهما وعن الطرف الآخر تحصيلاً للموافقة القطعية، كذلك يجب الاجتناب عن الملاقى والملاقي وعن الطرف الآخر تحصيلاً للموافقة القطعية. والدليل على كون تنجس الملاقي بنحو السراية الحقيقية من نجاسة الملاقى هو الخبر المروي عن الشيخ باسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عيسى اليقطيني عن النضر بن سويد عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر(عليه السلام): «قال أتاه رجل فقال: وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله؟ قال فقال أبو جعفر (عليه السلام): لا تأكله، فقال له الرجل: الفأرة أهون عليّ من أن أترك طعامي من أجلها، فقال (عليه السلام): إنّك لم تستخف

ــ[478]ــ

بالفأرة، وإنّما استخففت بدينك، إنّ الله حرّم الميتة من كل شيء» (1).

  وتقريب الاستدلال: أنّ السائل لم يرد بقوله: «الفأرة أهون عليّ» إلخ، أكل الفأرة مع السمن أو الزيت، بل أراد أكل السمن أو الزيت الملاقي لها، فقول الإمام (عليه السلام) في مقام التعريض له «إنّ الله حرّم الميتة من كل شيء» يدل على أنّ نجاسة الملاقي للميتة هي عين نجاسة الميتة، وحرمته عين حرمتها، فأكل الملاقي للميتة ينافي الاجتناب عنها. وبعبارة اُخرى: علّل الإمام (عليه السلام) حرمة الملاقي بحرمة الميتة، فيدل على اتحادهما.

  وفيه: ما تقدّم من أنّ نجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ حاصلة من نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ حصول المعلول من العلّة، لا أ نّها عينها، ولذا لا تجري عليها أحكامها على ما تقدّم بيانه.

  وأمّا الاستدلال بالخبر ففيه أوّلاً: أنّ الخبر ضعيف بعمرو بن شمر، فلا يصحّ التمسك به. وثانياً: أ نّه لا دلالة للخبر على أنّ نجاسة الملاقي عين نجاسة الملاقى بنحو السراية الحقيقية، كيف والخبر غير ناظر إلى هذه الجهـة، فانّ السائل استبعد كون الفأرة مع صغرها موجبة لنجاسة ما في الخابية من السمن والزيت، على ما يظهر من كلامه «الفأرة أهون عليّ» فردّ عليه الإمام (عليه السلام) بأنّ الله حرّم الميتة من كل شيء، أي لا فرق بين الكبير والصغير، فغاية ما يستفاد من الخبر أنّ نجاسة الشيء الموجبة لحرمته مستلزمة لنجاسة ملاقيه وحرمته، وليس في ذلك دلالة على أنّ نجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ عين نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ وحرمته هي عين حرمته.

  الوجه الثاني: أ نّه بعد العلم بالملاقاة يحدث علم اجمالي آخر بوجود نجس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1: 206 / أبواب الماء المضاف ب 5 ح 2.

ــ[479]ــ

بين الملاقي والطرف الآخر، وهذا العلم الاجمالي ممّا لا مجال لانكاره بعد فرض الملازمة بين نجاسة الشيء ونجاسة ملاقيه واقعاً، ومن ثمّ لو فرض انعدام الملاقى ـ بالفتح ـ كان العلم بالنجاسة المرددة بين الملاقي والطرف الآخر موجوداً، فهذا العلم الاجمالي الحادث بعد العلم بالملاقاة يقتضي الاجتناب عن الملاقي والطرف الآخر تحصيلاً للموافقة القطعية. نعم، لو فرضت الملاقاة بعد انعدام الطرف الآخر، لم يكن العلم الثاني مؤثراً في التنجيز، لعدم كونه علماً بالتكليف الفعلي على كل تقدير الموجب لتساقط الاُصول في الأطراف.

  وأجاب شيخنا الأنصاري (قدس سره) (1) عن هذا الوجه من الاستدلال: بأنّ العلم الثاني لا يمنع من جريان الأصل في الملاقي، لأنّ جريان الأصل في الملاقي ـ بالكسر ـ إنّما هو في طول جريان الأصل في الملاقى ـ بالفتح ـ لكون الشك في الملاقي ناشئاً من الشك في الملاقى، فيكون الأصل الجاري في الملاقى أصلاً جارياً في الشك السببي، والأصل الجاري في الملاقي أصلاً جارياً في الشك المسببي. ومن الظاهر أنّ الأصل السببي حاكم على الأصل المسببي، فعلى تقدير جريان الأصل في الملاقى ـ بالفتح ـ لا تصل النوبة إلى جريان الأصل في الملاقي ـ بالكسر ـ وبعد سقوط الأصل في الملاقى ـ بالفتح ـ لأجل المعارضة بينه وبين الأصل في الطرف الآخر، تصل النوبة إلى جريان الأصل في الملاقي ـ بالكسر ـ فيجري فيه بلا معارض.
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 2: 424.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net