السادس : حكومة لا ضرر على الأحكام العدمية 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4575


التنبيه السادس

 ذكر بعضهم أنّ قاعدة لا ضرر كما أ نّها حاكمة على الأحكام الوجودية كذلك حاكمة على الأحكام العدمية، فكما أنّ الحكم الوجودي الضرري يرتفع بحديث لا ضرر، كذلك نفي الحكم إن كان ضررياً يرتفع به ونفي النفي يستلزم ثبوت الحكم، فيثبت الحكم بدليل لا ضرر في مورد كان نفيه ضررياً. ومثّل لذلك بأمثلة، منها: ما تقدّم ذكره (2) عند نقل كلام الفاضل التوني (قدس سره) وهو أ نّه لو حبس أحد غيره عدواناً فشرد حيوانه أو أبق عبده، فانّ عدم حكم الشارع فيه بالضمان ضرر على المحبوس، فينفى بحديث لا ضرر ويحكم بالضمان. ومنها: ما ذكره السيّد (قدس سره) في ملحقات العروة (3) واستدلّ له بقاعدة لا ضرر تارةً، وبالروايات الخاصّة اُخرى، وهو أ نّه لو امتنع الزوج عن

ـــــــــــــ
(2) في ص 593.

(3) ملحقات العروة الوثقى 1: 75 / المسألة 33.

ــ[649]ــ

نفقة زوجته، فعدم الحكم بجواز طلاقها للحاكم ضرر عليها، فينفى بحديث لا ضرر ويحكم بجواز طلاقها للحاكم.

 وقد أورد المحقق النائيني (1) (قدس سره) على ذلك بوجهين: الأوّل راجع إلى منع الكبرى، أي إلى أصل القاعدة المذكورة، وهي أنّ دليل لا ضرر حاكم على الأحكام العدمية. والثاني راجع إلى منع الصغرى، أي إلى تطبيق القاعدة المذكورة على المثالين. أمّا الأوّل: فهو أنّ حديث لا ضرر ناظر إلى الأحكام المجعولة في الشريعة المقدّسة، ويقيّدها بصورة عدم الضرر، وعدم الحكم ليس حكماً مجعولاً فلا يشمله حديث لا ضرر. وأمّا الثاني: فهو أنّ حديث لا ضرر ناظر إلى نفي الضرر في عالم التشريع كما مرّ مراراً (2)، ولا دلالة فيه على وجوب تدارك الضرر الخارجي المتحقق من غير جهة الحكم الشرعي، والضرر في المثالين ليس ناشئاً من قبل الشارع في عالم التشريع حتّى ينفى بحديث لا ضرر. وعليه فلا يمكن التمسك بحديث لا ضرر لاثبات الضمان في المسألة الاُولى، ولا لاثبات جواز الطلاق في المسألة الثانية.

 أقول: أمّا إيراده الأوّل فغير وارد، لأنّ عدم جعل الحكم في موضع قابل للجعل جعل لعدم ذلك الحكم، فيكون العدم مجعولاً، ولا سيّما بملاحظة ما ورد من أنّ الله سبحانه لم يترك شيئاً بلا
حكم(3)، فقد جعل الحكم من قبل الشارع لجميع الأشياء، غاية الأمر أنّ بعضها وجودي وبعضها عدمي، كما أنّ بعضها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 3: 418.

(2) راجع ص 616.

(3) راجع الوسائل 27: 38 و 52 / أبواب صفات القاضي ب 6 ح 3 و 38، والمستدرك 17: 258 و 265 / أبواب صفات القاضي ب 6 ح 15 و 34، والكافي 1: 59 / باب الرد إلى الكتاب والسنّة.

ــ[650]ــ

تكليفي وبعضها وضعي. وعليه فلا مانع من شمول دليل لا ضرر للأحكام العدمية أيضاً إن كانت ضررية، هذا من حيث الكبرى، إلاّ أنّ الصغرى لهذه الكُبرى غير متحققة، فانّا لم نجد مورداً كان فيه عدم الحكم ضررياً حتّى نحكم برفعه وبثبوت الحكم بقاعدة لا ضرر.

 وأمّا إيراده الثاني فوارد، وتوضيحه: أنّ الحكم بالضمان في المسألة الاُولى إنّما هو لتدارك الضرر الواقع على المحبوس من ناحية الحابس، وقد عرفت(1) أنّ حديث لا ضرر لا يشمل مثل ذلك ولا يدل على وجوب تدارك الضرر الواقع في الخارج بأيّ سبب، بل يدل على نفي الضرر من قبل الشارع في عالم التشريع. وكذا الحال في المسألة الثانية، فانّ فيها اُموراً ثلاثة: امتناع الزوج عن النفقة، ونفس الزوجية، وكون الطلاق بيد الزوج. أمّا الأوّل فهو الموجب لوقوع الضرر على الزوجة ولم يرخص فيه الشارع. وأمّا الثاني فليس ضررياً وقد أقدمت الزوجة بنفسها عليه في مقابل المهر وكذا الثالث، فليس من قبل الشارع ضرر في عالم التشريع حتّى يرفع بحديث لا ضرر، غاية الأمر أنّ الحكم بجواز الطلاق يوجب تدارك الضرر الناشئ من عدم الانفاق، وقد عرفت أنّ مثل ذلك لا يكون مشمولاً لحديث لا ضرر. هذا مضافاً إلى أنّ التمسك بحديث لا ضرر ـ لاثبات الضمان في المسألة الاُولى، ولاثبات جواز الطلاق للحاكم في المسألة الثانية ـ معارض بالضرر المترتب على الحكم بالضمان على الحابس، والضرر المترتب على جواز الطلاق على الزوج من زوال سلطنته على الطلاق، ولا ترجيح لأحد الضررين على الآخر.

 إن قلت: إنّ الحابس بحبسه والزوج بامتناعه عن النفقة قد أقدما على الضرر، فلا يعارض به الضرر الواقع على المحبوس والزوجة.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 615.

ــ[651]ــ

 قلت: إنّ الحابس لم يقدم على الضرر على نفسه، بل أقدم على الضرر على المحبوس، وكذا الزوج بامتناعه عن النفقة لم يقدم على الضرر على نفسه، بل أقدم على الضرر على الزوجة، وصدق الاقدام على الضرر على نفسيهما متوقف على ثبوت الحكم بضمان الحابس وبزوال سلطنة الزوج، فلا يمكن إثباتهما بالاقدام على الضرر، فانّه دور واضح.

 هذا ما تقتضيه القاعدة، ولكنّه وردت روايات خاصّة في المسألة الثانية تدل على زوال سلطنة الزوج عند امتناعه عن النفقة على الزوجة، وأ نّه للحاكم أن يفرّق بينهما (1). ولا مانع من العمل بها في موردها. وأمّا ما ذكره المحقق النائيني (قدس سره) (2) من معارضتها للروايات الدالة على أ نّها «ابتليت فلتصبر» (3) ففيه: أنّ هذه الروايات الآمرة بالصبر واردة فيما إذا امتنع الزوج عن المواقعة، فلا معارضة بينها، فيعمل بكل منها في موردها. نعم، الروايات الدالة على أنّ الطلاق بيد من أخذ بالساق (4) معارضة لها، لكنّها أخص منها، فتقدّم عليها، ونتيجة التقديم أن يجبر الزوج على الانفاق، وإن امتنع فيجبر على الطلاق، وإن امتنع عنه أيضاً يفرّق الحاكم بينهما.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 21: 509 / أبواب النفقات ب 1 ح 1 و 2.

(2) منية الطالب 3: 420.

(3) المستدرك 15: 337 / أبواب أقسام الطلاق ب 18 ح 7، وراجع الوسائل 20: 506 / أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 44 ح 1 و 2، وراجع أيضاً روايات الباب 23 من أقسام الطلاق.

(4) عوالي اللآلي 1: 234 / ح 137، راجع الوسائل 22: 98 / أبواب مقدّمات الطلاق ب 42 ح 1.

ــ[652]ــ

 والظاهر أنّ الروايات الدالة على جواز الطلاق للحاكم مختصّة بما إذا امتنع الزوج عن الانفاق بلا عذر، فلا تنافي بينها وبين الروايات الدالة على أ نّها إن غاب زوجها فليس للحاكم طلاقها إلاّ بعد التفحص عنه أربع سنوات (1)، فلعل عدم الانفاق من الزوج الغائب يكون لعذر.
 
ـــــــــــــــ

(1) الوسائل 22: 156 ـ 158 / أبواب أقسام الطلاق ب 23 ح 1 وغيره.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net