4 ـ استصحاب الكلي \ استصحاب القسم الأوّل من الكلي - القسم الثاني 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 6882


التنبيه الرابع

 المستصحب قد يكون جزئياً وقد يكون كلياً، وجريان الاستصحاب في الكلي لا يتوقف على القول بوجود الكلي الطبيعي في الخارج، فانّ البحث عن وجود الكلي الطبيعي وعدمه بحث فلسفي، والأحكام الشرعية مبتنية على المفاهيم العرفية، ولا إشكال في وجود الكلي في الخارج بنظر العرف.

  ثمّ إنّه لا فرق في جريان الاستصحاب في الكلي بين أن يكون الكلي من الكليات المتأصلة أو من الكليات الاعتبارية، ومنها الأحكام الشرعية التكليفية والوضعية على ما ذكرناه(1) من أ نّها من الاُمور الاعتبارية، فلا مانع من استصحاب الكلي الجامع بين الوجوب والندب مثلاً، أو من الكليات الانتزاعية كالعالم مثلاً بناءً على ما ذكرنا في بحث المشتق(2) من أن مفاهيم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 92 وما بعدها.

(2) محاضرات في اُصول الفقه 1: 302.

ــ[122]ــ

المشتقات من الاُمور الانتزاعية، فانّ الموجود في الخارج هو ذات زيد مثلاً وعلمه، وأمّا عنوان العالم فهو منتزع من اتصاف الذات بالمبدأ وانتسابه إليه، ولا وجود له غير الوجودين.

 ثمّ إنّ الأثر الشرعي قد يكون للكلي بلا دخل للخصوصية فيه كحرمة مس كتابة القرآن، وعدم جواز الدخول في الصلاة بالنسبة إلى الحدث الأكبر أو الأصغر، وقد يكون الأثر للخصوصية لا للجامع، كحرمة المكث في المسجد والعبور عن المسجدين، فانّهما من آثار خصوص الجنابة لا مطلق الحدث، ففيما كان الأثر للجامع لا معنى لاستصحاب الخصوصية، وفيما كان الأثر للخصوصية لا يصح استصحاب الكلي، بل جريان الاستصحاب تابع للأثر، فاذا كان الشخص جنباً ثمّ شك في ارتفاعها وهو يريد الدخول في الصلاة أو مسّ كتابة القرآن، لا يصح له استصحاب الجنابة، لعدم ترتب الأثر على خصوصيتها، بل يجري استصحاب الحدث الجامع بين الأكبر والأصغر. وإن أراد الدخول في المسجد، فلا معنى لاستصحاب الحدث لعدم ترتب حرمته على الحدث الجامع بين الأكبر والأصغر، بل لا بدّ من استصحاب خصوص الجنابة، فبالنسبة إلى الأثر الأوّل يجري الاستصحاب في الكلي، وبالنسبة إلى الأثر الثاني يجري الاستصحاب في الجزئي.

 فتحصّل ممّا ذكرناه: أ نّا لسنا مخيّرين في إجراء الاستصحاب في الكلي والجزئي على ما يظهر من عبارة الكفاية (1)، بل جريان الاستصحاب تابع للأثر على ما ذكرنا.

 ثمّ إن أقسام استصحاب الكلي أربعة:

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول: 406.

ــ[123]ــ

 القسم الأوّل: ما إذا علمنا بتحقق الكلي في ضمن فرد معيّن، ثمّ شككنا في بقاء هذا الفرد وارتفاعه، فلا محالة نشك في بقاء الكلي وارتفاعه أيضاً، فاذا كان الأثر للكلي، فيجري الاستصحاب فيه، مثاله المعروف ما إذا علمنا بوجود زيد في الدار فنعلم بوجود الانسان فيها ثمّ شككنا في خروج زيد عنها فنشك في بقاء الانسان فيها، فلا إشكال في جريان الاستصحاب في بقائه إذا كان له أثر.

 القسم الثاني: ما إذا علمنا بوجود الكلي في ضمن فرد مردد بين متيقن الارتفاع ومتيقن البقاء، كما إذا علمنا بوجود إنسان في الدار مع الشك في كونه زيداً أو عمراً، مع العلم بأ نّه لو كان زيداً لخرج يقيناً ولو كان عمراً فقد بقي يقيناً، ومثاله في الحكم الشرعي ما إذا رأينا رطوبة مشتبهة بين البول والمني فتوضأنا، فنعلم أ نّه لو كان الحدث الموجود هو الأصغر فقد ارتفع، ولو كان هو الأكبر فقد بقي. وكذا لو اغتسلنا في المثال فنعلم أ نّه لو كان الحدث هو الأكبر فقد ارتفع، وإن كان هو الأصغر فقد بقي، لعدم ارتفاعه بالغسل، فنجري الاستصحاب في الحدث الجامع بين الأكبر والأصغر ونحكم بترتب أثره، كحرمة مس كتابة القرآن وعدم جواز الدخول في الصلاة. وهذا هو القسم الثاني الذي ذكره الشيخ(1) (قدس سره) وتبعه جماعة ممن تأخر عنه.

 والظاهر أنّ تخصيص هذا القسم ـ بأن يكون الفرد مردداً بين متيقن الارتفاع ومتيقن البقاء ـ إنّما هو لمجرد التمثيل، وإلاّ فيكفي في جريان الاستصحاب مجرد احتمال البقاء، فلو كان الفرد مردداً بين متيقن الارتفاع ومحتمل البقاء لكان الاستصحاب جارياً في الكلي، ويكون أيضاً من القسم الثاني.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 2: 638 / التنبيه الأوّل من تنبيهات الاستصحاب.

ــ[124]ــ

 القسم الثالث: ما إذا علمنا بوجـود الكلي في ضمن فرد معيّن وعلمنا بارتفاع هذا الفرد لكن احتملنا وجود فرد آخر مقارن مع وجود الفرد الأوّل أو مقارن مع ارتفاعه، كما إذا علمنا بوجود زيد في الدار وعلمنا بخروجه عنها، لكن احتملنا بقاء الانسان في الدار لاحتمال دخول عمرو فيها ولو مقارناً مع خروجه عنها.

 القسم الرابع: ما إذا علمنا بوجود فرد معيّن وعلمنا بارتفاع هذا الفرد، ولكن علمنا بوجود فرد معنون بعنوان يحتمل انطباقه على الفرد الذي علمنا ارتفاعه، ويحتمل انطباقه على فرد آخر، فلو كان العنوان المذكور منطبقاً على الفرد المرتفع، فقد ارتفع الكلي، وإن كان منطبقاً على غيره فالكلي باق.

 وامتياز هذا القسم عن القسم الأوّل ظاهر. وامتيازه عن القسم الثاني أ نّه في القسم الثاني يكون الفرد مردداً بين متيقن الارتفاع ومتيقن البقاء أو محتمله على ما ذكرنا، بخلاف القسم الرابع فانّه ليس فيه الفرد مردداً بين فردين، بل الفرد معيّن، غاية الأمر أ نّه يحتمل انطباق عنوان آخر عليه. وامتيازه عن القسم الثالث بعد اشتراكهما في احتمال تقارن فرد آخر مع هذا الفرد المعيّن الذي علمنا ارتفاعه أ نّه ليس في القسم الثالث علمان، بل علم واحد متعلق بوجود فرد معيّن، غاية الأمر نحتمل تقارن فرد آخر مع حدوثه أو مع ارتفاعه، بخلاف القسم الرابع، فانّ المفروض فيه علمان: علم بوجود فرد معيّن، وعلم بوجود ما يحتمل انطباقه على هذا الفرد وعلى غيره.

 مثاله ما إذا علمنا بوجود زيد في الدار وعلمنا بوجود متكلم فيها، ثمّ علمنا بخروج زيد عنها، ولكن احتملنا بقاء الانسان فيها لاحتمال أن يكون عنوان المتكلم منطبقاً على فرد آخر، مثاله في الأحكام الشرعية ما إذا علمنا بالجنابة ليلة الخميس مثلاً واغتسلنا منها، ثمّ رأينا المني في ثوبنا يوم الجمعة مثلاً،

ــ[125]ــ

فنعلم بكوننا جنباً حين خروج هذا المني، ولكن نحتمل أن يكون هذا المني من الجنابة التي اغتسلنا منها وأن يكون من غيرها، هذه هي أقسام استصحاب الكلي.

 أمّا القسم الأوّل: فلا ينبغي الاشكال في جريان الاستصحاب فيه كما تقدّم.

 وأمّا القسم الثاني: فيجري فيه الاستصحاب أيضاً، ففي مثال الحدث المردد بين الأكبر والأصغر نجري الاستصحاب في الكلي ونحكم بعدم جواز الدخول في الصلاة وحرمة مس كتابة القرآن. وأمّا عدم جواز المكث في المسجد، فليس أثراً لجامع الحدث، بل لخصوص الجنابة، ولا مجال لجريان الاستصحاب فيها لعدم اليقين بها. نعم، لا يجوز له المكث في المسجد لأجل العلم الاجمالي بحرمته أو بوجوب الوضوء للصلاة، وهو شيء آخر لا ربط له بمسألة الاستصحاب.

 واستشكل بعضهم في جريان الاستصحاب في القسم الثاني بأنّ الاستصحاب فيه وإن كان جارياً في نفسه لتمامية موضوعه من اليقين والشك، إلاّ أ نّه محكوم بأصل سببي، فانّ الشك في بقاء الكلي مسبب عن الشك في حدوث الفرد الطويل والأصل عدمه، ففي المثال يكون الشك في بقاء الحدث مسبباً عن الشك في حدوث الجنابة، فتجري أصالة عدم حدوث الجنابة، وبانضمام هذا الأصل إلى الوجدان يحكم بارتفاع الحدث، فانّ الحدث الأصغر مرتفع بالوجدان، والحدث الأكبر منفي بالأصل.

 واُجيب عنه بوجوه:

  الأوّل: ما في الكفاية(1) من أنّ الشك في بقاء الكلي ليس مسبباً عن الشك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول: 406.

ــ[126]ــ

في حـدوث الفرد الطويل، بل مسبب عن الشك في كون الحادث طويلاً أو قصيراً. وبعبارة اُخرى: الشك في بقاء الكلي مسبب عن الشك في خصوصية الفرد الحادث، وليس له حالة سابقة حتى يكون مورداً للأصل، فتجري فيه أصالة عدم كونه طويلاً، فما هو مسبوق بالعدم وهو حدوث الفرد الطويل ليس الشك في بقاء الكلي مسبباً عنه، وما يكون الشك فيه مسبباً عنه وهو كون الحادث طويلاً ليس مسبوقاً بالعدم حتى يكون مورداً للأصل.

 وهذا الجواب مبني على عدم جريان الأصل في العدم الأزلي، وأمّا إذا قلنا بجريانه كما هو الصحيح على ما ذكرنا في محلّه(1)، فلا مانع من جريان أصالة عدم كون الحادث طويلاً، ولذا بنينا في الفقه على عدم جريان استصحاب الكلي، للأصل السببي الحاكم عليه في موارد منها (2): ما إذا شك في كون نجس بولاً أو عرق كافر مثلاً، فتنجس به شيء فغسل مرة واحدة، فلا محالة نشك في بقاء النجاسة وارتفاعها على تقدير اعتبار التعدد في الغسل في طهارة المتنجس بالبول، إلاّ أ نّه مع ذلك لا نقول بجريان الاستصحاب في كلي النجاسة ووجوب الغسل مرةً ثانية، لأ نّه تجري أصالة عدم كون الحادث بولاً فنحكم بكفاية المرة، للعمومات الدالة على كفاية الغسل مرةً واحدةً وخرج عنها البول بأدلة خاصة.

 الثاني: ما ذكره أيضاً في الكـفاية (3): وهو أنّ بقاء الكلي عين بقاء الفرد الطويل، فانّ الكلي عين الفرد لا أ نّه من لوازمه، فلاتكون هناك سببية ومسببية.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 4: 360 وما بعدها.

(2) راجع شرح العروة 3: 203 ـ 204.

(3) كفاية الاُصول: 406.

ــ[127]ــ

 وفيه: أنّ العينية لا تنفع، بل جريان الاستصحاب في الكلي على العينية أولى بالاشكال منه على السببية.

 الثالث: ما ذكره العلاّمة النائيني(1) (قدس سره) وهو أنّ الأصل السببي معارض بمثله، فانّ أصالة عدم حدوث الفرد الطويل معارض بأصالة عدم حدوث الفرد القصير، وأصالة عدم كون الحادث طويلاً معارض بأصالة عدم كون الحادث قصيراً، وبعد سقوط الأصل السببي للمعارضة تصل النوبة إلى الأصل المسببي، وهو استصحاب بقاء الكلي.

 وفيه: أنّ دوران الأمر بين الفرد الطويل والقصير يتصور على وجهين:

 الوجه الأوّل: أن يكون للفرد الطويل أثر مختص به وللفرد القصير أيضاً أثر مختص به، ولهما أثر مشترك بينهما كما في الرطوبة المرددة بين البول والمني، فانّ الأثر المختص بالبول هو وجوب الوضوء وعدم كفاية الغسل للصلاة، والأثر المختص بالمني هو وجوب الغسل وعدم كفاية الوضوء، وعدم جواز المكث في المسجد وعدم جواز العبور عن المسجدين، والأثر المشترك هو حرمة مس كتابة القرآن، ففي مثل ذلك وإن كان ما ذكره من تعارض الاُصول صحيحاً، إلاّ أ نّه لا فائدة في جريان الاستصحاب في الكلي في مورده، لوجوب الجمع بين الوضوء والغسل في المثال بمقتضى العلم الاجمالي، فان نفس العلم الاجمالي كاف في وجـوب إحراز الواقع، ولذا قلنا في دوران الأمر بين المتباينين(2) بوجوب الاجتناب عن الجميع للعلم الاجمالي، فهذا الاستصحاب مما لا يترتب عليه أثر.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 4: 92، فوائد الاُصول 4: 418.

(2) في الجزء الثاني من هذا الكتاب، ص 403 وما بعدها.

ــ[128]ــ

 الوجه الثاني: أن يكون لهما أثر مشترك ويكون للفرد الطويل أثر مختص به، فيكون من قبيل دوران الأمر بين الأقل والأكثر، كما في المثال الذي ذكرناه من كون نجس مردداً بين البول وعرق الكافر، فانّ وجوب الغسل في المرة الاُولى أثر مشترك فيه، ووجوب الغسل مرةً ثانيةً أثر لخصوص البول، ففي مثله لو جرى الاستصحاب في الكلي وجب الغسل مرةً ثانية، ولو لم يجر كفى الغسل مرةً.

 لكنّه لا يجري لحكومة الأصل السببي عليه، وهو أصالة عدم حدوث البول أو أصالة عدم كون الحادث بولاً، ولا تعارضها أصالة عدم كون الحادث عرق كافر أو أصالة عدم حدوثه، لعدم ترتب أثر عليها، إذ المفروض العلم بوجوب الغسل في المرة الاُولى على كل تقدير، فاذن لا يجري الأصل في القصير حتى يعارض جريان الأصل في الطويل. وأمّا إثبات حدوث الفرد الطويل بأصالة عدم حدوث الفرد القصير، فهو متوقف على القول بالأصل المثبت ولا نقول به.

 وملخص الاشكال على هذا الجواب: أ نّه في القسم الأوّل وإن كانت الاُصول السببية متعارضة متساقطة، إلاّ أ نّه لا أثر لجريان الاستصحاب في الكلي، لتنجز التكليف بالعلم الاجمالي. وفي القسم الثاني يكون الأصل السببي حاكماً على استصحاب الكلي ولا يكون له معارض، لعدم جريان الأصل في الفرد القصير لعدم ترتب الأثر عليه.

 الرابع: ما ذكره أيضاً في الكفاية(1) وجعله ثالثاً من الأجوبة، وهو أنّ الشك في بقاء الكلي وإن سلّم كونه مسبباً عن الشك في حدوث الفرد الطويل،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول: 406.

ــ[129]ــ

إلاّ أنّ مجرد السببية لا تكفي في حكومة الأصل السببي على الأصل المسببي، بل الميزان في الحكومة أن يكون ثبوت المشكوك الثاني أو انتفاؤه من الآثار الشرعية للأصل السببي، ليكون الأصل السببي رافعاً للشك المسببي بالتعبد الشرعي، فلا يجري الأصل فيه، لانتفاء موضوعه وهو الشك بالتعبد الشرعي.

 والأوّل وهو ما كان ثبوت المشكوك الثاني من اللوازم الشرعية للأصل السببي، كما في استصحاب الطهارة بالنسبة إلى قاعدة الطهارة، فانّ استصحاب الطهارة يرفع الشك في الطهارة ويثبتها شرعاً، فلا مجال لجريان قاعدة الطهارة، لانتفاء موضوعها وهو الشك بالتعبد الشرعي.

 والثاني وهو ما كان انتفاء المشكوك الثاني من الآثار الشرعية للأصل السببي كما في تطهير ثوب متنجس بماء مستصحب الطهارة، فانّ طهارة الثوب المغسول به من الآثار الشرعية لاستصحاب الطهارة فيه، فلا يبقى معه شك في نجاسة الثوب ليجري فيها الاستصحاب، فانّها قد ارتفعت بالتعبد الشرعي، وهذا بخلاف المقام فانّ عدم بقاء الكلي ليس من الآثار الشرعية لعدم حدوث الفرد الطويل، بل من لوازمه العقلية، فلا حكومة لأصالة عدم حدوث الفرد الطويل على استصحاب الكلي.

 وهذا هو الجواب الصحيح، فلا ينبغي الاشكال في جريان القسم الثاني من استصحاب الكلي.

 ثمّ لا يخفى أن ما ذكرنا من جريان الاستصحاب في الكلي إنّما هو فيما إذا لم يكن أصل يعيّن به الفرد، وإلاّ فلا مجال لجريان الاستصحاب في الكلي، كما إذا كان أحد محدثاً بالحدث الأصغر، فخرجت منه رطوبة مرددة بين البول والمني ثمّ توضأ فشك في بقاء الحدث، فمقتضى استصحاب الكلي وإن كان بقاء الحدث، إلاّ أنّ الحدث الأصغر كان متيقناً، وبعد خروج الرطوبة المرددة يشك

ــ[130]ــ

في تبدله بالأكبر، فمقتضى الاستصحاب بقاء الأصغر وعدم تبدله بالأكبر، فلا يجري الاستصحاب في الكلي، لتعين الفرد بالتعبد الشرعي، فيكفي الوضوء. نعم، من كان متطهراً ثمّ خرجت منه الرطوبة المرددة لا يجوز له الاكتفاء بالوضوء فقط، بل يجب عليه الجمع بين الوضوء والغسل، فما ذكره صاحب العروة من عدم كفاية الوضوء فقط محمول على هذه الصورة كما يظهر من مراجعة كلامه(1) (قدس سره).

 ولا يتوقف ما ذكرنا ـ من تعيّن الأصغر بالأصل وعدم جريان الاستصحاب في الكلي ـ على كون الحدث الأصغر والأكبر من قبيل المتضادين بحيث لا يمكن اجتماعهما، بل الفرد يعيّن بالأصل على جميع الأقوال فيهما، فانّ الأقوال فيهما ثلاثة:

 الأوّل: كونهما متضادين.

 الثاني: كونهما شيئاً واحداً وإنّما الاختلاف بينهما في القوّة والضعف، فالأصغر مرتبة ضعيفة من الحـدث، والأكبر مرتبة قوية منه، كما قيل في الفرق بين الوجوب والاستحباب: إنّ الوجوب مرتبة قوية من الطلب والاستحباب مرتبة ضعيفة منه.

 الثالث: كونهما من قبيل المتخالفين بحيث يمكن اجتماعهما كالسواد والحلاوة مثلاً.

 فعلى الأوّل نقـول حيث إنّ الأصـغر كان متيقناً وشك في تبـدله بالأكبر فالأصل عدم تبدله به. وعلى الثاني نقول الأصل عدم حدوث المرتبة القوية بعد كون المرتبة الضعيفة متيقنة. وعلى الثالث نقول الأصل عدم اجتماع الأكبر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) العروة الوثقى: 129 و 130 / فصل في الاستبراء، المسألة 8 [ 458 ].

ــ[131]ــ

مع الأصغر، فعلى جميع الأقوال يعيّن الفرد فلا مجال لجريان الاستصحاب في الكلي.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net