جريان الاستصحاب في منشأ الانتزاع - جريان الاستصحاب في الجزء والشرط 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4600


 الثاني: جريان الاستصحاب في منشأ الانتزاع، فتترتب عليه الأحكام المترتبة على الاُمور الانتزاعية، وهي الاُمور التي ليس بحذائها شيء في الخارج، ويعبّر عنها بخارج المحمول، كالملكية والزوجية، فانّ الأثر الشرعي وإن كان أثراً للأمر الانتزاعي، إلاّ أ نّه حيث لا يكون بحذائه شيء في الخارج، كان الأثر في الحقيقة أثراً لمنشأ الانتزاع. وهذا بخلاف الأعراض التي تكون بأنفسها موجودة في الخارج، ويعبّر عنها بالمحمول بالضميمة، فاذا كان الأثر أثراً لسواد شيء، لم يمكن ترتيبه على استصحاب معروضه على تقدير كون السواد لازماً لبقائه دون حدوثه، فانّه من أوضح مصاديق الأصل المثبت.

 الثالث: جريان الاستصحاب في الجزء والشرط، فتترتب عليه الجزئية والشرطية، فانّ الجزئية والشرطية وإن لم تكونا مجعولتين بالاستقلال، لكنّهما مجعولتان بالتبع، ولا فرق في ترتب الأثر المجعول على المستصحب بين أن يكون مجعولاً بالاستقلال أو بالتبع، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المستصحب وجودياً أو عدمياً. انتهى كلامه (قدس سره).

 أقول: أمّا ما ذكره أوّلاً من جريان الاسـتصحاب في الفرد فهو مما لا إشكال فيه، كيف ولو منع منه لانسدّ باب الاستصحاب، إلاّ أنّ جريانه في الفرد ليس مبنياً على ما ذكره من اتحاد الكلي والفرد خارجاً، بل الوجه فيه أنّ الأثر أثر لنفس الفرد لا للكلي، لأنّ الأحكام وإن كانت مجعولةً على نحو القضايا الحقيقية، إلاّ أنّ الحكم فيها ثابت للأفراد لا محالة، غاية الأمر أنّ

ــ[205]ــ

الخصوصيات الفردية لا دخل لها في ثبوت الحكم، وإلاّ فالكلي بما هو لا حكم له، وإنّما يؤخذ في موضوع الحكم ليشار به إلى أفراده، مثلاً إذا حكم بحرمة الخمر فالحرام هو الخمر الخارجي لا الطبيعة الكلية بما هي.

 وأمّا ما ذكره في المورد الثاني، فان كان مراده منه أنّ الاستصحاب يصح جريانه في الفرد من الأمر الانتزاعي لترتيب أثر الكلي عليه، فيصح استصحاب ملكية زيد لمال لترتيب آثار الملكية الكلية من جواز التصرف له وعدم جواز تصرف الغير فيه بدون إذنه، فالكلام فيه هو الكلام في الأمر الأوّل، مع أنّ هذا لا يكون فارقاً بين الخارج المحمول والمحمول بالضميمة، فاذا شك في بقاء فرد من أفراد المحمول بالضميمة كعدالة زيد مثلاً، فباستصحاب هذا الفرد تترتب آثار مطلق العدالة كجواز الاقتداء به ونحوه، فلا وجه للفرق بين الخارج المحمول والمحمول بالضميمة.

 وإن كان مراده أنّ الاستصحاب يجري في منشأ الانتزاع ويترتب عليه أثر الأمر الانتزاعي الذي يكون لازماً له على فرض بقائه، فهذا من أوضح مصاديق الأصل المثبت، فاذا علمنا بوجود جسم في مكان، ثمّ علمنا بوجود جسم آخر في أسفل من المكان الأوّل، مع الشك في بقاء الجسم الأوّل في مكانه، لم يمكن ترتيب آثار فوقيته على الجسم الثاني باستصحاب وجوده في مكانه الأوّل، فانّه من أوضح أنحاء الأصل المثبت. وكذلك لا يمكن إثبات زوجية امرأة خاصة لزيد مع الشك في حياتها وإن علم أ نّها على تقدير حياتها تزوجت به يقيناً.

 نعم، لو كان الأمر الانتزاعي أثراً شرعياً لبقاء شيء، لترتب على استصحابه بلا إشكال، وهذا كما إذا علم بأنّ الفرس المعيّن كان ملكاً لزيد وشك في حياته حين موت زيد، أو في بقائه على ملكه حين موته، فباستصحاب الحياة أو

ــ[206]ــ

الملكية نحكم بانتقاله إلى الوارث ولا مجال حينئذ لتوهم كونه مثبتاً، لأنّ انتقاله إلى الوارث من الآثار الشرعية لبقائه، غاية الأمر أ نّه أثر وضعي لا تكليفي، وهو لا يوجب الفرق في جريان الاستصحاب وعدمه.

 وأمّا ما ذكره في المورد الثالث ـ من ترتب الاُمور المجعولة بالتبع على الاستصحاب كالاُمور المجعولة بالاستقلال، فباستصحاب الشرط تترتب الشرطية وباستصحاب المانع تترتب المانعية ـ فالظاهر أ نّه أراد بذلك دفع الاشكال المعروف في جريان الاستصحاب في الشرط والمانع.

 بيان الاشكال: أنّ الشرط بنفسه ليس مجعولاً بالجعل التشريعي، بل لايكون قابلاً للجعل التشريعي، لكـونه من الاُمور الخارجية التكوينـية كالاسـتقبال والتستر للصلاة مثلاً، ولا يكون له أثر شرعي أيضاً، فانّ جواز الدخول في الصلاة مثلاً ليس من الآثار الشرعية للاستقبال، بل [ من ] الأحكام العقلية، فانّ المجعول الشرعي هو الأمر المتعلق بالصلاة مقيّدة بالاستقبال، بحيث يكون التقيد داخلاً والقيد خارجاً. وبعد تحقق هذا الجعل من الشارع، يحكم العقل بجواز الدخول في الصلاة مع الاستقبال، وعدم جواز الدخول فيها بدونه، لحصول الامتثال معه وعدمه بدونه. وحصول الامتثال وعدمه من الأحكام العقلية، فليس الشرط بنفسه مجعولاً شرعياً، ولا مما له أثر شرعي، فلا بدّ من الحكم بعدم جريان الاستصحاب فيه. وكذا الكلام بعينه في المانع، فأراد صاحب الكفاية (قدس سره) دفع هذا الاشكال بأنّ الشرطية من المجعولات بالتبع، فلا مانع من جريان الاستصحاب في الشرط لترتب الشرطية عليه، لأنّ المجعولات بالتبع كالمجعولات بالاستقلال في صحة ترتبها على الاستصحاب.

 أقول: أمّا ما ذكره من حيث الكبرى، من صحة جريان الاستصحاب باعتبار الأثر المجعول بالتبع فهو صحيح، لعدم الدليل على اعتبار كون الأثر

ــ[207]ــ

مجعولاً بالاستقلال.

 وأمّا من حيث الصغرى وتطبيق هذه الكلية على محل الكلام فغير تام، لأنّ الشرطية ليست من آثار وجود الشرط في الخارج كي تترتب على استصحاب الشرط، بل هي منتزعة في مرحلة الجعل من أمر المولى بشيء مقيداً بشيء آخر، بحيث يكون التقيد داخلاً والقيد خارجاً، فشرطية الاستقبال للصلاة تابعة لكون الأمر بالصلاة مقيداً بالاستقبال، سواء وجد الاستقبال في الخارج أم لا، فكما أنّ أصل وجوب الصلاة ليس من آثار الصلاة الموجودة في الخارج، فانّ الصلاة واجبة أتى بها المكلف في الخارج أم لم يأت بها، فكذا اشتراط الصلاة بالاستقبال ليس من آثار وجود الاستقبال في الخارج، فانّ الاستقبال شرط للصلاة وجد في الخارج أم لا، وعليه فلا تترتب الشرطية على جريان الاستصحاب في ذات الشرط. وهذا بخلاف الحرمة والملكية ونحوهما من الأحكام التكليفية أو الوضعية المترتبة على الوجودات الخارجية، فاذا كان في الخارج خمر وشككنا في انقلابه خلاً، نجري الاستصحاب في خمريته فنحكم بحرمته ونجاسته بلا إشكال.

 وظهر بما ذكرناه أ نّه لا يجري الاستصحاب في نفس الشرطية أيضاً إذا شك في بقائها لاحتمال النسخ، أو لتبدل حالة من حالات المكلف، فانّ الشرطية كما عرفت منتزعة من الأمر بالمقيد، فيجري الاستصحاب في منشأ الانتزاع، وتنتزع منه الشرطية، فلا تصل النـوبة إلى جريان الاستصحاب في نفس الشرطية. هذا إذا قلنا بجريان الاستصحاب عند الشك في النسخ وفي الأحكام الكلية، وإلاّ فلا مجال للاستصحاب عند الشك في بقاء الشرطية أصلاً.

 فالمتحصل مما ذكرناه: أ نّه لايندفع الاشكال المعروف في جريان الاستصحاب في الشرط بما ذكره صاحب الكفاية (قدس سره).

ــ[208]ــ

 والذي ينبغي أن يقال في دفعه: إنّ الاشكال المذكور إنّما نشأ مما هو المعروف بينهم من أ نّه يعتبر في الاستصحاب أن يكون المستصحب بنفسه مجعولاً شرعياً أو موضوعاً لمجعول شرعي، فيتوجه حينئذ الاشكال في جريان الاستصحاب في الشرط، لعدم كونه مجعولاً بالجعل التشريعي، وليس له أثر جعلي.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net