حكم الشك في تقدم الكرية على الملاقاة - تعاقب الحالتين 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4959


 بقي الكلام في فرع ذكروه في المـقام: وهو أ نّه إذا كان الماء قليلاً طاهراً فعلمنا بتتميمه كراً وبملاقاته مع النجاسة، وشككنا في تقدم الكرية على الملاقاة حتى يكون طاهراً، أو تقدم الملاقاة على الكرية فيكون نجساً، بناءً على أنّ تتميم الماء النجس كراً لا يوجب طهارته كما هو الظاهر، فتارةً: تكون الملاقاة والكرية مجهولتي التاريخ. واُخرى: تكون الكرية معلومة التاريخ، والملاقاة مجهولة التاريخ. وثالثة: تكون الملاقاة معلومة التاريخ والكرية مجهولة، والأقوال في المسألة ثلاثة:


ــ[233]ــ

 القول الأوّل: هو الحكم بطهارة الماء في جميع الصور الثلاث.

 أمّا في صورة الجهل بتاريخ الكرية والملاقاة، فلعدم جريان الاستصحاب في نفسه ـ كما عليه صاحب الكفاية (قدس سره) ـ أو لسقوطه بالمعارضة، لكون الأثر مترتباً على الطرفين ـ كما عليه الشيخ (قدس سره) ـ فلا مجال للرجوع إلى الاستصحاب على كل تقدير، فيرجع إلى قاعدة الطهارة المستفادة من قوله (عليه السلام): «كل شيء طاهر حتى تعلم أ نّه قذر»(1).

 وأمّا في صورة العلم بتاريخ إحداهما، فلما ذكرنا من عدم الفرق بين معلوم التاريخ ومجهوله في جريان الاستصحاب، فيسقط الاستصحاب للمعارضة ويرجع إلى قاعدة الطهارة.

 القول الثاني: هو الحكم بنجاسة الماء في جميع الصور، وهو الذي اختاره المحقق النائيني (قدس سره) ببيان سنذكره(2) إن شاء الله تعالى.

 القول الثالث: هو الحكم بطهارة الماء في صورتين، وهما صورة الجهل بتاريخ كل منهما، وصورة العلم بتاريخ الكرية، وأمّا في صورة العلم بتاريخ الملاقاة فحكم بالنجاسة.

 أمّا في صورة الجهل بتاريخ كل منهما فلتساقط الاستصحابين للمعارضة، فيكون المرجع قاعدة الطهارة على ما تقدم. وأمّا في صورة العلم بتاريخ الكرية، فلما بنى عليه سابقاً من عدم جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ، فلا يجري استصحاب عدم الكرية حين الملاقاة لمعلومية تاريخ الكرية، ويجري استصحاب عدم الملاقاة حين الكرية فيحكم بالطهارة.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك 2: 583 / أبواب النجاسات ب 30 ح 4.

(2) في الصفحة الآتية.

ــ[234]ــ

وأمّا في صورة العلم بتاريخ الملاقاة، فلا يجري استصحاب عدم الملاقاة حين الكرية، لمعلومية تاريخ الملاقاة، ويجري استصحاب عدم الكرية حين الملاقاة، فيحكم بالنجاسة، وحيث إنّ مبنى هذا التفصيل هو الفرق بين معلوم التاريخ ومجهوله في جريان الاستصحاب، فقد تقدم ما فيه من عدم الفرق بينهما في جريان الاستصحاب على ما تقدم بيانه(1) مفصلاً.

 أمّا القول الثاني وهو الحكم بنجاسة الماء في جميع الصور، فاختاره المحقق النائيني(2) (قدس سره) وذكر لكل واحدة من الصور وجهاً بيانه: أ نّه في صورة الجهل بتاريخ كل منهما لا يجري استصحاب عدم الملاقاة إلى حين الكرية، لعدم ترتب الأثر الشرعي ـ وهو الحكم بالطهارة عليه ـ لأنّ الحكم بالطهارة مترتب على كون الكرية سابقة على الملاقاة، لقوله (عليه السلام): «إذا كان الماء قدر كر لا ينجّسه شيء»(3) فانّ المستفاد منه أ نّه يعتبر في عدم انفعال الماء بالملاقاة كونه كراً قبلها، ولا يمكن إثبات كون الكرية سابقةً على الملاقاة باستصحاب عدمها إلى حين الكرية، إلاّ على القول بالأصل المثبت، ويجري استصحاب عدم الكرية حين الملاقاة، فيحكم بالنجاسة لاحراز الملاقاة بالوجدان، وعدم الكرية بالأصل.

 وأمّا في صـورة العلم بتـاريخ المـلاقاة والجهل بتاريخ الكـرية فلا يجري استصحاب عدم الملاقاة، لمعلومية تاريخها، ويجري استصحاب عدم الكرية حين الملاقاة فيحكم بالنجاسة، بل الحكم في هذه الصورة أولى منه في الصورة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 229 ـ 232.

(2) أجود التقريرات 4: 161 ـ 164، فوائد الاُصول 4: 528 ـ 530.

(3) الوسائل 1: 158 و 159 / أبواب الماء المطلق ب 9 ح 1 و 2 و 6.

ــ[235]ــ

السابقة، لأنّ المانع من جريان استصحاب عدم الملاقاة إلى حين الكرية في هذه الصورة أمران: الأوّل: كونه مثبتاً على ما تقدم. والثاني: معلومية تاريخ الملاقاة.

 وأمّا في صورة العلم بتاريخ الكرية والجهل بتاريخ الملاقاة، فلا يجري استصحاب عدم الكرية، لمعلومية تاريخها، ولا استصحاب عدم الملاقاة إلى حين الكرية لكونه مثبتاً على ما تقدم بيانه من اعتبار الكرية قبل الملاقاة، ولذا اختار هو وغيره عدم كفاية التتميم في طهارة الماء القليل الملاقي للنجس، وبعد عدم جريان كلا الاستصحابين لا يمكن الرجوع إلى قاعدة الطهارة، وذلك لما أسسه من الأصل، وهو أ نّه إذا استثني من حكم إلزامي عنوانٌ وجودي، يفهم منه العرف أنّ إحراز هذا العنوان جزء للموضوع، فلو لم يحرز العنوان المذكور يرجع إلى حكم العام، فاذا قال المولى لعبده: لا تأذن في الدخول عليَّ إلاّ للعالم مثلاً، يفهم منه العرف أنّ الموضوع لجواز الاذن هو إحراز عنوان العالم.

 والمقام من هذا القبيل، لأ نّه حكم في الشريعة المقدسة بوجوب الاجتناب عن الماء الملاقي للنجاسة، واستثني منه ماء الكر، فيفهم العرف منه أنّ الموضوع لعدم وجوب الاجتناب هو إحراز الكرية، وفي صورة عدم إحراز الكرية يرجع إلى حكم العام، وهو وجوب الاجتناب، وفرّع على هذا الأصل فروعاً كثيرة:

 منها: ما لو علمنا بقلة ماء وكريته، وشككنا في أنّ المتقدم هو الكرية حتى يحكم بنجاسته فعلاً للملاقاة، أو القلة حتى يحكم بعدم نجاسته، فيتعارض استصحاب عدم الكرية حين الملاقاة باستصحاب عدم القلة، وبعد التساقط لا يمكن الرجوع إلى قاعدة الطهارة، لما تقدم من الأصل، فيحكم بالنجاسة. وكذا الكلام في الماء الذي ليس له حالة سابقة كالمخلوق دفعةً فرضاً، أو الماء الذي لا نعلم حالته السابقة.

ــ[236]ــ

 ومنها: ما لو شككنا في كون دم أقل من الدرهم، فيحكم بوجوب الاجتناب عنه، لأنّ المستثنى من وجوب الاجتناب عن الدم هو الأقل من الدرهم، ويفهم منه العرف أنّ المستثنى هو إحراز كونه أقل من الدرهم، فمع عدم الاحراز يرجع إلى حكم العام، لا للتمسك بالعام في الشبهة المصداقية، بل لأنّ المستثنى هو إحراز كونه أقل من الدرهم بحسب فهم العرف.

 ومنها: ما لو شككنا في كون امرأة من المحارم، فيحكم بحرمة النظر إليها، لأنّ المستثنى من حرمة النظر هو إحراز كونها من المحارم بحسب فهم العرف، فمع عدم الاحراز يرجع إلى حكم العام، انتهى ملخص كلامه (قدس سره).

 وفيه مواقع للنظر:

 الموقع الأوّل: فيما أسسه من الأصل، فانّه إن كان مراده أنّ الموضوع للحكم الواقعي هو الاحراز، فيلزم منه انتفاء الطهارة واقعاً في صورة الشك في الكرية، لكون موضوع الطهارة الواقعية هو إحراز الكرية على الفرض، فلو توضأ بماء مشكوك الطهارة مع الغفلة، يلزم الحكم ببطلان وضوئه، ولو انكشف بعد الوضوء كونه كراً في الواقع، وهذا شيء لم يلتزم به أحد.

 وإن كان مراده أنّ الموضوع للحكم الظاهري هو إحراز الكرية، وأنّ الحكم الظاهري مجعول طريقاً إلى الحكم الواقعي نظير وجوب الاحتياط، وأنّ قوله (عليه السلام): «إذا بلغ الماء قدر كر... » إلخ منحل إلى بيان حكمين: أحدهما الحكم الواقعي وموضـوعه الكر الواقعي. ثانيهما: الحكم الظاهري الطريقي، وموضوعه إحراز الكرية، فكل ما لم تحرز كريته محكوم بالانفعال ظاهراً.

 ففيه: أنّ استفادة الحكمين من مثل قوله (عليه السلام): «إذا بلغ الماء قدر كر... » دونه خرط القتاد، فانّا لا نفهم منه بعد مراجعة العرف إلاّ حكماً واحداً

ــ[237]ــ

واقعياً، وهو أنّ الكر لا ينجس بملاقاة شيء من النجاسات، وبعد عدم تمامية ما ذكره من الأصل وعدم جريان أصالة عدم الملاقاة لكونها من الاُصول المثبتة على ما ذكره (قدس سره) وعدم جريان أصالة عدم الكرية لكونها معلومة التاريخ، لا مانع من الرجوع إلى قاعدة الطهارة، ولذا ذهب المشهور إلى الحكم بطهارة الماء في هذه الصورة، أي صورة العلم بتاريخ الكرية والجهل بتاريخ الملاقاة.

 وأمّا ما فرّعه على الأصل المذكور من الموارد، فالحكم فيها وإن كان كما ذكره، إلاّ أ نّه ليس مبنياً على ما ذكره من الأصل، بل مبني على جريان الأصل الموضوعي، ففي مثل المرأة المرددة بين الأجنبية والمحرم، يحكم بحرمة النظر إليها لأصالة عدم كونها من المحارم، فانّ النسب من الاُمور الحادثة، وكذا الكلام في الفروع الاُخر، غاية الأمر أنّ الأصل الموضوعي يختلف باختلاف الموارد، ففي بعض الموارد يكون من قبيل أصالة العدم الأزلي ـ كما في المرأة المرددة ـ وفي بعض الموارد يكون من قبيل أصالة العدم النعتي كما في المثال المذكور في كلامه من الشك في كون أحد عالماً مع قول المولى لا تأذن في الدخول عليَّ إلاّ للعالم، فالأصل عدم كونه عالماً، فانّه حين تولده لم يكن عالماً يقيناً، والأصل بقاؤه على ما كان.

 الموقع الثاني: ما ذكره من عدم جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ، ففيه ما تقدم(1) من عدم الفرق في جريانه بين معلوم التاريخ ومجهوله، لأنّ الأثر ليس مترتباً على عدم الحادث في عمود الزمان كي يمنع من جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ، لعدم الشك فيه بلحاظ عمود الزمان، بل الأثر مترتب على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 232.

ــ[238]ــ

عدم أحد الحادثين حين وجود الحادث الآخر، ووجود معلوم التاريخ في زمان وجود الحادث الآخر مشكوك فيه، لأنّ العلم بتاريخه في عمود الزمان لا ينافي الشك في وجوده حين وجود الحادث الآخر، فلا مانع من جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ أيضاً، وقد تقدم تفصيل ذلك.

 الموقع الثالث: ما ذكره في مجهولي التاريخ من جريان أصالة عدم الكرية حين الملاقاة، فيحكم بالنجاسة وعدم جريان أصالة عدم الملاقاة إلى حين الكرية، لكون الأثر مترتباً على كون الكرية سابقة على الملاقاة، ولا يمكن إثباته باستصحاب عدم الملاقاة إلى حين الكرية، إلاّ على القول بالأصل المثبت.

 وفيه أوّلاً: منع اعتبار كون الكرية سابقة على الملاقاة، ولا يستفاد ذلك من قوله (عليه السلام): «إذا بلغ الماء قدر كر... » بل المستفاد منه اعتبار الكرية حين الملاقاة، فلا أثر لكريته السابقة على الملاقاة. والحكم بعدم كفاية التتميم كراً في طهارة الماء القليل المتنجس ليس لاعتبار كون الكرية سابقة على الملاقاة، بل لعدم كونه كراً حين الملاقاة، فلا فائدة في تتمـيمه كراً بعد الملاقاة، بل المستفاد من قوله (عليه السلام): «إذا بلغ الماء قدر كر...» هو الحكم بنجاسة هذا الماء المتمم ـ بالكسر ـ فان مفهوم قوله (عليه السلام): «إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجّسه شيء» أ نّه إذا لم يبلغ الماء قدر كر ينجسه شيء من النجاسات وهذا الماء المتمم ـ بالكسر ـ لم يكن كراً وقد لاقاه الماء المتنجس، فلا بدّ من الحكم بنجاسته بمقتضى المفهوم، فيصير المجموع نجساً. ومقتضى ما ذكرنا ـ من عدم اعتبار كون الكرية سابقة على الملاقاة وكفاية الكرية حين الملاقاة ـ هو الحكم بالطهارة فيما إذا اتحد زمان التتميم والملاقاة بحيث كانت الملاقاة والتتميم في آن واحد، لكونه كراً حين الملاقاة.

 وثانياً: على فرض تسليم ذلك أ نّه لا يكون الأصل المذكور مثبتاً، لأن عدم

ــ[239]ــ

الانفعال وإن كان متوقفاً على كون الكرية سابقة على الملاقاة، إلاّ أنّ الطهارة أعم منه، فان موضوع عدم الانفعال أمران: الكرية والملاقاة، لأ نّه في صورة عدم الملاقاة لا يكون هناك مقتض للانفعال حتى تكون الكرية مانعة عنه، فلا يصدق عدم الانفعال إلاّ مع الملاقاة والكرية، بخلاف الطهارة فانّها غير متوقفة على الكرية ولا على الملاقاة، لامكان أن يكون ماءً قليلاً وطاهراً مع عدم الملاقاة. فاذن لا مانع من جريان استصحاب عدم الملاقاة إلى حين الكرية فيحكم بالطهارة، فلا حاجة إلى إثبات عنوان عدم الانفعال حتى يقال إنّه متوقف على كون الكرية سابقة على الملاقاة، وإثباته باستصحاب عدم الملاقاة إلى حين الكرية متوقف على القول بالأصل المثبت.

 فالذي تحصّل مما ذكرنا: أنّ الأوفق بالقواعد هو الحكم بطهارة الماء في جميع الصور الثلاث، لتساقط الاستصحاب للمعارضة، فيكون المرجع أصالة الطهارة. وعلى فرض تسليم عدم جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ، يكون الصحيح هو القول بالتفصيل(1) على ما تقدم بيانه.

تنبيه

 إنّ ما ذكرناه هو الذي ذكره سيدنا الاُستاذ (دام ظله) في محاضرته الاُصولية، وعدل عنه (دام ظله) في حاشيته على العروة(2) وحكم بنجاسة الماء في جميع الصور الثلاث، والوجه فيه ما ذكره في دراساته الفقهية في خيار العيب على ما في تقريرات بعض أفاضل مقرري بحثه(3) وحيث إنّه مشتمل على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهو القول الثالث في هذه المسألة وقد تقدم بيانه في ص 233 ـ 234.

(2) العروة الوثقى 1: 41 / فصل في الماء الراكد، المسألة 8 [ 106 ].

(3) لاحظ مصباح الفقاهة 7: 227 ـ 236.

ــ[240]ــ

تحقيق أنيق منطبق على موارد كثيرة، أحببنا أن نذكره بنص عباراته وإليك نصه:

 ذكر المحقق الأنصاري ـ في مبحث خيار العيب عند البحث في اختلاف المتبائعين في المسقط ـ أنّه لو اختلفا في تأخر الفسخ عن أوّل الوقت بناءً على فورية الخيار ففي تقديم مدعي التأخير لأصالة بقاء العقد وعدم حدوث الفسخ في أوّل الزمان، أو مدعي عدمه لأصالة الصحة وجهان، ثمّ ذكر أنّ هذه المسألة نظير ما لو ادعى الزوج الرجوع في عدة المطلقة الرجعية، وادعت هي تأخره عنها.

 أقول: هذه المسألة سيّالة في كل مورد كان موضوع الحكم أو متعلقه مركباً من جزأين وقد علمنا بتحقق أحدهما ثمّ بتحقق الجزء الآخر وارتفاع الجزء الأوّل، ولكن لم يعلم تقدم أحدهما على الآخر، كما إذا شك في أنّ الفسخ هل وقع قبل التفرق عن مجلس العقد أو بعده، أو شك في أنّ فسخ المشتري العقد في بيع الحيوان هل وقع قبل انتهاء ثلاثة أيام أو بعده، أو شك في أنّ القبض في بيع الصرف والسلم هل وقع قبل التفرق عن مجلس العقد أو بعده، أو شك في أنّ بيع الراهن العين المرهونة هل وقع قبل رجوع المرتهن عن إذنه أو بعده، أو شك في أنّ ملاقاة النجاسة للماء المسبوق بالقلة هل وقع قبل عروض الكرية أو بعده، أو شك المتطهر إذا صلى وعلم بصدور حدث منه في تقدم الصلاة على الحدث وتأخرها عنه، ولم يمكن إجراء قاعدة الفراغ ولو من جهة العلم بغفلة المصلي حين إتيانه بها، إلى غير ذلك من الموارد، فنظير ما ذكره المحقق الأنصاري (قدس سره) في خيار العيب من أصالة عدم حدوث الفسخ في أوّل الزمان جار في جميع تلك الموارد.

 وذهب بعض المحققين إلى خلاف ما ذهب إليه العلامة الأنصاري ومحصل

 
 

ــ[241]ــ

كلامه: أنّ الموضوع في الموارد المزبورة بما أ نّه مركب من جزأين لا يفرق الحال في ترتب الحكم بين إحراز كلا الجزأين بالوجدان، وإحراز أحدهما بالوجدان، والآخر بالأصل، فاذا تحقق الفسخ في الخارج وشك في حدوثه في أوّل زمان الخيار ـ بناءً على فوريته ليكون مؤثراً ـ أو بعده لكي لا يكون مؤثراً، فيستصحب الخيار إلى زمان وقوع الفسخ فيلتئم الموضوع المركب منهما، ويترتب عليه انفساخ العقد، وكذلك يستصحب بقاء الجزء المتيقن في جميع تلك الموارد إلى زمان تحقق الجزء الآخر، ويترتب عليه حكمه، فيحكم بنجاسة الماء في الفرض المزبور وبصحة الصلاة لاستصحاب بقاء قلة الماء إلى زمان ملاقاة النجاسة، واستصحاب بقاء الطهارة إلى زمان تحقق الصلاة، وهكذا.

 لا يقال: إنّ الأصل المذكور معارض بأصل آخر، وهو عدم حدوث الجزء الثاني إلى انقضاء زمان الجزء الأوّل، وأنّ الأصل عدم تحقق الفسخ في الخارج إلى انقضاء زمان الخيار، والأصل عدم وجود الصلاة إلى زمان حدوث الحدث، والأصل عدم ملاقاة النجاسة إلى زمان الكرية، وهكذا بقية الموارد.

 فانّه يقال: إنّ عدم تأثير الفسخ وبطلان الصلاة وعدم تنجس الماء بالملاقاة مترتبة على وقوع الفسخ بعد انقضاء زمان الخيار، ووقوع الصلاة بعد زوال الطهارة، ووقوع الملاقاة بعد حصول الكرية، ومن الظاهر أنّ أصالة عدم حصول الفسخ في زمان الخيار، وأصالة عدم وقوع الصلاة في زمان الطهارة، وأصالة عدم الملاقاة إلى زمان الكرية لا يترتب عليها شيء مما ذكر، إلاّ على القول بالأصل المثبت، وبما أ نّا لا نقول به، فلا معارض لاستصحاب بقاء الجزء المتيقن إلى زمان حدوث الجزء الثاني، هذا.

 والتحقيق في المقام أن يقال: إنّ الحادثين اللذين يتركب منهما موضوع الحكم أو متعلقه قد يكون كلاهما زمانياً من دون دخل شيء آخر في موضوع

ــ[242]ــ

الحكم أو متعلقه سوى وجود أحدهما في زمان وجود الآخر، وقد يكون أحدهما زماناً والآخر زمانياً لم يعتبر فيه إلاّ وجوده في ذلك الزمان من دون اعتبار عنوان آخر فيه، وقد يكونان على نحو اُخذ أحدهما مقيّداً بعنوان خاص زائداً على وجود أحدهما مع فرض وجود الآخر.

 أمّا الصورة الاُولى: فلا شبهة في لزوم ترتيب الأثر فيما إذا أحرزنا أحد الحادثين بالوجدان والآخر بالأصل، كما إذا تحقق الفسخ في الخارج وشك في وقوعه في أوّل زمان خيار العيب أو بعده، فانّا إذا أحرزنا بقاء الخيار إلى زمان الفسخ، ترتب عليه نفوذ الفسخ من غير احتياج إلى شيء آخر، بداهة أنّ المستفاد من الأدلة هو نفوذ الفسخ بوقوعه في الخارج مع بقاء الخيار، والمفروض إحراز ذلك بضم الوجدان إلى الأصل، فانّ الفسخ وجداني، وبقاء الخيار محرز بالاستصحاب، ولم يعتبر في الموضوع غير ذلك.

 وتوهم معارضته باستصحاب عدم تحقق الفسخ في زمان الخيار باطل، لا لما ذكر من أ نّه مثبت، فانّه مبني على كون عدم نفوذ الفسخ مترتباً على وقوعه في غير زمان الخيار، مع أ نّه ليس كذلك، لأ نّه مترتب على عدم وقوعه في زمان الخيار من غير حاجة إلى إثبات وقوعه في غيره، بداهة أنّ أثر العقد باق على حاله ما لم يصدر الفسخ في زمان الخيار.

 بل لأنّ الفسخ قد تحقق خارجاً في زمان حكم الشارع بكونه زمان الخيار، فلا شك لنا في تحققه في ذلك الزمان ليحكم بعدمه.

 وبعبارة اُخرى: بعد فرض أ نّه لم يؤخذ في موضوع الحكم غير تحقق الفسخ في الخارج وبقاء زمان الخيار، فاذا حكم الشارع ببقاء زمان الخيار، وعلم بتحقق الفسخ، لم يبق شك في تحقق موضوع الحكم، فلا مجال لاجراء أصالة عدم الفسخ في زمان الخيار.

ــ[243]ــ

 ومما يدل على ذلك: أ نّه لو كان الأصل المزبور جارياً لجرى حتى مع عدم العلم بانقضاء زمان الخيار، فتعارض به أصالة بقاء الخيار إلى زمان الفسخ، مع أ نّه لا يمكن الالتزام به، مثلاً إذا شككنا في بقاء الخيار وسقوطه، جرى استصحاب بقائه وعدم انقضائه، فلو فسخ المشتري ـ والحال هذه ـ لحكمنا بنفوذ الفسخ، مع أ نّه على التوهم المزبور أمكن الالتزام بمعارضته باستصحاب عدم تحقق الفسخ في زمان الخيار.

 وهكذا الحال في بقية الموارد المتقدمة، فانّ استصحاب بقاء الطهارة إلى زمان الصلاة أو استصحاب بقاء القلة إلى زمان الملاقاة، لا يمكن معارضته باستصحاب عدم تحقق الصلاة في زمان الطهارة أو باستصحاب عدم الملاقاة في زمان القلة، وإلاّ كان الاستصحابان متعارضين ولو مع الشك في حدوث الكرية والحدث، ومن الظاهر أنّ القائل بالمعارضة في المقام لا يلتزم به.

 وأمّا الصورة الثانية: أعني بها ما كان الموضوع مركباً من ذات الزمان والزماني، فلا شبهة فيها أيضاً في إثبات أحد الجزأين الذي هو الزمان بالأصل، والجزء الآخر الذي هو الزماني بالوجدان، فيلتئم الموضوع المركب منهما، ويترتب عليه الحكم، وذلك كما إذا شك في أنّ الفسخ في خيار الحيوان هل وقع قبل الثلاثة أو بعدها، فانّه يحكم حينئذ ببقاء الثلاثة وعدم انقضائها فيترتب عليه انفساخ العقد، فانّ الظاهر من قوله (عليه السلام): «صاحب الحيوان ـ المشتري ـ بالخيار ثلاثة أيام»(1) هو أنّ موضوع انحلال العقد مركب من فسخ المشتري وعدم انقضاء ثلاثة أيام، بمعنى وقوع الفسخ في زمان لم تنقض فيه ثلاثة أيام من زمان العقد، فاذا أحرز هذا بالتعبد الشرعي، حكم بنفوذ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18: 10 / أبواب الخيار ب 3 ح 2.

ــ[244]ــ

الفسخ، ولا يعارض استصحاب بقاء الثلاثة باستصحاب عدم وقوع الفسخ في ضمن الثلاثة، وإلاّ تحققت المـعارضة فيما إذا لم يعلم انقضاء الثلاثة أيضاً، ولا يلتزم به. وبالجملة حال الاستصحاب في هذا القسم حاله في القسم الأوّل بعينه، وبذلك يظهر الحال في بقية الموارد.

 وأمّا الصورة الثالثة: أعني بها ما إذا كان موضوع الحكم مركباً من حادثين مع تقيد أحدهما بعنوان خاص، فلا يمكن فيها إحراز أحد الجزأين بالأصل والآخر بالوجدان، كي يلتئم الموضوع المركب منهما، فيترتب عليه الأثر، والوجه في ذلك: أنّ استصحاب الزمان مثلاً لا يثبت ذلك العنوان ليترتب عليه الأثر الشرعي، إلاّ على القول بحجية الاُصول المثبتة. وعليه فلا وجه هنا لمنع جريان الأصل بمعارضته بأصالة عدم وقوع الزماني فيه، لما عرفت من عدم جريان استصحاب الزمان فيه في نفسه، فلا تصل النوبة إلى المعارضة.

 وبالجملة: استصحاب الزمان أو الزماني لاحراز الموضوع المركب منه ومن جزء آخر، إمّا أن لايكون جارياً في نفسه، وإمّا أن لايكون معارضاً باستصحاب عدم الجزء الآخر في زمانه.

 ثمّ إنّه لا يفرق الحال في هذه الصور الثلاث بين ما إذا كان تاريخ أحدهما معلوماً، وما إذا كان تاريخ كليهما مجهولاً كما هو واضح. انتهى نص كلامه (حفظه الله تعالى).

 أقول:لم يبيّن وجه عدم الفرق إيكالاً إلى وضوحه، وقد تقدم الوجه فيه في كلامنا (1) من أ نّه لا فرق في جريان الاستصحاب بين معلوم التاريخ ومجهوله.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 229 ـ 232.

ــ[245]ــ

 هذا تمام الكلام في أصالة تأخر الحادث فيما كان الموضوع مركباً من عدم أحد الحادثين ووجود الآخر.

 وأمّا إذا كان الموضوع بسيطاً، كما إذا علمنا بوجود الحدث والطهارة منه وشككنا في المتقدم منهما، فاختار صاحب الكفاية(1) (قدس سره) عدم جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ.

 أمّا إذا كان أحدهما معلوم التاريخ والآخر مجهوله، فاختار أيضاً عدم جريان الاستصحاب في خصوص مجهول التاريخ، لما ذكره سابقاً من عدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين، غاية الأمر أن عدم إحراز الاتصال في المسألة السابقة إنّما هو لعدم إحراز زمان الشك، وفي المقام لعدم إحراز زمان اليقين.

 وذلك لأنّ الاستصحاب الجاري في المسألة السابقة كان عدمياً، وزمان اليقين بعدم الحادثين كان معلوماً، إنّما الشك في بقاء هذا العدم في زمان وجود الحادث الآخر، وحيث إنّ زمان وجود الحادث الآخر غير معلوم لنا، فلا محالة زمان الشك غير معلوم لنا، فلم يحرز اتصال زمان الشك بزمان اليقين، بخلاف المقام فانّ الاستصحاب الجاري فيه وجودي، وزمان الشك في البقاء معلوم، لكن زمان اليقين بالحدوث غير معلوم لكونه مجهول التاريخ على الفرض، فلم يحرز اتصال زمان اليقين بزمان الشك.

 وفيه: ما تقدم(2) من أ نّه لا يعتبر في جريان الاستصحاب اتصال زمان الشك واليقين بالمعنى المذكور، بل الميزان في الاستصحاب هو اليقين الفعلي بالحدوث مع الشك في البقاء على ما تقدم بيانه، ولا يعتبر في جريان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول: 421 ـ 422.

(2) في ص 221.

ــ[246]ــ

الاستصحاب كون زمان الحدوث معلوماً بالتفصيل، فانّا لو علمنا بحدوث الطهارة ولم نعلم بكونها حادثةً في الساعة الاُولى من النهار أو الساعة الثانية أو الثالثة، وشككنا في بقائها أوّل الظهر مثلاً، فهل يمكن المنع عن جريان الاستصحاب لعدم إحراز زمان الحدوث، ولا يلتزم هو (قدس سره) أيضاً بعدم جريانه في المثال المذكور، فيعلم أنّ مناط الاستصحاب إنّما هو اليقين الفعلي بالحدوث مع الشك في البقاء لا اليقين السابق، فلا دخل لمعلومية زمان اليقين السابق أو مجهوليته في الاستصحاب.

 فتحصل مما ذكرناه في المقام: أ نّه لا مانع من جريان الاستصحاب في نفسه في مجهولي التاريخ، ولا في معلومه، ولكنّه يسقط بالمعارضة، لعدم إمكان التعبد بالمتضادين معاً، والالتزام بالطهارة والحدث في آن واحد، وبعد سقوط الاستصحاب للمعارضة لا بدّ من الرجوع إلى أصل آخر من الاشتغال أو البراءة، وذلك يختلف باختلاف الموارد، ففي مثل الصلاة لا بدّ من الوضوء تحصيلاً للفراغ اليقيني، لكون الاشتغال يقينياً. وفي مثل مس المصحف تجري البراءة عن الحرمة. وكذا إذا علمنا بوجود الجنابة والغسل وشككنا في المتقدم منهما، فبالنسبة إلى الصلاة يكون مورد قاعدة الاشتغال، وبالنسبة إلى المكث في المسجد يكون مورد البراءة. وبالجملة: كل مورد علم توجه التكليف فيه وشك في مقام الامتثال، فهو من موارد قاعدة الاشتغال، وكل مورد شك في التكليف يكون من موارد البراءة، هذا كله في الطهارة من الحدث وما قابلها.

 وأمّا الطهارة من الخبث وما قابلها، فلا ينبغي الاشكال في أ نّه بعد تساقط الاستصحاب للمعارضة، يكون المرجع هو قاعدة الطهارة المستفادة من قوله

ــ[247]ــ

(عليه السلام): «كل شيء طاهر حتى تعلم أ نّه قذر»(1) فاذا علمنا بطهارة ماء ونجاسته، وشككنا في المتقدم منهما، يكون المرجع بعد تساقط الاستصحابين هو أصالة الطهارة، فيترتب جميع آثار الطهارة بالتعبد الشرعي.

 ثمّ لايخفى أنّ الاستصحاب الجاري في معلوم التاريخ يكون من الاستصحاب الشخصي، وهو واضح. وأمّا الاستصحاب الجاري في مجهول التاريخ فتارةً يكون من القسم الثاني من استصحاب الكلي واُخرى من القسم الرابع منه، بيان ذلك: أ نّه إن كان معلوم التاريخ موافقاً للحالة السابقة على الحالتين، كما إذا قام أحد من النوم في الساعة الاُولى من النهار، ثمّ صدر منه وضوء وبول مثلاً وشك في المتقدم منهما مع العلم بأنّ البول صدر منه في الساعة الثالثة من النهار، ولكنّه لا يدري أنّ الوضوء هل صدر في الساعة الثانية أو الرابعة، فيكون استصحاب الحدث من الاستصحاب الشخصي، واستصحاب الطهارة من القسم الثاني من استصحاب الكلي، لأنّ الطهارة إن كانت صادرةً في الساعة الثانية فقد ارتفعت يقيناً، وإن كانت في الساعة الرابعة فهي باقية يقيناً، فتكون الطهارة مرددة بين متيقن الارتفاع ومشكوك الحدوث، وهو المورد للقسم الثاني من استصحاب الكلي.

 وأمّا إن كان معلوم التاريخ مخالفاً للحالة السابقة، كما إذا علم بتحقق الوضوء في الساعة الثالثة في المثال السابق، ولم يعلم بأنّ البول صدر في الساعة الثانية أو الرابعة، فيكون الاستصحاب الجاري في الطهارة من الاستصحاب الشخصي، واستصحاب الحدث من القسم الرابع من استصحاب الكلي، لأنّ الحدث المتيقن أوّلاً ـ وهو حدث النوم ـ قد ارتفع بالوضوء يقيناً، وهو يعلم بتحقق حدث

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك 2: 583 / أبواب النجاسات ب 30 ح 4.

ــ[248]ــ

عند البول، ولكنّه لا يدري أ نّه حدث النوم أو حدث آخر حادث بالبول، لأ نّه لو كان صدور البول في الساعة الثانية فالحدث المتحقق عند البول هو حدث النوم المرتفع بالوضوء، لأنّ البول بعد النوم مما لا أثر له، ولا يوجب حدثاً آخر، ولو كان صدور البول في الساعة الرابعة، فالحدث المتحقق عند البول حدث جديد، فلنا يقين بفرد من الحدث ـ وقد ارتفع يقيناً ـ ويقينٌ بحدث بعنوان آخر ـ وهو المتحقق عند البول ـ ويحتمل انطباق هذا العنوان على الفرد المرتفع وعلى غيره، فيكون باقياً، وهذا هو المورد للقسم الرابع من استصحاب الكلي على ما ذكرناه عند التعرض لأقسام استصحاب الكلي فراجع(1).

 ثمّ إنّه إذا اشتبه إناء من الماء الطاهر باناء من الماء النجس، فقد ورد في النص(2) الأمر باهراقهما والتيمم، فذكر صاحب الكفاية(3) (قدس سره) في مبحث اجتماع الأمر والنهي: أنّ هذا الحكم المنصوص ليس حكماً تعبدياً على خلاف القاعـدة، بل لا يصح الوضوء بهما مع قطع النظر عن النص، فانّه لو توضأ بأحدهما ثمّ غسل بالآخر مواضع الوضوء فتوضأ به، لا يجوز له الدخول في الصلاة، لأ نّه يعلم تفصيلاً بنجاسة بدنه حين وصول الماء الثاني إمّا لنجاسـة الماء الأوّل، وإمّا لنجاسة الماء الثاني، ويشك في حصول الطهارة بعد انفصال الغسالة، ومقتضى الاستصحاب هو الحكم ببقاء النجاسة، فلا يجوز له الدخول في الصلاة، انتهى ملخّصاً.

 أقول: هذا الذي ذكره صحيح على مسلكه من عدم جريان الاستصحاب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ص 124، 141.

(2) الوسائل 1: 151 / أبواب الماء المطلق ب 8 ح 2.

(3) كفاية الاُصول: 179.

ــ[249]ــ

في مجهول التاريخ، وأمّا على المختار ـ من عدم الفرق في جريان الاستصحاب بين معلوم التاريخ ومجهوله ـ فيكون الحكم المذكور على خلاف القاعدة، فان استصحاب النجاسة معارض باستصحاب الطهارة، لأ نّه كما يعلم بنجاسة بدنه بمجرد وصول الماء الثاني، كذلك يعلم بطهارة بدنه أيضاً حين التوضي بالماء الطاهر، وإن كان لا يدري أنّ الماء الطاهر هو الثاني أو الأوّل، إذ لو كان الماء الأوّل طاهراً فبـدنه طاهر حين التوضي به ـ كما هو واضح ـ ولو كان الماء الثاني طاهراً فكـذلك بدنه طاهر حين التوضي به، لأ نّه طهَّر بدنه به قبل التوضي به على الفرض، غاية الأمر أنّ تاريخ الطهارة مجهـول، وبعد تساقط الاستصحابين ـ للمعارضة ـ يكون المرجع أصالة الطهارة، فمقتضى القاعدة صحة الوضوء على الكيفية المذكورة وجواز الدخول في الصلاة.

 نعم، يمكن أن يقال: إنّ العلم الاجمالي مانع عن الدخول في الصلاة بالوضوء على الكيفية المذكورة، فانّ وصول الماء إلى الأعضاء تدريجي، فبمجرد وصول الماء إلى وجهه مثلاً يعلم إجمالاً بنجاسة وجهه أو رجله، إذ لو كان الماء الأوّل نجساً كانت رجله نجسة في هذا الحال، ولو كان الماء الثاني نجساً كان وجهه نجساً، ولا دافع لهذا العلم الاجمالي بعد كون الاستصحاب مبتلىً بالمعارض، فيكون الحكم المنصوص على وفق القاعدة من هذه الجهة، لا من جهة الاستصحاب على ما ذكره صاحب الكفاية (قدس سره).

 ويمكن الجواب عنه: بأنّ العلم الاجمالي المذكور غير مانع عن الوضوء بهما مع تكرار الصلاة، بأن توضأ بأحدهما وصلى، ثمّ غسل المواضع بالآخر وتوضأ به وصلى، فانّه حينئذ يعلم تفصيلاً باتيان صلاة صحيحة، ولا أثر للعلم الاجمالي المذكور بعد العلم بصحة الصلاة.

 إلاّ أن يقال: إنّ التوضي بهما على الكيفية المذكورة حرج على المكلف، إذ

ــ[250]ــ

يجب عليه تطهير بدنه وثوبه وغيرهما مما وصل إليه ماء الوضوء للصلوات الآتية، إذ كل ما وصل إليه ماء الوضوء من البدن والثوب يكون طرفاً للعلم الاجمالي، ولكنّه قد ذكرنا غير مرّة (1) أنّ الحرج شخصي، فيكون الحكم المنصوص مطابقاً للقاعدة بالنسبة إلى من يوجب التوضي بهما ـ على الكيفية المذكورة ـ حرجاً عليه دون غيره، كمن يعلم بأ نّه يتمكن من تطهير بدنه وثوبه بماء جار بلا لزوم حرج عليه.

 فتحصّل مما ذكرناه: أنّ الحكم المنصوص تعبدي إلاّ في بعض الموارد من جهة الحرج.
 ــــــــــــــ

(1) راجع على سبيل المثال شرح العروة 6: 123.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net