11 ـ استصحاب الصحة عند الشك في المانع والقاطع 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4799


التنبيه الحادي عشر

 في استصحاب الصحة عند الشك في المانع.

 إعلم أ نّه ذكر الشيخ(2) (قدس سره) ما ملخصه: أ نّه إذا شك في مانعية شيء للصلاة مثلاً، لا يجري استصحاب الصحة لرفع الشك في مانعية هذا الشيء، لأنّ الصحة ـ بمعنى تمامية مجمـوع الأجزاء والشرائط ـ مشكوكة الحدوث، لاحتمال اعتبار هذا الجزء العدمي فيها، فلا علم لنا بحدوث الصحة حتى نحكم ببقائها للاستصحاب.

 وأمّا صحة الأجزاء السابقة التي هي عبارة عن الصحة التأهلية، بمعنى كونها قابلةً لانضمام باقي الأجزاء إليها، فهي لا تكون محتملة الارتفاع، بل هي

ــــــــــــــ
(2) فرائد الاُصول 2: 670 ـ 671 / التنبيه الثامن من تنبيهات الاستصحاب.

ــ[251]ــ

باقية يقيناً، فانّ الشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه، فلا مجال لجريان الاستصحاب إلاّ على نحو التعليق، بأن يقال: إنّ الأجزاء السابقة لو كان قد انضم إليها سائر الأجزاء قبل حدوث هذا الشيء لحصل الامتثال، فالآن كما كان. هذا كله في الشك في المانع الذي هو عبارة عما اعتبر عدمه في الصلاة.

 وأمّا إذا شك في القاطع الذي هو عبارة عما يوجب قطع الاتصال ونقض الهيئة الاتصالية المعتبرة في الصلاة، فانّ تعبير الشارع عن بعض ما اعتبر عدمه في الصلاة بالقواطع كالحدث والقهقهة يدل على أنّ للصلاة هيئةً اتصالية ينافيها حدوث بعض الأشياء خلال أجزائها، فكما أنّ للمركبات الخارجية هيئة اتصالية بحيث لو انقطع الاتصال لم يصدق اسم المركب عليها كالسرير، فانّه على تقدير انفصال أجزائه لا يسمى سريراً، بل يسمى خشباً، كذلك للمركبات الاعتبارية كالصلاة مثلاً هيئة اتصالية باعتبار من الشارع، فاذا شك في قاطعية شيء لها، فلا مانع من جريان الاستصحاب والحكم ببقائها، ويتفرع عليه عدم وجوب استئناف الأجزاء السابقة، انتهى ملخّصاً.

 أقول: أمّا ما ذكره من عدم جريان الاستصحاب عند الشك في المانعية، فمتين جداً، ولا يمكن جريان استصحاب الصحة إلاّ على نحو التعليق، وقد تقدم(1) عدم حجية الاستصحاب التعليقي ولا سيما في الموضوعات كما في المقام.

 وأمّا ما ذكره من جريان الاستصحاب عند الشك في القاطع، فغير تام لوجوه:

 الأوّل: أنّ القاطع ليس إلاّ هو المانع بعينه، فانّ الاُمور المعتبرة في الصلاة إمّا وجودية كالقيام والركوع والسجود وغيرها، وإمّا عدمية كعدم القهقهة، وما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في التنبيه السادس ص 161 وما بعدها.

ــ[252]ــ

اعتبر عدمه يعبّر عنه بالمانع، ولم يعتبر سوى هذه الاُمور ـ الوجودية والعدمية ـ شيء في الصلاة يسمى بالقاطع، ولا نضايق عن الفرق بين المانع والقاطع اصطلاحاً، فانّ الاُمور العدمية المعتبرة في الصلاة على قسمين: قسم منها ما اعتبر عدمه في حال الاشتغال بالأجزاء الوجودية فقط كالحركة فانّ عدمها ـ المعبّر عنه بالطمأنينة ـ معتبر في حال الاشتغال بالقراءة والذكر مثلاً، ولا بأس بها في الأكوان المتخللة بين الأجـزاء الوجودية، وقسم منها ما اعتبر عدمه مطلقاً كالحدث والقهقهة، فيعـبّرون عن الأوّل بالمانع، وعن الثاني بالقاطع، وهذا مجرد اصطلاح لا يوجب الفرق في جريان الاستصحاب.

 الثاني: أ نّه على فرض تسليم كون القاطع غير المانع، وأ نّه ناقض للهيئة الاتصالية المعتبرة في الواجب، نقول: إنّ ما سمي بالقاطع هل اعتبر عدمه في الصلاة أو لا؟ لا يمكن الالتزام بالثاني بالضرورة، فانّه بعد اعتبار الهيئة الاتصالية في الصلاة وكون هذا الشيء قاطعاً لها، لا يمكن الالتزام بأن عدمه غير معتبر في الصلاة، فانّه مساوق للالتزام بعدم اعتبار الهيئة الاتصالية في الصلاة وهو خلف، فتعيّن الأوّل، فيكون القاطع ذا حيثيتين: فمن حيث إنّه اعتبر عدمه في الصلاة يكون مانعاً، ومن حيث إنّ وجوده ناقض للهيئة الاتصالية يكون قاطعاً، فلو سلّمنا جريان الاستصحاب فيه من الحيثـية الثانية، لا يجري الاستصحاب فيه من الحيثية الاُولى، فلا يصح القول بجريان الاستصحاب فيه بقول مطلق.

 الثالث: أ نّه على فرض تسليم كون القاطع غير المانع، وأ نّه ليس فيه إلاّ حيثية واحدة، يرد على جريان الاستصحاب في الهيئة الاتصالية عين الاشكال الذي ذكره الشيخ (قدس سره) في جريان الاستصحاب عند الشك في المانع، فنقول: إن كان المراد جريان الاستصحاب في الهيئة الاتصالية لمجموع الأجزاء،

ــ[253]ــ

فهي مشكوكة الحدوث، فلا معنى لجريان الاستصحاب فيها، وإن كان المراد جريان الاستصحاب في الهيئة الاتصالية للأجزاء السابقة، فهي غير محتملة الارتفاع، لأنّ الشيء لا ينقلب عما وقع عليه، هذا كله في الشبهات الحكمية.

 وأمّا الشبهات الموضوعية، فلا مانع من جريان الاستصحاب فيها، سواء كان الشك في وجود المانع بعد الفراغ عن كونه مانعاً، كما إذا شككنا في وجود البكاء مثلاً، أو كان الشك في مانعية الموجود، كما إذا شككنا في أنّ الذي صدر من المصلي كان بكاءً أم لا، ففي كلتا الصورتين تكون الأجزاء الوجودية محرزة بالوجدان، والجزء العدمي محرز بالأصل، فيحكم بصحة الصلاة، كما ذكرنا(1) نظير ذلك في استصحاب وجود الشرط، كالطهارة من الحدث فانّ المشروط ـ وهو الصلاة ـ محرز بالوجدان، والشرط محرز بالأصل، فبضميمة الوجدان إلى الأصل يحكم بصحة الصلاة.
 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 213.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net