صور الشك في بقاء المحمول بمفاد كان الناقصة - جريان الاستصحاب في الحكم الجزئي والكلي 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4585


ــ[273]ــ

 وعلى الأوّل، فقد يكون المحمول في القضية المتيقنة والمشكوك فيها ما هو من قبيل مفاد كان أو ليس التامة المعبّر عنهما بالمحمولات الأوّلية، باعتبار أنّ كل متصور لا بدّ وأن يحمل عليه الوجود أو العدم، لاستحالة ارتفاع النقيضين كاجتماعهما. فتارةً يكون المحمول هو الوجود، كما إذا تيقّنا بوجود زيد ثمّ شككنا في بقائه، واُخرى يكون هو العدم كما إذا تيقّنا بعدمه ثمّ شككنا في بقائه وانقلابه إلى الوجود، ففي مثل ذلك يكون الموضوع هو الماهية المجردة عن قيد الوجود والعدم ومحموله الوجود أو العدم، فيقال: إنّ هذه الماهية كانت موجودة، فشك في بقائها والآن كما كانت، أو يقال: إنّ هذه الماهية كانت معدومة فشك في بقائها، ومقتضى الاستصحاب بقاؤها. ولا يعقل في مثله اعتبار بقاء الموضوع في الخارج، إذ مع العلم ببقاء زيد في الخارج لا يبقى مجال لجريان الاستصحاب، لعدم الشك حينئذ في البقاء.

 وقد يكون المحمول في القضيتين ما هو من قبيل مفاد كان أو ليس الناقصة المعبّر عنهما بالمحمولات الثانوية قبالاً للمحمولات الأوّلية، فتشمل المحمولات الثالثية أو الرابعية وهكذا، فمنها قيام زيد مثلاً، فانّه لا يحمل عليه إلاّ بعد حمل الوجود عليه، ومنها سرعة حركة زيد، فانّها متوقفة على حمل الحركة على زيد المتوقف على حمل الوجود عليه، وهكذا سائر المحمولات المترتب بعضها على بعض في سلسلة الوجود، فان جميعها من المحمولات الثانوية بهذا المعنى المقابل للمحمولات الأوّلية، فاذا كان المحمول في القضيتين من هذا القبيل، فهو على ثلاثة أقسام:

 القسم الأوّل: ما يكون الشك في بقائه ناشئاً من الشك في بقاء الموضوع مع العلم ببقائه على تقدير بقاء الموضوع، كما إذا شككنا في بقاء عدالة زيد للشك في حياته مع العلم بعدالته على تقدير حياته. القسم الثاني: ما لا يكون الشك في

ــ[274]ــ

بقائه ناشئاً من الشك في بقاء الموضوع، بل يشك في بقائه ولو على تقدير وجود الموضوع. وهذا تارةً يكون مع إحراز بقاء الموضوع، كما إذا شككنا في بقاء عدالة زيد مع العلم بحياته، واُخرى يكون مع الشك في بقاء الموضوع أيضاً، كما إذا شككنا في بقاء عدالة زيد مع الشك في حياته.

 أمّا القسم الثاني: وهو ما إذا كان الشك في بقاء المحمول مع إحراز الموضوع، فلا إشكال في جريان الاستصحاب فيه لتمامية أركانه.

 وأمّا القسم الأوّل: فقد يشكل جريان الاستصحاب فيه، لأ نّه لا يجري الاستصحاب في المحمول كالعدالة ـ في مفروض المثال ـ لعدم إحراز الموضوع، ولا معنى للتعبد بالعدالة بلا موضوع، ولا يجري الاستصحاب في الموضوع كحياة زيد في المثال، لعدم كون العدالة من الآثار الشرعية لحياة زيد، بل من اللوازم العقلية من باب الاتفاق للعلم بعدالته على تقدير حياته.

 ومما ذكرناه ظهر الاشكال في جريان الاستصحاب في القسم الثالث أيضاً، فانّه لا يجري الاستصحاب في العدالة، لعدم إحراز الموضوع، ولا في الموضوع لترتيب العدالة، لعدم كونها من الآثار الشرعية، بل ولا من اللوازم العقلية في هذا القسم، لعدم العلم فيه بعدالته على تقدير حياته، فمن المحتمل عدم عدالته على تقدير حياته. ولايجري الاستصحاب في الموضوع مقدمةً لجريانه في العدالة بأن يحرز الموضوع أوّلاً بالاستصحاب، ثمّ يجري الاستصحاب في العدالة، لعدم ترتب أثر شرعي على جريانه في الموضوع، ومن هنا قد يتوهم أ نّه يعتبر في جريان الاستصحاب بقاء الموضوع في الخارج زائداً على اعتبار اتحاد القضيتين، هذا.

 والتحقيق جريان الاستصحاب في القسم الأوّل والثالث أيضاً.

ــ[275]ــ

أمّا القسم الأوّل: فيجري الاستصحاب فيه في الاتصاف وثبوت الوصف للموضوع، بأن يقال: ثبوت العدالة لزيد كان متيقناً فالآن كما كان. وبعبارة اُخرى: زيد المتصف بالعدالة كان موجوداً يقيناً، والآن كما كان. ونظيره ما إذا شـككنا في بقاء الزوجية بين امرأة وزوجها الغائب لاحتمال موته، فيجري اسـتصحاب بقاء الزوجية وتترتب عليه آثارها. نعم، لا يترتب على هذا الاستصحاب الأثر الشرعي المتوقف على تحقق الموضوع في الخارج، كجواز الاقتداء بزيد في مفروض المثال فانّه متوقف على وجود زيد العادل في الخارج ليركع بركوعه. وليس هذا من ناحية القصور في الاستصحاب، بل من ناحية القصور في الأثر، ولذا لا تكفي في ترتبه الأمارة كالبينة أيضاً، لتوقفه على العلم الوجداني بوجود زيد العادل في الخارج.

 وأمّا القسم الثالث: فيجري فيه الاستصحاب أيضاً، لأنّ الأثر الشرعي مترتب على الموضوع المركب من وجود زيد وعدالته، وقد ذكرنا في المباحث السابقة(1): أ نّه إذا كان الموضوع مركباً فتارةً يحرز أحدهما بالوجدان والآخر بالأصل، كما إذا شككنا في بقاء كرية ماء موجود في الخارج، فان وجود الماء محرز بالوجدان، وكريته محرزة بالاستصحاب، فيترتب عليه الحكم وهو عدم الانفعال، وكذا إذا شككنا في بقاء إطلاقه مع العلم بكونه كراً، فيحرز إطلاقه بالأصل، وكريته بالوجدان.

 واُخرى يحرز كلاهما بالأصل، كما إذا شككنا في بقاء كريته مع الشك في بقاء اطلاقه، والمقام من هذا القبيل، فبعد الشك في بقاء العدالة مع الشك في بقاء الحـياة، يجري الاسـتصحاب في كليهما. ومجرد كون أحدهما في طول الآخر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مرّ أحد شقيه في ص 213.

ــ[276]ــ

ـ بحسب الوجود الخارجي ـ لا يمنع من جريان الاستصحاب فيهما معاً.

 ولايخفى أ نّه يجري في القسم الأوّل كل ما ذكرناه في القسم الثالث وبالعكس، فيمكن جريان الاستصحاب فيهما بكيفيتين: ذكرنا إحداهما في القسم الأوّل، والاُخرى في القسم الثالث من باب التفنن. هذا كله في جريان الاستصحاب في الموضوعات.

 أمّا جريانه في الأحكام، فبيانه: أنّ الحكم المشكوك فيه تارةً يكون من الأحكام الجزئية كما في الشبهات الموضوعية. واُخرى يكون من الأحكام الكلية، وهذا على قسمين: لأنّ الشك في بقاء الحكم الكلي إمّا أن يكون في ناحية الجعل لاحتمال النسخ، وإمّا أن يكون في ناحية المجعول فهذه هي أقسام ثلاثة:

 أمّا إذا كان الشك في الحكم الجزئي، فلا يجري فيه الاستصحاب، لكونه محكوماً بالأصل السببي، إذ الشك في الحكم في الشبهات الموضوعية مسبب عن الشك في بقاء الموضوع، فبجريان الأصل الموضوعي يترتب الحكم ولا تصل النوبة إلى جريان الاستصحاب في الحكم، بل لا يجري الاستصحاب في الحكم ولو لم يجر الاستصحاب في الموضوع لمانع كابتلائه بالمعارض، وذلك لعدم إحراز بقاء الموضوع، فلم يحرز اتحاد القضية المتيقنة والقضية المشكوك فيها.

 وأمّا إذا كان الشك في الحكم الكلي لاحتمال النسخ، فلا يجري الاستصحاب فيه، لأنّ النسخ بمعنى الرفع مستحيل في حقه تعالى، والنسخ بمعنى الدفع يرجع إلى الشك في حدوث التكليف لا في بقائه، فلا مجال لجريان الاستصحاب فيه، فان كان لدليل الحكم إطلاق يتمسك به ويحكم ببقاء الحكم المجعول فهو، وإلاّ

ــ[277]ــ

فيرجع إلى الأدلة الخارجيـة من قوله (عليه السلام): «حلال محمّد (صلّى الله عليه وآله) حلال إلى يوم القيامة... »(1) وقد تقدّم تفصيل ذلك في التنبيه السابع، فراجع(2).
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 1: 58 / باب البدع والرأي والمقاييس ح 19.

(2) ص 175 وما بعدها.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net