5 ـ مناشئ الشك في صحة العمل بعد الفراغ منه 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4348


 الأمر الخامس: أنّ الشك في صحة العمل وفساده بعد الفراغ منه يتصور على وجوه ثلاثة:

 الوجه الأوّل: أن يكون منشأ الشك احتمال عدم صدور الأمر من المولى، فانّ صحة العبادة متوقفة على أمرين: صدور الأمر من المولى، وتطبيق المأمور به على المأتي به. ولا إشكال في عدم جريان قاعدة الفراغ في هذا القسم، فان قاعـدة الفراغ على ما ذكرناه(1) أمارة على وقوع الفعل من المكلـف تاماً من حيث الأجزاء والشرائط، فلا كاشفية لها بالنسبة إلى فعل المولى وصدور الأمر منه.

 ويدل على ما ذكرناه مع وضوحه: التعليل الوارد في بعض الروايات المتقدمة من كونه أذكر حين العمل أو أقرب إلى الحق، إذ من المعلوم أنّ كونه أذكر حين العمل إنّما هو بالنسبة إلى عمله الصادر منه لا بالنسبة إلى فعل المولى وصدور الأمر منه، كما هو ظاهر. ويتفرع على هذا أ نّه لو اغتسل أحد للجنابة، ثمّ شك في أ نّه كان جنباً ليصح غسله أم لا، لا مجال للحكم بصحته استناداً إلى قاعدة الفراغ، فلا يجوز له الدخول في الصلاة إلاّ بالوضوء. وكذا لو شك في صحة الصلاة بعد الفراغ منها للشك في دخول الوقت وعدمه.

 الوجه الثاني(2): أن يكون منشأ الشك في صحة العمل هو الشك في تطبيق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في أوّل هذا البحث ص 315.

(2) [ ويتضمن الوجه الثالث أيضاً ].

ــ[371]ــ

المأمور به على المأتي به بعد العلم بصدور الأمر من المولى، وهذا على قسمين: إذ الشك في التطبيق تارةً يكون راجعاً إلى أمر اختياري للمكلف من ترك جزء أو شرط أو إيجاد مانع. واُخرى يكون راجعاً إلى أمر غير اختياري له، ويعبّر عنه بالشك في الصحة مع كون صورة العمل محفوظة.

 أمّا القسم الأوّل: فهو القدر المتيقن من مجرى قاعدة الفراغ.

 وأمّا القسم الثاني: فالظاهر عدم كونه مورداً لجريان قاعدة الفراغ، إذ كونه أذكر حين العمل إنّما هو بالنسبة إلى ما يصدر منه لا بالنسبة إلى شيء لم يصدر منه، فان نسبته إليه حين العمل وحين الشك على حد سواء، فلو صلى إلى جهة باعتقاد أ نّها القبلة، ثمّ بعد الفراغ شك في كونها القبلة، لا مجال لجريان قاعدة الفراغ، لأنّ صورة العمل الصادر منه محفوظة، وهو غير شاك فيه، إنّما الشك في الصحة من جهة أمر غير اختياري له، وهو كون الكعبة المعظمة في هذه الجهة التي صلى إليها، وليس هو حين العمل أذكر منه حين ما يشك بالنسبة إلى كون الكعبة في هذه الجهة، فلا بدّ من إعادة الصلاة عملاً بقاعدة الاشتغال بعد عدم حجية قاعدة اليقين على ما ذكرناه(1). وكذا لو شك في صحة الوضوء بعد الفراغ منه، لاحتمال كون المائع الذي توضأ به مضافاً.

 نعم، لو علم بكون جهة خاصة هي القبلة وشك في أ نّه صلى إليها أو إلى جهة اُخرى، تجري قاعدة الفراغ بلا إشكال، لكون الشك راجعاً إلى كيفية صدور العمل منه لا إلى أمر غير اختياري. وكذا لو علم بأنّ هذا الماء مطلق وذاك مضاف، وشك بعد الوضوء في أ نّه توضأ بأيهما، لا إشكال في جريان قاعدة الفراغ.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 287 وما بعدها.

ــ[372]ــ

 ومن القسم الأوّل ـ الذي تجري فيه قاعـدة الفراغ ـ ما لو صلى أحد بلا سورة مثلاً مدةً من عمره، وشك في صحتها من جهة الشك في أ نّه هل صلى بلا سورة تقليداً لمن أفتى بعدم وجوبها، أم صلى بلا تقليد، فانّ صورة العمل وإن كانت محفوظةً ظاهراً، إلاّ أنّ الشك راجع إلى أمر اختياري له، وهو الاستناد إلى التقليد، ففي الحقيقة صورة العمل غير محفوظة. وكذا لو صلى المسافر تماماً ثمّ شك في أ نّه أتم الصلاة مع نية الاقامة أم بدونها، فانّ الشك فيه أيضاً راجع إلى أمر اختياري له، وهو صدور نية الاقامة، فلا تكون صورة العمل محفوظة حقيقة وإن كانت محفوظة ظاهراً. وبالجملة كل مورد يرجع الشك فيه إلى ما يصدر منه اختياراً، فهو مورد لجريان قاعدة الفراغ.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net