فرعٌ ذكره السيد في العروة مما يناسب المقام - عدم التزاحم بين الواجبات الضمنية 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4177

 

فـرع

 ذكر السيد (قدس سره) في العروة في مبحث مكان المصلي(1) أ نّه إذا دار

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) العروة الوثقى 1: 423 السادس من شروط مكان المصلي.

ــ[437]ــ

الأمر بين الاتيان بالصلاة في مكان يتمكّن فيه من القيام دون الركوع والسجود لضيقه، والاتيان بها في مكان يتمكن فيه منهما دون القيام لكون سقفه نازلاً، فالمكلف مخير بين المكانين إذا لم يتمكن من الاحتياط باتيان الصلاة فيهما. وكرّر هذا الفرع في مبحث القيام(1). واختار فيه أيضاً ما ذكره في مبحث مكان المصلي من التخيير.

 وذكر المحقق النائيني (قدس سره) في حاشيته(2)، على أحد الموضعين: أ نّه يجب تقديم القيام، وعلى الموضع الآخر أ نّه يجب تقديم الركوع والسجود. ونظره في الأوّل إلى كون القيام مقدّماً زماناً على الركوع والسجود، وفي الثاني إلى كون الركوع والسجود أهم من القيام، وعلى كل حال بين كلاميه تدافع ظاهر.

 والتحقيق أنّ أمثال هذه المقامات ـ مما يكون الواجب فيها من الواجبات الضمنية، لكونه جزءاً من مركب أو شرطاً ـ خارجة عن التزاحم موضوعاً، فلو دار الأمر بين جزأين من واجب واحد، أو بين شرطيه، أو بين جزء وشرط منه، لا يصح الرجوع إلى مرجحات باب التزاحم، والوجه في ذلك: أنّ الواجب هو المركب من جميع الأجزاء والشرائط، وبعد تعذر جزء أو شرط يسقط الوجوب رأساً، ولا تصل النوبة إلى التزاحم، إذ الوجوب الأوّل كان متعلقاً بالمجموع وقد سقط بالتعذر، ووجوب الباقي يحتاج إلى دليل، ولذا لو اضطر الصائم إلى الافطار في بعض آنات اليوم، لم يلتزم أحد من الفقهاء بوجوب الامساك في الباقي من آنات هذا اليوم.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) العروة الوثقى 1: 466 المسألة 17 [ 1477 ].

(2) العروة الوثقى (المحشّاة) 2: 485، 384.

ــ[438]ــ

 نعم، في خصوص باب الصلاة يجب الاتيان بالباقي لما دلّ على أنّ الصلاة لا تسقط بحال، بل الضرورة قاضية بعدم جواز ترك الصلاة في حال إلاّ لفاقد الطهورين، فانّه محل الخلاف بينهم.

 فاذا تعذر بعض أجزاء الصلاة أو بعض شروطها وكان المتعذر متعيناً، كما إذا لم يتمكن المصلي من القيام مثلاً يجب عليه الاتيان بالباقي بلا إشكال. وأمّا إذا كان المتعذر مردداً بين جزأين، كما في الفرع الذي نقلناه من العروة، أو بين شرطين أو بين جزء وشرط منها، فيكون داخلاً في باب التعارض، إذ وجوب كلا الجزأين معلوم الانتفاء، لعدم القدرة إلاّ على أحدهما، ولا ندري أنّ الواجب المجعول في هذا الحال أ يّهما، فاذن لا بدّ من الرجوع إلى الأدلة الدالة على الأجزاء والشرائط.

 فإن كان دليل أحد طرفي الترديد لفظياً ودليل الطرف الآخر لبياً، يجب الأخذ بالدليل اللفظي، إذ الدليل اللبي يقتصر فيه بالقدر المتيقن، وهو غير مورد المعارضة مع الدليل اللفظي، كما إذا دار الأمر بين الاتيان بالصلاة قائماً بدون الاستقرار، والاتيان بها جالساً معه، فانّ الدليل على وجوب القيام لفظي، كقوله (عليه السلام): «من لم يقم صلبه فلا صلاة له»(1) وعلى وجوب الاستقرار لبي وهو الاجماع، فيؤخذ بالدليل اللفظي، ويحكم بوجوب الاتيان بالصلاة قائماً ولو بدون الاستقرار. وكذا الكلام فيما إذا كان كلا الدليلين لفظياً، ولكن كان أحدهما عاماً والآخر مطلقاً، فيجب الأخذ بالعام، لكونه صالحاً لأن يكون بياناً للمطلق، فلا تجري مقدمات الحكمة ليؤخذ بالمطلق.

 وأمّا إذا كان الدليل في كليهما لبياً أو في كليهما لفظياً وكان كلاهما مطلقاً،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 5: 488 / أبواب القيام ب 2 ح 1.

ــ[439]ــ

فيتساقطان ولا بدّ من الرجوع إلى الأصل العملي، وحيث إنّا نعلم بوجوب أحدهما في الجملة من الخارج، فيكون المرجع أصالة عدم اعتبار خصوصية هذا وذاك، فتكون النتيجة التخيير كما في العروة.

 وأمّا إن كان الدليل في كليهما لفظياً وكان كلاهما عاماً، فلا بدّ من الرجوع إلى المرجحات السندية، كما يأتي(1) إن شاء الله تعالى. هذا كله فيما إذا دار الأمر بين المختلفين في النوع كالقيام والركوع.

 وأمّا إذا كان الأمر دائراً بين فردين من نوع واحد، كما إذا دار الأمر بين القيام في الركعة الاُولى والركعة الثانية، أو دار الأمر بين الركوع في الركعة الاُولى والركعة الثانية، فلا يتصور فيه تعدد الدليل لتجري أحكام التعارض، إذ الدليل على وجوب القيام في كل ركعة واحد، وكذا الدليل على وجوب الركوع في كل ركعة واحد.

 أمّا القيام، فالذي يظهر من دليله اختياره في الركعة الاُولى، فانّ الظاهر من قوله (عليه السلام): «المريض يصلي قائماً فإن لم يقدر على ذلك صلى جالساً... إلخ»(2) وجوب القيام مع القدرة الفعلية عليه، وأنّ المسقط له ليس إلاّ العجز الفعلي، فيجب عليه القيام في الركعة الاُولى لقدرته عليه بالفعل، وبعد تحقق القيام في الركعة الاُولى يصير عاجزاً عنه في الركعة الثانية، فيكون معذوراً لعجزه عنه فعلاً.

 وأمّا غير القيام من الركوع والسجود وغيرهما، فحيث إنّ الدليل لا يشمل كليهما لعدم القدرة عليهما على الفرض، ووجوب أحدهما في الجملة معلوم من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 514 وما بعدها.

(2) الوسائل 5: 484 و 485 / أبواب القيام ب 1 ح 13 و 15.

ــ[440]ــ

الخارج، فالمرجع أصالة عدم اعتبار الخصوصية، وتكون النتيجة التخيير.

 وبما ذكرناه في المقام من الضابطة يعرف حكم كثير من الفروع المذكورة في العروة. هذا تمام الكلام في بيان موضوع التعارض وامتيازه عن التزاحم.

 فلا بدّ من التكلم في حكمه، ويقع الكلام أوّلاً في تأسيس الأصل مع قطع النظر عن الأخبار العلاجية. ولا يخفى أ نّه لا ثمرة لتأسيس الأصل بالنسبة إلى الأخبار، إذ الأخبار العلاجية متكفلة لبيان حكم تعارض الأخبار، ولا ثمرة للأصل مع وجود الدليل. نعم، الأصل يثمر في تعارض غير الأخبار، كما إذا وقع التعارض بين آيتين من حيث الدلالة، أو بين الخبرين المتواترين كذلك، بل يثمر في تعارض الأمارات في الشبهات الموضوعية، كما إذا وقع التعارض بين بينتين أو بين فردين من قاعدة اليد، كما في مال كان تحت استيلاء كلا المدعيين.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net