انقلاب النسبة \ لكل لفظ دلالات ثلاث 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5675


[ انقلاب النسبة ]

 أمّا إذا وقع التعارض بين أكثر من دليلين، فهل تلاحظ الظهورات الأوّلية، أو لا بدّ من ملاحظة الاثنين منها، وعلاج التعارض بينهما، ثمّ تلاحظ النسبة بين أحدهما والثالث المعارض له، فقد تنقلب النسبة من العموم من وجه إلى العموم المطلق، أو بالعكس على ما سيذكر إن شاء الله تعالى؟ اختار الشيخ(1) وصاحب الكفاية(2) (قدس سره) عدم انقلاب النسبة، وأ نّه يلاحظ التعارض باعتبار الظهورات الأوّلية، بدعوى أ نّه لا وجه لسبق ملاحظة أحد الدليلين مع الآخر على الثالث.

 ولكنّ الصحيح هو انقلاب النسبة، وتحقيق هذا البحث يقتضي ذكر مقدمتين:

 المقدمة الاُولى: أنّ لكل لفظ دلالات ثلاث:

 الدلالة الاُولى: كون اللفظ موجباً لانتقال الذهن إلى المعنى، وهذه الدلالة لا تتوقف على إرادة اللافظ، بل اللفظ بنفسه يوجب انتقال الذهن إلى المعنى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ فرائد الاُصول 2: 794 ـ 800 فانّ ظاهره القول بالانقلاب.

(2) كفاية الاُصول: 452.

ــ[465]ــ

ولو مع العلم بعدم إرادة المتكلم، كما إذا كان نائماً أو سكراناً، أو نصب قرينةً على إرادة غير هذا المعنى، كما في قولنا: رأيت أسداً يرمي، فانّ ذهن المخاطب ينتقل إلى الحيوان المفترس بمجرد سماع كلمة الأسد، وإن كان يعلم أنّ مراد المتكلم هو الرجل الشجاع، بل هذه الدلالة لا تحتاج إلى متكلم ذي إدراك وشعور، فانّ اللفظ الصادر من غير لافظ شاعر أيضاً يوجب انتقال الذهن إلى المعنى.

 وبالجملة: هذه الدلالة بعد العلم بالوضع غير منفكة عن اللفظ أبداً، ولا تحتاج إلى شيء من الأشياء، وهي التي تسمى عند القوم بالدلالة الوضعية، باعتبار أنّ الوضع عبارة عن جعل العلقة بين اللفظ والمعنى، بأن ينتقل الذهن إلى المعنى عند سماع اللفظ، وإن كان المختار كون الدلالة الوضعية غيرها، فانّ هذه الدلالة لا تكون غرضاً من الوضع لتكون وضعية.

 والأنسب تسميتها بالدلالة الاُنسية، فانّ منشأها اُنس الذهن بالمعنى لكثرة استعمال اللفظ فيه لا الوضع، لما ذكرناه في محلّه(1): من أنّ الوضع عبارة عن تعهد الواضع والتزامه بأ نّه متى تكلم باللفظ الخاص فهو يريد المعنى الفلاني، وعليه فلا يكون خطوره إلى الذهن عند سماعه من غير شاعر مستنداً إلى تعهده بل إلى اُنس الذهن به، وقد تقدم الكلام في تحقيقها في بحث الوضع.

 الدلالة الثانيـة: دلالة اللفظ على كون المعـنى مراداً للمتكلم بالارادة الاستعمالية، أي دلالة اللفظ على أنّ المتكلم أراد تفهيم هذا المعنى واستعمله فيه، وهذه الدلالة تسمّى عند القوم بالدلالة التصديقية، وعندنا بالدلالة الوضعية كما عرفت.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 1: 48 وما بعدها.

ــ[466]ــ

 وكيف كان، فهذه الدلالة تحتاج إلى إحراز كون المتكلم بصدد التفهيم ومريداً له، فمع الشك فيه ليست للفظ هذه الدلالة، فضلاً عما إذا علم بعدم الارادة له، كما إذا علم كونه نائماً، بل هذه الدلالة متوقفة على عدم نصب قرينة على الخلاف متصلة بالكلام، إذ مع ذكر كلمة «يرمي» في قوله: رأيت أسداً يرمي مثلاً، لا تكون كلمة أسد دالةً على أنّ المتكلم أراد تفهيم الحيوان المفترس كما هو ظاهر.

 الدلالة الثالثة: دلالة اللفظ على كون المعنى مراداً للمتكلم بالارادة الجدية، وهي التي تسمى عندنا بالدلالة التصديقية، وقسم آخر من الدلالة التصديقية عند القوم. وهي موضوع الحجية ببناء العقلاء المعبّر عنها بأصالة الجد تارةً وأصـالة الجهة اُخرى. وهذه الدلالة متوقفة ـ مضافاً إلى عدم نصب قرينة متصلة ـ على عدم قيام قرينة منفصلة على الخلاف أيضاً، فانّ القرينة المنفصلة وإن لم تكن مانعة عن تعلق الارادة الاستعمالية كالقرينة المتصلة، إلاّ أ نّها كاشفة عن عدم تعلق الارادة الجدية، فكما أنّ الاستثناء في قوله: أكرم العلماء إلاّ الفساق قرينة على عدم كون المولى بصدد تفهيم جميع الأفراد في هذا الاستعمال، فكذا قوله: لا تكرم العالم الفاسق كاشف عن عدم تعلق الارادة الجدية من المولى باكرام جميع أفراد العلماء في قوله: أكرم العلماء. وبالجملة: هذه الدلالة متوقفة على عدم نصب القرينة المتصلة والمنفصلة.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net