تعيين المرجحات وترتيبها - القول بترجيح الصحيحة على الموثقة 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5077


 بقي الكلام في تعيين المرجحات المنصوصة وترتيبها فنقول:

 أمّا الشهرة: فالظاهر عدم كونها من المرجحات، فانّ المذكور في المقبولة هو الأخذ بالمجمع عليه، والمراد به الخبر الذي أجمع الأصحاب على صدوره من المعصومين (عليهم السلام) فالمراد به الخبر المعلوم صدوره من المعصوم (عليه السلام) بقرينة قوله (عليه السلام) بعد الأمر بالأخذ بالمجمع عليه: «فانّ المجمع عليه لا ريب فيه» وقوله (عليه السلام) بعد ذلك: «إنّما الاُمور ثلاثة: أمر بيّن رشده فيتبع، وأمر بيّن غيه فيجتنب، وأمر مشكل يردّ حكمه إلى الله...» إلخ فانّ الإمام (عليه السلام) طبّق الأمر البيّن رشده على الخبر المجمع عليه، فيكون الخبر المعارض له ساقطاً عن الحجية، لما دلّ على طرح الخبر المخالف للكتاب والسنّة، فانّ المراد بالسنّة هو مطلق الخبر المقطوع صدوره عن المعصوم (عليه السلام) لا خصوص النبوي كما هو ظاهر. ولا ينافي ما ذكرناه فرض الراوي الشهرة في كلتا الروايتين بعد أمره (عليه السلام) بالأخذ بالمجمع عليه، فانّ الشهرة بمعنى الوضوح، ومنه قولهم: شهر فلان سيفه، وسيف شاهر، فمعنى كون الروايتين مشهورتين أ نّهما بحيث قد رواهما جميع الأصحاب، وعلم صدورهما عن المعصوم (عليه السلام).

 وظهر بما ذكرناه عدم صحة الاستدلال بما في المرفوعة من قوله (عليه السلام): «خذ بما اشتهر بين أصحابك» على الترجيح بالشهرة الاصطلاحية، إذ فرض الشهرة في إحدى الروايتين بالمعنى الذي ذكرناه يوجب دخولها تحت عنوان السنة القطعية، فتكون الرواية الاُخرى خارجة عن دائرة دليل الحجية

ــ[496]ــ

طبعاً، بمقتضى ما دل على طرح الخبر المخالف للكتاب والسنّة على ما تقدّم(1). مضافاً إلى ما عرفت من عدم حجية المرفوعة لضعف سندها. وليس في غير المقبولة والمرفوعة من الأخبار العلاجية ذكر من الترجيح بالشهرة أصلاً، فلم يثبت كون الشهرة الاصطلاحية من المرجحات.

 وظهر بما ذكرناه: أ نّه لا يمكن الاستدلال بالمقبولة ولا بالمرفوعة على الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة، لكون موردهما الخبرين المشهورين أي المقطوع صدورهما، فلا تدلان على الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة فيما إذا كان الخبران مظنوني الصدور كما هو محل الكلام. وما اشتهر من أنّ المورد لا يكون مخصصاً مسلّم فيما إذا كان في كلام المعصوم إطلاق أو عموم، فيؤخذ بالاطلاق أو العموم ولو كان المورد خاصاً، وليس في المقبولة والمرفوعة عموم أو إطلاق بالنسبة إلى الخبر الظني، فانّ الإمام (عليه السلام) أمر بالأخذ بما وافق الكتاب وخالف العامة من الخبرين اللذين فرض في كلام الراوي كون كليهما مشهورين.

 وأمّا الترجيح بصفات الراوي كالأعدلية والأفقهية والأصدقية: فلم يدل عليه دليل أيضاً، إذ لم يذكر الترجيح بها [ إلاّ ] في المقبولة والمرفوعة من الأخبار العلاجية، أمّا المرفوعة فقد عرفت حالها من عدم الحجية. وأمّا المقبولة فالترجيح بالصفات وإن كان قد ذكر فيها، إلاّ أ نّها قد جعلت من مرجحات الحكمين لا من مرجحات الروايتين، حيث قال (عليه السلام): «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما..» إلخ ولذا لم يذكرها الكليني (قدس سره)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 483 ـ 484.

ــ[497]ــ

في جملة المرجحات، فراجع كلامه الذي نقلناه.

 وما ذكره الشيخ (قدس سره)(1) من أن عدم ذكره الصفات المذكورة من المرجحات إنّما هو لوضوح كونها منها غريب منه، فانّ الترجيح بها ليس بأوضح من الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة. مع أنّ الوضوح لا يوجب إلغاء الشيء في مقام العداد.

 وما حكي عن بعض الأخباريين من أنّ الوجه في عدم ذكره الأوصاف أ نّه يرى جميع روايات كتابه مقطوعة من حيث السند أغرب من سابقه، فانّه مع وضوح فساده لا يستلزم تساوي رواة جميع روايات الكافي من حيث الصفات، فانّ تساوي رواة جميع روايات الكافي من حيث الأعدلية والأفقهية والأصدقية غير محتمل، فضلاً عن أن يقطع به.

 وظهر بما ذكرناه ـ من عدم كون الصفات من المرجحات ـ أنّ ما وقع في كلام المتأخرين من ترجيح الصحيحة على الموثقة ليس له وجه.

 وأمّا موافقة الكتاب ومخالفة العامة: فلا ينبغي الاشكال في أنّ كلاً منهما مرجح مستقل. وتوهم كون مجموعهما مرجحاً واحداً حيث جمع الإمام (عليه السلام) بينهما في المقبولة بقوله (عليه السلام): «ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامة فيؤخذ به، ويترك ما خالف الكتاب والسنّة ووافق العامة» فأمر بالأخذ بالخبر الجامع لكليهما، مدفوع بأنّ المذكور في ذيل المقبولة الترجيح بمخالفة العامة بنفسها، حيث قال (عليه السلام) بعد فرض الراوي تساوي الخبرين من حيث موافقة الكتاب والسنّة: «ما خالف العامة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 2: 779.

ــ[498]ــ

ففيه الرشاد» فاذا كانت مخالفة العامة بنفسها من المرجحات بلا احتياج إلى انضمام موافقة الكتاب إليه، كانت موافقة الكتاب أيضاً مرجّحة مستقلة، فانّه لو لم تكن موافقة الكتاب مرجحة مستقلة، لكان انضمامها إلى مخالفة العامة من باب ضم الحجر إلى جنب الانسان، غاية الأمر أنّ الإمام (عليه السلام) فرض أحد الخبرين جامعاً لكلا المرجحين، والآخر فاقداً لهما، وأمر بالأخذ بالجامع وطرح الفاقد، وبعد سؤال الراوي عن الواجد لأحد المرجحين أمر بالأخذ به أيضاً.

 ثمّ إنّه لم يذكر في المقبولة حكم الخبرين المتعارضين إذا كان أحدهما موافقاً للكتاب والآخر مخالفاً للعامة، إذ المذكور فيها حكم الواجد والفاقد لكلا المرجحين والواجد والفاقد لأحد المرجحين، وأمّا إن كان أحدهما واجداً لمرجح والآخر واجداً للمرجح الآخر، كما إذا كان أحد الخبرين موافقاً للكتاب والعامة، والآخر مخالفاً للكتاب والعامة، فلم يذكر حكمه في المقبولة، إلاّ أنّ حكمه يعلم من خبر صحيح رواه الراوندي بسنده عن الصادق (عليه السلام) أ نّه (عليه السلام) قال: «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان، فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فردّوه، فان لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامة، فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه»(1) فبمقتضى هذه الصحيحة يحكم بتقديم الخبر الموافق للكتاب وإن كان موافقاً للعامة، وطرح الخبر المخالف للكتاب وإن كان مخالفاً للعامة.

 فالذي تحصّل مما ذكرناه: أنّ المرجّح المنصوص منحصر في موافقة الكتاب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 27: 118 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 29.

ــ[499]ــ

ومخالفة العامة، وأ نّه لا بدّ في مقام الترجيح من ملاحظة موافقة الكتاب أوّلاً، ومع عدمها يعتبر الترجيح بمخالفة العامة، ولو لم يكن في أحد المتعارضين شيء من المرجحين يؤخذ بأحدهما تخييراً لو تمت دلالة أخبار التخيير على ما سنتكلم فيها (1) إن شاء الله تعالى، وإلاّ فيحكم بتساقطهما ويرجع إلى دليل آخر أو أصل عملي.
ــــــــــــــــ

(1) في ص 508 ـ 511.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net